عماد الطيب
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 8524 - 2025 / 11 / 12 - 10:05
المحور:
الادب والفن
لو تسألني ما الأمنية التي لم تتحقق وأنا على أعتاب الستين ؟ ، لأجبتك بلا تردد: تمنيت أن أكون كاتب سيناريو.
تمنيت أن أكتب تلك الحوارات التي تنبض بالحياة، وتتحرك على الشاشة كأنها شظايا من قلبي، أن أصنع عالماً من الضوء والظل، أن أقول ما لا يُقال في الواقع بلغة الصورة والمشهد، لا بلغة الخطب والكلمات.
في طفولتي كنتُ أحلم بالطيران، أمد يدي إلى السماء كأنني سأمسك الغيوم، ألاحق الطائرات بنظري كأنها أحلامي المؤجلة. لم أكن أعلم أن الطيران الحقيقي ليس بأجنحة الحديد، بل بخيال يطير بك فوق حدود الممكن.
وفي مرحلة الشباب ، تبدلت الأحلام، واتسعت العدسة التي أرى بها الحياة. تمنيت أن أكون مخرج أفلام، وكنت أعيش كل لحظة كأنها مشهد سينمائي. أنظر إلى وجوه الناس فأقرأ فيها اللقطات القريبة، وإلى الشوارع فأراها ديكوراً حقيقياً لحكايات لم تُروَ بعد. كانوا يلقبونني بـ"العقاد"، تيمناً بالمخرج الراحل مصطفى العقاد، الذي صنع من الكلمة والمشهد رسالة خالدة. وكنت فخوراً بهذا اللقب، أحتضنه كأنه اعتراف مبكر بقدري الذي لم يتحقق.
كنتُ أرى الدنيا بعين المخرج، أرتب تفاصيلها في ذهني كما يرتب المخرج مشاهده قبل التصوير. أصبت بهوس الصورة، وجنون اللقطة، وشغف الحكاية. كنت أبحث عن الضوء في العتمة، وعن الصدق في الوجوه، وعن لحظةٍ واحدةٍ تقول كل شيء دون أن تنطق.
لكن الحياة – كما الأفلام – لا تسير دائماً حسب النص. هناك مشاهد تُحذف، وأحلام تُؤجل، وأدوار تُسند لغيرك. ومع ذلك، بقي في داخلي المخرج الصغير الذي يرى العالم بزاوية مختلفة، وكاتب السيناريو الذي لا يزال يخطُّ في دفاتره أفلاماً لم تُصور بعد.
ربما لم أحقق حلمي، لكني أعيشه كل يوم بطريقة أخرى. أكتبه في مقالاتي، في تأملاتي، في نظرتي للأشياء. فالحياة نفسها فيلم طويل، ونحن جميعاً نكتب سيناريوهاتها من دون أن نشعر.
وأنا اليوم، في الستين من عمري، أقول لنفسي: لم يفت الأوان بعد. ربما ما زال هناك مشهد لم يُكتب بعد… وربما آخر لقطة ستكون أجمل ما في الفيلم.
#عماد_الطيب (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟