عماد الطيب
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 8507 - 2025 / 10 / 26 - 01:51
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
يبدو أن التعليم العالي في العراق يعيش أسوأ فصوله، بعدما تحوّل من منارة علمية إلى سوق مفتوح للشهادات “حسب الميزانية”. الجامعات الأهلية تكاثرت بسرعة عجيبة، حتى صار عددها يفوق عدد أحلام الطلبة، لكنها ما زالت بعيدة عن المعنى الحقيقي للجامعة. أغلبها مبانٍ فخمة بلا روح، وشعارات رصانة بلا مضمون، وكأنها صُممت لتخرّج دفعات من العناوين لا من العقول.
المفارقة أن التعليم الأهلي جاء في البداية كفكرة نبيلة: دعمٌ للقطاع الحكومي ومجالٌ أوسع للطلبة. لكن سرعان ما تحوّل إلى تجارة مزدهرة، يربح فيها المستثمر ويخسر فيها العلم. فكل شيء فيها يخضع للعرض والطلب .. القبول بالدفع، النجاح بالمجاملة، والشهادة تُمنح بابتسامة العميد لا بجهد الطالب.
أما وزارة التعليم العالي، فهي في موقع “المتفرج الحائر”، تضع لوائح وتعليمات، ثم تتغاضى عنها بسخاء. تُرسل لجانًا وتُقيم مؤتمرات عن الرصانة، لكنها تغفل عن أن الرصانة ليست شعارًا في كتاب رسمي، بل ممارسة تبدأ من قاعة الدرس وتنتهي في سوق العمل.
النتيجة واضحة .. خريجون لا يجدون عملاً، وسوق عمل فقد الثقة في الشهادات الأهلية، ومجتمع يتندر على جامعات تمنح “شهادة مع ابتسامة”. بعض الجامعات تُقيم مؤتمرات عن الإبداع وهي عاجزة عن صيانة مختبر واحد، وتتباهى بالخصومات وكأنها محل تجاري لا مؤسسة أكاديمية.
ما يحتاجه العراق اليوم ليس مزيدًا من الجامعات، بل قليلًا من الضمير الأكاديمي. فالعلم لا يُباع في أقساط، والجامعة لا تُقاس بعدد الطلاب بل بنوعية العقول. حين تعود الكلمة الأولى في التعليم إلى الأستاذ لا إلى المستثمر، وعندما تُفتح الأبواب للبحث لا للدفع، عندها فقط يمكننا القول إن التعليم العالي بدأ يتعافى من “غيبوبته الطويلة”.
أما إذا بقي الحال على ما هو عليه، فستخرج الرصانة العلمية من بابٍ مفتوح وتختفي في المجهول، تاركة وراءها جيلاً يحمل شهادات بلا معرفة، وبلدًا يفاخر بعدد الجامعات أكثر مما يفاخر بعقول أبنائه.
#عماد_الطيب (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟