عماد الطيب
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 8367 - 2025 / 6 / 8 - 00:06
المحور:
الادب والفن
في عالم السينما، تتفاوت المدارس الفنية في رسائلها، وأسلوبها، وأهدافها. ويبرز هذا التفاوت جليًا عند مقارنة السينما الغربية، خصوصًا الهوليوودية، بالسينما الهندية (بوليوود). والسينما العربية المصرية . فبينما تسعى الأولى في كثير من الأحيان إلى الإبهار البصري من خلال العنف، والانفجارات، والمشاهد الصادمة، نجد الثانية أكثر ميلاً إلى ترسيخ القيم الإنسانية، والعواطف، والحب، والانتصار للخير حتى وسط المعاناة. واما في السينما المصرية فقد فقدت بوصلة رسالتها في آخر عقدين من الزمن .
العنف والعدمية في السينما الغربية
لا يمكن إنكار أن السينما الغربية حققت إنجازات تقنية وفنية عظيمة، وابتكرت أنواعًا سينمائية جديدة، مثل أفلام الخيال العلمي، والأبطال الخارقين، وأفلام الجريمة النفسية. لكنها في المقابل، غلبت عليها في العقود الأخيرة نزعة نحو العنف والعدمية، وغابت القيم الأخلاقية عن كثير من قصصها. في أفلام مثل John Wick، يصبح القتل فعلاً عاديًا ومكرَّرًا، حيث تُزهق الأرواح بالمئات بلا عمق درامي أو أثر إنساني. وفي سلسلة أفلام مثل Fast & Furious، تُختزل الحياة في سباقات، وانفجارات، وأحداث مليئة بالضجيج البصري مع افتقار المعنى الحقيقي. أما في أفلام مثل The Purge أو Joker، فتُقدَّم صورة سوداوية للمجتمع، حيث الفوضى والعنف يُبرَّران كمخرجات "طبيعية" لظلم اجتماعي. وبالإضافة إلى العنف، أصبحت مواضيع مثل الشذوذ الجنسي، والإباحية المبطنة، جزءًا شائعًا من خطاب العديد من الأفلام الغربية، دون معالجة فكرية أو إنسانية، بل في كثير من الأحيان، تُعرض هذه المواضيع في سياقات ترفيهية سطحية.
الرسائل الإنسانية في السينما الهندية
على الجانب الآخر، تقدم السينما الهندية تجربة مختلفة. فبالرغم من أن بعض أفلام بوليوود تقع في فخ المبالغة أحيانًا، إلا أن الغالبية منها تتمحور حول الإنسان، ومشاعره، ونضاله، وقدرته على تجاوز المحن.
فيلم مثل Taare Zameen Par (نجوم على الأرض) يُسلط الضوء على معاناة طفل يعاني من عسر القراءة، ويقدم رسالة مؤثرة حول التفهّم، والرعاية، والاحتواء. أما فيلم 3 Idiots، فهو دعوة للتمرد على النظام التعليمي العقيم، والسعي لتحقيق الذات والإبداع بدلًا من الانصياع الأعمى لضغوط المجتمع. وفي فيلم PK، تُطرح أسئلة وجودية حول الدين، الإيمان، والتقاليد، ولكن بطريقة إنسانية، ساخرة، ومحفزة للتفكير دون تجريح أو إساءة. وحتى في الأفلام التي تتناول موضوعات الحب، مثل Kal Ho Naa Ho أو Veer-Zaara، نجد أن الحب لا يُعرض فقط كعلاقة بين رجل وامرأة، بل كقوة إنسانية شاملة تتخطى الحدود، والأديان، والاختلافات.
الدراما المصرية: من الريادة إلى التيه
لطالما كانت السينما المصرية تُلقّب بـ"هوليود الشرق"، وكانت خلال القرن العشرين مدرسة فنية عظيمة شكّلت الوجدان العربي، وقدمت أعمالًا خالدة تنبض بالقيم، والأخلاق، والوعي المجتمعي، مثل أفلام عبد الحليم حافظ، وفاتن حمامة، ويوسف شاهين، وصلاح أبو سيف. فقد ناقشت هذه الأفلام قضايا المرأة، والفقر، والحرية، والعدالة الاجتماعية، بروح إنسانية راقية.
لكن المؤسف أن السينما والدراما المصرية في السنوات الأخيرة بدت تائهة، فاقدة للبوصلة الفنية. كثير من المسلسلات والأفلام صارت تعتمد على ثيمة البلطجة، والعنف، والمخدرات، والخيانة الزوجية، والعلاقات الشاذة دون معالجة جادة. بل في بعض الأحيان، يتم تمجيد شخصية البلطجي، وتصويره كبطل شعبي، مما يخلق نمطًا مشوّهًا في عقول الشباب والمراهقين.
مسلسلات مثل الأسطورة وجعفر العمدة على سبيل المثال، وإن كانت ناجحة جماهيريًا، إلا أنها تكرّس السلطة العنيفة، والانتصار بالقوة، واحتقار القانون. والأخطر أن هذه الشخصيات تُقدَّم أحيانًا في إطار رومانسي أو بطولي، ما يطمس الفارق بين الخير والشر.
وهكذا، بدل أن تكون الدراما أداة للوعي والبناء، تحولت في أحيان كثيرة إلى مرآة مشوّهة تعكس أسوأ ما في المجتمع، وتُطبع الانحراف بوصفه "واقعًا لا مفر منه".
نحو سينما تُعزز القيم لا تقتلها
قد يرى البعض أن السينما مرآة للمجتمع، ولكنها أيضًا أداة لتشكيله. عندما تقدم الأفلام رسائل سطحية تُبرر القتل أو العنف أو تُمجّد الإباحية كحرية دون سياق، فإنها تُسهم في تشويه الوعي الجمعي. في المقابل، عندما تُظهر الأفلام قيم التسامح، والصدق، والصداقة، والأمل، فإنها تُلهم المشاهدين وتُربّيهم على احترام الإنسان، والحياة، والمشاعر.
المعالجة السينمائية هي العمود الفقري لأي عمل فني ناجح. فهي الطريقة التي يُصاغ بها الموضوع، وتُبنى بها الشخصيات، وتُطرح من خلالها الأسئلة والقضايا. وهنا يبرز التباين الكبير بين المدارس السينمائية الغربية والهندية والمصرية.
في السينما الغربية .. المعالجة تميل إلى الاحترافية التقنية، والتشويق البصري، وتعقيد الحبكة. ولكن في كثير من الأعمال، تغيب الروح الإنسانية لصالح الإثارة. على سبيل المثال، في أفلام مثل The Dark Knight أو Fight Club، نجد عمقًا نفسيًا وفلسفيًا، لكن في المقابل، مئات الأفلام الأخرى تكتفي بإبهار بصري خاوٍ، حيث تنقلب القضايا إلى مبررات للقتل أو الإباحية دون هدف أخلاقي أو إنساني.
ومع ذلك، لا تخلو السينما الغربية من معالجات جادة وقوية، كما في أفلام The Pursuit of Happyness أو Schindler’s List، التي تُعالج قضايا الفقر والهولوكوست بعمق إنساني مؤثر.
في السينما الهندية .. تميل المعالجات إلى الجمع بين العاطفة، والقيم، والنقد الاجتماعي، بأسلوب مزيج من البساطة والرمزية. الشخصيات عادةً ما تكون متجذرة في واقع اجتماعي أو طبقي، وتخوض صراعات تنتهي غالبًا بانتصار الفضيلة.
فيلم مثل Swades يُعالج أزمة هجرة العقول بأسلوب إنساني وهادئ، بينما يُقدّم Dangal معالجة لقضايا النوع الاجتماعي وتمكين المرأة في سياق رياضي. السينما الهندية تفضل إعادة تشكيل القيم الاجتماعية وتحرير الإنسان من القيود، دون الوقوع في فخ العنف أو الإباحية كأدوات درامية.
في السينما المصرية ... المعالجات اختلفت بشكل جذري بين الماضي والحاضر. في الماضي، كانت المعالجة تعتمد على البناء الدرامي العميق، والحوار الذكي، والقيم المجتمعية، كما في أفلام البداية، الأرض، أو إمبراطورية ميم. أما اليوم، فغالبًا ما تتسم المعالجات بالسطحية، حيث تُبنى الحبكات على العنف المفتعل، والخيانات المتكررة، والشخصيات النمطية، دون بحث نفسي أو مجتمعي حقيقي. في كثير من المسلسلات الحديثة، تتم تغذية الصراعات بطرق مفتعلة، دون تطور درامي منطقي، ويُقدَّم العنف كأداة للحل لا كأزمة يجب تفكيكها. وهذا يعكس خللًا في الرؤية الفنية، وضياعًا في البوصلة الأخلاقية.
#عماد_الطيب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟