أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - قرءة نقدية في نص - الربيع والحب في موسكو -














المزيد.....

قرءة نقدية في نص - الربيع والحب في موسكو -


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8529 - 2025 / 11 / 17 - 03:44
المحور: الادب والفن
    


في إحدى مقالاتها المعنونة "الربيع والحب في موسكو"، تكتب الكاتبة أمل عجيل إبراهيم عن براعم العاطفة حين تنمو رغم البرد، وكأن القلب قادر دائماً على أن يخلق فصوله الخاصة مهما تجمّدت الأرصفة حوله. لكن ذلك الربيع الذي تتحدث عنه - ربيع المشاعر الصافية - يصطدم في مجتمعاتنا بشتاءٍ طويل من الازدواجية؛ حيث يُسمح للحب أن يزهر في قلب الرجل حتى إن كان متزوجاً، بينما تُقتلع ذات الزهرة إن نبتت في قلب المرأة. هذا التناقض يشبه موسكو التي تستقبل الربيع بابتسامة، بينما تُبقي الثلوج عالقة في الزوايا؛ مدينة لا تكتم جمالها، لكنها لا تتخلص بسهولة من صقيعها.
ومن هذه الصورة ينطلق السؤال: كيف يُحتفى بقلب الرجل حين يتشعب في أكثر من اتجاه، بينما يُعاد تشكيل قلب المرأة وفق قيود أخلاقية صارمة صُنعت خصيصاً لاحتوائها ؟ .
في مجتمعٍ يمنح الرجل لقب “القوي” في كل تفصيلة من تفاصيل حياته، يبدو غريباً أن يُعفى هذا القوي من مسؤولية السيطرة على غرائزه، وأن تُبرَّر نزواته باعتبارها جزءاً من “الطبيعة الذكورية” التي لا تُناقش ولا تُدين. وكأن القوة التي يتباهون بها قوة ناقصة، تعمل فقط أمام العالم، وتعجز في اللحظة التي تتطلب نصراً على النفس.
وفي المقابل، تُوصف المرأة بأنها الرقيقة، العاطفية، الضعيفة، غير القادرة على الحسم أو القيادة… لكنها وحدها التي تُظهر قدرة مذهلة على الاكتفاء برجلٍ واحد، وعلى إغلاق قلبها دون غيره، ولو أحاطت بها المغريات. ضعفها لا يمنعها من الوفاء، وعاطفتها لا تسحبها إلى الخيانة، بل تمنحها وعياً عاطفياً لا يُعترف به إلا حين يُراد ابتزازها باسم الحياء.
والمفارقة الأوضح أن المجتمع يبرر للرجل الوقوع في الحب حتى لو كان متزوجاً من امرأة كاملة الصفات؛ يعتبر الأمر دليلاً على ذكورته، ونزوة يُسامح عليها، بل ربما يُشاد بها. أما المرأة، فإن التهمة تسبق الدليل، والحكم يسبق الشرح. تُرجم عاطفياً ومعنوياً حتى لو كانت تعيش مع رجلٍ لا يرى فيها امرأة واحدة كافية، ولا يتردد في أن يشاركها أخريات في جسده وقلبه وحياته.
الأغرب من الظلم نفسه هو قدرة المجتمع على تسويق هذا الواقع للمرأة حتى تقبله. بمرور الوقت، تُهمَّش قناعاتها، ويُعاد تشكيل وعيها، ويُقنعها الخطاب اليومي بأنها "محظوظة" لمجرد أن رجلها بقي في المنزل، حتى لو كان قلبه موزعاً في جهاتٍ أربع. يتكرّس الصمت كفضيلة، والخضوع كنوع من النضج، بينما الحقيقة أنها مجرد خسارة بطيئة للذات.
ووسط هذا كله، يظل الحب الحقيقي، كما تحدثت عنه أمل عجيل إبراهيم بصورة شاعرية في كتاباتها، حالة من التكامل لا التعدد، ومن الانسجام لا الازدحام. الحب هو أن لا أرى غيرك ولا ترى غيري. أن تكون أنت أرضي وسمائي وهوائي، وأكون عالمك وطمأنينتك. أن تكون كتفاً أحتمي به، وأكون لك حضناً ترتاح فيه من تعب الأيام. علاقة تسندنا، لا علاقة نخفيها خلف شعارات القوة وذرائع المجتمع.
الحب ليس تسلية، ولا حدثاً عابراً، ولا نوبة غريزة. إنه التزامٌ صامتٌ يتجلى حتى في النظرة والفكرة، لأن الخيانة تبدأ من هناك قبل أن تتحول إلى فعل. علاقة من طرفين متكافئين يقفان على أرض واحدة، لا على أرضٍ يهتزّ فيها رجلٌ يُبرر أخطاءه باسم الذكورة، وامرأة تُدان حتى ببراءة قلبها.
إن أخطر ما يحدث اليوم ليس أن الرجل يُعطى مساحة لا تُعطى للمرأة، بل أن هذا التفاوت يُقدَّم باعتباره “طبيعة” وليس ظلماً. وما لم تستعد المرأة صوتها وقدرتها على الرفض، سيبقى الحب الحقيقي مجرد فصل عابر في موسكو، يبتسم في الربيع ثم يختفي تحت أول موجة من الثلج.
ولن ينهض هذا الواقع ما لم ندرك أن الحب لا يُقاس بعدد القلوب التي يطرقها الرجل، ولا بعدد الجروح التي تصمت عليها المرأة. الرقي الحقيقي يبدأ حين يتخلى المجتمع عن هذه الازدواجية التي أفسدت مفهوم الوفاء، وحين يكفّ عن صناعة رجالٍ لا يقوون على أنفسهم ونساءٍ يُطلب منهن أن يقوين على كل شيء. إن أول خطوة نحو علاقة إنسانية عادلة هي أن نكفّ عن منح طرفٍ صكوك السماح، ونزعها من الآخر. فالقلب، مهما اختلفت أجساد أصحابه، لا يعرف إلا الحقيقة: أن الحب لا يعيش في ظل الظلم، ولا ينمو في أرضٍ تُروى بالمعايير المزدوجة. الحب يحتاج شمساً واحدة، لا شمساً لرجل وظلاً لامرأة.



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثقافة والفقر.. استثمار الوعي
- جدلية الجهل والسلطة عند جورج أورويل
- سأزورك يوما
- الدولمة العراقية ترند في مطاعم العالم
- رسالة اليها
- ضجيج بلا اثر
- الانتخابات .. الوجه الآخر للقمر
- العراق بين الحلم المؤجل والواقع المرير
- حلم المسافات الطويلة
- احلام ذلك الزمان
- المثقف وورقة الاقتراع
- المثقفون واشكالية السلطة
- دولة الجسور والمولات... وجنازة الصناعة العراقية
- فراسة الحب
- الصمت الانتخابي... الهدوء الذي فضح كل شيء
- اعلام الضجيج
- الحقائب المدرسية .. حقائب اثقل من طفولة اطفالنا
- أكتب كي احيا
- حمورابي… رز ولحم بطعم الحضارة
- ارتجافة الحب الاول


المزيد.....




- التمثيل الشعري للذاكرة الثقافية العربية في اتحاد الأدباء
- الكوتا المسيحية: خسارة ريان الكلداني وعودة الجدل حول “التمثي ...
- مؤرخ وعالم آثار أميركي يُحلل صور ملوك البطالمة في مصر
- -المعرفة- في خدمة الإمبريالية والفاشية والاستبداد
- روزي جدي: العربية هي الثانية في بلادنا لأننا بالهامش العربي ...
- إيران تكشف عن ملصق الدورة الـ43 لمهرجان فجر السينمائي
- هوس الاغتراب الداخلي
- عُشَّاقٌ بَيْنَ نَهْرٍ. . . وَبَحْر
- مظهر نزار: لوحات بألوان صنعاء تروي حكايات التراث والثقافة با ...
- في حضرةِ الألم


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - قرءة نقدية في نص - الربيع والحب في موسكو -