أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - فراسة الحب














المزيد.....

فراسة الحب


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8522 - 2025 / 11 / 10 - 03:37
المحور: الادب والفن
    


لم تكن قدرتها على قراءة النفوس مجرد موهبة فطرية، بل نتيجة لذكاء عاطفي نادر وحساسية مفرطة للعالم من حولها. كانت تراقب التفاصيل الصغيرة التي يغفل عنها الآخرون: تغير نبرة الصوت، طريقة حركة اليد، أو حتى نظرة عابرة. من كل ذلك، كانت تستخلص الحقائق التي يخفيها الآخرون. كان ذكاؤها وفراستها أشبه بمرآة، تعكس كل ما تحاول إخفاءه حتى عن نفسك. ربما كان هذا أحد أسباب حبي العميق لها. شعرت أنني أمام شخص يرى كل شيء فيّ، ولا يزال يتقبلني بكل عيوبي وضعفي.
في لقائنا الأخير بعد ثلاثين عامًا، وبينما كنا نتحدث عن حياتها وتجاربها، سألتها: " كيف كنتِ تقرئين الجميع بهذه السهولة؟"
ابتسمت وقالت: " لم أكن أقرأ الناس، بل كنت أستمع جيدًا. كل وجه، كل حركة، كل صمت... يخبرك بقصته إن كنت صبورًا بما يكفي لتسمع."
أدركت حينها أن ذكاءها لم يكن مجرد موهبة، بل كان نتيجة تفانٍ في فهم العالم من حولها، وفهم الناس بما يحملونه من تعقيد وجمال في آنٍ واحد.
كنت أراها كزهرة نادرة في بستان الحياة، جمالها لم يكن في مظهرها فقط، بل في روحها التي تنبض بالحياة والفكر والفن. كنت أحبها بصمت، ذلك الحب الذي ينمو في الظل، حيث لا كلمات تصفه ولا جرأة تعلنه.
كنت أعيش على أطراف حلم، أراقبها من بعيد، أخاف أن أقترب فتذبل، أو أن أضعف أمام سطوة حضورها. كانت بالنسبة لي أكثر من امرأة؛ كانت فكرة، لوحة، قصيدة لم تكتمل.
لكن الحياة لا تنتظر المترددين. وبينما كنت أعيش في دوامة التمني، جاء غيري، أكثر جرأة وربما أقل إدراكًا لقيمتها الحقيقية. قطفها كزهرة في بستان، وكأنها جائزة تُمنح لمن يسبق. لم أكن ألومه، بل لُمت نفسي على كل لحظة انتظرت فيها توقيتًا مثاليًا لم يأتِ أبدًا.
عندما فقدتها، شعرت وكأن جزءًا مني قد انطفأ. كنت أمشي في الشوارع وأرى وجهها في كل امرأة. أسمع صوتها في كل أغنية. أقرأ ملامحها بين السطور التي كنت أكتبها على عجل كي أفرغ وجعي.
ذات يوم، التقيت بها في مكان عملها. كانت تبتسم، تلك الابتسامة التي كنت أظن أنها لي وحدي. شعرت أن الزمن توقف، وكل شيء من حولي صار صامتًا. تساءلت: هل هو يفهمها كما كنت أفهمها؟ هل يرى في عينيها ذلك العمق الذي كنت أغرق فيه؟
بعد سنوات طويلة، عندما التقينا مجددًا، لم أسألها أبدًا عن تلك الأيام. كنت أريد أن أترك الماضي في مكانه، لكن نظرة واحدة منها كانت كافية لتعيدني إلى تلك اللحظة.
قالت لي يومها: " كنت تعرفني أكثر مما عرفني أي شخص آخر."
ابتسمت بصمت. لم أكن بحاجة لتبرير الماضي أو لإحياء الندم. في تلك اللحظة أدركت أن الحب الذي حملته لها، رغم الفقد، كان كافيًا. لم يكن الحب يحتاج دائمًا إلى امتلاك، أحيانًا يكفي أن تحب شخصًا وتبقى ذكراه في قلبك كقصيدة جميلة لم تكتمل، لكنها خالدة.
كنت اردد بعض ابيات الشعر : يا أملًا أضاءَ ليالي الظلامِ، .. ورسمَ في دروبي ألوان الأحلامِ، .. يا زهرةً نبتت في بستان قلبي، .. تُضيء كالشمس رغم كل الآلامِ. .. كم كنتُ أبحث عنكِ بين السراب .. فوجدتُكِ نورًا يبدد الضباب .. في اسمكِ يكمن سر الحياة .. وفي حروفه معنى النجاة .
الاشتياق هو نغمة خافتة تعزفها الروح في صمت، تملأ قلبي بشغف لا يُحتمل، وتدفعني نحوك في كل لحظة، كأنك النبض الذي يحيي جسدي. أشتاق لك حتى تتداخل أنفاسي مع أنفاسك، ويصبح وجودك في خيالي كحكاية لا نهاية لها، حلم يتجدد في كل لحظة، يلامسني ويهتز له قلبي. حين يقف الزمن ساكنًا ويصبح كل شيء في الحياة مجرد خيال بعيد، وأبقى أتساءل: متى ستأتي؟ متى ستعود إليّ وتملأ عالمي من جديد؟ في تلك اللحظات، يصبح كل شيء حولي غير ذي معنى، سوى صوت قلبى الذي ينبض باسمها، وتلك النظرات المتلهفة التي تراقب الأفق بانتظارها، كزهرة تبحث عن ضوء الشمس بعد طول الظلام. من كتاب ( دموع .. وأمل ) .



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصمت الانتخابي... الهدوء الذي فضح كل شيء
- اعلام الضجيج
- الحقائب المدرسية .. حقائب اثقل من طفولة اطفالنا
- أكتب كي احيا
- حمورابي… رز ولحم بطعم الحضارة
- ارتجافة الحب الاول
- الشهادة بين الرصانة والابتذال العلمي
- المستشفيات الأهلية وشرف المهنة
- مهرجانات للتهريج
- سقوط الذائقة الفنية في الفن المسرحي والتلفزيوني
- لماذا نجحت المرأة الامية وفشلت المرأة العصرية ؟!!
- لاتظلموا
- حب في مدار الزمن
- ردهات الطوارئ.. المريض بين الإهمال والديكور الطبي
- الطالب والكتاب .. خصومة مع الحياة
- القائمة الحمراء تطيح بالجامعات العراقية
- أبو صابر المسكين على موائد الطهاة
- جامعة للبيع .. والرصانة في إجازة !
- ارتباك الإدارة العراقية بين تعليمات الوزارات وغياب الثوابت
- وأد الإبداع في المدارس العراقية


المزيد.....




- زلزال في -بي بي سي-: فيلم وثائقي عن ترامب يطيح بالمدير العام ...
- صورة -الجلابية- في المتحف تثير النقاش حول ملابس المصريين
- مهرجان -القاهرة السينمائي- يعلن عن أفلام المسابقة الدولية في ...
- زلزال في -بي بي سي-: فيلم عن ترامب يطيح بالمدير العام ورئيسة ...
- 116 مليون مشاهدة خلال 24 ساعة.. الإعلان التشويقي لفيلم مايكل ...
- -تحيا مصر وتحيا الجزائر-.. ياسر جلال يرد على الجدل حول كلمته ...
- منتدى مصر للإعلام يؤكد انتصار الرواية الفلسطينية على رواية ا ...
- بابكر بدري رائد تعليم الإناث في السودان
- -على مدّ البصر- لصالح حمدوني.. حين تتحول الكاميرا إلى فلسفة ...
- هل تحلم بأن تدفن بجوار الأديب الشهير أوسكار وايلد؟ يانصيب في ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - فراسة الحب