أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عماد الطيب - الشخصية العراقية والسلطة والسياسة














المزيد.....

الشخصية العراقية والسلطة والسياسة


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8533 - 2025 / 11 / 21 - 03:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لفهم علاقة الفرد العراقي بالسلطة السياسية، لا بد من النظر إلى قرونٍ متراكمة صنعت نفسيةً حسّاسة تجاه الحكم. فالسلطة في العراق لم تكن يومًا “دولة مواطنة” بقدر ما كانت “دولة قوة”، ولذلك تشكّلت شخصية الفرد العراقي في مساحة مضطربة بين الخضوع والرفض، وبين التمجيد والاعتراض.
في العصر العباسي، كانت كلمة الخليفة هي القدر، وفي العصر العثماني عاش العراقي بين بطش الولاة وكثرة الضرائب. ثم جاء القرن العشرون بانقلابات عسكرية متتابعة رسّخت في اللاوعي الجمعي فكرة أن “السلطة لا تُناقَش، بل تُخشَى”. هذه التجارب صنعت شخصية تتعامل مع الدولة بحذر: يطيع العراقي السلطة خوفًا من بطشها. لكنه في داخله لا يثق بها، ويحتفظ بمسافة بينها وبينه. لذلك، عندما تسقط سلطة ما، يتحول التمرد عليها إلى بطولة، وكأنّ النقد كان مكبوتًا ينتظر لحظة الانفجار.
بعد 2003 تغيّرت معادلة القوة. صار المواطن يملك مساحة للصوت، لكن مؤسسات الدولة بقيت ضعيفة. نشأت بيئة جديدة فيها حرية تعبير بلا دولة قوية، فاختلط التحرر بالفوضى، والحقوق بالمظلومية. في هذه المرحلة ظهرت بوضوح ازدواجية المعايير: المواطن يشجب الفساد، لكنه بدافع الحاجة والضغوط الاجتماعية قد يلجأ للواسطة نفسها التي ينتقدها.
يثور على الطبقة السياسية، لكنه يعود وينتخب أبناء جماعته خوفًا من أن يستغل الآخرون ضعفه. يرفض المحاصصة، لكنه يجد نفسه مطمئنًا لوجود ممثل لطائفته داخل الحكومة. هذه الحالة ليست نفاقًا؛ بل نتاج الخوف من العزلة وفقدان الحماية في دولة ضعيفة.
يتعامل العراقي مع السلطة بعاطفة قبل العقل. المثال الواضح هو الخطاب الشعبوي الذي يستميله بسهولة. سياسي ليس لديه برنامج اقتصادي واضح، لكنه يجيد لغة “الهوية” قد يكسب أصواتًا تفوق صاحب الرؤية التنموية. هكذا تتشكل ثنائية جديدة: المواطن يريد خدمات ورفاهية. لكنه يعطي صوته لمن يخاطب انتماءه لا عقله. رغم التناقضات، أثبت العراقي أنه قادر على تجاوز الانقسام عندما يشعر بالخطر أو الظلم المتواصل.
انتفاضتا 2015 و2019 مثالان واضحان: لأول مرة اختفى الخطاب الطائفي. وارتفعت شعارات “نريد وطن”.وُضعت السلطة أمام مرآة حقيقية أظهرت فشلها. هذه اللحظات كشفت أن العراقي عندما يجتمع على قيمة واضحة (كرامة – عدالة – وطن) يصبح عنصر ضغط لا يمكن تجاهله.
اذن لماذا يشتد التناقض في موقف العراقي من السلطة؟ السبب الأساسي يعود إلى غياب الدولة المؤسسية لقرون طويلة. فالعراقي عاش دائمًا تحت سلطات تتبدل، لكنها تشترك في أمر واحد: السلطة تملك، والمواطن يخضع. هذا النمط يعيد إنتاج نفسه في الوعي الاجتماعي: المواطن يطالب بالعدالة، لكنه لا يتوقعها فعلًا. يعتبر نفسه مظلومًا، لكنه يبرر الظلم إذا كان لصالحه أو لصالح جماعته. يرفع شعار مكافحة الفساد، لكنه يتهرب من القانون إذا استطاع. ليس بدافع الشر، بل لأن النظام نفسه غير عادل، فيتقمص المواطن سلوك الحاكم.
هل يمكن إصلاح هذا الوعي؟ بالطبع. التجارب أثبتت أن العراقي يتغيّر عندما يرى دولة تحترم القانون. فحين تُطبَّق القوانين على الجميع، تختفي ازدواجية المعايير لأن المواطن يشعر أن العدالة ليست نظرية. وعندما يصبح الأداء معيارًا للنجاح السياسي، لا الهوية، سيعيد العراقي النظر في خياراته الانتخابية. الإصلاح يبدأ من: تعزيز التعليم النقدي. تقوية مؤسسات العدالة. إبعاد القوات المسلحة عن السياسة. خلق اقتصاد يُقلل اعتماد المواطن على الجماعات التقليدية.
اذن الشخصية العراقية ليست لغزًا؛ إنها مرآة لقرون من السلطة المتقلِّبة والظلم المتوارث. ازدواجية المعايير ليست خللًا أخلاقيًا بقدر ما هي رد فعل نفسي على دولة لم تكتمل بعد. ومع ذلك، يبقى العراقي قادرًا على التحول عندما تتوفر بيئة سياسية عادلة، وعندما يتساوى الجميع أمام القانون، وعندما يصبح صوت المواطن أثقل من سطوة السلاح والمال.

المصادر

1. علي الوردي – "لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث"
2. حنّا بطاطو – "العراق: الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية"
3. فالح عبد الجبار – "الدولة والمجتمع المدني في العراق"
4. حازم صاغية – "العراق: من السلطة إلى الدولة"
5. مركز كارنيغي للشرق الأوسط – دراسات حول الاحتجاجات العراقية بعد 2015
6. تشارلز تريب – "تاريخ العراق الحديث"
7. يونغسوك يانغ – دراسات عن الدولة الريعية والوعي السياسي في العراق



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذاكرة تتفتح بالشعر والحكايات
- في حضرة التفاهة .. قراءة نقدية للسطحية الرقمية
- فيروز والصباح
- حب في الستين
- فوضى العمران وضياع الهوية الجمالية في المدن العراقية
- سطحية الترند وثقافة اللايك
- برامج ام مسرحيات هزلية
- قرءة نقدية في نص - الربيع والحب في موسكو -
- الثقافة والفقر.. استثمار الوعي
- جدلية الجهل والسلطة عند جورج أورويل
- سأزورك يوما
- الدولمة العراقية ترند في مطاعم العالم
- رسالة اليها
- ضجيج بلا اثر
- الانتخابات .. الوجه الآخر للقمر
- العراق بين الحلم المؤجل والواقع المرير
- حلم المسافات الطويلة
- احلام ذلك الزمان
- المثقف وورقة الاقتراع
- المثقفون واشكالية السلطة


المزيد.....




- النيابة الفرنسية تفتح تحقيقاً في اتهام لاعب تولوز بـ -إهانة ...
- هل يُسهم تدخل الرئيس الأمريكي في الأزمة السودانية بوضع نهاية ...
- -سيناريوهات- يناقش مستقبل -قانون قيصر- بشأن سوريا
- 3 سيناريوهات تحدد مصير -قانون قيصر- في الكونغرس الأميركي
- نتنياهو يشترط للانتقال إلى المرحلة الثانية ويتحدث عن القوة ا ...
- فيديو – فلسطينيون يشيّعون قتلى الغارات الإسرائيلية في غزة
- كييف تتسلم من واشنطن مشروع خطة لإنهاء الحرب.. وزيلينسكي يستع ...
- عقوبات أوروبية على المسؤول الثاني في قوات الدعم السريع بالسو ...
- فرنسا: تهديد عصابات المخدرات يوازي الإرهاب
- ماكرون - تبون: هل يتم اللقاء في قمة العشرين؟


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عماد الطيب - الشخصية العراقية والسلطة والسياسة