أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - شيخوخة














المزيد.....

شيخوخة


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8433 - 2025 / 8 / 13 - 08:40
المحور: الادب والفن
    


" للشيخوخة روح خاصة " .. نحن الراحلون الى نهاية العمر والاعوام ارقام .. هكذا اقولها .. ومما يزيد الأمر تعقيدا ان العالم بمنظماته الكبرى تصنف سن الشيخوخة بعمر الستين فما فوق وكأن الستين نهاية مطاف .. هذا التصنيف الظالم يثير كثير من التساؤلات . لكن الحقائق على الأرض تؤكد ذلك لاسيما بعد ان احلت على التقاعد في هذا العمر . جعلني افيق من حلم الشباب بعد تسلمي كتاب التقاعد .. لم استطع استيعاب الواقع ، حين انظر الى هوية التقاعد بحزن وانا اتسلمها من دائرة التقاعد التي اطلقت عليها " مقبرة الاحياء " . اردد في نفسي انها مجرد كابوس وسأستيقظ منه . رحيل شبابي اشبه برحلة مسافر الى وجهة ينتظرها . ولكن لم تكن تلك الرحلة في حساباتي حاليا .. ولكن أحاول ان اواسي نفسي بعبارات عن الامل لأقنع نفسي وأقول ان التقاعد ليس موتًا، بل تحررًا.. لقد تحررت من سباق الساعات، من ضجيج المكاتب، ومن روتينٍ كان يسرق مني لحظات التأمل. الآن، أنا سيد وقتي، ومالك لحكاياتي .
لكن في الوقت نفسه جعلني ذلك الشعور ان اشعر ان حياتي في ربعها الأخير ، وسنوات عمري تنسحب كالظلال في آخر النهار. أتساءل .. هل ستصبح خطواتي بطيئة، تتبعها الآم كظلٍ ثقيل، وترافقها الأمراض كما ترافق الغيوم الرمادية شمس الشتاء ؟ . حتى الأمنيات التي كنت أحملها وأنا في ربيع العمر، فقد تساقطت واحدةً تلو الأخرى، كما تتساقط أوراق الخريف من شجرة وحيدة في مهب الريح.
أحلامي التي كانت تسبقني إلى الغد وكنت أعيش لأجلها تحاول الهجرة عني بلا عودة، لتتركني بين أطلال الوقت أتأمل ما تبقى. وحده قلمي واوراقي ما زالا يرقدون بجانبي، قلمي كشيخٍ صامت أنهكته الحكايات التي سكبها على الورق .
رحلتي كانت مزيجًا من صعودٍ وهبوط، من فرحٍ عابر وحزنٍ مقيم، من محطاتٍ عبرتها مسرعًا وأخرى علقت فيها حتى ظننت أنني لن أبرحها أبدًا. رأيت وجوها كثيرة، منها من بقي بصمته في داخلي، ومنها من غاب كأنه لم يكن.
شيخوختي أشبه بحبل مهترئ يربطني بالحياة، حبلٌ أنهكته الرياح وكسرت حدته العواصف، حتى صار يئن مع كل حركة، وكأن الزمن يعصره بين يديه. أشعر أنني أتأرجح عليه بين هاويتين: هاوية ماضٍ يبتلعني بحنينه ومراراته، وهاوية مستقبل لم يتبق منه سوى بضع أنفاس.
كلما حاولت أن أستريح، أسمع في داخلي فرقعة خافتة، فأدرك أن خيطاً آخر انقطع، وأن النهاية تقترب صامتة مثل قطرة ماء تتساقط في بئرٍ عميقة.
ومع كل ذلك، أتشبث به وكأنني أتشبث بالحلم الأخير، بالضحكة التي لم تأتِ، باللقاء الذي تأجل، وباليد التي ربما تمتد إليّ في اللحظة الأخيرة قبل أن يسقط كل شيء في العدم. في الشيخوخة، يقترب الوداع بخطواتٍ هادئة، كضيفٍ يعرف أن مكانه محجوز منذ زمن ، لا يطرق الباب بعنف، بل يجلس عند العتبة، يراقبك بعينين مطمئنتين، وكأنه يقول: لقد اقتربت لحظة السفر. تصبح الأيام أثقل، والذكريات أوضح من الحاضر نفسه، كأنك تعيش في مرآة مقلوبة؛ ترى فيها من كنت، أكثر مما ترى من أنت الآن.
تتسلل الوحدة إلى قلبك برفق، وتغدو الوجوه التي تعرفها أقل، بينما تتكاثر صور من غابوا في زوايا الروح. وفي كل صباح، حين يفتح الضوء نافذتك، تدرك أن الشمس هذه المرة ليست دعوة للانطلاق، بل رسالة هادئة تقول: تبقّى لك القليل… فرتب حقائب قلبك.
اليوم، وأنا على عتبة السنين الأخيرة، لا أملك سوى ذكرياتي، وبعض الصور الباهتة التي يحفظها القلب لا الألبوم، وصوت داخلي يهمس: لقد عشت، حتى وإن تعثرت، حتى وإن خسرت. عشت بحبٍّ كبير، وهذا وحده كافٍ لأن أرحل وفي داخلي حياة. وتبقى الكتابة رفيقة لا تشيخ . قلمي الذي وصفته كشيخٍ صامت، هو في الحقيقة رفيقي الدائم ، يكتب لي المعجزات على الورق، ويمنحني الخلود في كل سطر. ويظل راقدا بجانبي حتى وان ودعت الحياة .



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاثة أحلام ...
- ضفاف براءة وجسور محبة
- القطيعة بين الروح والجسد
- ياحاضرة الغياب ..
- سعد مبارك.. فنان العصور وبوصلة الذاكرة الجمالية
- حين يبكي الجبل ..!!
- مؤتمرات
- لماذا احبك ِ
- حين أقول أحبك
- عبث البقاء
- أين أنت ...؟!!
- صوتك اغنية عشقية
- سطر على هامش التاريخ
- أيها المسافر... ارجع
- حين اُحب ... !!!
- قدري أن لا أراكِ
- تجلى هلال العيد ووجهك غائب عني
- السينما العالمية .. بين العنف والرسالة الإنسانية
- يبقى الوضع كما هو عليه
- كليات ميتة... أزمة التعليم العالي بين الواقع وسوق العمل


المزيد.....




- التمثيل الشعري للذاكرة الثقافية العربية في اتحاد الأدباء
- الكوتا المسيحية: خسارة ريان الكلداني وعودة الجدل حول “التمثي ...
- مؤرخ وعالم آثار أميركي يُحلل صور ملوك البطالمة في مصر
- -المعرفة- في خدمة الإمبريالية والفاشية والاستبداد
- روزي جدي: العربية هي الثانية في بلادنا لأننا بالهامش العربي ...
- إيران تكشف عن ملصق الدورة الـ43 لمهرجان فجر السينمائي
- هوس الاغتراب الداخلي
- عُشَّاقٌ بَيْنَ نَهْرٍ. . . وَبَحْر
- مظهر نزار: لوحات بألوان صنعاء تروي حكايات التراث والثقافة با ...
- في حضرةِ الألم


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - شيخوخة