أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عماد الطيب - في حضرة التفاهة .. قراءة نقدية للسطحية الرقمية















المزيد.....

في حضرة التفاهة .. قراءة نقدية للسطحية الرقمية


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8532 - 2025 / 11 / 20 - 10:23
المحور: الصحافة والاعلام
    


في لحظة التأمل في عبارة الشاعر المغربي عبد اللطيف اللّعبي «التافهون آلهة اللحظة» نكتشف عمقًا ثقافيًا ونقديًا يتجاوز مجرد وصف لمشهد فني أو إعلامي سطحي؛ إنها دعوة لمراجعة العلاقة بين ما يُنتَج من “محتوى” وما يُستهلك من قِبَل “المتلقي” في بيئة تتغير فيها وسائل الإعلام والتواصل، وكذلك في وعي المشاهد أو القارئ. اللّعبي يلمّح إلى أن التافه، مهما كان سطحياً، يمكنه احتلال مركز السلطة الرمزية في “اللحظة” إذا وجد بيئة متلقي خصبة، وهنا تصطدم رؤيته برؤية المفكر حسين سعدون، الذي يرى أن المسؤولية لا تقع فقط على المنتج (مَن يصنع المحتوى) بل على المتلقي أيضًا الذي يسمح بوجود وانتشار هذا المحتوى السطحي.
من منظور أكاديمي وفكري، يمكن فهم هذه الظاهرة ضمن إطار البيئات الاجتماعية والثقافية التي تلتقط الإعلام السطحي وتمنحه أولوية في التفاعل والانتشار. الإنتاج الثقافي السطحي لا ينمو في فراغ، بل يحتاج إلى جمهور. هذا الجمهور يتأثر بامتداد وسائل الإعلام الرقمية، حيث الانتشار السريع والمتعة اللحظية أصبحتا من أهم خصائص الاستهلاك الإعلامي. في هذا السياق، تشير بحوث في علوم الاتصال إلى أن نماذج البحث التقليدية—مثل الاستبيان فقط—لم تعد كافية لوصف وتحليل التغير في سلوك الجمهور في زمن الشبكات الرقمية.
من الناحية النفسية، يعكس المتلقي الباحث عن التسلية الفورية نزعة إنسانية طبيعية: الإنسان غالبًا ما يسعى إلى المتعة السريعة، إلى ما يثيره بصريًا أو عاطفيًا، حتى لو كان ذلك مؤقتًا ولا يحمل قيمة فكرية أو معرفية عميقة. هذا البحث عن الإثارة اللحظية يتناغم مع بيئة إعلامية تعرض محتوى سهل الهضم ومستعد للتكرار، ولكنه غالبًا ما يفتقر إلى العمق. إذا كان المتلقي لا يملك مهارات التفكير النقدي أو لم يُدرَّب على التمييز بين ما هو مهم وما هو تافه، فإنه يصبح شريكًا في إنتاج ونشر هذا المحتوى السطحي، وليس مجرد مستهلك سلبي فحسب.
من منظور اجتماعي، تساهم عوامل مثل التعليم، الفجوة المعرفية، أو ضعف الثقافة النقدية في تعزيز قبول المتلقي للمحتوى التافه. في العالم العربي، تبرز أهمية التفكير النقدي كدرع ضد الإعلام الموجه أو المحتوى السطحي. يقول كاتب في صحيفة «البيان» إن من أهم مظاهر التفكير النقدي القدرة على التفريق بين الحقيقة والرأي، وبين الوقائع والتحليل، والتحقق من مصادر المحتوى قبل قبوله.
لتعزيز هذا التفكير، هناك مبادرات نظرية ومنهجية: مؤسسة “أضواء للدراسات” مثلا تقدّم أدوات للتفكير النقدي عند التعامل مع وسائل الإعلام، مثل طرح أسئلة مثل: ماذا فهمت من الرسالة؟ من المستفيد من هذا المحتوى؟ ما الهدف الذي يسعى إليه المُرسل؟ كما تسأل عن تأثير الانفعال العاطفي عند المتلقي.
من الناحية الأكاديمية والفلسفية، يمكن الرجوع إلى فكر عبد الوهاب المُسيري، الذي يرى أن الكم هائل من المعلومات لا يعني بالضرورة الفهم، بل إن تراكم المعلومات دون تأطير فكري يؤدي إلى ضياع الحقيقة. هذه الفكرة تقودنا إلى تصور أن المحتوى الهابط، عندما يتزامن مع متلقٍ لا يملك أدوات الربط والتفسير، فإن “الحقائق” تنحل إلى مجرد بيانات سطحية تُستهلك دون تحليل.
من جهة تعليمية وتربوية، تبرز أهمية التربية الإعلامية والتنشئة التي تركز على التفكير النقدي. دراسة في جامعة بنها (مصر) تؤكد أن تنمية وعي المستخدم الإعلامي تشمل فهماً لعملية الاتصال، وإدراك المحتوى الإعلامي كنص يمكن تحليله، وتنمية مهارات التفكير النقدي للحكم على الرسالة الإعلامية.
هناك أيضًا أبعاد منهجية للبحث الإعلامي في العالم العربي تستدعي استخدام مناهج نوعية، وليس فقط كمية، لأن الأطر التقليدية قد لا تكشف طبيعة التلقي الرقمي بشكل كافٍ. د. نصر الدين لعياضي يكتب عن الرهانات الإبستمولوجية للبحث الكيفي في الإعلام، مشيرًا إلى أنه في البيئة الرقمية والمنطقة العربية، من الضروري استخدام أدوات مثل الملاحظة بالمشاركة وليس فقط الاستبيانات، لفهم كيف يشكل الجمهور تصوراته ويتفاعل مع المحتوى.
من منظور أوسع عالمي، تدرس أبحاث مثل تلك التي قدمها هارش تانجا وجيمس ويبستر كيف تتشكل الجماهير العالمية للعالم الرقمي، مشيرين إلى أن العوامل الثقافية والتكنولوجية تساهم بقوة في تحديد أنماط استخدام الإنترنت. هذه النتائج تشير إلى أن “الجمهور” ليس كيانًا موحدًا وإنما متنوع الثقافات، وأن البنية الثقافية للجمهور تحدد ما إذا كان سيتفاعل مع محتوى سطحي أو عميق.
عندما نجمع بين هذه الأفكار، نرى أن رؤية اللعبي وسعدون تتجسد في الواقع الأكاديمي والمعرفي: التافهون (المنتجون للمحتوى السطحي) قد يصبحون “آلهة اللحظة” قوى رمزية إذا التُقِط محتواهم من جمهور يفتقر إلى أدوات النقد، أو يعيش في بيئة لا تشجّع الفهم العميق. لكن ذلك ليس مصيرًا محتمًا إذا تم تفعيل التفكير النقدي والتعليم الإعلامي والتربوي.
الحل، من هذا المنظور، ليس فقط في محاربة المحتوى الهابط بالقمع أو الرقابة، بل في بناء متلقٍ واعٍ قادر على التساؤل والتحليل. يحتاج المجتمع إلى برامج تعليمية تُدرّس التفكير النقدي منذ الصغر، وتدمج التربية الإعلامية في المناهج، وتحث الأفراد على التساؤل: من ينتج هذا المحتوى، ولماذا؟ من المستهدف؟ ما التأثير؟ ما البديل؟ إذا نجحت هذه الجهود، يمكن تحويل “آلهة اللحظة” من مجرد رموز سطحية مؤقتة إلى محتوى ثقافي ذي قيمة مستدامة، والمجتمع من مستهلك سلبي إلى وعي فاعل.

المصادر
- " التربية الإعلامية والرقمية: بناء التفكير النقدي في زمن الإعلام الرقمي” — بودهان يامين. المجلة الدولية للاتصال الاجتماعي.
- "التفكير الناقد ومهارات التعلم في العصر الرقمي: الواقع والمأمول” — رشا صالح المحلاوي. مجلة العلوم الإنسانية والطبيعية.
- " التفكير التحليلي وعادات العقل كمنبئات بالذكاء الرقمي لدى تلاميذ المرحلة الإعدادية” — بحث في مجلة متخصصة.
- " التربية الرقمية في الدراسات العربية والأجنبية” — ياسمين علي الدين محمد المهدي حنفي.
- ورقة بحثية حول “الإعلام لتطوير برامج التربية على الإعلام الرقمي وتنفيذها” (تطوير مهارات التفكير النقدي).



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيروز والصباح
- حب في الستين
- فوضى العمران وضياع الهوية الجمالية في المدن العراقية
- سطحية الترند وثقافة اللايك
- برامج ام مسرحيات هزلية
- قرءة نقدية في نص - الربيع والحب في موسكو -
- الثقافة والفقر.. استثمار الوعي
- جدلية الجهل والسلطة عند جورج أورويل
- سأزورك يوما
- الدولمة العراقية ترند في مطاعم العالم
- رسالة اليها
- ضجيج بلا اثر
- الانتخابات .. الوجه الآخر للقمر
- العراق بين الحلم المؤجل والواقع المرير
- حلم المسافات الطويلة
- احلام ذلك الزمان
- المثقف وورقة الاقتراع
- المثقفون واشكالية السلطة
- دولة الجسور والمولات... وجنازة الصناعة العراقية
- فراسة الحب


المزيد.....




- طبق -جريش-.. كلمة قالها وزير الطاقة السعودي بصورة جماعية تثي ...
- هاربة منذ أغسطس.. أكباش تثير الدهشة والحيرة بأحياء أمريكا وس ...
- فيديو يظهر آثار الغارات الإسرائيلية القاتلة على غزة
- واشنطن: قصة العاصمة التي يدور في فُلكها العالم
- ما مميزات مقاتلات F-35 التي قرر ترامب بيعها للسعودية؟
- أوكسفام: أرباح عام لميليارديرات قمة العشرين كافية للقضاء على ...
- الجيش السوري يقصف مواقع قسد شرقي الرقة ردا على مهاجمة قواته ...
- اللحظة التي ستغيّر وجه التاريخ الأميركي
- مصر.. رد علاء مبارك بذكرى ميلاد عبدالفتاح السيسي على تدوينة ...
- رجل مسجون يطلب من صديقتيه اختطاف وطعن سيدة و-التأكد من موتها ...


المزيد.....

- مكونات الاتصال والتحول الرقمي / الدكتور سلطان عدوان
- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عماد الطيب - في حضرة التفاهة .. قراءة نقدية للسطحية الرقمية