أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - عماد الطيب - ضجيج بلا اثر














المزيد.....

ضجيج بلا اثر


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8526 - 2025 / 11 / 14 - 04:17
المحور: الفساد الإداري والمالي
    


ما لم تُستبدل ثقافة “القول المنمّق” بثقافة “الفعل المنجز”، ستبقى مؤسساتنا أسيرة لعبارات الوعود والتوصيفات البراقة التي لا تُترجم إلى واقع. في عالم الإدارة، لم تعد البلاغة معياراً للنجاح، بل أصبح الإنجاز هو اللغة الوحيدة المفهومة في زمن تتسارع فيه التحديات. فكم من مسؤول أرهقنا بخطاباته الطنانة وشعاراته الإصلاحية، لكنه في نهاية المطاف لم يقدّم سوى كلمات تذروها الرياح، تاركاً وراءه إدارات مثقلة بالوعود وعقيمة في التنفيذ.
الإدارة الناجحة لا تُقاس بما يُقال، بل بما يُنجز. حين نراجع تجارب الدول الناجحة، نلاحظ أن سرّ تقدمها يكمن في تحويل الخطط إلى أفعال، والرؤى إلى مشاريع ملموسة. فاليابان مثلاً لم تنهض لأنها أحسنت الحديث عن النهضة، بل لأنها جعلت من الفعل ثقافة مؤسساتية لا تتسامح مع التقصير. أما في عالمنا العربي، فغالباً ما يُستبدل الفعل بالتصريحات، والعمل الحقيقي بالمؤتمرات والبيانات الصحفية، حتى أصبحنا نعيش في “حقبة الوصف” لا “مرحلة الإنجاز”.
إن الخلل الإداري لا يكمن في قلة الموارد أو ضعف الإمكانات بقدر ما يكمن في هيمنة "اللوقراطية الإدارية" — أي حكم الكلام والشعارات — على حساب الإدارة الفاعلة القائمة على الكفاءة والنتائج. فالمدير الناجح ليس من يجيد تزيين التقارير أو إطلاق المصطلحات الإدارية الرنانة، بل من يحقق أثراً حقيقياً يلمسه المواطن والموظف على حد سواء.
وفي مؤسساتنا كثيراً ما تتحول الاجتماعات إلى منابر للحديث أكثر من كونها ورشاً للحلول. يتنافس البعض في عرض الأفكار النظرية بينما يغيب التنفيذ العملي. فتتكرر الأخطاء ذاتها لأن الكلام لا يترك أثراً في أرض الواقع ما لم يسنده الفعل. الإدارة الحقيقية تبدأ حين يتحول الحديث إلى خطة، والخطة إلى عمل، والعمل إلى نتيجة.
إن أحد أسباب تراجع الأداء المؤسسي هو غياب نظام المحاسبة القائم على النتائج. ففي المؤسسات التي لا يُسأل فيها أحد عمّا أنجز، يصبح الكلام وسيلة للهروب من المسؤولية. أما في المؤسسات المتقدمة، فالمعايير واضحة: ما الذي تحقق؟ ما الأثر؟ وكم تغيّر في حياة الناس؟ فبدون هذه الأسئلة تذوب الحقيقة في ضجيج الأقوال وتختنق الأفعال في الزوايا.
ولعل أخطر ما تخلّفه ثقافة القول المنمّق هو أنها تخلق وهماً جماعياً بالإنجاز. إذ يقتنع المسؤول أنه يعمل لأنه يتكلم كثيراً، ويصدق الموظف أن التطوير قريب لأنه يسمعه يتكرر في التصريحات. لكن هذا الوهم سرعان ما يتكشف حين نصطدم بواقع لا يعرف التغيير إلا بالاسم، ومؤسسات لم تغادر مكانها رغم ضجيج الخطابات.
إن الأمم التي تصنع مستقبلها تدرك أن الفعل هو أعظم أشكال الخطاب. فالطريق إلى الإصلاح لا يُعبد بالكلمات، بل بالإرادة والجدية والعمل اليومي الصبور. والإدارة الناجحة لا تبحث عن الأضواء، بل عن النتيجة. ومن يملك الشجاعة ليعمل بصمت هو وحده من يستحق أن يُقال عنه إنه قائد.
حين تنتصر ثقافة الفعل على ثقافة القول، ستتحول مؤسساتنا من مسارح للعرض الكلامي إلى مصانع للإنجاز. وسنكتشف أن الصمت المنتج أبلغ من الكلام المنمّق، وأن الحقيقة الوحيدة التي تبقى هي ما يُنجز فعلاً لا ما يُقال مجازاً.
إن الإصلاح الحقيقي يبدأ من تغيير الذهنية الإدارية، لا من تبديل الوجوه أو تجميل العبارات. فحين تُربط المناصب بالإنجاز لا بالمجاملة، وحين تُقاس القيمة بما يُقدَّم لا بما يُقال، سنرى تحوّلاً حقيقياً في بنية الدولة وأدائها. يجب أن تُزرع في مؤسساتنا ثقافة جديدة تؤمن بأن الصمت المبدع خير من الخطاب الفارغ، وأن الفعل الصغير الصادق أنفع من مئة وعد مزخرف.
فما تحتاجه الإدارات اليوم ليس مزيداً من الخطب والبيانات، بل إرادة شجاعة تنقل الأفكار من الورق إلى الواقع، وتحوّل الشعارات إلى برامج تُطبَّق على الأرض. عندها فقط سنطوي صفحة “اللوقراطية الإدارية”، ونكتب فصلاً جديداً عنوانه: “القول بالفعل” لا “القول للقول”.



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الانتخابات .. الوجه الآخر للقمر
- العراق بين الحلم المؤجل والواقع المرير
- حلم المسافات الطويلة
- احلام ذلك الزمان
- المثقف وورقة الاقتراع
- المثقفون واشكالية السلطة
- دولة الجسور والمولات... وجنازة الصناعة العراقية
- فراسة الحب
- الصمت الانتخابي... الهدوء الذي فضح كل شيء
- اعلام الضجيج
- الحقائب المدرسية .. حقائب اثقل من طفولة اطفالنا
- أكتب كي احيا
- حمورابي… رز ولحم بطعم الحضارة
- ارتجافة الحب الاول
- الشهادة بين الرصانة والابتذال العلمي
- المستشفيات الأهلية وشرف المهنة
- مهرجانات للتهريج
- سقوط الذائقة الفنية في الفن المسرحي والتلفزيوني
- لماذا نجحت المرأة الامية وفشلت المرأة العصرية ؟!!
- لاتظلموا


المزيد.....




- افتتاح منتزه -بيست لاند- الترفيهي في السعودية
- ميشيل يوه تلفت الأنظار بإطلالة -مستقبلية- في سنغافورة
- رغم تدمير معظم مستشفيات غزة.. إسرائيل تخطط لترحيل مرضى فلسطي ...
- الإمارات تعلن نتائج تحقيقات بقضية محاولة -تمرير عتاد عسكري- ...
- نائب رئيس -المؤتمر-: التاريخ يبرر -مخاوف التطرف- في السودان ...
- إحباط محاولة اغتيال مسؤول روسي رفيع في مقبرة.. أجهزة الأمن ا ...
- اقتحم السجادة الحمراء.. معجب يندفع فجأة نحو أريانا غراندي وس ...
- كيت بلانشيت تدعم الموضة المستدامة بإطلالة -ريش نباتي- في ميو ...
- سامي حمدي الصحفي البريطاني الذي احتجزته دائرة الهجرة بأمريكا ...
- ليس عملاً سهلاً… لماذا قد يرغب أي شخص في أن يصبح المدير العا ...


المزيد.....

- The Political Economy of Corruption in Iran / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - عماد الطيب - ضجيج بلا اثر