أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - ظلّ البطاقة














المزيد.....

ظلّ البطاقة


نعمة المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 8461 - 2025 / 9 / 10 - 09:10
المحور: الادب والفن
    


حفرة اسمها الانتظار

جلس "سَعْد" في غرفةٍ شبه مُظْلِمَة.
الطاولةُ أمامهُ عاريةٌ إلّا من بطاقةٍ تموينيّةٍ صغيرة.
ضوءُ القمرِ يتسرَّب عليها، فيجعلُها كأنَّها وثيقةُ موت.
أطفالهُ ينامونَ جِياعًا،
وزوجتُهُ تُحاول أن تُغطّي عجزَها بصمتٍ ثقيل.
رفع البطاقةَ بين يديهِ وحدَّثَ نفسَه:
"كيفَ تَحوَّلْنا إلى سُجناءِ أوراقٍ وأختام؟"
قبل ساعاتٍ فقط،
كان واقفًا في طابورٍ طويلٍ داخلَ مركزِ التموين.
العرقُ يَسيلُ على وجوهِ الناس،
والضجرُ يتكثّفُ في الهواء.
حين وصلَ إلى النافذةِ الزجاجيّة، قدّمَ بطاقته.
قلّبَ الموظّفُ الأوراقَ، ثم قالَ بجملةٍ باردة:
– "دَفترُك ما مُحدَّث. لازمْ تَرجع الشهر الجاي."
ارتجفَ صوتُ سعد:
– "بَس وكيلي كُل سَنَة يحدّث.. وأطفالي يَنتظرون."
لكنَّ الموظّفَ لم يرفعْ رأسَه:
– "ما بِيْدي. هذا النِّظام."
خرج سعد من الدائرةِ مَذْهولًا،
يسألُ نفسَه: "مِن أينَ بَدأت هذه الحكايةُ اللعينة؟"
وأخذتْه ذاكرتُهُ إلى الوراء.
في صباحِ ذلك اليوم،
كانَ عند دكّةِ وكيلِ التموين في الحي.
ازدَحَم الناسُ، أصواتٌ متداخلة، شكاوى لا تنتهي.
قدّم سعد بطاقته.
قلّبها الوكيلُ بلا اكتراثٍ وقال:
– "اسمُك موجود.. بس حصّتُك مَحجوبة. ما أعرف السبب. راجعْ المركز."
شعرَ سعد أنَّ الأرضَ انسحبتْ من تحتِه.
رجالٌ يجرّون أكياسَ الطحين،
نساءٌ يبتسِمْنَ براحة،
أطفالٌ يركضونَ فرحين.
أما هو فخرجَ خاليَ اليدين،
يجرّ خطواتِه الثقيلةَ إلى الشارع.
في الطريقِ إلى المركز،
اختلطَ سعد بالوجوه.
امرأةٌ مسنّةٌ تتكئُ على عصاها، تَتمتم:
"يا ربي.. خلِّصْنا من هالذل."
شابٌّ يضحكُ بمرارة:
"أروحْ لدَوامي بلا غدا، بَس همْ راح أظل واقف."
وطفلٌ يبيعُ أقلامًا رخيصة، يصرخ:
"قَلَم بربع.. قَلَم بربع!"
كان سعد يمشي بينهم كأنَّه يسمعُ صدى روحِه في أصواتِهم.
داخلهُ تردّد مونولوجٌ صامت:
*"كُلُّنا نقفُ في نفسِ الطابور.. لكن أيُّنا سَيَنْجو؟
هذه العجوزُ تَستندُ على عصاها، وأنا أستندُ على وَهم.
هذا الشابُّ يَسخرُ من جوعِه، وأنا أعجزُ حتّى عن الضحك.
وذلك الطفل.. يبيعُ أقلامًا ليعيش، بينما أنا أحملُ بطاقةً لا تُطعِمُ أحدًا.
هل صارَ رِزْقُنا رهينةَ ورقة؟
هل صار وجودُنا نفسُه مؤجَّلًا إلى ختمٍ لا يأتي؟"*
كلُّ خطوةٍ كانَ يَشعرُ فيها أنَّه يَسقطُ أعمقَ
في حفرةٍ غيرِ مرئية، حفرةٍ اسمُها: "الانتظار."
حينَ دخل سعد البيت، لم يَقُلْ شيئًا.
وضعَ البطاقةَ على الطاولة.
جلس.
أغمضَ عينيه.
لم تكنْ هناكَ حاجةٌ للكلمات.
الصمتُ كانَ كافيًا ليقول:
إنَّ حياةً كاملةً يمكن أن تُختَزَلَ في ورقةٍ صغيرة،
تَنتظرُ توقيعًا أو خَتْمًا لا يَأتي.



#نعمة_المهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لقاء الأرواح
- أبنة السجان
- السيّار… حين يتوقف الحديد وتتحرك القلوب
- الرصاصة الرابعة
- الجندي المجهول _ حكاية الهوية العراقية
- نور في العتمة
- أشبيدي آنه ؟
- صوت وطن
- الضفة الاخرى
- مدرسة الطين
- عقاب الماء البارد
- ومضات العمر
- دم في نفس الشارع
- السوق _دكة العطار
- حين سلمني ابي
- الكرسي الفارغ
- حلم التخرج
- النافذة التي لا تُفتح
- بين النخيل
- حين تسقط الاقنعة


المزيد.....




- فاطمة الشقراء... من كازان إلى القاهرة
- هل يعود مسلسل (عدنان ولينا) من جديد؟!
- فيلم -متلبسا بالسرقة-.. دارين آرنوفسكي يجرب حظه في الكوميديا ...
- طالبان وتقنين الشعر.. بين الإبداع والرقابة
- خطأ بالترجمة يسبب أزمة لإنتر ميلان ومهاجمه مارتينيز
- فيلم -هند رجب- صرخة ضمير مدويّة قد تحرك العالم لوقف الحرب عل ...
- خالد كمال درويش: والآن، من يستقبلنا بابتسامته الملازمة!
- فنانون عالميون يتعهدون بمقاطعة مؤسسات إسرائيل السينمائية بسب ...
- الترجمة بين الثقافة والتاريخ في المعهد الثقافي الفرنسي
- مسرحية -سيرك- تحصد 3 جوائز بمهرجان القاهرة للمسرح التجريبي


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - ظلّ البطاقة