أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - داود السلمان - ذاكرة بلا قيود… مَن قتل الإيرانيين؟














المزيد.....

ذاكرة بلا قيود… مَن قتل الإيرانيين؟


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 8426 - 2025 / 8 / 6 - 16:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في أعماق التاريخ، تختبئ مآسي شعوب وديانات لم تكن تملك من وسائل الدفاع سوى ذاكرة موجوعة، وأمل ضعيف بالنجاة. من بين هذه الصفحات السوداء تبرز مأساة الإيزيديين، تلك الجماعة الدينية الأصيلة التي سكنت شمال العراق منذ قرون، حاملة معها تقاليدها الروحية، وهويتها الثقافية العريقة، وارتباطها العميق بجغرافيا مقدسة مثل سنجار. هذه الجماعة التي لطالما عانت من التهميش وسوء الفهم، واجهت في العصر الحديث واحدة من أبشع صور الإبادة الجماعية على يد تنظيم داعش عام 2014، في مأساةٍ تمثل جريمة لا تسقط بالتقادم، وجرحًا مفتوحًا في ضمير الإنسانية.
لم تكن الإبادة التي وقعت بحق الإيزيديين في آب/ 2014 حدثًا معزولًا، بل جاءت كذروة تاريخ طويل من الاضطهاد، تعرّض له أتباع هذه الديانة بسبب اختلافهم الديني والثقافي. حيث جرى تشويه عقيدتهم، ووصفهم بصفات باطلة مثل “عبدة الشيطان”، الأمر الذي سهّل التحريض ضدهم وتبرير قتلهم في نظر المتطرفين. لكن ما حدث في سنجار تجاوز كل حدود الانتهاك، حين اجتاح مسلحو تنظيم داعش المدينة وبدأوا بحملة إبادة ممنهجة: قتلوا آلاف الرجال، ودفنوا المئات في مقابر جماعية، وسبوا آلاف النساء والفتيات، حيث جرى بيعهن في أسواق النخاسة، واغتصابهن بشكل منهجي، في واحدة من أبشع جرائم العنف الجنسي الجماعي في العصر الحديث.
هذه الإبادة لم تكن فقط جسدية، بل كانت أيضًا محاولة لطمس هوية دينية وثقافية كاملة. لقد أُحرقت معابد الإيزيديين، وهُدمت مزاراتهم، وتعرض تراثهم الشفهي والثقافي إلى التدمير والتجاهل، في وقت لم يكن العالم فيه غافلًا تمامًا، بل كان يرى ويسجّل، دون أن يمنع أو يتدخل في الوقت المناسب. لقد كشفت الكارثة عن عجز المجتمع الدولي، وعن هشاشة الآليات المفترضة لحماية الأقليات، وعن فداحة الصمت حين يكون الإنسان هو الضحية.
في سنوات ما بعد الكارثة، تحوّل الحديث عن الإيزيديين إلى ملف حقوقي مؤلم، حيث نشطت بعض الجهود لتوثيق الجرائم، وبدأت حملات لإعادة الناجيات والبحث عن الأطفال المفقودين. كما نادت أصوات من الداخل والخارج بضرورة محاكمة الجناة أمام محاكم دولية. لكن، رغم هذه الجهود، ما زال الكثير من الناجين يعيشون في مخيمات النزوح، محرومين من العودة إلى ديارهم، لأن الأرض التي كانت لهم لم تعد آمنة، ولأن الخراب الذي لحق بها لم يكن فقط عمرانًا، بل نسيجًا اجتماعيًا وروحيًا هشًّا تهدّم بالكامل.
الإيزيديون ليسوا مجرد ضحية جديدة في سجل الإبادات الجماعية، بل هم مرآة لعطبٍ أعمق في فهم العالم لفكرة التعدد الديني والثقافي. فقد دفعت هذه الجماعة ثمن استقلالها الروحي، وثمن الانغلاق الذي فُرض عليها قسرًا نتيجة الاضطهاد التاريخي، فباتت معزولة، هدفًا سهلًا لمن أراد محو المختلف. إن ما جرى للإيزيديين لا يمكن فصله عن مأزق الشرق الأوسط في قبول التعدد، وفي حماية الأقليات، وفي صيانة الكرامة الإنسانية بعيدًا عن الدين والعرق والانتماء.
اليوم، بعد مضي سنوات على الإبادة، ما يزال العالم مطالبًا بأكثر من مجرد التضامن، أو الإدانة، أو تخليد الذكرى. الإبادة لا تتوقف حين يُهزم القاتل، بل حين يُستعاد الحق، وتُرمم الكرامة، وتُبنى العدالة. وهذا لن يتحقق ما لم يُعترف رسميًا بوقوع إبادة جماعية، وتُستعاد الأرض، ويعود الناجون إلى ديارهم بأمان، وتحاسب القيادات التي أصدرت الأوامر، واحتضنت الإرهاب، أو تغاضت عنه.
ما تعرض له الإيزيديون في سنجار ليس مجرد فصل دموي من فصول الصراع الطائفي، بل جريمة أخلاقية كبرى سُجلت في جبين العصر الحديث، وامتحان فاضح لفشلنا الجماعي في حماية المختلف، وصون الإنسان. ومن واجبنا الثقافي والإنساني أن نحمل هذه الذكرى كندبة دائمة، لا لنبكي فقط، بل لنمنع تكرارها، ولنردّ الاعتبار لأولئك الذين حاول العالم أن يطويهم في الظل، لكنهم ظلوا يقاومون بالموروث، وبالروح، وبذاكرة لن تموت.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل المثقف المقلوب ناقد ام منقذ؟(16)
- قولبة الثقافة: تأثير على حرية المثقف(15)
- المثقفون والامتثال: فقدان صوت المستقبل(14)
- الأفكار الملقنة هل تصنع الابداع؟(13)
- صراع المثقف مع القيود: بحثًا عن الهوية(12)
- كيف تُصنع القوالب فكرا موحدا؟(11)
- المثقف والتبعية الفكرية: خيانة الوعي وتمتثل الخطاب(10)
- تماثل الأفكار: هل يفقد المثقفون صمتهم؟(9)
- التفكير المقيّد: مأساة الفكر المقولب(8)
- زمن بلا باب - سياحة في (باب الدروازة) للروائي علي لفتة سعيد
- المثقف في دائرة الضغط: كيف تفرض الأفكار(7)
- الهوية الممزقة في (رياح خائنة) للروائية فوز حمزة
- قوالب الفكر: هل تختلف أصوات المثقفين(6)
- المثقف المقولب: ضحية العصر أم صانع قيوده؟(5)
- صناعة المثقف: عندما تتحدد الأفكار قبل أن تُقال(4)
- المثقف الأسير: بين القوالب الاجتماعية والفكر المستقل(3)
- قولبة الأفكار: كيف يفقد المثقفون حريتهم؟(2)
- الهجري وفريد: النغمة الأخيرة قبل الذبح
- المثقفون في القالب: قيود الفكر الحُرّ(1)
- فيروز غنّت كلماته...والرصاص أسكته إلى الأبد


المزيد.....




- تجاهل التحذيرات.. إنقاذ متسلّق بريطاني من جبال الدولوميت كلّ ...
- مهددة بالزوال.. نحّاتة قطع لعبة ماهجونغ الأخيرة في هونغ كونغ ...
- رأي.. إردام أوزان يكتب: ما الأسوأ من عدم الاستقرار في سوريا؟ ...
- الداخلية السورية تعلن إحباط هجوم على كنيسة في طرطوس
- في غزة.. الطحين -ذهب أبيض- و15 كيلومترًا تحت النار من أجل رغ ...
- تقارير عن خلاف بين نتنياهو ورئيس أركان الجيش حول إحكام السيط ...
- 9 أسرار لاختيار الشوكولاتة الداكنة الصحية
- الدماغ يتسبب بمشكلة خطيرة لمرضى السكري واستهدافه قد يحلها
- بعد فضائح شهادات مزورة.. موجة استقالات تُشعل فتيل أزمة سياسي ...
- أمازون تغلق أستوديو البودكاست وتسرّح أكثر من 100 موظف


المزيد.....

- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - داود السلمان - ذاكرة بلا قيود… مَن قتل الإيرانيين؟