أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - فيروز والصباح














المزيد.....

فيروز والصباح


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8531 - 2025 / 11 / 19 - 02:56
المحور: الادب والفن
    


هناك شيء في صوت فيروز يجعل الصباح يبدو أقلّ حدّة، وأكثر احتمالًا… كأن صوتها يضع طبقة رقيقة من الضوء فوق العالم قبل أن يفعل ذلك النهار نفسه. كثيرون يربطون فيروز بالفجر، ليس لأنها غنّت للصباح كثيرًا فحسب، بل لأن حضورها الصوتي يحمل صفات تشبه أول ساعة من اليوم: صفاء، هدوء، قلة الكلام، ومزاج معلّق بين النوم واليقظة. الصباح هو الوقت الذي تكون فيه النفس أكثر هشاشة وأكثر صفاء؛ الإنسان لم يدخل بعد زحام العمل ولا صخب الأخبار ولا ضجيج الشوارع. في هذا الفراغ الهادئ، يأتي صوت فيروز كمن يربّت على كتف العالم ويقول له: اهدأ… ما زال في اليوم متّسع للحياة.
السر لا يكمن في الكلمات وحدها، بل في طبيعة الصوت نفسه. صوت فيروز يبدو كأنه خارج من نافذة مطلة على ضباب خفيف، لا يعلو ولا يتكلّف، بل ينساب برفق يليق ببداية يوم. هو صوت لا يفرض نفسه، بل يمرّ كنسمة، وهذا تمامًا ما يحتاجه الإنسان حين يكون في مرحلة انتقالية بين الليل والنهار. عندما يسمع المستمع فيروز في الصباح، يدخل غالبًا في تجربة مزدوجة: من جهة يستلذ بالحنين، ومن جهة أخرى يستقبل جرعة من السلام. كأن أغانيها تُعيد ترتيب الداخل، تمنحك شيئًا من الاتزان قبل أن تواجه فوضى اليوم.
الصوت الذي تعيد به فيروز ترتيب الفوضى الداخلية ليس مجرد حلاوة غنائية؛ إنه حضور يهدئ الذهن. فحين يستيقظ الإنسان وتكون الأفكار مبعثرة وبقايا الحلم عالقة في الرأس، يأتي صوتها ليُعيد كل شيء إلى مكانه. يهمس للعقل بأن لا يستعجل، وللقلب بأن يتريّث، ولليوم بأن يبدأ بخطوة لطيفة. وهناك في أغنياتها شيء يشبه الحنين المتجدّد، ذلك الحنين الذي لا يُستهلك مهما تكرّر. فالأجيال ربطت صوتها بذكريات البيوت الأولى، برائحة الخبز، بفتحة النافذة التي تدخل منها أول نسمة، بصوت المذياع القديم وهو يرتّب الصباح على مهل.
حتى موسيقاها تتحرك بإيقاع يناسب الفجر. ألحان الرحابنة تنساب ببطء محسوب، لا تدفع المستمع للركض، بل تمنحه مساحة لالتقاط أنفاسه قبل أن يدخل دوامة اليوم. ولعل هذا هو السر في أن صوت فيروز ليس صوتًا ليليًا، بل صوتٌ “يتنفس”، يناسب لحظة لا تزال فيها الأرض تستيقظ، والناس يبحثون عن اتزان بسيط قبل أن ينغمسوا في همومهم.
ومع أن الكثير من الطقوس الصباحية اختفى أو تبدّل كفنجان القهوة الذي صار سريعًا، والجريدة التي أصبحت شاشة، وحتى الهدوء الذي لم يعد متاحًا إلا أن صوت فيروز ظلّ عادة تحفظ كرامتها. ليست عادة يمكن التفريط بها بسهولة؛ إنها طقس رقيق يشبه صلاة صغيرة، أو لحظة مصالحة مع الذات. من يشغّل فيروز صباحًا يشعر أنه يمنح حياته هدية بسيطة لا يُراد منها شيء، سوى جمال يمرّ ويترك أثرًا في الروح.
لهذا كلّه، سيبقى صوت فيروز يشبه الفجر… وسيظل الصباح، مهما تغيّر، ناقصًا دون أغنية منها تقول للعالم: انهض برفق… فالنهار طويل، وأنت تستحق أن تبدأه بسلام.



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حب في الستين
- فوضى العمران وضياع الهوية الجمالية في المدن العراقية
- سطحية الترند وثقافة اللايك
- برامج ام مسرحيات هزلية
- قرءة نقدية في نص - الربيع والحب في موسكو -
- الثقافة والفقر.. استثمار الوعي
- جدلية الجهل والسلطة عند جورج أورويل
- سأزورك يوما
- الدولمة العراقية ترند في مطاعم العالم
- رسالة اليها
- ضجيج بلا اثر
- الانتخابات .. الوجه الآخر للقمر
- العراق بين الحلم المؤجل والواقع المرير
- حلم المسافات الطويلة
- احلام ذلك الزمان
- المثقف وورقة الاقتراع
- المثقفون واشكالية السلطة
- دولة الجسور والمولات... وجنازة الصناعة العراقية
- فراسة الحب
- الصمت الانتخابي... الهدوء الذي فضح كل شيء


المزيد.....




- مصر.. وزير الثقافة يوضح التطورات الصحية للموسيقار عمر خيرت
- مهرجان إدفا 2025.. السينما الوثائقية وتشريح الاحتجاج زمن الح ...
- بيروت: سفارة دولة فلسطين تستضيف عرض الفيلم الوثائقي
- أنتوني هوبكنز.. السير يروى سيرته السينمائية
- خيول ومقاتلات وموسيقى.. استقبال مهيب لولي العهد السعودي في ا ...
- لا رسوم على خدمات الترجمة في الرعاية الصحية في بليكينغه
- تداول فيديو لتوم كروز وهو يرقص مع ممثلة قبل فوزهما بجوائز ال ...
- هل هززتَ النَّخلة؟
- ‎-المجادِلة- يفوز بجائزة ريبا للعمارة في الشرق الأوسط 2025
- الثقافة تكشف خططها المستقبلية وتؤكد التوجه لإنشاء متحف عراقي ...


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - فيروز والصباح