أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - سقوط الذائقة الفنية في الفن المسرحي والتلفزيوني














المزيد.....

سقوط الذائقة الفنية في الفن المسرحي والتلفزيوني


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8517 - 2025 / 11 / 5 - 08:22
المحور: الادب والفن
    


في السنوات الأخيرة، أصبح المشهد الفني في مجتمعاتنا يعاني من انزياح واضح عن معناه الأصلي، حتى بات البعض – وأكاد أجزم أن الأغلبية – يختزل مفهوم التمثيل في كونه فناً للضحك والتهريج وإثارة النكتة، لا رسالة إنسانية أو تربوية توجه إلى المجتمع. لقد تراجع الوعي الجمعي بقيمة الفن ودوره، وتحول إلى مجرد وسيلة للتسلية الفارغة التي لا تزرع فكرة ولا تترك أثراً، وأصبح كل من يبتسم أمام الكاميرا يُحسب على الفن، حتى لو لم يحمل في أدائه أي معنى أو عمق.
إن الفن في جوهره رسالة نبيلة، غايتها تهذيب الذوق الإنساني وتربية الحس الجمالي وتطوير الوعي الاجتماعي. فالمسرح مثلاً، الذي وُصف يوماً بأنه أبو الفنون، لم يكن ساحة للضحك الرخيص، بل منبراً فكرياً يواجه الظلم وينتقد الانحرافات الاجتماعية. ففي تاريخنا العربي قدّم المبدع يوسف العاني أعمالاً مثل الخان والشريعة التي تناولت قضايا الإنسان العراقي ومعاناته بلغة فنية راقية جمعت بين الوعي والجمال. كذلك نجد سعد الله ونوس في مسرحياته مثل الملك هو الملك استخدم الكوميديا الهادفة كأداة لكشف الزيف السياسي والاجتماعي دون أن يسقط في الابتذال.
أما اليوم، فالمتتبع لما يُعرض في بعض الفضائيات ومواقع التواصل يجد أن المشهد الفني فقد بوصلة رسالته، وأصبح يعتمد على الضحك من أجل الضحك، متكئاً على الإيحاءات اللفظية والحركات المبالغ فيها دون محتوى فكري أو هدف تربوي. حتى أصبح الممثل الجاد أو المسرحي المثقف يُتهم بالجمود أو بعدم المواكبة، لأن السوق يريد الوجوه الخفيفة لا العقول الثقيلة. لقد ساهمت شبكات الميديا الحديثة في انتشار هذا النمط من التهريج الفني، فباتت المقاطع القصيرة هي الحكم في ذوق الجمهور، وتحوّل عدد المشاهدات إلى معيار للجودة بدلاً من المضمون أو الفكرة، وهكذا نشأت أجيال لا تملك ذائقة فنية حقيقية، بل تتغذى على ما يقدم لها من تفاهة يومية.
وامتدت آثار هذه الظاهرة إلى الأجيال الجديدة من الفنانين والشباب الطامحين للعمل في مجال التمثيل والإخراج، إذ أصبح النجاح في نظر الكثيرين يقاس بعدد المتابعين على مواقع التواصل أو بقدرتهم على إثارة الضحك اللحظي، لا بجودة الأداء أو عمق الفكرة. فبدلاً من أن يتخذ الموهوبون من سامي عبد الحميد او غيره من جيل الالتزام الفني قدوات لهم في الإتقان والجدية والالتزام برسالة الفن، صاروا يقلدون مؤثري الميديا الذين يخلطون بين الكوميديا والتهريج. هذا التحول أفقد الجيل الجديد معيار التمييز بين الفن والاستعراض، فغاب عنهم الحس النقدي والوعي الجمالي، وأصبحوا يظنون أن طريق الشهرة هو الضحك السريع لا الجهد الطويل والتدريب الصارم.
وهكذا بدأت المعاهد الفنية تخرّج شباباً بلا ثقافة مسرحية أو وعي اجتماعي، بل بنظرة تسويقية تضع الشهرة قبل الموهبة، والإعجاب الرقمي قبل القيمة الإنسانية. ولعل أخطر ما في الأمر أن هذا الجيل الجديد ينقل مفاهيمه إلى الجمهور الصغير سناً، فيتربى الأطفال والمراهقون على أن الفن مجرد مقاطع مضحكة لا وسيلة للتعبير أو التغيير. ومع مرور الوقت تتآكل الذائقة العامة ويتحول الفن إلى صناعة خفيفة بلا مضمون، أشبه بوجبات سريعة تملأ الفراغ ولا تشبع الوعي.
إن الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في تراجع مستوى الفن، بل في الأثر العميق الذي يتركه هذا الانحدار على وعي الناس وسلوكهم. فالفن حين يفقد رسالته، يفقد المجتمع جزءاً من روحه، والفن الذي لا يُربي الذائقة ولا يثير التفكير يصبح مجرد ضجيج بصري وصوتي يُستهلك سريعاً دون أثر. لذلك، لا بد من عودة الوعي إلى الساحة الفنية من خلال دعم الفن الراقي وتوفير منابر للمبدعين الحقيقيين وتشجيع الأعمال التي تزرع في المشاهد إحساساً بالجمال والمعنى، لا تلك التي تثير الضحك العابر. فالمجتمع لا ينهض إلا بثقافة تبني الإنسان من الداخل، والفن هو البوابة الأوسع لذلك البناء.
وحين يصبح التهريج هو سيد المشهد، تموت الذائقة ويتحول الفن من رسالة إلى سلعة، لكن الأمل باقٍ ما دام هناك من يؤمن بأن التمثيل ليس نكتة تُروى بل فكرة تُغرس في الوجدان، وأن المسرح والدراما ليسا للهروب من الواقع، بل لمواجهته بجرأة ووعي وجمال.



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا نجحت المرأة الامية وفشلت المرأة العصرية ؟!!
- لاتظلموا
- حب في مدار الزمن
- ردهات الطوارئ.. المريض بين الإهمال والديكور الطبي
- الطالب والكتاب .. خصومة مع الحياة
- القائمة الحمراء تطيح بالجامعات العراقية
- أبو صابر المسكين على موائد الطهاة
- جامعة للبيع .. والرصانة في إجازة !
- ارتباك الإدارة العراقية بين تعليمات الوزارات وغياب الثوابت
- وأد الإبداع في المدارس العراقية
- ضمير المهنة وشرف الكلمة
- الوعود الزائفة… تجارة المواسم الانتخابية
- رماد الذاكرة
- قراءة نقدية في نص - رمزية العشق -
- أنا .. وأنتِ
- حين يخبو مصباح العمر
- كيف تصنع صحفيا ماهرا ..؟ !!
- خالد النبل والاخلاق
- تاريخ التحقيق الصحفي في العراق وكتابه .. النشأة والتطور
- ملاذ الأمين .. بين وهج الحرف وصدق الميدان


المزيد.....




- ميغان ماركل تعود إلى التمثيل بعدغياب 8 سنوات
- بمناسبة مرور 100 عام على ميلاده.. مهرجان الأقصر للسينما الأف ...
- دراسة علمية: زيارة المتاحف تقلل الكورتيزول وتحسن الصحة النفس ...
- على مدى 5 سنوات.. لماذا زيّن فنان طائرة نفاثة بـ35 مليون خرز ...
- راما دوجي.. الفنانة السورية الأميركية زوجة زهران ممداني
- الجزائر: تتويج الفيلم العراقي -أناشيد آدم- للمخرج عدي رشيد ف ...
- بريندان فريزر وريتشل قد يجتمعان مجددًا في فيلم -The Mummy 4- ...
- الكاتب الفرنسي إيمانويل كارير يحصد جائزة ميديسيس الأدبية
- -باب البحر- في مدينة تونس العتيقة لا يطل على البحر
- -طاعة الزوج عبادة-.. فنانة خليجية تشعل جدلا بتعليق


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - سقوط الذائقة الفنية في الفن المسرحي والتلفزيوني