أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - عماد الطيب - في المسافة بين إنسانيتهم… و ( انسانيتنا )














المزيد.....

في المسافة بين إنسانيتهم… و ( انسانيتنا )


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8537 - 2025 / 11 / 25 - 02:23
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


تجربة ابن صديقي في الصين ليست مجرد حادثة فردية، بل مرآة تعكس مفهومًا واضحًا: هناك دول تتعامل مع الإنسان بوصفه قيمة، ودول ما زالت تتعامل معه بوصفه “صفقة”. حين تُكسَر عظمة ساقه، تتحرك كل منظومة الدولة — جامعة، إسعاف، مستشفى، ممرضون — لتعيده واقفاً، لأن المواطن عندهم ليس مجرد “حالة” بل استثمار طويل الأمد في بشر قادرين على الإنتاج. لذلك تجدهم يقفون معه حتى وهو على السرير، يرسلوا له اثنين من الممرضين إلى بيته، وكأنهم يقولون: عافيتك مسؤوليتنا.
أمّا عندنا، فالعافية مشروع يدار بعقلية المحاسب لا بعقلية الطبيب. المريض في العراق يدخل العيادة وهو محمّل على كتفيه ألم المرض وألم الفاتورة. وأمام طبيب يستقبل ثمانين مريضًا في اليوم، هو لا يقف أمام إنسان بقدر ما يقف أمام “دور بسرعة”. هذا العدد لوحده كفيل بجعل أي تشخيص أقرب للحدس منه إلى الطب، فكيف إذا أضفنا أنه لا يمنح المريض خمس دقائق؟ بينما منظمة الصحة العالمية تعتبر أقل من خمسة عشر دقيقة “إساءة للممارسة الطبية”.
النظام الصحي هنا لا يمنح الطبيب وقتًا كافيًا ليصغي. والمريض لا يحصل على فرصة ليُشرح مرضه. والنتيجة دائرة متكررة من التشخيص الخاطئ، وإعادة الفحوص، وأدوية تُصرف كأنها وصفات جاهزة، وفي النهاية يتحول المرض البسيط إلى معضلة. ليس لأن الطبيب سيّئ، بل لأن البيئة جعلت منه موظفًا يعمل تحت ضغط هائل: عيادة مزدحمة، ودخل يعتمد على عدد المراجعين لا جودة الخدمة، ونظام رقابة غائب إلا من الشعارات.
لقد أصبح المريض العراقي يحمل كلمة “طب” بقدر ما يحمل “خوف”. لهذا نراه يتجه إلى الأردن، وتركيا، والهند، وإيران، والصين، لأن ما يدفعه هناك — على بعد آلاف الأميال —أ قل مما يخسره هنا، مادياً وصحياً ونفسياً. وهنا المفارقة المؤلمة: العراقي يثق بطبيب أجنبي لا يعرف لغته ولا بيئته، ويشكّ في طبيب يعيش معه في نفس الشارع.
الجذر الحقيقي للمشكلة ليس الطبيب فقط، بل بنية صحية متهرّئة تمتد من التعليم الطبي إلى الرقابة المهنية إلى فساد المستشفيات الحكومية وتضخم القطاع الخاص. الطبيب العراقي اليوم يعمل في نظام مريض قبل أن يعالج مريضاً. لكنه أيضاً جزء من المشكلة عندما يعتبر المريض “زبوناً”، ويفتح عيادة بلا مقياس لعدد الحالات، ويحوّل الألم البشري إلى رصيد بنكي.
في الأنظمة الصحية السليمة، قيمة الإنسان هي البوصلة. في أنظمتنا، الربح هو البوصلة، والمريض هو الطريق الأقصر للوصول إليه. والنتيجة هجرة مرضى، وضياع ثقة، وتكلفة تُدفع أضعافاً لأننا فقدنا الحلقة الأولى: الإنسانية.
المجتمع الذي يفقد حساسيته تجاه صحة أفراده هو مجتمع لا يمرض أفراده فقط ، فحسب بل يمرض هو نفسه. بينما الدول التي تحمي صحة الإنسان تبني دولتها مرتين: مرة في أجساد مواطنيها، ومرة في نفوسهم. والسؤال الذي يبقى مفتوحاً، وعلينا مواجهته بلا تجميل: متى نصنّف العراقي بوصفه إنساناً قبل أن يكون “رقماً” في دفتر طبيب؟ ومتى نملك نظاماً صحياً يضع الإنسان في مكانته… لا في جيبه؟



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يفقد الوطن كرامته
- من قال إن الزمن يشفي؟
- امرأة بين السطور
- حين تتحول العقول الى سجون
- في جامعاتنا .. ثقافة مشتعلة خلف أبواب مغلقة
- تقاسيم أخيرة في جنازة الذكريات
- حين يكون الصمت بيتي الأول
- العراق بين وفرة الموارد وتعطّل الإرادة
- الشخصية العراقية والسلطة والسياسة
- ذاكرة تتفتح بالشعر والحكايات
- في حضرة التفاهة .. قراءة نقدية للسطحية الرقمية
- فيروز والصباح
- حب في الستين
- فوضى العمران وضياع الهوية الجمالية في المدن العراقية
- سطحية الترند وثقافة اللايك
- برامج ام مسرحيات هزلية
- قرءة نقدية في نص - الربيع والحب في موسكو -
- الثقافة والفقر.. استثمار الوعي
- جدلية الجهل والسلطة عند جورج أورويل
- سأزورك يوما


المزيد.....




- هل توافق أوكرانيا على خطة السلام الجديدة لإنهاء الحرب الروسي ...
- الحكومة الأميركية تأمر بمراجعة أوضاع 200 ألف لاجئ
- بولندا تستدعي سفير إسرائيل بسبب منشور عن المحرقة
- واشنطن وكييف تؤكدان تقدم مفاوضات وقف الحرب وموسكو ترفض مطالب ...
- خطوط حمراء أوكرانية حول خطة السلام الأميركية.. ما هي؟
- مصر تتهم إثيوبيا باتباع -نهج عشوائي- بإدارة وتشغيل سد النهضة ...
- ترامب يطلق إجراءات لتصنيف فروع للإخوان -منظمات إرهابية-
- البيت الأبيض يعلّق على اتهام ترامب بالانحياز لروسيا
- ترامب يلجأ إلى -المادة 219- لتصنيف فروع للإخوان -إرهابية-
- مخطط يهدد تراثها وسكانها.. منظمة إسرائيلية تُدين قرار مصادرة ...


المزيد.....

- عملية تنفيذ اللامركزية في الخدمات الصحية: منظور نوعي من السو ... / بندر نوري
- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - عماد الطيب - في المسافة بين إنسانيتهم… و ( انسانيتنا )