أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محفوظ بجاوي - رشيد بوجدرة والثورة الجزائرية: تصويب ضد التدليس الأيديولوجي














المزيد.....

رشيد بوجدرة والثورة الجزائرية: تصويب ضد التدليس الأيديولوجي


محفوظ بجاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8418 - 2025 / 7 / 29 - 19:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم تكن الثورة الجزائرية مجرّد انتفاضة مسلّحة ضد الاستعمار الفرنسي، بل كانت مشروعًا تحرّريًا وطنيًا واسع الأفق، شارك فيه أبناء وبنات الجزائر من مختلف الخلفيات الفكرية والسياسية والدينية. ولهذا، فإن محاولات بعض الأطراف اليوم لحصر الثورة في تيارٍ معيّن، أو لإفراغها من تنوّعها الفكري والسياسي، تُعدّ اعتداءً صريحًا على الذاكرة الجماعية وتشويهًا متعمّدًا للتاريخ.
أحد ضحايا هذا التزوير الرمزي هو الأديب والمفكر الجزائري رشيد بوجدرة، الذي تعرّض مؤخرًا لهجمة ممنهجة عقب تكريمه من طرف رئيس الجمهورية، بحجّة أنه "لاديني" و"ملحد"، وبالتالي – بحسب منطقهم – لا يستحقّ أن يُلقّب بـ"المجاهد". إنّ هذا الطرح يكشف هشاشة الوعي التاريخي لدى فئة لا تُفرّق بين الإيمان الشخصي والموقف الوطني، ويختزل الثورة في خطاب ديني ضيّق، لا علاقة له بحقيقتها النضالية ولا بتعدّد فاعليها.
رشيد بوجدرة كان جزءًا من ذلك الجيل الثوري الذي آمن بالحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، وساهم في معركة التحرير بفكره وقلمه، كما ساهم غيره بالبندقية أو بالعمل التنظيمي أو الإعلامي. وإذا كان البعض يُنكر عليه صفة "المجاهد"، فهل ننكرها أيضًا على مناضلين كبار أمثال عبان رمضان، محمد خيضر، حسين آيت أحمد، عبد الحميد مهري، أحمد بن بلة، بشير حاج علي، وعبد القادر قديدر، ممن شكّلوا الطليعة السياسية والثقافية للثورة، وكان أغلبهم من ذوي التوجهات اليسارية أو التقدمية؟
بل إن الثورة الجزائرية جذبت أيضًا مناضلين غير جزائريين، مثل موريس أودان، هنري علاق، كلود جيلارد، وفرانز فانون، الذين آمنوا بعدالة القضية الجزائرية وشاركوا في معركتها، ودفع بعضهم حياته ثمناً لموقفه الأخلاقي والسياسي. فهل يُلغى دورهم لأنهم لا يندرجون ضمن فهم ديني معيّن للجهاد؟
الكفاح المسلّح الجزائري لم يُبنَ على مرجعية دينية أو فقهية، بل على وعي سياسي ثوري، ضمن حركة تحرّر عالمية في خمسينيات القرن الماضي. لم تكن الثورة معركة "مسلمين" ضد "كفّار"، بل كانت نضال شعبٍ مستعمَر ضد قوة استعمارية. شارك في هذا النضال يساريون، قوميون، أمازيغ، عرب، يهود، مسيحيون، وحتى فرنسيون مناضلون، وتكفّلت الجرائد الوطنية في الخارج — مثل المجاهد، صوت الجندي، الشرارة، الراية الحمراء، والحرية — بنقل صوت الثورة إلى العالم، بلغة سياسية، تحرّرية، لا دينية.
من الضروري التذكير بأن عناصر "مجموعة الـ22" — الذين فجّروا الكفاح المسلح — لم يكن من بينهم أي شخصية ذات خلفية "إسلامية" بالمفهوم الأيديولوجي للكلمة. كما أنّ جمعية العلماء المسلمين لم تشارك بشكل مباشر في العمل المسلّح، رغم مواقفها الوطنية. ولم تكن مفردات مثل "مجاهد" أو "شهيد" رائجة بين عامة الناس خلال الثورة، بل كان يُطلق على المقاتلين اسم "الجنود"، وعلى المتعاونين مع فرنسا "العسكر"، بحسب شهادات حية من عائلات الشهداء. وعي بسيط، لكنه واضح وصريح: من كان معنا في معركة الحرية، ومن كان ضدّنا.
إن محاولات بعض الأطراف اليوم لإعادة كتابة التاريخ بمنظار ديني أحادي، تُعدّ تزويرًا ممنهجًا للوعي الوطني. الهدف ليس فقط إقصاء مناضلين بعينهم، بل فرض سردية تُلغي تعددية الثورة، وتحصرها في فئة أيديولوجية واحدة.
رشيد بوجدرة لم يجاهد طمعًا في فردوس ديني، بل من أجل وطن أرضي. ناضل بالكلمة، وواجه القمع، ودافع عن الجزائر الحرة حتى وهو يختلف جذريًا مع خطاب السلطة أو الدين الرسمي. تكريمه اليوم هو اعتراف بجهده وإسهامه، لا بمعتقداته الشخصية. ومن السذاجة أن نحاكم الناس بناءً على إيمانهم، لا على مواقفهم.
الثورة الجزائرية لم تكن مشروعًا دينيًا، بل وطنيًا تحرّريًا. وهي ملكٌ لجميع الجزائريين، لا لطيفٍ دون آخر. من لم يفهم بعد أن الجهاد الوطني يختلف جوهريًا عن الجهاد الفقهي، فالمشكلة ليست في الثورة، بل في قراءته المؤدلجة والسطحية لها.



#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلمانية والإيمان : دعوا الدولة للناس،والدين لله
- عيد الاستقلال الجزائري : ذكرى المجد والتحدي
- التحرر من سجون الفكر.. دعوة إنسانية على خطى دوركايم
- محمد بوضياف....رجل حلم بدولة، فاغتالوه قبل أن يتم الحلم
- الحجاب: عادة اجتماعية أم فريضة دينية؟
- متى نتوقف عن الأدعاء بأن - الغرب منحل اخلاقيا -؟
- حينما يهدر الوطن ثرواته باسم العظمة
- الجزائر بين من حرروها... ومن حكموها: الحقيقة التي لاتقال
- بين الجهل بالأرض وادعاء الوصاية على السماء: مأزق من لا يعرف ...
- النقد البناء ليس خيانة بل واجب وطني
- في حضرة الخوف....يولد الصمت وتنطفىء الأحلام
- من إستهلاك السلع إلى احتضار الفكر : حين نقتني كل شيء ونعرض ع ...
- التحرر من أسر الماضي: الطريق نحو نهضة حقيقية
- حين يُقصى العقل،وتُستبدل المعرفة بالوهم... يصبح الصمت جريمة.
- الممنوعات باسم الفضيلة: كيف تصنع القيود مجتمعا خائفًا ومقموع ...
- التعليم في أوطاننا... بين التلقين والجمود
- خراب العقول حين تغيب الفلسفة
- جذور ثابتة وهوية لا تُشترى: الجزائر وطن ضارب في التاريخ لايم ...
- الطاعة و الخضوع بين التنشءة والواقع الإجتماعي: قراءة في مواق ...
- في يوم الطالب:من جيل التحرير إلى جيل البناء... هل مازلنا أوف ...


المزيد.....




- بسرعة ودقة.. شاهد لحظة اقتحام مستودع وسرقة مجوهرات بمليون دو ...
- زلزال عنيف بقوة 8.8 درجة يوقظ المحيط ويهدد قارات العالم في ل ...
- لماذا يُعتبر قرار ستارمر الاعتراف بدولة فلسطينية، تغيّراً في ...
- وسط معارضة إسرائيلية وأمريكية.. بارو يعلن أن 15 دولة أخرى تع ...
- إسرائيل تبدأ ترحيل ناشطي سفينة -حنظلة- بعد محاولتهم كسر الحص ...
- تسعة أشهر على فيضانات فالنسيا.. مظاهرات تطالب باستقالة الحكو ...
- ألمانيا تطلق خطة مشتريات دفاعية ضخمة -بهدف تعزيز قدراتها ال ...
- عمليات إخلاء وتحذيرات من تسونامي عبر دول المحيط الهادي
- هندسة المناخ: باحثون من جامعة واشنطن قاموا -سرا- بتجربة مثير ...
- إسرائيل ومحمد: عرض مسرحي عن علاقة الأبناء بالآباء وصدمات الط ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محفوظ بجاوي - رشيد بوجدرة والثورة الجزائرية: تصويب ضد التدليس الأيديولوجي