عماد الطيب
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 8514 - 2025 / 11 / 2 - 05:50
المحور:
الادب والفن
مرّ عامان… عامان من الصمتِ والخذلانِ الجميل، من انطفاءِ الكلامِ في حنجرتي، ومن ارتباكِ المسافةِ بيني وبين ظلّك. لم نتحدث، ولم نلتقِ، لكنكِ — رغم الغياب — لم تغادري مدار الذاكرة، فما زلتِ تدورين هناك كبالونةٍ صغيرةٍ أفلتت من يدِ طفلٍ، ورفضت أن تسقط.
يا من غابتْ عني حضوراً ولم تغبْ عني أثراً… كم مرةً حاولتُ أن أزيحَ صورتكِ من مرايا القلب، فخذلتني المرايا! ما زالت تُعيدُ انعكاسكِ كلّما مرّ نسيمٌ يشبه عطرك، أو غفوتُ على حرفٍ من اسمك. لم تكوني امرأةً عابرة، كنتِ حالةَ عشقٍ مؤجلةٍ، ومقامَ حنينٍ لا يُغادرُ السمعَ حين يصمتُ العالم.
كبريائي… ذلك الحارس العنيد على بوابةِ الرجوع، يمنعني من إرسال كلمةٍ واحدةٍ قد تهزُّ صرحَ المسافات. لا لشيء، سوى لأنني أعرف أنّ اللقاء بعد هذا الغياب سيكسرُ شيئاً فينا، شيئاً لا يُرمَّم. لذلك أكتبُ الآن لا لأعود، بل لأمنحَ الفقدَ حقَّه في الكتابة.
اذهبي مع الأيام كما تشاءين، كأنكِ موجةٌ تراجعت عن الشاطئ لتُكمل حكايتها في البحر. كنتِ ذكرى جميلة، نعم، لكن الجمال أحياناً لا يكفي للبقاء. ينتهي كما تنتهي الأغنية حين يفرغ الشجن من نَفَسه الأخير، وتبقى النغمةُ عالقةً في الأذنِ مثل وعدٍ لم يُكتَب له الوفاء.
مرّ عامان، وما زلتِ تتجولين في ذاكرتي بثوبٍ من ضوءٍ لا يبهت، وما زلتُ أتعلمُ من غيابكِ معنى النضوج، وأكتشفُ أن بعضَ الفراقِ رحمةٌ متنكرةٌ في هيئةِ وجع.
مرَّ عامان، وقد أنهكني وجع السنين، وأتعبتني ذاكرة مثقلة بمشاهد الحنين. ما أقسى أن يرحل من أحببنا، فيتركوا خلفهم فراغاً يلتهم الأيام، وصمتاً يعلو على كل الأصوات. الفقد ليس موتاً فقط، بل هو غيابٌ يذيب الروح قطرةً بعد أخرى، هو ذلك الغياب الذي لا يُرى، لكنه يُشعَر به في كل زاوية من القلب.
وفي النهاية، أدرك أن الغياب لا يطفئ الحب، بل يصقله. وأن الذين غادروا ما زالوا يضيئون طريقنا من بعيد، كنجمةٍ لا تراها العين، لكنها تُرشد القلب كلما أظلمت السماء.
فامضي، يا أجمل ما لم يحدث، واتركي لي رمادَ الحنين لأتدفأ به حين يبرد القلب. لقد انتهت القصة، لكن صداها سيظلُّ يسكنني كقصيدةٍ لم تكتمل.
#عماد_الطيب (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟