عماد الطيب
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 8513 - 2025 / 11 / 1 - 08:51
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
مشهد الأطباء والممرضين في الدول المتقدمة وهم يركضون باتجاه ردهة الطوارئ لإنقاذ مريض يحتضر، ليس مشهداً درامياً من فيلم، بل هو انعكاسٌ لأخلاق المهنة حين تمتزج بالضمير الإنساني. أما في بلداننا، فالمشهد مختلف حدّ الفجيعة: المريض هو من يركض، والطبيب هو من يجلس بهدوء خلف مكتبه، يحتسي قهوته ، أو يتصفح هاتفه وكأن لا أحد يئن خلف باب الطوارئ.
الردهات التي يُفترض أن تكون "الخط الأول للإنقاذ"، تحولت إلى صالات انتظار بلا روح. الممرض يوجه المريض إلى غرفة الطبيب، والطبيب – إن وجد – يوجهه إلى "جهاز الضغط"، ثم إلى "جهاز السكر"، ثم إلى الصيدلية ليشتري ما يلزم لقياس درجة حرارته! أما "سماعة الطبيب" فصارت قطعة ديكور أنيقة تتدلى حول الرقبة لتكتمل الصورة الرسمية للطبيب العصري، لكنها لا تلامس جسد المريض إلا صدفة أو للعرض أمام مسؤول زائر.
الأدهى من ذلك، أن أغلب من في ردهات الطوارئ هم من الأطباء الجدد الذين لم تصقلهم التجربة بعد، ولم تلمس أيديهم بعد نبض الخطر الحقيقي، في حين يختفي أصحاب الخبرة خلف الجدران، أو في عياداتهم الخاصة التي تُدار وفق مبدأ “الطوارئ بالدولار فقط”.
كيف ننتظر من المريض أن يثق بنظام صحي يتركه يختنق في الممر بينما يبحث أحدهم عن ورقة الإحالة أو ختم الطبيب المناوب؟ وكيف نؤمن أن هناك “قسم أبقراط” بعد أن صار القسم الحقيقي هو “قسم المناوبة والراتب”؟
ردهات الطوارئ في بلداننا بحاجة إلى "إنعاش ضمير" قبل أن تُنعش أجساد المرضى، بحاجة إلى أنسنة المهنة لا ميكنتها، إلى ضميرٍ يسبق الشهادة، وإلى طبيبٍ يسمع أنين المريض قبل أن يسمع صوت هاتفه. فما أكثر الأجهزة في مستشفياتنا، وما أقلّ القلوب التي تعمل.
#عماد_الطيب (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟