محفوظ بجاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8404 - 2025 / 7 / 15 - 08:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تُصوّر العلمانية في كثير من النقاشات السطحية على أنها نقيضٌ للإيمان، أو عدوٌّ للدين، بينما في حقيقتها لا تتجاوز كونها إطارًا عقلانيًا لتنظيم الحياة العامة، يُعلي من قيمة المواطنة، ويكفل حرية المعتقد دون فرض ولا منع.
العلمانية لا تعني محاربة الدين، بل تعني ببساطة أن الدولة لا تتبنى دينًا ولا تفرضه، كما لا تُقصي أحدًا من حقوقه بسبب معتقده. هي ضمانة لتعايش الناس باختلافهم، ولعدم تحوّل الإيمان إلى سلطة أو وسيلة لاحتكار الفضاء العام. وعندما نقول إن "العلمانية تُفرض"، فإننا لا نعني فرضها كعقيدة، بل كقاعدة قانونية تُساوي بين الأفراد وتمنع استغلال الدين في إدارة شؤون الدولة أو التمييز بين المواطنين.
ما الذي تقوله العلمانية إذًا؟ تقول ببساطة:
▪️ إن القوانين يجب أن تكون مدنية، لا دينية.
▪️ إن الحقوق يجب أن تُمنح للناس بصفتهم بشرًا ومواطنين، لا أتباعًا لعقيدة معيّنة.
▪️ وإن حرية التدين مكفولة، لكن تُمارَس كمسألة شخصية، لا كأداة في يد السلطة أو الجماعة.
لا شيء في العلمانية يعادي الله أو يمنعك من الصلاة والصوم والاعتقاد بما تشاء. بل هي تقول لك: افعل كل ذلك، لكن لا تفرضه على غيرك، ولا تبنِ عليه قانونًا يُقصي المختلف عنك. وهنا نصل إلى جوهر المسألة: الإيمان الحقيقي لا يحتاج إلى حماية السلطة، ولا إلى فزّاعة العلمانية. إن الإيمان الذي لا يصمد خارج حماية الدولة ليس إيمانًا بل خوفًا، أو عادةً اجتماعية موروثة. أما الإيمان الصادق، فشأنٌ داخلي عميق، لا تهدده لا العلمانية ولا حتى الإلحاد.
العلمانية، بخلاف ما يُشاع، ليست "غربية الجوهر"، بل إن الإسلام ذاته فرّق بين العقيدة والشأن العام، وركّز على حرية الإنسان في علاقته بربه. والمجتمع الذي لا يستطيع احترام هذا الحدّ الفاصل بين السلطة والإيمان، هو مجتمع مهدّد دومًا بالاستبداد باسم المقدّس.
دعوا الدولة للناس جميعًا، واتركوا العلاقة بالله للإنسان وحده. فالدين لا يُخدم بالتسلّط، ولا يُشرّف بالقهر، بل يُشوَّه عندما يُختزل في مظاهر وامتيازات. وإذا أردنا مجتمعات متماسكة أخلاقيًا وروحيًا، فلا سبيل لذلك إلا بفصل الإيمان عن أدوات السيطرة، وتركه ليكون ما وُجد لأجله: رابطًا صادقًا بين الإنسان وربّه.
#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟