عماد الطيب
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 8520 - 2025 / 11 / 8 - 06:57
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
كل صباح، أرى أمامي مشهدًا لا يطاق .. أطفال صغار، أعمارهم بالكاد تسمح لهم بالمشي بثبات، يحملون حقائب ضخمة وكأنهم على مشارف حرب، لا مدرسة. كتب، دفاتر، ملفات، وكل هذا الحمل يجعل من ظهر الطفل ملعبًا للأوجاع قبل أن يبدأ يومه الدراسي.
المسؤولون في وزارة التربية والمدارس يشاهدون هذا المشهد يوميًا، لكن يبدو أن أذهانهم مشغولة بأمور ( أهم ) . بينما الطفل يئن تحت وطأة حقيبته. هل هذا هو الإصلاح التعليمي؟ أم هو اختبار لصبر الأطفال ومتانة ظهورهم؟
لا أحد يجرؤ على الحديث عن الحلول العملية .. تقليل عدد الكتب اليومية، تقسيم الواجبات على أيام الأسبوع، أو استخدام الوسائل التكنولوجية لتخفيف العبء. بل يكتفي النظام التعليمي بالسكوت، مبررًا إهماله بأعذار فارغة مثل "المناهج مكتملة" أو "هذه مسؤولية أولياء الأمور". أي مسؤولية؟ مسؤولية أن يُصاب الطفل بآلام الظهر قبل أن يعرف معنى المدرسة؟
الأمر لم يعد مجرد شكوى؛ إنه فضيحة يومية تُرتكب بحق الأطفال. المدرسة التي يفترض أن تكون واحة للمعرفة واللعب لا تتحول إلا إلى معسكر تدريب جسدي، حيث كل كتاب زائد هو أداة تعذيب، وكل حقيبة ثقيلة هي عقوبة على مجرد الرغبة في التعلم.
لم يعد الأمر مجرد مشهد يثير الشفقة، بل مشكلة صحية حقيقية تتفاقم بصمت. فحمل الحقائب المدرسية الثقيلة يوميًا يترك آثارًا خطيرة على أجسام الأطفال في مراحل النمو. الأطباء يحذرون من أن الوزن الزائد على الظهر يسبب انحناء العمود الفقري وتشوه القامة وضعف العضلات، وقد يؤدي مع الوقت إلى آلام مزمنة في الرقبة والكتفين وأسفل الظهر يصعب علاجها لاحقًا. كما أن الضغط المستمر على الفقرات قد يؤثر في نمو العظام وتوازن الجسم، ويخلق لدى الطفل شعورًا دائمًا بالإرهاق والتعب حتى قبل بدء الدوام المدرسي. هذه ليست مبالغات طبية، بل حقائق تؤكدها الحالات التي تزداد في العيادات يوماً بعد يوم، بينما تستمر المدارس في تجاهل هذه الكارثة وكأنها لا تعنيها. إننا ببساطة نُرهق أجساد أطفالنا قبل عقولهم، ونغرس فيهم الألم بدل حب التعلم.
إذا لم تتحرك وزارة التربية سريعًا، فلن نكون مجرد متفرجين على آلام أطفالنا، بل مشاركين في جريمة تعليمية كاملة الأركان. الأجيال القادمة لن تتذكر ما تعلموه من الكتب، لكنها لن تنسى أوجاع ظهورهم وحرمانهم من طفولة طبيعية.
#عماد_الطيب (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟