داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 8437 - 2025 / 8 / 17 - 00:26
المحور:
الادب والفن
يأتون على عجل،
ثم يمضون بلا وداع…
كأنهم هواةُ منفى،
يستعيرون الخطى
من أقدامٍ تعلّمت الغيابَ مبكرًا.
الرواحل تستنشق الطريق،
كأن السير طقوسُ عبور،
تعطره رائحة الفقد.
ليتكِ تأتين على قطار الريح،
قبل أن ينبح الوقتُ
وقبل أن يلتهمَ الليلُ عشاء النهار،
حين ترفرفُ أجنحةُ الدجى
كغربانٍ سُودٍ،
ترثي حرمانها بلعنة الصمت.
دموعٌ،
زفراتٌ،
أنينٌ مقيم،
ضيوفٌ حلّوا بمنزل روحي
ولا نية لهم بالرحيل.
الجفاف عالقٌ بيّ كذنبٍ قديم،
يأبى أن يُغفر.
تعوّدنا أن نمضغ السأم
بأسنانٍ نخِرة،
ونذبح الضجر بسيوف السكوت،
أيامُنا عرجاء،
تتعثر على عتبة خطاها،
صحراء يتيمة
جفَّ رحمُها من انتظار المطر.
ونحن،
نمتطي الذكريات
بسرجٍ من غبار الماضي،
وكلما تذكرنا طفولتنا
لم ندرِ من سرق من عيوننا طيفها؟
تدور رحى الأعوام،
والماضي يشيخ في مرايا الخيبة،
فمتى نشطب أوجاعنا من سجلّ الأيام؟
ونلوّن أحلامنا
بلون قوس قزحٍ،
لا يخجل من ابتسامته بعد المطر؟
دعينا نقصّ أظفار الوداع،
كما يقلم الشيخ شجرة عمره،
ففي ثقوب الظلمة
نفقد قبعة البياض،
ولا شيء يكبح جماح النسيان
إلا سياط الذكرى،
تجلدنا ببطءٍ من حيث لا نحتسب.
قتلنا السُّهاد،
حتى أقراص المنوّم فقدت عذريتها
في موسم الأرق،
كنا نضحك بهستيريا،
نقف على حافة الأسرّة،
ونغرق في نومةٍ شبه أبدية،
كأننا ننتقم من اليقظة.
كل شيء صار هراءً،
أعمارنا مزيجٌ من خيبة وغبار.
من أين للفاقدين
أن يستعيدوا أنينهم؟
وللموتى
أن يعيدوا النظر في جدارية الحياة؟
المرافئ لا تعبث بشَعر السفن،
كأغاني الغجر،
تغصُّ بالدمع وتُغني رغم الحريق.
نحن نغصُّ بالفقد،
حتى الأشجار تشكو الصداع،
وبساتين أحلامنا
غزاها الشيب، ولم تُزهر.
ألا نخجل من أرواحنا
ونحن نُسكب على دوارنا
زيتَ اللهاث،
كمن أُصيب بالتدرّن،
ندخّن أيامنا
سجائر من قشّ،
ونرمي أعقابها
في حضن حسرةٍ مستأجرة.
من يستطيع اختراق أحلامي
وقد أضعتُ كلمة السر؟
يا هذا…
لا تطلب مني أن أعدّ هزائمي،
أو أن أعددَ أنفاسي المثقوبة
وفحيح انكساراتي.
أنا مهزوم منذ البدء،
منذ كانت النطفة تبكي في الغيم،
مهزوم قبل أن أولد
بألف عام،
وفي كل فجرٍ
تقرع أجراس انكساري.
أشجارٌ عارية
في قبضة الصيف،
من يعيرني صبره
لأمنحه سيفي الثمل؟
كنت أرتّق الهزائم
بكامل قيافتي،
وأعود ألمُّ ما تبقى
من آلامي المنسية،
وأحزاني غير الناضجة،
فأسقيها سنين خرساء
أفلتت من النطق
واكتفت بالوجع
#داود_السلمان (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟