أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عماد الطيب - اعلام الضجيج














المزيد.....

اعلام الضجيج


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8521 - 2025 / 11 / 9 - 10:40
المحور: الصحافة والاعلام
    


تحتشد القنوات الفضائية في سباق محموم نحو “الإثارة” و”الترند”، غير آبهة بما تخلّفه من ضجيج فكري وانحراف قيمي في الوعي الجمعي. فقد تحوّل الإعلام الذي يفترض أن يكون منبرًا للتنوير والمعرفة إلى ساحة صراع هدفها جذب الأنظار بأي ثمن، حتى وإن كان الثمن هو التضليل أو تشويه الوعي العام.
أغلب هذه الفضائيات تبحث عن “الوجوه الصاخبة”، أولئك الذين يجيدون المبالغة في القول، والتهويل في الرأي، واللعب على حبال الغرائز والانفعالات. تراهم يرفعون أصواتهم أكثر مما يرفعون منسوب الفكر في نقاشاتهم، ويستعرضون ما يسمونه “جرأة” وهي في حقيقتها افتعالٌ للفت النظر، واستثمارٌ في الضوضاء بدلًا من الفكرة.
الأخطر أن هذه المنابر تمنح مساحة واسعة لمن لفظهم الواقع السياسي أو الاجتماعي، ممن يجدون في “الصراحة” المزعومة غطاءً لتفريغ شحناتهم السالبة ضد الجميع. يتحولون إلى أبطال الشاشات في زمن الاضطراب، فيتحدثون باسم “الناس” و”الحرية” بينما هم في العمق يغذّون ثقافة الحقد والانقسام، في مجتمعٍ أنهكته التناقضات.
لقد ساهم هذا النمط من الإعلام في تعويم الشخصيات الهامشية، وتحويلها إلى “نجوم رأي”، فيما غُيّب أصحاب الفكر والرؤية. والنتيجة .. وعيٌ جماهيري مشوش، تتصدره الشعارات الفارغة بدل الحوار الجاد، وتُقاس فيه قيمة الضيف بعدد المشاهدات لا بعدد الأفكار.
إعلام الضجيج لا يكتفي بتشويه الوعي والفكر فحسب، بل تعدّى ذلك إلى العبث بذائقة الناس السمعية والبصرية، حتى بات المتلقي العادي أسيرًا للفوضى البصرية والصوتية التي تصنعها الفضائيات ومنصات الإعلام الجديد. فحين تتكرر أمامه الصور الصارخة والأصوات المرتفعة والحوارات المليئة بالتشنج والاتهامات، تبدأ حواسه بالتكيّف مع هذا النمط الصاخب حتى يغدو الهدوء غريبًا، والكلمة الرصينة مملة، والطرح المتوازن بلا جاذبية. بهذا الشكل، يختفي الذوق الإعلامي الرفيع الذي كان يميز المتلقي الواعي، ويحلّ محله شغف بالمبالغة، وتفضيل لكل ما هو مثير ولو كان بلا مضمون.
لقد تدهورت الذائقة السمعية حين تحولت البرامج الحوارية إلى ساحات عراك لفظي، وصار الصراخ هو اللغة السائدة، بينما الموسيقى الراقية والنقاشات الهادئة تُعد "باهتة" في ميزان الترند. أما الذائقة البصرية، فقد شوهتها كثرة المؤثرات البصرية والرموز الصاخبة، والانتقال السريع بين اللقطات، حتى أصبحت الشاشة ساحة ازدحام لا فسحة تأمل.
تداعيات هذا الانحدار خطيرة، فإعلام الضجيج يخلق جيلاً يتفاعل مع الصوت لا مع المعنى، مع الصورة لا مع الفكرة، ويُربّي ذائقة سريعة الاشتعال وسريعة النسيان. كما أنه يسهم في تآكل الحس الجمالي العام، فتتراجع مكانة البرامج الثقافية والفنية الراقية، ويُختزل الإعلام كله في “من يصرخ أكثر”.
إن خطورة إعلام الضجيج لا تكمن فقط في محتواه، بل في أثره التراكمي على السمع والبصر والذوق والعقل. فهو لا يُفسد الفكرة فحسب، بل يُفسد الإحساس بالجمال ذاته، ليُنتج مجتمعًا ينجذب للسطحية ويعزف عن العمق، ويستهلك الإثارة كما يستهلك فنجان قهوة سريع الذوبان.
ولهذا، فإن استعادة الذائقة الجمالية والإعلام الواعي باتت معركة ثقافية لا تقل أهمية عن معركة محاربة الفساد أو الجهل، لأن من يملك ذوقًا سليمًا ووعيًا بصريًا نقيًا، لن يُخدع بسهولة بضجيجٍ مهما علا صوته.
يبقى الأمل في أن يستعيد الإعلام وعيه ووظيفته الأصلية: أن يكون سلطة تنوير لا سلطة تشهير، وأن يعود إلى قيم المهنية والاحترام بدلًا من لهاثه وراء نسب المشاهدة. فالأمم لا تنهض بالصوت العالي، بل بالفكر العميق الذي يوقظ لا الذي يثير.



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحقائب المدرسية .. حقائب اثقل من طفولة اطفالنا
- أكتب كي احيا
- حمورابي… رز ولحم بطعم الحضارة
- ارتجافة الحب الاول
- الشهادة بين الرصانة والابتذال العلمي
- المستشفيات الأهلية وشرف المهنة
- مهرجانات للتهريج
- سقوط الذائقة الفنية في الفن المسرحي والتلفزيوني
- لماذا نجحت المرأة الامية وفشلت المرأة العصرية ؟!!
- لاتظلموا
- حب في مدار الزمن
- ردهات الطوارئ.. المريض بين الإهمال والديكور الطبي
- الطالب والكتاب .. خصومة مع الحياة
- القائمة الحمراء تطيح بالجامعات العراقية
- أبو صابر المسكين على موائد الطهاة
- جامعة للبيع .. والرصانة في إجازة !
- ارتباك الإدارة العراقية بين تعليمات الوزارات وغياب الثوابت
- وأد الإبداع في المدارس العراقية
- ضمير المهنة وشرف الكلمة
- الوعود الزائفة… تجارة المواسم الانتخابية


المزيد.....




- ألماسة -ميلون بلو- النادرة من المتوقع أن تحقق حتى 30 مليون د ...
- خضروات وفواكه.. قيمتها تختبئ في قشورها!
- فرنسا: فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات ...
- أوكرانيا تحذر الأفارقة من الانضمام إلى الحرب: -ليست حربكم-
- شرطة الأخلاق في إيران.. قوة أمنية لفرض -قواعد الاحتشام-
- -أفاد- التركية تقدم مساعدات غذائية لأسر نازحة بالسودان
- إسرائيل تطالب حماس بإعادة جثة هدار غولدن
- تساؤلات حول مصير هدار غولدن.. هل كان حيا حتى الحرب الأخيرة؟ ...
- الجيش السوداني يصد هجوما بالمسيرات ويقصف الدعم السريع
- اختطاف 3 مصريين في مالي.. ومطلوب فدية 5 ملايين دولار


المزيد.....

- مكونات الاتصال والتحول الرقمي / الدكتور سلطان عدوان
- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عماد الطيب - اعلام الضجيج