أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - الثقافة والفقر.. استثمار الوعي














المزيد.....

الثقافة والفقر.. استثمار الوعي


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8528 - 2025 / 11 / 16 - 09:45
المحور: الادب والفن
    


في كل المجتمعات، تُطرح أسئلة مؤلمة عن سرّ اقتران الثقافة بالفقر، ولماذا يبدو المثقف – في أغلب الأحيان – آخر من ينال حصته من الوفرة المادية رغم أنّه الأكثر تأثيراً في تشكيل الوعي وصناعة المستقبل. هذا السؤال ليس جديداً، لكنه يزداد إلحاحاً كلما اتّسعت الهوة بين من ينتجون الفكر وبين من يملكون السلطة والمال.
تاريخياً، ظلّ المثقف يعيش في منطقة رمادية بين السلطة والجمهور. فهو لا ينتمي إلى من يملكون النفوذ، ولا يتقن – في الغالب – لعبة المصالح التي تمنح الآخرين دخلاً وفيراً. فالمثقف مشغول بالقراءة والبحث والكتابة، ومشغول أكثر بفكرة “القيمة” لا “السعر”، بينما السوق لا يعترف إلا بما يمكن تسليعه. ولهذا نجد أن أولى إشكاليات الفقر مرتبطة بطبيعة المشروع الثقافي نفسه؛ مشروع لا يجلب الربح المباشر، بل يجلب المعرفة التي لا تُثمّن بالنقد المالي.
والشاهد الأوضح يكمن في بلداننا العربية، حيث تُعتبر الثقافة مجرد “ترف” لا حاجة إليه، فتُهمل المؤسسات التحفيز الحقيقي للكتّاب والمفكرين، وتُترك المراكز الثقافية بلا دعم، ويُعامل الإنتاج الفكري كأنه نشاط جانبي لا يستحق الإنفاق. ولهذا نجد كتاباً كباراً عاشوا في ضيق مالي رغم شهرتهم، مثل الجواهري الذي كان يقول: “أبيع قصائدي لأشتري خبزي”، وعبد الرحمن منيف الذي ظلّ يؤكد أن “المثقف الحقيقي يعيش على حافة الحياة”. هذه الشواهد ليست حالات فردية، بل هي نمط متكرر يكشف غياب منظومة تحمي القيمة الفكرية.
والمفارقة أنّ المجتمعات التي لا تستثمر في المثقف، تستثمر – غالباً – في من يحسنون الضجيج، لا من يحسنون التفكير. فالإعلام السريع والفضائيات وبرامج “الترفيه القشري” تمنح الشهرة والمال لمن يقدم مادة خفيفة، بينما يظل من يكتب كتاباً يسهم في الوعي العام ينتظر سنوات ليجني عائداً مالياً يكاد لا يُذكر. وهذا المشهد شاهد معاصر على أنّ السوق الثقافي لا يقدّر الأثر بقدر ما يقدّر الجاذبية اللحظية.
من جانب آخر، يُعاني المثقف – غالباً – من نزاهة داخلية تمنعه من الدخول في شبكات الفساد أو الولاءات التي تمنح الآخرين فرصاً وظيفية ورتباً ورواتب عالية. هو صريح أكثر مما يجب، وناقد أكثر مما هو مسموح، وهذا يجعله بعيداً عن المناصب “الدسمة” التي تحتاج إلى مرونة سياسية لا يمتلكها المثقف الذي يقترن ضميره بقلمه. لذلك نرى أن أغلب من شغلوا مواقع إدارة ثقافية أو إعلامية لم يكونوا من أبرز المثقفين، بل من أكثرهم انسجاماً مع شروط السلطة، وهذا شاهد اجتماعي مهم في تفسير سبب الفجوة.
إضافة إلى ذلك، فإن البنية الاقتصادية في البلدان النامية لا ترى الثقافة كقطاع منتج. لا توجد صناعات نشر قوية، ولا سوق حقوق فكرية محترمة، ولا نظام محترف لإدارة المحتوى. وبغياب هذه العناصر، يبقى الكاتب يعيش على مكافآت بسيطة أو رواتب محدودة في الصحف والمؤسسات، حتى تحوّل “الفقر الثقافي” إلى ظاهرة، لا استثناء.
ومع ذلك، يبقى للمثقف قوته التي لا تُقاس بالمال. فهو يملك القدرة على التأثير في العقول والضمائر، وصناعة رأي عام، وكشف الحقائق، وتغيير مسار التاريخ. لكن هذا التأثير – رغم عظمته – لا يتحول إلى سلعة في ميزانيات الدولة إلا نادراً. وهنا يكمن جذر الإشكال: وعي المجتمع بقيمة المثقف أقل بكثير من حاجته إليه.
في النهاية، اقتران الثقافة بالفقر ليس قدراً محتوماً، بل نتيجة بنية اجتماعية واقتصادية لا تضع المعرفة في مركز اهتمامها. فإذا تغيّر هذا الواقع، وأدركت الدول أنّ الاستثمار في العقل هو أصل الثروة، ستتحول الثقافة من “هواية الفقراء” إلى “ثروة الأمم”. وحتى ذلك الوقت، سيظل المثقف يقف على الباب الخلفي للدخل، بينما يقف في الصدارة عندما يتعلق الأمر بصناعة الوعي.



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جدلية الجهل والسلطة عند جورج أورويل
- سأزورك يوما
- الدولمة العراقية ترند في مطاعم العالم
- رسالة اليها
- ضجيج بلا اثر
- الانتخابات .. الوجه الآخر للقمر
- العراق بين الحلم المؤجل والواقع المرير
- حلم المسافات الطويلة
- احلام ذلك الزمان
- المثقف وورقة الاقتراع
- المثقفون واشكالية السلطة
- دولة الجسور والمولات... وجنازة الصناعة العراقية
- فراسة الحب
- الصمت الانتخابي... الهدوء الذي فضح كل شيء
- اعلام الضجيج
- الحقائب المدرسية .. حقائب اثقل من طفولة اطفالنا
- أكتب كي احيا
- حمورابي… رز ولحم بطعم الحضارة
- ارتجافة الحب الاول
- الشهادة بين الرصانة والابتذال العلمي


المزيد.....




- مظهر نزار: لوحات بألوان صنعاء تروي حكايات التراث والثقافة با ...
- في حضرةِ الألم
- وزير الداخلية الفرنسي يقدّم شكوى ضدّ ممثل كوميدي لتشببيه الش ...
- -بائع الكتب في غزة-.. رواية جديدة تصدر في غزة
- البابا يؤكد أن السينما توجد -الرجاء وسط مآسي العنف والحروب- ...
- -الممثل-.. جوائز نقابة ممثلي الشاشة SAG تُطلق اسمًا جديدًا و ...
- كيف حوّل زهران ممداني التعدد اللغوي إلى فعل سياسي فاز بنيويو ...
- تأهل 45 فيلما من 99 دولة لمهرجان فجر السينمائي الدولي
- دمى -لابوبو- تثير ضجة.. وسوني بيكتشرز تستعد لتحويلها إلى فيل ...
- بعد افتتاح المتحف الكبير.. هل تستعيد مصر آثارها بالخارج؟


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - الثقافة والفقر.. استثمار الوعي