أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - حلم المسافات الطويلة














المزيد.....

حلم المسافات الطويلة


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8524 - 2025 / 11 / 12 - 10:05
المحور: الادب والفن
    


كنت اعمل في إحدى الجامعات. هناك اختبارات القبول لدراسة الدكتوراه. كان العمل روتينيًا، والأيام متشابهة. حتى رأيتها. التقيت بها امام باب القاعة نظرت الى وجهها مسني ذلك التعبير الذي لم أنسه أبدًا: مزيج من الشغف والترقب.
كأن الزمن توقف. كانت هي، المرأة التي أحببتها قبل ثلاثين عامًا. لم تتغير كثيرًا، سوى بعض التفاصيل بجسدها، وزادت بريقًا لعينيها. حملت أوراقها استعدادا للامتحان . لم أستطع مقاومة السؤال ووجهته لنفسي : "أهذه صدفة أم أن القدر يعيد ترتيب أوراقه؟" بعد انتهاء الامتحان، قررت أن التقي بها ونجلس بضع دقائق. شعرت أن الكلمات تختنق في حلقي، لكنني استجمعت شجاعتي وقلت: أعتقد أننا التقينا من قبل . ابتسمت تلك الابتسامة التي كنت أعرفها جيدًا وقالت: " ثلاثون عامًا مضت، أليس كذلك؟"
كأنها كانت تنتظر هذا اللقاء. جلست بجانبها في أحد النوادي في الجامعة. بدأنا الحديث عن الماضي، كيف افترقنا، وكيف عاشت هي حياة مليئة بالدراسة ومشاغل الحياة. أخبرتني أنها لم تتوقف يومًا عن الرسم أو الكتابة، وأنها اليوم تسعى للحصول على درجة الدكتوراه لتحقق حلمًا قديمًا. شعرت أن الماضي عاد ليضع ثقله على صدري، لكن هذه المرة لم يكن ثقلًا مؤلمًا، بل دافئًا. لم أكن أعرف ما أقول.
قبل أن نفترق تلك الظهيرة، سألتها: " هل يمكننا أن نستعيد ما مضى؟" نظرت إليّ بصمت، وكأنها تفكر في الإجابة. ثم قالت: " لا شيء يعود كما كان، لكننا دائمًا نستطيع أن نخلق شيئًا جديدًا."
رحلت بعدها، ولم أكن أعرف إن كان هذا اللقاء هو نهاية حكايتنا أم بدايتها من جديد. لكنني أدركت أن الحب، وإن بدا أنه يتلاشى، يظل حبيس الزمن ينتظر لحظة ليتنفس من جديد.
كانت الهدية بالنسبة لي أكثر من مجرد إشارة رمزية؛ كانت رسالة صامتة تحمل بين طياتها ما عجزت عن قوله بكلمات. سبق وان اهديت لها كتابًا للشاعر محمود درويش، ليس لأنني أردت إهداء كتاب عادي، بل لأنه كان يشبهها: عميقًا، مشحونًا بالمشاعر، ومليئًا بالأسئلة. على الصفحة الأولى كتبت عبارة مقتضبة: " كل الكلمات يمكن إن تؤول، فلن أكتب إلا اسمي."
كانت تلك العبارة تعني الكثير، كأنني أقول إنني، أمام عظمة الشعر وقدرته على التعبير، لا أحتاج سوى أن أترك بصمتي أمامها، كأن اسمي وحده كافٍ ليُخبرها عن حضوري وعن مشاعري. لكنني لم أكتفِ بالكتاب. شعرت أن عليّ أن أُهديها شيئًا آخر، شيئًا يمثّلنا نحن الاثنين. حين رأيت تلك الكرة البلورية في متجر صغير، تحيطها هالة من السحر، علمت فورًا أنها الهدية المناسبة. كانت تحتوي على سمكتين صغيرتين تسبحان في عالم مصغر، أشبه بعالم خيالي، منفصل عن كل ما يحيط بنا. حين سلمتها الكرة، قلت لها: " هذه السمكتان تمثلان أنا وأنتِ، في عالم خاص بنا، عالم لا يعرفه أحد ولا يقترب منه أحد. ربما هو عالم من الخيال، لكنه جميل." نظرت إليها وهي تمسك الكرة البلورية بين يديها، كأنها تحمل شيئًا ثمينًا لا تريد أن تفقده. ابتسمت، ولم تقل شيئًا.
مرت الأيام، ولم أعرف أبدًا كيف شعرت حيال تلك الهدايا. لكنها بقيت بالنسبة لي ذكرى لا تُنسى. كانت السمكتان، في عالمهما الصغير، تمثلان ذلك الحلم الذي أردت أن أعيشه معها. حلم لم يتحقق يومًا، لكنه ظل نابضًا بالحياة في تلك الكرة البلورية، تمامًا كما ظل حبها حيًا في أعماقي، على الرغم من السنين التي مرت. وفي لقائنا بعد ثلاثين عامًا، عندما تحدثنا عن الماضي، سألتها إن كانت لا تزال تملك الكرة البلورية. ابتسمت وقالت:
"إنها على رف سريري. السمكتان ما زالتا تسبحان." أدركت حينها أن جزءًا من عالمنا الخيالي ما زال حيًا، حتى لو كان في مكان بعيد، داخل ذاكرة أو رف منزلي، أو حتى في أعماق القلب.
كانت تلك المرأة مختلفة عن الجميع، ليس فقط لأنها تجمع بين الفن والشعر والقصة، بل لأنها امتلكت عقلًا نادرًا، يوازن بين الحكمة والعاطفة، وبين التحليل والحدس.
كانت ذكية بطريقة لافتة، لا تعبر عن ذكائها بالكلمات الثقيلة أو استعراض المعرفة، بل بصمتها المدروس ونظرتها العميقة. حين كانت تتحدث، تشعر وكأنها تنظر مباشرة إلى روحك، تقرأ ما تخفيه وراء الكلمات، كأنها تمتلك قدرة غير عادية على فك شيفرة النفوس. من كتاب ( دموع .. وأمل ) .



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- احلام ذلك الزمان
- المثقف وورقة الاقتراع
- المثقفون واشكالية السلطة
- دولة الجسور والمولات... وجنازة الصناعة العراقية
- فراسة الحب
- الصمت الانتخابي... الهدوء الذي فضح كل شيء
- اعلام الضجيج
- الحقائب المدرسية .. حقائب اثقل من طفولة اطفالنا
- أكتب كي احيا
- حمورابي… رز ولحم بطعم الحضارة
- ارتجافة الحب الاول
- الشهادة بين الرصانة والابتذال العلمي
- المستشفيات الأهلية وشرف المهنة
- مهرجانات للتهريج
- سقوط الذائقة الفنية في الفن المسرحي والتلفزيوني
- لماذا نجحت المرأة الامية وفشلت المرأة العصرية ؟!!
- لاتظلموا
- حب في مدار الزمن
- ردهات الطوارئ.. المريض بين الإهمال والديكور الطبي
- الطالب والكتاب .. خصومة مع الحياة


المزيد.....




- الفنان المغترب سعدي يونس : مثلت مع مائدة نزهت، وقدمت مسرحية ...
- لبنان.. تقليد الفنان صلاح تيزاني -أبو سليم- وسام الاستحقاق
- فيلم -ذا رَننغ مان-.. نبوءة ستيفن كينغ تتحوّل إلى واقع سينما ...
- -العطر والدولة- لكمال القصير يبحث في تناقضات وتحولات الوعي ا ...
- مؤسسة منتدى أصيلة تفوز بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون ...
- فيلم ”نسور الجمهورية” في مهرجان ستوكهولم السينمائي
- هل انتهى عصر الألعاب حقًا؟.. الشاشات هي العدو في الإعلان الت ...
- -شر البلاد من لا صديق بها-.. علاقة الإنسان بالإنسان في مرآة ...
- غانا تسترجع آثارا منهوبة منذ الحقبة الاستعمارية
- سرقة قطع أثرية ذهبية من المتحف الوطني في دمشق


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - حلم المسافات الطويلة