أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عماد الطيب - لاتظلموا














المزيد.....

لاتظلموا


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8515 - 2025 / 11 / 3 - 07:20
المحور: حقوق الانسان
    


من خلال تجارب الحياة وما أكده التاريخ البشري، يتبيّن أن الشرّ مهما طال عمره يبقى قصير المدى، وأن المداومة عليه لا تورث سوى الهلاك والخسران لأهله، في الدنيا قبل الآخرة. هذه ليست مجرد موعظة دينية، بل قانون إلهي وسنّة كونية لا تتبدل، إذ يقول تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ»، ويقول أيضًا: «وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا».
لقد أثبتت الوقائع أن من يسير في طريق الظلم والعدوان، وإن بدا قويًا في لحظة ما، فإن نهايته حتمًا ستكون السقوط والانهيار. فالقرآن الكريم حين يحدّثنا عن مصائر الطغاة لا يروي قصصًا غابرة، بل يعرض سننًا ماضية تتكرر في كل زمان ومكان. ففرعون الذي قال لقومه: «أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى»، انتهى غارقًا في لجّة البحر بعد أن بلغ ذروة جبروته، ليكون عبرة لمن بعده. وقارون الذي اغترّ بماله وقال: «إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي» خسف الله به وبداره الأرض، لأن المال حين يتحول إلى أداة كِبْرٍ يصبح لعنة على صاحبه. أما عاد وثمود، فقد أهلكهم الله بذنوبهم بعدما بغوا في الأرض بغير الحق، فقال تعالى: «فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ»، في إشارة واضحة إلى أن الهلاك نتيجة طبيعية للفساد المستمر لا عقوبة طارئة.
ولم تكن هذه السنن محصورة في الأزمنة القديمة، بل تكررت في التاريخ الإنساني الحديث. فالإمبراطورية الرومانية التي حكمت بالسيف والبطش، انهارت من داخلها قبل أن تسقط عسكريًا، لأن الفساد والترف والظلم أنهك جسدها السياسي والاجتماعي . وفي العصور الحديثة، رأينا أنظمة استبدادية امتلكت أدوات البطش والهيمنة، لكنها تهاوت فجأة عندما نُزعت عنها شرعية العدل، لأن الشعوب لا تنام على الظلم طويلاً.
وفي حاضرنا الراهن لا تزال المشاهد تتكرر بأشكال جديدة؛ دول تتغوّل فيها قوى الفساد، ومسؤولون يظنون أن سطوتهم قادرة على إسكات الحقيقة، غير مدركين أن التاريخ لا يرحم، وأن سنن الله لا تحابي أحدًا. فكم من طغاةٍ عاشوا في القصور محاطين بالتهليل، ثم انتهى بهم المطاف منبوذين أو مطاردين أو عبرةً لغيرهم. وكأن صوت الحق يهمس في أذن البشرية كل مرة: لا دوام لملكٍ يُبنى على الظلم، ولا استقرار في مجتمعٍ يعتاش على الفساد.
إن مداومة فعل الشرّ ليست خطيئة عابرة، بل داء يصيب الروح والمجتمع معًا. تبدأ القصة بظلمٍ صغير يُبرّر، ثم يتضخم حتى يصبح منهجًا للحياة، وحينها تتحول المجتمعات إلى بيئات خانقة تفقد فيها القيم معناها والرحمة حضورها. لكنّ التاريخ والقرآن معًا يعلّمانا أن الظالم لا يهنأ طويلاً، لأن الشرّ يحمل في داخله بذور فنائه. وقد لخّص الله هذه الحقيقة بقولٍ بليغ: «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ»، أي أن العدالة الإلهية تترصّد الظلم مهما توارى خلف الأقنعة، وأن الإمهال لا يعني الإهمال، بل اختبارًا لصبر المظلوم وعدل الخالق.
لهذا لم يعد انتظاري لعقاب الظالمين رغبةً في الانتقام، بل يقينًا بأن الحق لا يضيع، وأن دوام الحال من المحال. فما من قوة تستطيع أن تفلت من سنن الله التي تحكم هذا الكون، وما من طاغيةٍ استطاع أن يهرب من الحساب مهما امتدت سطوته. فالله يُمهل ولا يُهمل، والشرّ مهما تجمّل بلباس القوة، فإن نهايته محتومة. فالعاقبة، كما وعد الله، للمتقين، والتاريخ لا يخلّد إلا أسماء من صنعوا الخير وتركوا في الأرض أثراً من نور.



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حب في مدار الزمن
- ردهات الطوارئ.. المريض بين الإهمال والديكور الطبي
- الطالب والكتاب .. خصومة مع الحياة
- القائمة الحمراء تطيح بالجامعات العراقية
- أبو صابر المسكين على موائد الطهاة
- جامعة للبيع .. والرصانة في إجازة !
- ارتباك الإدارة العراقية بين تعليمات الوزارات وغياب الثوابت
- وأد الإبداع في المدارس العراقية
- ضمير المهنة وشرف الكلمة
- الوعود الزائفة… تجارة المواسم الانتخابية
- رماد الذاكرة
- قراءة نقدية في نص - رمزية العشق -
- أنا .. وأنتِ
- حين يخبو مصباح العمر
- كيف تصنع صحفيا ماهرا ..؟ !!
- خالد النبل والاخلاق
- تاريخ التحقيق الصحفي في العراق وكتابه .. النشأة والتطور
- ملاذ الأمين .. بين وهج الحرف وصدق الميدان
- قراءة
- شيخوخة


المزيد.....




- رئيس هيئة شئون الأسرى والمحررين: إبادة إسرائيلية صامتة بحق أ ...
- تونس: الاتحاد الأوروبي قلق من اعتقالات بصفوف المجتمع المدني ...
- بعد قرارات التجميد.. منظمات المجتمع المدني في تونس على المحك ...
- غضب واسع بعد إقرار إسرائيل قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين
- تقرير أممي: انتشار المجاعة في الفاشر وكادوغلي بالسودان
- من -الثلاثاء الحمراء- إلى قانون إعدام الأسرى: مسار وطني وحقو ...
- الأمم المتحدة: عدد كبير من المدنيين ما زالوا محاصرين في الفا ...
- -الأونروا-: نحو 75 ألف نازح يحتمون في أكثر من 100 مبنى للوكا ...
- رئيس نادي الأسير الفلسطيني: قانون «إعدام الأسرى» الهدف منه ت ...
- السودان.. لجنة خبراء أممية: الفاشر ومناطق أخرى تعاني من المج ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عماد الطيب - لاتظلموا