محفوظ بجاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8397 - 2025 / 7 / 8 - 10:17
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
في 5 جويلية 1962، استعاد الشعب الجزائري سيادته بعد أكثر من 132 سنة من الاستعمار الفرنسي، مُعلنًا ميلاد الدولة الجزائرية المستقلة. لم يكن هذا الحدث مجرد انتقال سياسي، بل كان انتصارًا تاريخيًا لقضية تحرر شعب عانى طويلاً، وقاوم بشراسة، وضحّى بأغلى ما يملك في سبيل نيل حريته.
منذ احتلال الجزائر سنة 1830، دخلت البلاد مرحلة طويلة من المعاناة تحت وطأة القمع الاستعماري. سُلبت الأراضي، نُهبت الثروات، وحُورب الشعب في دينه وثقافته ولغته، بينما مورست عليه كل أشكال التهميش والعنف الممنهج. لكن رغم القهر، لم يستسلم الجزائريون، بل نهضوا في وجه الظلم، بدءًا بالمقاومات الشعبية، ثم عبر الحركة الوطنية، حتى بلغت التضحيات ذروتها في ثورة أول نوفمبر 1954.
لقد جاءت ثورة نوفمبر كفعل تحرري شامل، حمل مشروع أمة تبحث عن الحرية والكرامة. على مدى سبع سنوات ونصف، خاض فيها الجزائريون واحدة من أعظم الثورات في العصر الحديث، واجهوا فيها آلة استعمارية شرسة بأسلحة متواضعة ولكن بإرادة لا تُقهر. تجاوز عدد الشهداء مليونًا ونصف المليون، فضلًا عن الجرحى والمعطوبين والمعتقلين والمهجرين، لكنها كانت ثمنًا وطنيًا لكرامة لا تُشترى.
في 5 جويلية 1962، رُفع العلم الوطني عاليًا، ليعلن ميلاد دولة لم تولد من اتفاق سياسي، بل من نار الكفاح، والدم، والتضحية. غير أن الاحتفال بعيد الاستقلال لا يقتصر على تمجيد الماضي، بل هو محطة لمساءلة الضمير الوطني: ماذا قدمنا نحن لأجل هذا الوطن؟ وهل ما نعيشه اليوم يليق بتلك التضحيات الجليلة؟
إنّ الجزائر الحديثة تواجه اليوم تحديات كثيرة: سياسية، اقتصادية، اجتماعية وثقافية. غير أن الوعي الوطني والمسؤولية التاريخية تقتضي أن يكون إحياء ذكرى الاستقلال مناسبة لتحفيز العقول، واستنهاض الطاقات، والعمل على بناء دولة قوية، عادلة، قائمة على الكفاءة، وسيادة القانون، والعدالة الاجتماعية.
وفي خضم هذه التحديات، يبقى الأمل هو الرصيد الأهم. فشعب أنجب ثوارًا من طينة العربي بن مهيدي، ومصطفى بن بولعيد، وزيغود يوسف، لا يمكن أن يُهزم إذا التحم أبناؤه على حب الوطن والعمل من أجله بإخلاص. إنّ الجزائر بحاجة إلى جيل جديد يؤمن بأن المواطنة ليست امتيازًا، بل مسؤولية. وبأن الوطن لا يُخدم بالشعارات، بل بالفعل، لا بالضجيج، بل بالبذل والتفاني.
ختامًا، عيد الاستقلال هو مناسبة لتجديد العهد مع الشهداء، والتأكيد على أن الجزائر التي استُرجعت بالدم لا ينبغي أن تُهان بالإهمال أو الفساد أو التفرقة. هي أمانة في أعناقنا، وتاريخ في ذاكرتنا، ومستقبل نرسمه بأيدينا.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار،
والحرية والكرامة لوطنٍ دفع ثمنهما غاليًا.
عيد استقلال مبارك لكل أبناء الجزائر.
#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟