أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رانية مرجية - **استراتيجية القراءة والكتابة














المزيد.....

**استراتيجية القراءة والكتابة


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8537 - 2025 / 11 / 25 - 09:11
المحور: قضايا ثقافية
    


في عالمٍ تتصارع فيه الأصوات، وتضيع فيه المعاني بين صخبٍ لا يهدأ، تظل القراءة والكتابة هما النافذتان الأخيرتان اللتان نطلّ منهما على ذواتنا؛ نافذتان نطلّ منهما لا لنهرب من العالم، بل لنعود إليه بأكثر وعيًا، وأشدّ حضورًا، وأعمق قدرة على الفهم والمسامحة.



لذلك، حين نتحدث عن استراتيجية للقراءة والكتابة الإبداعية، فنحن لا نتحدث عن مهارة تقنية، ولا عن خطوات جامدة.

نحن نتحدث عن طقس داخلي، عن رحلة تبدأ من القلب قبل العقل، ومن الجرح قبل السطر.

القراءة والكتابة، في معناهما الأصيل، ليستا عملًا ذهنيًا، بل عملًا روحيًا.

✦ أولًا: القراءة كفعل نجاة


القراءة، في معناها الجوهري، ليست هواية.

إنها طريقة لكي نحافظ على أنفسنا من التفتت.



نقرأ لأن داخل كل واحدٍ منا طفلًا خائفًا يريد أن يفهم العالم.

ونقرأ لأن داخلنا إنسانًا بالغًا يريد أن يسامح هذا العالم.

ونقرأ—أحيانًا—كي نجد مرآة نرى فيها وجوهنا كما هي، بخدوشها وضعفها، لا كما يريد الآخرون رؤيتها.



القراءة التي تغيّر الإنسان ليست تلك التي تملأ رأسه، بل تلك التي توقِظ قلبه.

القراءة الحقيقية لا تجيب، بل تسأل.

لا تُطمئن، بل تُربك.

لا تُسكِت الروح، بل تُثير فيها رغبة في أن تحيا أكثر.



إن استراتيجية القراءة الإبداعية تقوم على الإصغاء:

الإصغاء إلى النص، إلى العالم، وإلى ما يتسرّب من أصوات داخلنا عندما نصمت ونفتح كتابًا.

✦ ثانيًا: الكتابة كعودة إلى الذات


الكتابة فعلُ مقاومة صامتة.

مقاومة ضد النسيان، وضد التلاشي، وضد القسوة المفرطة التي يفرضها الزمن.



نكتب كي نقول لأنفسنا:

“لقد كنتُ هنا.”

“وهذا ما شعرتُ به.”

“وهذا ما لم أقدر على قوله بصوتٍ مسموع.”



الكتابة الإبداعية ليست استعراضًا لغويًا، بل حوارٌ مع الجرح.

وهي لا تُولد من معرفة كاملة، بل من نقصٍ نحمله ولا نعرف كيف نملؤه إلا بالكلمات.



استراتيجية الكتابة الإبداعية ليست البحث عن نصٍ جميل…

بل البحث عن صدقٍ موجع.

ذلك الصدق الذي يجعل الكاتب يشبه البشر، ويشبه ذاته، ويشبه الحقيقة التي يهرب منها الناس.



الكتابة التي تبقى ليست تلك التي تُرضي الجميع، بل تلك التي تضع يدها على قلب واحد، قلبٍ كان يبحث عن كلمة تشبهه، وتفهم وجعه، وتقول له:

“أنا هنا… أنت لست وحدك.”

✦ ثالثًا: العلاقة بين القراءة والكتابة


لا توجد كتابة بلا قراءة، ولا قراءة عميقة دون كتابة داخلية سرّية يقوم بها العقل والروح.



القراءة تمنح الكاتب اللغة.

لكن ما يمنح الكتابة معناها هو الوجدان.



الكاتب الذي لا يقرأ يكتب نصًا بلا جذور.

والقارئ الذي لا يكتب—ولو في داخله—يفقد جزءًا من أثر القراءة ومن عمقها.



الرابط بين القراءة والكتابة يشبه الرابط بين الشهيق والزفير:

القراءة شهيقٌ ندخل به العالم إلى صدورنا،

والكتابة زفيرٌ نعيد به للعالم صورة جديدة عنه… وقد اختلطت بقلوبنا.

✦ رابعًا: القراءة والكتابة في زمن يضجّ بالأسئلة


في زمنٍ تتكدّس فيه المعلومة وتتراجع فيه الحكمة، تصبح القراءة فعل تأمل، والكتابة فعل إعادة ترتيب للمشهد الإنساني.



نحن نقرأ كي لا يتحوّل الإنسان في داخلنا إلى ظلّ.

ونكتب كي لا يتحوّل صوتنا إلى صمت.



إن الاستراتيجية الإبداعية في هذا الزمن لا تقوم على الكم، بل على العمق.

لا تقوم على السرعة، بل على التباطؤ.

لا تقوم على إرضاء الذوق العام، بل على مواجهة الذات بلا خوف.

✦ خامسًا: القراءة والكتابة كطريق إلى الشفاء


من يكتب يضع روحه على الطاولة.

ومن يقرأ يضع قلبه في يد كاتبٍ لا يعرفه.



هذا اللقاء، بين النص ومن يتلقّاه، هو شكل من أشكال التعافي.

نلتئم حين نقرأ، وننفتح حين نكتب.

وهذه الحركة بين الانغلاق والانفتاح هي ما يجعل الإنسان قادرًا على الاستمرار.



ليس المطلوب إذن أن نكتب نصًا جميلًا، بل أن نكتب نصًا صادقًا.

وليس المطلوب أن نقرأ كتبًا كثيرة، بل أن نقرأ كتابًا واحدًا كما لو أننا نقرأ أنفسنا.

✦ خاتمة


القراءة والكتابة ليستا عادتين…

إنهما حياة ثانية، حياة نختبر فيها ما لا يسمح لنا الواقع باختباره.

حياة نتدرّب فيها على الإصغاء، وعلى الصبر، وعلى أن نرى الجمال حتى في العتمة.



من يقرأ جيدًا، يكتب جيدًا.

ومن يكتب بصدق، يعيش بصدق.

وهذه وحدها، لمن يعرف قيمتها، استراتيجية كافية لنجاة الروح



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يزن… ذلك الجزء من الأم الذي لم يغِب يومًا
- حين تنحرف السياسة عن الإنسان… وتخسر الدول معناها
- تركتُ كلّ شيءٍ خلفي… واتّبعتُ ضميري وقلبي
- يا موت… مهلًا، ألا تتعب؟
- ما نتعلّمه حين نتوقف عن الهرب من الحقيقة
- قصيدة: بيتُ لحم… حين تنهض الأرض بوجوه النساء
- **قراءة نقدية في كتاب «أسلاك كهرباء مكشوفة للريح والمطر» ليا ...
- “سامر… حين اكتشف أن الظلّ ليس قدرًا”
- إيمان خطيب ياسين… امرأة صنعت حضورها بالصدق لا بالمنصب
- حين يحمل الجسدُ الوطن ملحمة إنسانية عن الذين هُجِّروا كي لا ...
- إنسان للإنسان إنسانإنسان للإنسان إنسان
- اسمع مني… إذا بدك تكون محبوب عند “شلل” الأحزاب العربية
- مقال: فلسطين… بين مطر غزة ونار الضفة، والعالم يواصل صمته الم ...
- آدم: موسيقى خرجت من قلبٍ كان يظنّه العالم خطراً
- لا تُقارن نفسك بأحد… لأنّ لكلّ روح طريقها
- فلسطينيو الداخل: وجعٌ يحاور العالم
- الخيط الذي لم ينقطع: قصة فتاة أعادت اختراع معنى النجاة
- وطنٌ يعلّم أبناءه الحلم… ثم يجرّدهم من حقّ الحلم
- طولكرم… مدينةٌ تعلّم القلب كيف يقف دون خوف
- مار جريس… الفارس الذي يفضح خوف العالم


المزيد.....




- روسيا تعلق بعد إجراء تعديلات على خطة ترامب الأصلية للسلام في ...
- ظنوا أنها ميتة.. سيدة تايلاندية تتحرك في نعشها قبل إحراق جثت ...
- معطف أبيض وقفازات حمراء..هكذا استقبلت ميلانيا ترامب شجرة الم ...
- ذعر في بريتيش كولومبيا إثر هجوم دب على أطفال ومعلّمين
- -أزمة نقص الجنود-.. تقرير يكشف تكثيف السلطات الروسية ملاحقته ...
- السودان: الموفد الأمريكي يؤكد أن طرفي النزاع يرفضان مقترح وق ...
- واشنطن تصنف عصابة فنزويلية يشتبه بتهريبها للمخدرات كمنظمة -إ ...
- تصاعد موجات النزوح في شمال دارفور وغرب كردفان
- المنخفض الجوي يغرق الخيام التعليمية بقطاع غزة.. ما أبرز التف ...
- تعرف على بركان هيلي غوبي بإثيوبيا والهزات العنيفة بالمناطق ا ...


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رانية مرجية - **استراتيجية القراءة والكتابة