عماد الطيب
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 8518 - 2025 / 11 / 6 - 07:55
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
في زمنٍ أصبحَت فيه الشهاداتُ تُباع وتُشترى كما تُباع السلع في الأسواق، يبرز سؤال جوهري: هل ما زال العلم قيمةً، أم تحوّل إلى وسيلةٍ للتزيّن الاجتماعي والوجاهة الوظيفية؟
لقد أصبح من المؤلم أن نشهد موجة جامعات في دول الجوار وغيرها تُغري الطامحين العراقيين بشهادات عليا تُمنح بالدفع العاجل، لا بالجهد العلمي ولا البحث الرصين. هذه الشهادات التي تُمنح في قاعاتٍ لا تُشبه قاعات العلم إلا بالاسم، صارت أشبه بتذاكر عبور إلى وجاهةٍ مصطنعة لا تمتّ إلى المعرفة الحقيقية بصلة.
إنّ رفض التورّط – من قبل كاتب السطور وغيره - في مثل هذه الشهادات ليس تعالياً ولا ترفاً فكرياً، بل هو دفاعٌ عن الكرامة الأكاديمية التي تآكلت بفعل السوق المفتوح للعلم المزيف. فماذا يعني أن يقضي الإنسان عمره في اختصاصه، باحثاً ومجتهداً ومبدعاً، ثم يذهب ليشتري ورقةً تضعه في مصافّ من لم يكتب بحثاً واحداً بعرق فكره؟
إنّ خطورة هذه الظاهرة لا تقف عند حدود الفرد، بل تمتدّ إلى البنية المعرفية للمجتمع بأسره، إذ يتحوّل التعليم إلى وسيلة للربح، ويصبح معيار الكفاءة هو القدرة على الدفع لا على البحث. فتضعف الجامعات الحقيقية، وتُهمّش الطاقات العلمية الأصيلة، وتُمنح المناصب لمن لا يستحقّونها إلا بفضل شهادةٍ مشبوهة جاءت من بوابة "الرصيد البنكي" لا من محراب الفكر.
إنّ من يرفض هذه الشهادات يحمي نفسه وتاريخه المهني من التلوث. فالكرامة العلمية لا تُشترى، والسمعة الأكاديمية تُبنى بسنواتٍ من العمل لا بورقة مختومة. فليظلّ المرء بلا شهادةٍ إن كانت الشهادة تُشبه تذكرةً مزوّرة، فالعلم لا يُقاس بما يُعلّق على الجدران، بل بما يُرسّخ في العقول ويُثمر في السلوك والمجتمع.
في النهاية، يبقى الشرف الأكاديمي أسمى من أي لقبٍ علمي مزيف. ولعلّ من يتشبّث برصانته في زمن التزوير هو الأكاديمي الحقيقي، وإن لم يحمل شهادة، لأنه يحمل ما هو أثمن: الضمير العلمي والوفاء للمعرفة الصادقة.
#عماد_الطيب (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟