أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - من قال إن الزمن يشفي؟














المزيد.....

من قال إن الزمن يشفي؟


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8536 - 2025 / 11 / 24 - 10:33
المحور: الادب والفن
    


من قال إن الزمن يشفي كان يهرب من حقيقة موجعة: الزمن لا يتعامل مع القلوب، بل مع الساعات. القلب لا يعيش بالدقائق، بل بالذكريات. والزمن لا يداوي ما لم يلمسه… والذكريات عصيّة، متغطرسة، لا تقبل أن تخضع لقوانين الساعة الرملية.
الحقيقة القاسية أن بعض الأحبة لا يغادرون… بل يستقرون في منطقة سرّية بين الضلعين. صامتون، لكنهم موجودون. غائبون، لكنهم يحركون دماً متجمداً في لحظة واحدة. تظن أنك تجاوزت وجعك، ثم يمر طيف خافت . لا صوت، لا كلمة، مجرد حضور مبهم . فينسحب كل ما بنيته خلال شهور إلى القاع مرة واحدة. هذه ليست قوة للذكريات… هذا ضعف الإنسان حين يحب أكثر مما ينبغي.
الناس يتشدقون بجملة “الوقت كفيل بكل شيء” لأنهم يخافون الاعتراف بأن بعض الوجوه تُدفن فينا ولا تموت. يتجنبون مواجهة الحقيقة: أن القلب ليس متحفاً نغلق أبوابه حين تنتهي زيارة. القلب مساحة مفتوحة، كل من يدخلها يترك أثراً… ومن أسوأ المصائر أن يدخل شخص دون قصد ويغادر دون اعتذار.
ومأساة الحب ليست في الفراق، بل في التوقع: حين ارتفع سقفك إلى حد سمحت فيه لروحك أن تتكئ على أحد. حين صدّقت أن هناك من يفهمك دون شرح، ويخاف عليك دون طلب، ويبقى دون شروط. هكذا تبدأ الحكايات الكبيرة… وهكذا تنتهي الخرائب الكبيرة. تستطيع أن تتجاوز أي نهاية، لكنك لا تستطيع أن تتجاوز نفسك حين كانت تُسلّم قلبها بلا حساب.
الأكثر مرارة أن الزمن يعلمّك قسراً أن تكون حذراً مع من تحب بعد ذلك. ليس لأنك صرت أكثر حكمة، بل لأن جرحك السابق يراقبك من الخلف. وهذا هو العقاب الحقيقي: ليس في الفقد، بل في أن يظلّ الماضي يتحكم في طريقة حبّك للمستقبل.
الزمن لا يشفي… الزمن يروّضك. يجعلك أقل اندفاعاً، أقل ثقة، أقل استعداداً لتكرار الحب بنفس الطهارة الأولى. الزمن يسرق منك براءتك العاطفية، تلك البراءة التي كانت تجعل الحب مغامرة، لا معادلة. وبمرور الوقت، يصبح السؤال الأكثر ألماً: هل نحن حقاً نتجاوز؟ أم أننا نتعلم التعايش مع جثة عشق قديم دون أن نملك الجرأة لدفنه؟
الأصعب من الفراق هو أن تدرك أنك تعيش بنسخة ناقصة من نفسك. أن القلب الذي كان يعرف طريقه صار الآن يشكّ في كل خطوة. أن العاطفة التي كانت قوية بما يكفي لتهزّك… صارت الآن تسعل كلما حاولت أن تنبض بقوة. تلك ليست حكمة، إنها خسارة صامتة يتقن الزمن تكريسها.
ومع ذلك، لا ينتهي الأمر هنا. يأتي الليل، بأمانته القاسية، ليعيد ترتيب الحقائق: أننا لا ننسى، بل نصير أقل مقاومة للتذكّر. لا نُشفى، بل نتأقلم مع وجود الألم داخلنا. لا نقوى، بل نتيبس. وهذا التيبس هو ما نظنه شفاءً.
وهنا، في منتصف هذه الحقيقة المرعبة، تتغيّر نظرتنا للحياة: ندرك أن الألم ليس طارئاً، بل جزء بنيوي من وجودنا. وأن الحب الذي يقتلنا مرة، يترك بصمته على شكلنا إلى الأبد. وأن النهاية ليست نهاية… بل تحوّل. تحوّل من عاشق يلهث خلف الحياة، إلى شخص يفهم أن كل ما يحدث لنا هو درس في الخسارة… وأن الخسارة جزء طبيعي من نمو الروح، حتى وإن كانت مؤلمة. وفي النهاية — النهاية التي لا تخدع — نصل إلى القناعة الفلسفية الوحيدة الصادقة: الزمن لا يشفي، لأن الشفاء ليس في الماضي. ولا في الحاضر. الشفاء فكرة افتراضية… وهم اخترعناه لنستطيع أن نكمل الطريق.
الحقيقة .. ما يشفينا ليس الزمن… بل قدرتنا على قبول أننا لن نُشفى. وحين تقبل ذلك، يتوقف الألم عن إدارة حياتك، ويتحول إلى ظل… يتبعك، لكنه لا يلتهمك.



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- امرأة بين السطور
- حين تتحول العقول الى سجون
- في جامعاتنا .. ثقافة مشتعلة خلف أبواب مغلقة
- تقاسيم أخيرة في جنازة الذكريات
- حين يكون الصمت بيتي الأول
- العراق بين وفرة الموارد وتعطّل الإرادة
- الشخصية العراقية والسلطة والسياسة
- ذاكرة تتفتح بالشعر والحكايات
- في حضرة التفاهة .. قراءة نقدية للسطحية الرقمية
- فيروز والصباح
- حب في الستين
- فوضى العمران وضياع الهوية الجمالية في المدن العراقية
- سطحية الترند وثقافة اللايك
- برامج ام مسرحيات هزلية
- قرءة نقدية في نص - الربيع والحب في موسكو -
- الثقافة والفقر.. استثمار الوعي
- جدلية الجهل والسلطة عند جورج أورويل
- سأزورك يوما
- الدولمة العراقية ترند في مطاعم العالم
- رسالة اليها


المزيد.....




- عمى الذاكرة.. قصة احتفاء بإنسان يُبعث من رماد الحرب
- حوار بين نخلةٍ إماراتية وأرزةٍ لبنانية
- فيلم -Wicked: For Good- من أكثر الأفلام ذات الطابع السياسي ف ...
- ندوة (تجربتي) تستنيربـ -لمسات في الكتابة الإبداعية للأدب وال ...
- -ليفربول في حالة فوضى-.. الأسباب الفنية لسقوط الريدز
- إيليا أبو ماضي: شاعر التفاؤل وصاحب الطلاسم
- نور الدين بن عياد: تونس تودع فنان الفكاهة والبساطة، من هو؟ و ...
- إيران: العلماء الناقدون غير مرحب بهم ولا مرغوب فيهم
- إجراءات جديدة لتسهيل تصوير الأفلام الأجنبية في مصر
- عرض خاص لفيلم -أطياف ذلك الضوء- عن الشاعر سلطان العويس


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - من قال إن الزمن يشفي؟