أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - المثقف وورقة الاقتراع














المزيد.....

المثقف وورقة الاقتراع


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8523 - 2025 / 11 / 11 - 10:29
المحور: الادب والفن
    


في العراق، يظل دور المثقف في الحياة السياسية شبه غائب، وكأن البرلمان مؤسسة منفصلة عن الحقل الثقافي والفكري للبلاد. مجلس النواب، الذي يُفترض أن يكون مرآة للمجتمع بكل طبقاته، لا يستعين عادة بالمثقفين ولا يفتح لهم المجال ليشاركوا في صياغة السياسات. السؤال هنا: لماذا يغيب المثقف عن المشهد النيابي؟ ولماذا يفشل غالباً إذا قرر الترشح؟
أول أسباب ذلك هو طبيعة العملية الانتخابية نفسها. الانتخابات في العراق، كما في كثير من الدول ذات الأنظمة الهشة أو ما بعد الصراع، غالباً ما تقوم على الولاءات الحزبية والقبلية أو المحسوبية المالية، لا على الكفاءة أو البرنامج الفكري. المثقف الذي يعتمد على قيم المعرفة والمشروع الوطني والقدرة على التحليل النقدي، يجد نفسه محاصراً بين المال السياسي والنفوذ العشائري، وهما عنصران يفرضان هيمنتهما على صناديق الاقتراع أكثر من أي برنامج ثقافي أو وطني.
ثاني سبب يكمن في ضعف الرصيد الشعبي للمثقفين. المجتمع العراقي، نتيجة سنوات طويلة من الحروب والفوضى والتحديات الاقتصادية، يميل غالباً إلى الممثل الأقوى حضوراً أو الأكثر وعوداً بالمنفعة المباشرة، بينما يبتعد عن خطاب المثقف الذي يركز على الرؤية طويلة الأمد والتغيير البنيوي. المثقف يُنظر إليه أحياناً بعين الشك: هل هو بعيد عن الواقع؟ هل خطابُه معقد وغير قابل للتطبيق؟ هذه النظرة تجعل من الترشح النيابي تحدياً مزدوجاً: مواجهة النظام الانتخابي القائم، وتغيير صورة المجتمع عن المثقف نفسه.
ثالثاً، غياب المثقفين في البرلمان له انعكاسات واضحة على صناعة القرار السياسي. السياسات غالباً ما تكون قصيرة المدى، وردّات فعلية على الأحداث، مع ضعف التفكير الاستراتيجي أو الخطط التنموية العميقة. الفشل في دمج المثقفين ضمن البرلمان ليس مجرد خسارة للمثقفين أنفسهم، بل خسارة للمجتمع كله، لأنه يحرم نفسه من رؤية نقدية متعمقة وخططاً عقلانية بعيداً عن المصالح الفئوية الضيقة.
من منظور نفسي واجتماعي، المثقف في الانتخابات العراقية يقع في مأزق مزدوج: لا يملك القوة المالية للشراء السياسي، ولا يمتلك الحاضنة الشعبية الواسعة التي تحميه من التضييق الإعلامي والسياسي. وفي الوقت نفسه، يظل جزء من المجتمع يقدّر المثقف، لكنه يراه خارجاً عن "واقع السياسة"، فتبقى مشاركته السياسية مقتصرة على الكتابة والتحليل، لا على اتخاذ القرار.

باختصار، فشل المثقف في الوصول إلى البرلمان ليس ناتجاً عن نقص في الكفاءة أو الرؤية، بل عن تعقيدات سياسية واجتماعية تجعل المال والولاء والانتشار الإعلامي أدوات الحسم، بينما تبقى الثقافة والمعرفة حبيسة صفحات الكتب والخطب الأكاديمية. وهكذا يظل البرلمان العراقي يعكس القيم الفئوية الضيقة أكثر من أن يعكس عقل المجتمع المثقف، وتظل أصوات المثقفين مسموعة على الورق، لكنها غير مؤثرة على الأرض.
إن ورقة الاقتراع، التي يفترض أن تكون أداة وعي، تحولت في العراق إلى أداة تضليل، تُستخدم لإعادة إنتاج ذات الوجوه والولاءات. أما المثقف، فظل يتعامل معها بحذر، لأنها في وعيه ليست سوى مرآة مشروخة تعكس اختلال منظومة القيم العامة. هو يعرف أن صوته الفردي قد لا يغيّر المعادلة، لكنه يدرك أيضاً أن مقاطعته تترك الساحة فارغة للانتهازيين. فيعيش المثقف بذلك الصراع الدائم بين الواجب الوطني والإحباط الواقعي.
السؤال الأهم: لماذا لم تشهد الساحة السياسية حضوراً فعلياً للثقافة؟
الجواب لأن السياسة في العراق ما زالت تُدار بعقلية الغنيمة لا بعقلية الدولة. المثقف يزعج هذه المنظومة لأنه يسائلها ويكشف عوراتها، بينما السياسي الشعبوي يحتاج إلى جمهور مطيع لا يفكر. لذلك جرى إقصاء المثقف بشكل ممنهج، ليس بالقمع المباشر كما في الماضي، بل بالتهميش والتسقيط والإغراق في تفاصيل الحياة اليومية حتى يُنهك.
لكن الأمل لا يموت. فالثقافة، وإن غابت عن البرلمان، لم تغب عن وعي الناس. هناك جيل جديد بدأ يميز بين الشعارات الفارغة والفكر الحقيقي، بين من يتحدث بصدق ومن يتقن فن التمثيل السياسي. ولعل الوعي التدريجي الذي يتسرب بصمت إلى عقول الشباب هو ما سيكسر في المستقبل تلك الإشكالية المزمنة بين المثقف وورقة الاقتراع، ليصبح الصوت الانتخابي تعبيراً عن وعي لا عن انفعال، وعن مشروع وطني لا عن صفقة انتخابية .



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقفون واشكالية السلطة
- دولة الجسور والمولات... وجنازة الصناعة العراقية
- فراسة الحب
- الصمت الانتخابي... الهدوء الذي فضح كل شيء
- اعلام الضجيج
- الحقائب المدرسية .. حقائب اثقل من طفولة اطفالنا
- أكتب كي احيا
- حمورابي… رز ولحم بطعم الحضارة
- ارتجافة الحب الاول
- الشهادة بين الرصانة والابتذال العلمي
- المستشفيات الأهلية وشرف المهنة
- مهرجانات للتهريج
- سقوط الذائقة الفنية في الفن المسرحي والتلفزيوني
- لماذا نجحت المرأة الامية وفشلت المرأة العصرية ؟!!
- لاتظلموا
- حب في مدار الزمن
- ردهات الطوارئ.. المريض بين الإهمال والديكور الطبي
- الطالب والكتاب .. خصومة مع الحياة
- القائمة الحمراء تطيح بالجامعات العراقية
- أبو صابر المسكين على موائد الطهاة


المزيد.....




- أحدثت بجمالها ثورة جنسية في عالم السينما.. وفاة بريجيت باردو ...
- عودة هيفاء وهبي للغناء في مصر بحكم قضائي.. والفنانة اللبناني ...
- الأمثال الشعبية بميزان العصر: لماذا تَخلُد -حكمة الأجداد- وت ...
- بريجيت باردو .. فرنسا تفقد أيقونة سينمائية متفردة رغم الجدل ...
- وفاة أيقونة السينما الفرنسية بريجيت باردو، فماذا نعرف عنها؟ ...
- الجزيرة 360 تفوز بجائزة أفضل فيلم وثائقي قصير بمهرجان في الس ...
- التعليم فوق الجميع.. خط الدفاع في مواجهة النزاعات وأزمة التم ...
- -ناشئة الشوق- للشاعر فتح الله.. كلاسيكية الإيقاع وحداثة التع ...
- وفاة أيقونة السينما الفرنسية بريجيت باردو عن 91 عاما
- وفاة أيقونة السينما الفرنسية.. بريجيت باردو


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - المثقف وورقة الاقتراع