عماد الطيب
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 8521 - 2025 / 11 / 9 - 12:47
المحور:
كتابات ساخرة
جاء الصمت الانتخابي كاستراحة من الجنون الجماعي، كأن الوطن تنفس للمرة الأولى بعد موسم طويل من الضحك المصطنع والوعود المنفوخة كالفقاعات. توقفت مكبرات الصوت التي كانت تُخبرنا صباح مساء أن “العراق بخير” وأن “المرحلة القادمة هي مرحلة البناء”، وكأننا كنا في عطلة من التاريخ طوال السنوات الماضية.
الجميل في الصمت الانتخابي أنك تسمع صوت عقلك بعد أن طمسته ضوضاء الدعايات. تكتشف فجأة أن الشوارع كانت تبتسم أكثر من المرشحين أنفسهم، وأن الجدران حفظت وجوههم عن ظهر قلب حتى أصبحت تصلح كأرشيف وطني للكذب.
لم نعد نسمع من يعدنا بوظائف خرافية أو مشاريع ستُغيّر وجه العراق. لا أحد يوزع “بطانيات الديمقراطية” أو “سلال الإصلاح” التي تظهر فقط في مواسم الاقتراع. حتى “المجاهدين في سبيل الصوت” اختفوا، أولئك الذين كانوا يجوبون الاحياء السكنية حاملين منشورات وكأنهم رسل الحق، فإذا انتهت الحملة عادوا إلى سباتهم الانتخابي حتى إشعارٍ آخر.
في هذا الصمت، لا أحد يتحدث عن الفقراء، لأن الفقراء لا يُذكرون إلا في الحملات، ولا أحد يزور المستشفيات لالتقاط صور “الإنسانية”، ولا أحد يزرع شجرة أمام الكاميرا ليتباهى بالبيئة. كل شيء عاد إلى حجمه الطبيعي… حتى الأقنعة.
الصمت الانتخابي كشف لنا كم كانت المدينة صاخبة بالتصنّع، وكم نحن بحاجة إلى قانون يُلزمهم بالصمت طوال السنوات الأربع لا يومين فقط!
إنه الهدوء الذي يذكّرك بأن الضجيج لم يكن حبًا بالوطن بل إعلانًا مدفوع الأجر للكرسي. الصمت الانتخابي أنقذنا من الوعود، لكنه لم ينقذنا من أصحاب الوعود… ومع ذلك، نشكره، لأنه منحنا يومين نسمع فيهما الحقيقة بصوتٍ خافت: الكذبة انتهت، والمسرحية ستبدأ بعرضٍ أطول من كل ما سبق.
ولعل أجمل ما في الأمر أن المواطن العراقي بدأ يحلم، ليس فقط بإطالة الصمت الانتخابي، بل بتمديده ليشمل الصمت البرلماني أيضًا، صمتٌ أبدي لا جلسات فيه ولا تصريحات ولا مؤتمرات تُعقد لتبرير الفشل. يتمنى العراقي أن يصبح الصمت قانونًا دائمًا، لأن كل مرة ينطق فيها أحدهم باسم الوطن، تحدث كارثة صغيرة في الواقع!
#عماد_الطيب (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟