أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عماد الطيب - في جامعاتنا .. ثقافة مشتعلة خلف أبواب مغلقة














المزيد.....

في جامعاتنا .. ثقافة مشتعلة خلف أبواب مغلقة


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8535 - 2025 / 11 / 23 - 03:41
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


لا شيء أكثر تناقضًا من جامعةٍ ترفع شعار “صناعة المعرفة” لكنها، في الممارسة اليومية، لا تصنع سوى قوائم محاضرات وحصص إلزامية ومنهج مكتظّ يشبه الحقنة الزائدة عن الحاجة. قال عباس محمود العقاد ذات يوم إن الجامعة لا تقوم بمهمة التثقيف، بل تفتح باب الثقافة. كلامٌ عميق وصادق، لكن المؤسف أن جامعاتنا فتحت الباب ثم وضعت أمامه منضدة خشبية، ووضعت فوق المنضدة ملفات، وتحت الملفات توقيعًا إداريًا يذكّر الطالب بأنه لا وقت لديه لأي شيء خارج المقرر.
إنّ وجود مكتبة في كل جامعة ليس فضلًا من أحد، بل ضرورة. لكن الضرورة تحوّلت إلى ديكور. رفوف ممتلئة بكتب في العلوم والآداب والفلسفة واللغات، بينما الكراسي شبه فارغة، والطالب يمرّ من أمام بوابة المكتبة كما يمرّ من أمام متحف مغلق. السبب ليس في عزوف الطلبة عن القراءة كما يدّعي البعض، بل في النظام الأكاديمي نفسه الذي يغرق الطالب بمنهج طويل مملوء بالتفاصيل التي لا تُقرأ بل تُحفظ، ولا تُفهم بل تُلقّن، ولا تُناقش بل تُختبر في ورقة النهاية.
الجامعات تتعامل مع وقت الطالب كقطعة أرض يجب استثمار كل متر منها بمحاضرة، أو تقرير، أو واجب. لا فراغ، لا فسحة، لا وقت لأن يخطئ الطالب، أو يتأمل، أو يقرأ شيئًا لا علاقة له بامتحان الشهر القادم. هكذا يُقتل الفضول في مهده، وهكذا تتحوّل المكتبة إلى غرفة مظلمة فيها غبار أكثر من القرّاء.
في المقابل، نجد جامعات في دول أخرى تفهم درس التعليم بطريقة مختلفة. تمنح الطالب مساحة حرّة للمطالعة الخارجية، ومرونة في إدارة الساعات، وإيمانًا عميقًا بأن المعرفة الحقيقية لا تأتي من مقعد الصف، بل من سكون القراءة وحوار الكتب. هناك يدرك الأستاذ أن الطالب لا يصبح مثقفًا بامتحان من عشرين درجة، بل بكتاب يسحبه من الرف بدافع فضوله، لا بدافع الخوف من الرسوب. هناك، المكتبة ليست مرفقًا هامشيًا، بل قلب الجامعة وسبب وجودها الأول.
المشكلة عندنا ليست في غياب الكتب، بل في غياب الفلسفة التعليمية. جامعة تخاف أن يقرأ الطالب ما لم يُكتب في المقرر هي جامعة تخاف أن يفكّر. منهج طويل لا يعني تعليمًا قويًا، كما أن الضغط الأكاديمي لا يعني جودة. بالعكس، كلما طال المنهج ضاق عقل الطالب، وكلما امتلأ يومه فرغ قلبه من الرغبة في المعرفة.
ولعلّ السؤال المؤلم هو: لماذا نخشى أن نمنح الطالب ساعة حرّة؟ هل نخاف أن يكتشف أنّ العالم أوسع من الصف؟ أم نخاف أن يُدرك أن التعلم الحقيقي ليس في المنهج، بل في الطريقة الذي يخرج به من المنهج؟
إذا بقيت الجامعات تُعامل الثقافة كترف، والقراءة كوقت ضائع، والمكتبة كإكسسوار، فلن تفتح باب الثقافة، ولن تتركه مواربًا، بل ستغلقه بإحكام وتعلّق عليه لافتة تقول: “ادخل إن استطعت… وإن بقي وقت في جدولك المزدحم بما لا يفيد”.
إن إصلاح التعليم يبدأ من إعادة النظر في علاقة الطالب بالكتاب الحر، وبالمكتبة، وبالوقت. فحين يشعر الطالب أن الجامعة تمنحه مساحة ليكون إنسانًا فضوليًا لا آلة حفظ، عندها فقط يصبح كلام العقاد حقيقة: الجامعة تفتح باب الثقافة… ويستطيع الطالب أخيرًا أن يدخل.



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تقاسيم أخيرة في جنازة الذكريات
- حين يكون الصمت بيتي الأول
- العراق بين وفرة الموارد وتعطّل الإرادة
- الشخصية العراقية والسلطة والسياسة
- ذاكرة تتفتح بالشعر والحكايات
- في حضرة التفاهة .. قراءة نقدية للسطحية الرقمية
- فيروز والصباح
- حب في الستين
- فوضى العمران وضياع الهوية الجمالية في المدن العراقية
- سطحية الترند وثقافة اللايك
- برامج ام مسرحيات هزلية
- قرءة نقدية في نص - الربيع والحب في موسكو -
- الثقافة والفقر.. استثمار الوعي
- جدلية الجهل والسلطة عند جورج أورويل
- سأزورك يوما
- الدولمة العراقية ترند في مطاعم العالم
- رسالة اليها
- ضجيج بلا اثر
- الانتخابات .. الوجه الآخر للقمر
- العراق بين الحلم المؤجل والواقع المرير


المزيد.....




- ترامب: خطة السلام الأمريكية لأوكرانيا -ليست عرضي النهائي-
- جرحى فلسطينيون باعتداءات للمستوطنين والاحتلال بالضفة
- ما أبرز الخروقات الإسرائيلية في قطاع غزة؟
- فرنسا تؤكد ضرورة الاستعداد لخطر الحرب في أوروبا
- مجموعة إيرانية تنشر تفاصيل شخصية لموظفين عسكريين إسرائيليين ...
- مقتل 24 فلسطينيا بضربات إسرائيلية متواصلة على قطاع غزة
- مصر.. قضية مدرسة -سيدز- تهز المجتمع ووزارة التعليم تتحرك
- -كوب30- يعتمد اتفاقًا مناخيًا من دون تعهّد بالتخلّص من الوقو ...
- الشرطة البرازيلية تحتجز الرئيس السابق -لمنعه من الفرار-
- الطريق إلى الوعي العميق.. كيف تشكل المشروع الفكري لمختار الش ...


المزيد.....

- أساليب التعليم والتربية الحديثة / حسن صالح الشنكالي
- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عماد الطيب - في جامعاتنا .. ثقافة مشتعلة خلف أبواب مغلقة