أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عماد الطيب - ضمير المهنة وشرف الكلمة














المزيد.....

ضمير المهنة وشرف الكلمة


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8505 - 2025 / 10 / 24 - 00:11
المحور: الصحافة والاعلام
    


حين تشاهد البرامج السياسية على بعض القنوات الفضائية وما يطرح ويسوق من أفكار وطريقة إدارة الحوار من قبل المقدم وعرض تلك القناة وغيرها لتلك المواضيع التي تفتقر الى المهنية والأخلاق الصحفية والصدق لترويج سلعة إعلامية لاتمت بصلة لرسالة الاعلام . تذكرت ما تعلمته في دراستي للاعلام وما ينشر من مواضيع صحيفة آنذاك التي لها وزن كبير في المهنية والأخلاق الصحفية تذكرت أيضا ذلك الجيل من أساتذتنا الأوائل الذين هم الرعيل الذي أسس لصحافة نزيهة، والتزم بأخلاقيات المهنة قولًا وفعلًا. كانوا يرون في الصحافة رسالة لا مهنة، وفي القلم أمانة لا وسيلة للشهرة أو المكاسب. ومنهم تعلمنا أن الصحفي الحقيقي لا يكتب من أجل التصفيق، بل من أجل الحقيقة، وأن على من جاء بعدهم أن يسير على خطاهم في الصدق والالتزام والمسؤولية، لأن الصحافة لا تُقاس بعدد العناوين ولا بحجم الانتشار، بل بعمق الأثر الذي تتركه في ضمير القارئ وفي وجدان المجتمع.
الصحافة ليست مهنة تُمارس بقلمٍ وحبرٍ فحسب، بل ضميرٌ حيٌّ يكتب بصدق القلب قبل أن يكتب بمداد الورق. منذ خطواتي الأولى في هذا الميدان كنت أدرك أن الكلمة مسؤولية، وأن ما يُنشر يمكن أن يُنقذ إنسانًا أو يُهلك آخر. لذلك عقدت مع نفسي وثيقة شرف، أقسمت فيها أن أكون صوتًا للناس لا عليهم، وأن أكتب بميزان العدل لا بمقياس المصلحة. لم أركض يومًا وراء المبالغة أو الزيف، ولم أُجمل القبح ليبدو جمالًا زائفًا، لأن الحقيقة وحدها هي التي تمنح الصحفي مكانته وهيبته أمام قرّائه.
كنت أكتب تحقيقات صحفية حققت نجاحات في معالجة مشاكل الناس والمجتمع، وأسهمت في تسليط الضوء على معاناتهم، فكان أثرها واضحًا في تغيير قرارات أو تحريك ضمائر كانت غافلة. تلك التحقيقات منحتني قوةً وراحة ضمير، لأنني شعرت أن الكلمة يمكن أن تكون جسرًا بين الظلم والإنصاف، وبين الحاجة والاستجابة، وأن الصحفي حين يكتب بصدق يتحول إلى ضميرٍ حيٍّ للمجتمع.
ولأن الصحافة ليست ميدان الفرد وحده، فقد كنت أرى في دعم الجيل الجديد واجبًا مهنيًا وأخلاقيًا. فكم من شابٍ كان يحمل الحلم في عينيه، لا يعرف من أين يبدأ طريقه، فوضعت بين يديه أول فرصةٍ حقيقيةٍ لينطلق منها إلى فضاء الكلمة الحرة. كنت أقول لهم دائمًا: “الصحافة ميدان شريف، ومن لا يملك ضميرًا فلا مكان له بين الكلمة والناس.” وربما مرّت بي مواقف عصيبة، وواجهت ضغوطًا، لكني لم أتنازل عن مبدئي، لأنني أؤمن أن من يكتب بصدق لا يخشى شيئًا، فالحقيقة لا تُحاكم. كنت أعي تمامًا حجم المسؤولية التي أتحملها، ولهذا لم أقع في مطبّات الزيف أو إغراءات التلميع، لأن كل ما أكتبه كان نابضًا من قلب المجتمع، من ألمه وفرحه، من شوارعه وأصواته الصادقة.

واليوم، حين أنظر إلى الوراء، لا أرى سوى مسيرة من الوفاء للكلمة، ومواقف منحتني فخر الانتماء إلى مهنةٍ تُعادل في عظمتها رسالة الأنبياء. فالصحافة، حين تُمارس بأخلاقها، تتحول من مهنة إلى رسالة، ومن وظيفة إلى ضميرٍ حيٍّ يحمل همّ الناس ويصون الحقيقة. إنها في جوهرها ليست مجرد نقلٍ للأحداث، بل رسالة إنسانية تُعيد التوازن بين السلطة والشعب، وتمنح الصوت لمن لا صوت له. هي جسر التواصل بين الوجع والأمل، بين الواقع والمستقبل، بين ما هو كائن وما يجب أن يكون. الصحافة الصادقة تُعيد للإنسان كرامته حين تُنصفه، وتُعيد للمجتمع وعيه حين تُوقظه من غفوته.
الصحفي الحقيقي لا يكتب ليُشهر نفسه، بل ليُحدث فرقًا، ليكون شاهدًا على العصر وحارسًا للضمير الجمعي. فالكلمة التي تُنقذ إنسانًا من ظلم، أو تُضيء طريقًا أمام المظلومين، هي أسمى من كل الألقاب والجوائز. لذلك تبقى الصحافة الحرة هي نبض الإنسانية، وصوت الحقيقة الذي لا يموت مهما تعاقبت الأزمنة وتغيّرت الوجوه.
ولمن يدخل مهنة الصحافة اليوم، أقول: اكتب بضمير، فالكلمة التي تخرج من القلب تصل إلى القلب، أما الكلمة المأجورة فتموت قبل أن تُقرأ. تحقّق قبل أن تنشر، فالحقيقة أغلى من السبق الصحفي، والصدق هو رأس مالك في المهنة. احترم القارئ ولا تستهِن بوعيه، فالناس تميز بين من يكتب لوجه الحقيقة ومن يكتب لمصالحه. لا تجعل قلمك سلّمًا لأحد، فالقلم النزيه لا يُستخدم لتزيين الكذب أو تمجيد الفاسدين. استمع للناس قبل أن تكتب عنهم، فالميدان هو أستاذ الصحفي الأول، لا المكاتب ولا البيانات الجاهزة. تذكّر أنك مؤتمن على الكلمة، ومن خان الكلمة خان الناس والتاريخ معًا. وابحث دائمًا عن المعنى الإنساني في كل قصة، فجوهر الصحافة ليس الحدث، بل الإنسان الذي يقف خلفه.
فلتكن الصحافة طريقًا للصدق والنزاهة، لا وسيلةً للظهور أو التربح، ولتظل الكلمة الحرة سلاحًا شريفًا في وجه التزييف، لأن من يكتب بضمير يترك أثرًا لا يُمحى، ومن يكتب بصدق يُخلّد صوته في ذاكرة الناس والتاريخ.



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوعود الزائفة… تجارة المواسم الانتخابية
- رماد الذاكرة
- قراءة نقدية في نص - رمزية العشق -
- أنا .. وأنتِ
- حين يخبو مصباح العمر
- كيف تصنع صحفيا ماهرا ..؟ !!
- خالد النبل والاخلاق
- تاريخ التحقيق الصحفي في العراق وكتابه .. النشأة والتطور
- ملاذ الأمين .. بين وهج الحرف وصدق الميدان
- قراءة
- شيخوخة
- ثلاثة أحلام ...
- ضفاف براءة وجسور محبة
- القطيعة بين الروح والجسد
- ياحاضرة الغياب ..
- سعد مبارك.. فنان العصور وبوصلة الذاكرة الجمالية
- حين يبكي الجبل ..!!
- مؤتمرات
- لماذا احبك ِ
- حين أقول أحبك


المزيد.....




- كيف يغير وكيل الذكاء الاصطناعي مستقبل السفر؟
- أوروبا تشدد الخناق على موسكو وتعزز استقلالها الدفاعي
- تقرير أممي يتهم دولا كبرى بالتواطؤ في الإبادة الجماعية بغزة ...
- موسم الزيتون يتحول إلى ساحة مواجهة.. 158 اعتداء استيطانيا خل ...
- بوتين يكشف عن تحذير وجهه لترامب منذ فترة قبل فرض العقوبات عل ...
- نتائج أولية لانتخابات إقليم كردستان تظهر تفوّق الحزب الحاكم ...
- بين الكاميرا والموت.. صحفيو الجزيرة يدفنون زملاءهم ويواصلون ...
- صحفي أميركي: هجوم المستوطنين بترمسعيا كاد يقتلنا والإعلام ال ...
- غزة بعد الاتفاق مباشر.. ترامب يطالب نتنياهو بالالتزام بوقف إ ...
- البنتاغون يعيّن 60 صحفيا يمينيا مكان من رفضوا لائحة القيود ا ...


المزيد.....

- مكونات الاتصال والتحول الرقمي / الدكتور سلطان عدوان
- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عماد الطيب - ضمير المهنة وشرف الكلمة