أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عماد الطيب - كليات ميتة... أزمة التعليم العالي بين الواقع وسوق العمل














المزيد.....

كليات ميتة... أزمة التعليم العالي بين الواقع وسوق العمل


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8347 - 2025 / 5 / 19 - 00:11
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


في إحدى زياراتي الى كلية الآداب في إحدى الجامعات العراقية، وقفتُ على مشهد صادم يُلخّص جانبًا من مأساة التعليم العالي في البلاد. بعض الأقسام العلمية في تلك الكلية كانت تضم أعدادًا لا تتجاوز العشرة طلاب في المرحلة الدراسية الواحدة. هذا التراجع في الإقبال لم يكن محض صدفة، بل نتيجة طبيعية لانفصال التخصصات عن واقع سوق العمل واحتياجاته.
المفارقة الكبرى أن معدلات القبول في هذه الأقسام، على الرغم من تدني الإقبال، تبقى مرتفعة في الجامعات الحكومية مقارنة بنظيراتها الأهلية، التي باتت في بعض الحالات تتجاوز شرط المعدل أو تتساهل في تطبيقه، ما يزيد من تعقيد المشهد ويطرح تساؤلات جوهرية عن جدوى هذا النمط من التوسع غير المخطط له.
إن ما نشهده اليوم هو نذير خطر حقيقي بتحول عدد من الكليات، لا سيما الإنسانية منها، إلى ما يمكن تسميته بـ"الكليات الميتة"، باستثناء بعض الأقسام مثل اللغة الإنجليزية والعربية التي ما تزال لها حصة في سوق العمل، لا سيما في القطاعين التربوي والخاص.
لكن الطامة الكبرى لم تعد حكرًا على الكليات النظرية فقط، إذ امتدت إلى كليات علمية مثل الطب وطب الأسنان، التي باتت تُخرّج أعدادًا تفوق بكثير حاجة السوق، ما أنتج فئة واسعة من الخريجين المؤهلين الذين يقفون على هامش البطالة، عاطلين عن العمل رغم سنوات طويلة من التعليم والتدريب المكلف.
تتعدد أسباب هذه الظاهرة، إلا أن أبرزها يتمثل في الفجوة الكبيرة بين منظومة التعليم وسوق العمل، التي لم تُبْنَ على أساس استراتيجية وطنية شاملة. يضاف إلى ذلك الأوضاع الاقتصادية المتردية بفعل الفساد المالي والإداري، وانعدام الاستقرار السياسي والأمني، مما أعاق تنفيذ المشاريع الكبرى التي يمكن أن تستوعب هذه الطاقات البشرية.
كما يُعد غياب التخطيط العلمي الدقيق أحد أهم العوامل، إذ تواصل وزارة التعليم العالي سياسة منح الاعتراف للجامعات الأهلية بصورة دورية دون دراسة حقيقية لحاجة البلد، ما أدى إلى تضخم غير مسبوق في عدد الكليات، وتدنٍ في معايير الجودة التعليمية في بعضها.
لعل من الضروري، بل من الملحّ، أن تعيد وزارة التعليم العالي النظر في سياسات التوسع الحالية. وأقترح في هذا السياق التركيز على التوسع العمودي بدل التوسع الأفقي. بدل فتح جامعات وكليات جديدة دون حاجة، ينبغي دمج الكليات المتناظرة وتحويلها إلى أقسام داخل كلية موحدة. فمثلاً يمكن دمج كليات الهندسة ذات التخصصات المتفرعة ضمن كلية هندسة مركزية تشمل أقسامًا متخصصة. وكذلك الحال في التخصصات الطبية: دمج كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة والتمريض في كلية واحدة تحت مسمى "العلوم الطبية والصحية" بأقسام متعددة.
أما الكليات الإنسانية، فيمكن دمجها تحت مظلة كلية التربية، مع استثناء الأقسام التي لا تزال تحتفظ بقيمتها في السوق كأقسام اللغات. ويمكن في المقابل تقليص كليات مثل الآداب أو دمجها مؤقتًا، وفتح تخصصات جديدة تواكب احتياجات العصر مثل الذكاء الاصطناعي، علوم البيانات، الأمن السيبراني، وتكنولوجيا المعلومات. كذلك لا بد من ضبط انتشار الكليات الأهلية التي أصبحت تتكاثر بلا مبرر في الأحياء والشوارع، فتشوه صورة التعليم وتفرغ شهاداته من محتواها. إن ضبط هذا الانتشار يجب أن يُبنى على معايير الجودة والاحتياج الوطني لا على الاعتبارات الربحية.
إن التعليم العالي في العراق يقف اليوم على مفترق طرق: إما أن نعيد بناءه على أسس واقعية وعلمية تستند إلى احتياجات سوق العمل والمشاريع الوطنية، وإما أن نواصل الهدر في الطاقات البشرية والمالية، ونحوّل الكليات إلى هياكل خاوية تنتج بطالة مقنّعة. إن البلاد بحاجة إلى مشروع وطني تعليمي متكامل، ينهض بالإنسان ويضعه في صلب معادلة التنمية، لا أن يبقيه عالقًا في دوامة الانتظار.



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النسق الشعري في ديوان -محُتلة القلب- للشاعر فاضل كاظم البكري
- منى الطريحي ثنائية الحب والالم
- نخلة عراقية .. سعاد البياتي صحفية الزمن الجميل
- مشاعر بائسة
- مأتم الذاكرة والجسد
- سوء فهم عاطفي
- عندما ينطق الجرح
- غائم جزئي
- ايمان كاظم .. فصاحة المعنى وغربة النص
- تسميم البئر
- الى صديقي .. علي حسن كريم
- سجل العراق في الابداع يعاني الاهمال
- اِلا اَنتِ ..
- قانون الاضافة البسيطة
- وردة من البستان
- اغنية عاشق
- تهجير
- فاتورة الزمان
- ورقة التوت الاخيرة
- أفق خيال جامح


المزيد.....




- مكتب نتنياهو: إسرائيل ستسمح بدخول -كمية أساسية- من المساعدات ...
- من جنيف.. تونس تدعو إلى تعاون مسؤول للحد من هجرة الكفاءات ال ...
- العراق يحتل المرتبة الثالثة عالميا في مكافحة المخدرات
- فرنسا تطالب إسرائيل بالسماح بدخول المساعدات لقطاع غزة بشكل ف ...
- قصف على سوق بمخيم نازحين في دارفور يوقع 14 قتيلا وتصعيد للهج ...
- بلدية سوق الجمعة تبدأ عصيانا مدنيا جزئيا
- استئناف الأنشطة الصناعة في الخرطوم
- مصر.. قائد الزمالك شيكابالا يقدم شكاية للشرطة ضد مرتضى منصور ...
- قوى يمين الوسط تتقدم في الانتخابات التشريعية في البرتغال
- بعد تحركات مجلس النواب الليبي وفريق المشري.. تكالة يرفض الإج ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عماد الطيب - كليات ميتة... أزمة التعليم العالي بين الواقع وسوق العمل