أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - الْإِمْبِرَيَالِيَّة؛ نَزْعة نَحْو السَّيْطَرَة الشَّامِلَة















المزيد.....



الْإِمْبِرَيَالِيَّة؛ نَزْعة نَحْو السَّيْطَرَة الشَّامِلَة


حمودة المعناوي

الحوار المتمدن-العدد: 8380 - 2025 / 6 / 21 - 00:10
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


_ الْإِمْبِرَيَالِيَّة كَمَفْهُومِ مِعْيَارِيّ عَامّ

الْإِمْبِرَيَالِيَّة هِيَ سِيَاسَة أَوْ أَيْدُيُولُوجِيَّة تُمَارِسُ فِيهَا دَوْلَة قَوِيَّةً أَوْ إِمْبِرَاطُورِيَّة السَّيْطَرَة أَوْ الْهَيْمَنَةِ عَلَى دُوَلٍ أَوْ شَعُوب أُخْرَى. هَذِهِ السَّيْطَرَة لَا تَقْتَصِرُ بِالضَّرُورَةِ عَلَى الِإحْتِلَالِ الْعَسْكَرِي الْمُبَاشِرِ، بَلْ قَدْ تَتَّخِذُ أشْكَالًا مُخْتَلِفَة تَشْمَل النُّفُوذ السِّيَاسِيّ، السَّيْطَرَة الِإقْتِصَادِيَّة، أَوْ الْهَيْمَنَة الثَّقَافِيَّة.
جَوْهَرٌ الْإِمْبِرَيَالِيَّة هُوَ مُمَارَسَة شَكْلٍ مِنَ أشْكَال السَّيْطَرَة. هَذِه السَّيْطَرَة يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مُبَاشَرَةً (----dir----ect) كَمَا فِي حَالَةِ الِإسْتِعْمَار التَّقْلِيدِيّ، حَيْث تَحْتَلُّ دَوْلَة قَوِيَّة أَرَاضِي دَوْلَةٍ أُخْرَى وَتُدِيرُهَا سِيَاسِيًّا وَعَسْكَرِيًّا بِشَكْلٍ مُبَاشِرٍ. أَوْ غَيْرَ مُبَاشَر (In----dir----ect) مِنْ خِلَالِ آلِيَات إقْتِصَادِيَّة، سِيَاسِيَّة، أَوْ ثَقَافِيَّة تَضَمَّن تَبَعِيَّة الدَّوْلَة الْمُسْتَهْدَفَة دُونَ الْحَاجَةِ إلَى إحْتِلَال عَسْكَرِيّ. هَذَا مَا يُعْرَفُ غَالِبًا بـالِإسْتِعْمَار الْجَدِيد (Neocolonialism).
عَادَةً مَا تَسْعَى السَّيْطَرَة إلَى تَحْقِيقِ أَهْدَاف مُتَعَدِّدَة، وَتَشْمَل إقْتِصَادِيَّة كَالْحَصُول عَلَى الْمَوَارِد الطَّبِيعِيَّة (الْمَوَادِّ الْخَامِّ)، فَتْح أَسْوَاق جَدِيدَة لِلْمُنْتَجَات، إسْتِثْمَار رُؤُوسِ الْأَمْوَالِ الْفَائِضَة، أَوْ السَّيْطَرَةَ عَلَى طُرُقٍ التِّجَارَةِ. وَ سِيَاسِيَّة وَ إسْتَرَاتيجيَّة تَهْدِفُ إِلَى تَعْزِيزِ الْقُوَّة الْجُيوسيَاسِيَّة للدَّولةِ المُهَيْمِنَة، تَأْمِين مَوَاقِع إسْتِرَاتِيجِيَّة، أَوْ مَنَعَ مِنَّافسيها مِنْ إكْتِسَابِ نُفُوذ. أَوْ أَيْدُيُولُوجِيَّة وَثَقَافِيَّة تُحَاوِل نَشْر قَيِّم، أَنْظِمَة حُكْمٍ، أَوْ أَدْيَان مُعَيَّنَةٍ، مَعَ الِإعْتِقَادِ بِالتَّفَوُّق الْحَضَارِيّ أَوْ الثَّقَافِيّ لِلدَّوْلَة المُهَيْمِنَة.
تَتَضَمَّنُ الْإِمْبِرَيَالِيَّة طَرَفًا مُهَيْمِنًا وَ هُوَ الدَّوْلَة الْإِمْبِرَيَالِيَّة وَ طَرَفًا خَاضِعًا لِلَّهِيَمْنَة وَ هُوَ الدُّوَلِ أَوِ الشُّعُوبِ الْمُسْتَعْمَرَة أَوْ التَّابِعَة. الْإِمْبِرَيَالِيَّة غَالِبًا مَا تَنْطَوِي عَلَى مِيلٍ لِلتَّوَسُّع، سَوَاءٌ كَانَ تَوَسُّعًا جُغْرَافِيَا مُبَاشِرًا أَوْ تَوَسُّعًا فِي مَجَالِ النُّفُوذ.
هُنَاكَ نَمَاذِج تَارِيخِيَّة مِنْ الْإِمْبِرَياليات مِثْلُ الْإِمْبِرَاطُورِيَّات الرُّومَانِيَّة وَالْفَارِسِيَّة وَالصِّينِيَّة، الَّتِي مَارَسَتْ سَيْطَرَة مُبَاشَرَةً عَلَى أَرَاضٍ وَاسِعَةٌ. إلَى جَانِبِ الْإِمْبِرَيَالِيَّة الْأُورُوبِّيَّة الْحَدِيثَة خِلَالَ الْقَرْنَان 19 و 20 وَاَلَّتِي شَهِدَتْ سَيْطَرَة وَاسِعَة لِلْقِوَّى الْأُورُوبِّيَّة (بِرِيطَانْيَا، فَرَنْسَا، إِسْبَانْيَا، الْبُرْتُغَال، ألْمَانْيَا، إِيطَالْيَا، بَلْجِيكَا، هُولَنْدَا) عَلَى أَجْزَاءِ كَبِيرَةٌ مِنْ آسْيَا وَإفْرِيقْيَا وَ الْأَمْرُيكتين. تَمَيَّزَتْ بِالِإسْتِيطَان، الِإسْتِغْلَال الِإقْتِصَادِيّ الْمُكَثَّف، وَالْفَرْض الْمُبَاشِر للأَنِظَمِة الْإِدَارِيَّة.
بَعْدَ حُصُولِ مُعْظَم الدُّوَلِ عَلَى إسْتِقْلَالِهَا السِّيَاسِيّ، ظَهَرَتْ أشْكَال جَدِيدَةٍ مِنْ الْإِمْبِرَيَالِيَّة تَعْتَمِدُ عَلَى الْقُوَّةِ الِإقْتِصَادِيَّة، النُّفُوذ السِّيَاسِيّ، وَالهَيْمَنَة الثَّقَافِيَّة وَالتِّكْنُولُوجِيَّة، دُونَ الْحَاجَةِ لِلْوُجُود الْعَسْكَرِي الْمُبَاشِر.
الْفَرْقُ الْجَوْهَرِيّ بَيْن الْإِمْبِرَيَالِيَّة وَالِإسْتِعْمَار. غَالِبًا مَا تُسْتَخْدَم الْمُصْطَلَحَات بِالتَّبَادُل، لَكِنْ هُنَاكَ فَارِقٌ دَقِيق. الْإِمْبِرَيَالِيَّة هِيَ الْمَفْهُومُ الْأَوْسَع الَّذِي يُشِيرُ إلَى السِّيَاسَةِ أَوْ الْأَيْدُيُولُوجِيَّة الَّتِي تَسْعَى لِلسَّيْطَرَة وَالنُّفُوذ. أَمَّا الِاسْتِعْمَار (Colonization) هُوَ أَحَدُ إشْكَال تَطْبِيق الْإِمْبِرَيَالِيَّة، وَيَقْصِدُ بِهِ تَحْدِيدًا السَّيْطَرَة الْمُبَاشَرَةِ عَلَى الْأَرَاضِي الْخَارِجِيَّة، إدَارَتُهَا، غَالِبًا تَتِمُّ مِنْ خِلَالِ الِإسْتِيطَانِ وَنَقَلَ السُّكَّانِ مِنْ الدَّوْلَةِ المُهَيْمِنَة.
يُمْكِنُ لِدَوْلَة أَنْ تَكُونَ إمْبِرْيَالِيَّة دُونَ أَنْ تُمَارَسَ الِإسْتِعْمَار الْمُبَاشِرِ كَمَا فِي النَّيو-كُولُونْيَّالِيَّة، لَكِنْ كُلُّ إسْتِعْمَار هُوَ شَكِلٌ مِنْ أشْكَالِ الْإِمْبِرَيَالِيَّة.
الْإِمْبِرَيَالِيَّة هِيَ نَزْعَةٌ لِلَّهِيَمْنَة وَالسَّيْطَرَة الْخَارِجِيَّة تَمَارِسَهَا دَوْلَةً قَوِيَّةٌ عَلَى أُخْرَى، تَتَّخَذ أشْكَالًا مُتَنَوِّعَة وَتَسْتَهْدِف تَحْقِيق مَصَالِح مُعَيَّنَة، غَالِبًا مَا تَكُونُ إقْتِصَادِيَّة أَوْ سِيَاسِيَّة أَوْ إسْتِرَاتِيجِيَّة.

_ عَلَاقَة الْإِمْبِرَيَالِيَّة بِكُلِّ مَنْ الْعِلْم وَالْأَخْلَاق

تُثِير عَلَاقَة الْإِمْبِرَيَالِيَّة بِكُلِّ مَنْ الْعِلْم وَالْأَخْلَاق إشْكَالَيْات مُعَقَدَّة وَمُتَشَابِكَة، حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْعِلْمُ قَطّ حَكْرًا عَلَى النَّوَايَا الْخِيَرَة أَوْ بِمَعْزِلٍ عَنْ الْمَصَالِحِ السِّيَاسِيَّةِ وَالِإقْتِصَادِيَّةِ. بَلْ عَلَى الْعَكْسِ، فَقَدْ إسْتَخْدَم الْعِلْم تَارِيخِيًّا، وَلَا يَزَالُ فِي أشْكَالِ الْإِمْبِرَيَالِيَّة الْجَدِيدَةُ (النَّيوكُولُونْيَّالِيَّة)، كَأَدَاة لِلَّهِيَمْنَة، مِمَّا يَقُوض الْمَبَادِئُ الْأَخْلَاقِيَّة لِلْعِلْم نَفْسِه.
1. عَلَاقَةُ الْإِمْبِرَيَالِيَّة بِالْعِلْمِ: الْعِلْمُ كَأَدَاة لِلَّهِيَمْنَة
لَمْ يَكُنْ التَّطَوُّرُ الْعِلْمِيُّ وَالتِّقْنِيّ مَحَايدا فِي مَسَارٍ الْإِمْبِرَيَالِيَّة؛ بَلْ كَانَ عَامِلًا حَاسِمًا فِي تَمْكِينِهَا وَإِدَامَة هَيْمَنَتُهَا. تَبْرُزُ الْإِشْكَالِيَّات هُنَا فِي كَيْفِيَّةِ إسْتِغْلَال الْعِلْمَ:
الْعِلْمَ كَأَدَاة لِلتَّوَسُّع الْعَسْكَرِي وَالِإقْتِصَادِيّ:
. سَمَحَتْ التَّطَوُّرَات فِي عِلْمِ الْمَعَادِن، الْكِيمْيَاء، صِنَاعَة الْمَتفجرات، وَالْهَنْدَسَةِ تَصْمِيم الْأَسْلِحَة وَالسُّفُن الْبُخَارِيَّة لِلْقِوَّى الْإِمْبِرَيَالِيَّة بِإمْتِلَاك تَفُوق عَسْكَرِيّ سَاحَق. هَذَا التَّفَوُّق لَمْ يَكُنْ لِيَتَأَتَّى لَوْلَا التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ.
. عُلُوم الْجُغْرَافِيَا، الجُيُولُوجْيَا، وَالزِّرَاعَةُ مَكَّنَتْ الْإِمْبِرَاطُورِيَّات مِنْ إسْتِكْشَاف الْمَوَارِد الطَّبِيعِيَّةِ فِي الْمُسْتَعْمَرَات وَتَحْدِيد مَوَاقِعِهَا وَإسْتِغْلَالُهَا بِكَفَاءَة. ثَوْرَة الْمُوَاصَلَاتِ وَالِإتِّصَالَاتِ: عَلِم الْبَصْرِيَّات التَّلِّيسُكُوبَات، الْمَيكانِيكًا. الْقِطَارِات وَالسُّفُنُ الْبُخَارِيَّة، وَالْكَهْرَبَاء، الَّتِلغراف ثُمَّ الْهَاتِف. رَبَط الْمَرَاكِز الْإِمْبِرَيَالِيَّة بِمُسْتَعْمَرَاتِهَا الشَّاسِعَة، مِمَّا سَهْل الْإِدَارَة وَالتَّحَكُّم الْمَرْكَزِيّ.
الِإسْتِعْمَارُ المَعْرِفِيّ (Epistemic Colonialism):
تُعَدُّ هَذِهِ إحْدَى أَبْرَز إشْكَالَيْات عَلَاقَةُ الْإِمْبِرَيَالِيَّة بِالْعِلْمِ. فَقَدْ فَرَضْتُ القِوَّى الْإِمْبِرَيَالِيَّة نَمَاذِجِهَا الْمَعْرِفِيَّة، مَنَاهِجِهَا الْبَحْثَيْة، وَأَنْظِمَة تَصْنِيف الْعَالِم كَمَعَايِير عَالَمِيَّةُ، مِمَّا أَدَّى إلَى تَهْمِيش، نَزَعَ قِيمَةٍ، أَوْ حَتَّى مَحْو الْمَعَارِف الْمَحَلِّيَّة وَالتَّقْلِيدِيّة لِلشُّعُوب الْمُسْتَعْمَرَة. تُصْبِح الْمَعْرِفَةَ الصَّحِيحَةَ هِيَ تِلْكَ الَّتِي تَتَوَافَقُ مَعَ الأَطْر الْغَرْبِيَّة. غَالِبًا مَا تَوَجَّهَ الْأَبْحَاثِ فِي الدُّوَلِ الَّتِي كَانَتْ الْمُسْتَعْمَرَة وَالْآنَ فِي سِيَاقِ النَّيوكُولُونْيَّالِيَّة مِنْ قِبَلِ الْجِهَات المَانِحَة الْغَرْبِيَّةِ أَوْ الشَّرِكَات مُتَعَدِّدَة الْجِنْسَيْات لِخِدْمَةِ مَصَالِحِهَا، بَدَلًا مِنْ مُعَالَجَةِ الْأَوْلَوِيات التَّنْمَوِيَّة الْفِعْلِيَّة لِلْمُجْتَمَعَات الْمَحَلِّيَّة.
يَقُومُ بَاحِثُونَ مِنْ الدُّوَل الْمُتَقَدِّمَة بِإِجْرَاء بُحُوثٍ فِي الدُّوَلِ النَّامِيَة (جَمْع بَيَانَات، عَيْنًات) ثُمَّ يَعُودُونَ لِبِلَادِهِمْ لِتَحْلِيلِهَا وَ نَشْرِهَا دُونَ إشْرَاكٍ حَقِيقِيّ لِلْبَاحِثَيْن المُحَلَّيَيْن أَوْ تَقَاسَم عَادِل لِلْفَوَائِد. هَذَا يُعْرَقل بِنَاءً القُدُرَات الْبَحْثَيْة الْمَحَلِّيَّةَ وَيُدِيم التَّبَعِيَّة الْمَعْرِفِيَّة.
2. عَلَاقَةُ الْإِمْبِرَيَالِيَّة بِالْأَخْلَاق: الْعِلْم كَأَدَاة لِتَبْرِير الظُّلْم
لَمْ يَقْتَصِرْ دُور الْعِلْمِ فِي الْإِمْبِرَيَالِيَّة عَلَى تَوْفِيرِ الْأَدَوَات، بَلِ إمْتَدَّ لِيُصْبِح مَصْدَرًا لِتَبْرِير الْمُمَارَسَات اللَّاأَخْلَاقِيَّة وَلِتَرْسِيخ تَصَوُّرَات مُنْحَرِفَةً عَنْ الْآخَرِ
الْأَيْدُيُولُوجِيَّات الْعُنْصُرِيَّة وَالتَّبَرُّير الْعِلْمِيّ:
قَدِّمَتْ بَعْضُ فُرُوعِ الْعِلْمِ فِي الْقَرْنِ التَّاسِعَ عَشَرَ، مِثْلُ الإِنْثْرُوبُّولُوجْيَا وَعِلْمَ الْأَعْرَاق الَّتِي كَانَتْ وَقْتِهَا لَا تَزَالُ فِي مَرَاحِلَهُا الْأَوَّلِيَّةُ وَتَتَأَثَّر بِالتَّحِيَّزات، تَبْرِيرًات عِلْمِيَّةٍ زَائِفَة لِلتَّفَوُّق الْعِرْقِيّ لِلْإِورُوبِّيِّين. هَذِهِ النَّظَرِيَّات الْمُضَلِّلَة سَاعَدَتْ عَلَى تَصْوِيرِ الشُّعُوب الْمُسْتَعْمِرَة كـَمُتَخَلِّفَة، غَيْر عَقْلَانِيَّةً، أَوْ بَرْبَرِيَّةٌ، وَبِالتَّالِي بِحَاجَةٍ إِلَى التَّمْدِين وَالْوِصَايَةُ الْأُورُوبِّيَّة. هَذَا التَّبْرِيرَ سَمَح لِلْقِوَّى الْإِمْبِرَيَالِيَّة بِتِجَاهل أَيْ إعْتِبَارَات أَخْلَاقِيَّة تَتَعَلَّق بِالسِّيَادَة أَوْ حُقُوقَ الْإِنْسَانِ لِلشُّعُوب الْخَاضِعَة.
الِإنْتِهَاكُ الْأَخْلَاقِيّ: تَكْمُن الإِشْكَالِيَّة هُنَا فِي تَحْوِيلِ الْعِلْمِ مِنْ أَدَاةِ لِلْبَحْثِ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَى أَدَاةِ لِتَزْيِيفِهَا وَشَرْعَنَّة الظُّلْمُ وَ التَّمْيِيز الْعُنْصُرِيّ.
التَّجَارِب اللَّاأخلَاقِيَّة عَلَى الْبَشَرِ: فِي بَعْضِ الْمُسْتَعْمَرَات، أُجْرِيَتْ تَجَارِب طِبِّيَّة وَبَشَرِيَّة عَلَى السُّكَّانِ الْأَصْلِيِّينَ دُونَ مُوَافَقَةِ مُسْتَنِيرة أَوْ إحْتِرَامِ لِحُقُوقِهِمْ، مُسْتَغِلِّين ضَعْفِهِمْ وَ عَدَمِ وُجُودِ قَوَانِين تَحْمِيهِمْ. هَذِه التَّجَارِب كَانَتْ تَبَرُّر أَحْيَانًا بِأَنَّهَا ضَرُورِيَّة لِصَالِح الْعِلْمِ أَوْ لِصِحَّة الْبَشَرِيَّة، لَكِنَّهَا كَانَتْ تَنْتَهَك أَبْسَط الْمَبَادِئِ الْأَخْلَاقِيَّةِ لِلْبَحْث الْعِلْمِيّ.
الِإنْتِهَاكُ الْأَخْلَاقِيّ: يُمَثِّل هَذَا تَجْرِيدًا كَامِلًا لِإِنْسَانٍيَة المُسْتَعْمَر وَإعْتِبَارُه مُجَرَّدَ مَادَّةٍ لِلتَّجَارِب بَدَلًا مِنْ كَوْنِهِ إنْسَانًا لَهُ حُقُوقٌ وَكَرَامَة.
إزْدِوَاجُيَة الْمَعَايِير الْأَخْلَاقِيَّة فِي التَّطْبِيقِ : حَتَّى الْيَوْمِ، قَدْ تُطَبَّق مَعَايِير أَخْلَاقِيَّة أَقَلّ صَرَامَةً فِي البُحُوثِ الَّتِي تَجْرِي فِي الدُّوَلِ النَّامِيَة مُقَارَنَة بِالدُّوَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ، خَاصَّةً فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَيَانَات الشَّخْصِيَّةُ، حِمَايَة الْفِئَات الضَّعِيفَة، وَتَقَاسَم الْمَنَافِع.
الِإنْتِهَاكُ الْأَخْلَاقِيّ: يَظْهَرُ هُنَا فِي التَّفَاوُتِ فِي قِيمَةِ الْحَيَاة وَ الْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ بِنَاءً عَلَى المَوْقِّعِ الْجُغْرَافي أَوْ الْوَضْعِ الِإقْتِصَادِيّ، مِمَّا يُقَوِّض مَبْدَأُ الْمُسَاوَاةِ الْأَخْلَاقِيَّة.
الْمَسْؤُولِيَّةُ عَنْ إرْثِ الظُّلْم. تُثِير الْإِمْبِرَيَالِيَّة تَسَاؤُلَات أَخْلَاقِيَّة حَوْل مَسْؤُولِيَّة الْمُؤَسَّسَات الْعِلْمِيَّةِ الْمُعَاصِرَةِ عَنْ دَوْرِهَا فِي دَعْمِ الْإِمْبِرَيَالِيَّة تَارِيخِيًّا. هَلْ يَجِبُ عَلَى الْجَامِعَات وَالْمَتَاحِف الَّتِي إسْتَفَادَتْ مِنْ الْمَعْرِفَةِ الْمُكْتَسَبَة خِلَال الْحِقْبَة الِإسْتِعْمَارِيَّة مِثْلُ جَمْعِ العَيْنَات الْبَشَرِيَّةِ أَوْ الْأثَارِ أَنَّ تَقَدُّمَ اِعْتِذَارَات أَوْ تَعْوِيضًات أَوْ تُعِيد الْمُمْتَلَكَات؟
الِإنْتِهَاكُ الْأَخْلَاقِيّ: يَبْرُزُ فِي تَجَاهَلَ أَوْ إنْكَارٍ إرْث الظُّلْم التَّارِيخِيّ وَفَشَله فِي تَصْحِيحِ الْأثَار الْمُسْتَمِرَّة لِلِإسْتِغْلَال.
إنَّ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْإِمْبِرَيَالِيَّة وَالْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق تَكْشِفُ عَنْ جَانِبِ مُظْلِمٍ فِي تَارِيخِ الْبَشَرِيَّةِ، حَيْث تُسْتَخْدَم الْمَعْرِفَة وَالْقُوَّة لِفَرْض الْهَيْمَنَة وَتَبْرِيرِهَا. فَالْإِمْبِرْيَالِيَّة لَمْ تَكُنْ مُجَرَّد ظَاهِرة سِيَاسِيَّة وَإقْتِصَادِيَّة، بَلْ كَانَتْ لَهَا أبْعَاد مَعْرِفِيَّة وَأَخْلَاقِيَّة عَمِيقَة، أَعَادَتْ تَشْكِيل كَيْفِيَّة إنْتَاج الْمَعْرِفَة، وَ تَحْدِيد مَا هُوَ عِلْمِي، وَتَبْرِير التَّفَاوُت وَالظُّلْم. إنْ فَهْمَ هَذِه الْإِشْكَالِيَّات ضَرُورِيٌّ لَيْسَ فَقَطْ لِتَأرِيخ الْمَاضِي، بَلْ لِتَحَدي بَقَايَاهَا فِي أشْكَالِ النَّيو-كُولُونِيَّالِيَّة الْمُعَاصَرَةُ، وَالسَّعْيِ نَحْوَ عِلْمٍ أَكْثَر عَدْلًا، وَمُمَارَسَات أَخْلَاقِيَّة تَحْتَرِم كَرَامَة جَمِيعِ الشُّعُوبِ.

_ تَفْكِيك سِيَاق عَلَاقَات الْقُوَّة المُهَيْمِنَة لِلْإِمبريَالِيَّة ضَمِنَ نِطَاق مَنْظُومَة الْعِلْم وَالْأَخْلَاق

. الْخَصَائِص الْخَمْس لِلْإِمبريَالِيَّة فِي الْمَارْكِسِيَّةِ اللِّينِينِيَّة كَنَمُوذَّج
إنْ تَحْلِيل خَصَائِص الْإِمْبِرَيَالِيَّة الْخَمْسِ الَّتِي حَدَّدَهَا لِينِين مِنْ مَنْظُورٍ تَفْكِيكِيّ، يَكْشِفُ عَنْ الرَّوَابِط الْمُعَقَّدَة بَيْنَ هَذِهِ الْخَصَائِصِ وَالْعِلْمِ وَالْأَخْلَاقِ. فَكُلّ خَاصِّيَّة، وَإِنْ بَدَتْ إقْتِصَادِيَّة بَحْتَة، تَحْمِلُ فِي طَيَاتها تَأْثِيرَات عَمِيقَة عَلَى إِنْتَاجِ الْمَعْرِفَة وَقِيَم الْمُجْتَمَع.
1. تَرْكِيز الْإِنْتَاج وَرَأْسُ الْمَالِ، مِمَّا يُؤَدِّي إلَى إنْشَاءِ الِإحْتِكَارَات: "تَفْكِيك الْعَلَاقَة بِالْعِلْم وَالْأَخْلَاق"
تُعْتَبَرُ هَذِهِ السِّمَةِ هِيَ الْأَسَاسُ الَّذِي تُبْنَى عَلَيْهِ الْإِمْبِرَيَالِيَّة الِإحْتِكَارِيَّة.
تَبَرُّر الِاحْتِكَارَات الْكُبْرَى وُجُودِهَا بِقُدْرَتِهَا عَلَى تَمْوِيل مَشَارِيع بَحْث وَتَطْوِير ضَخْمَة، مُدَّعِيَّة أَنَّهَا الْمُحَرِّك لِلتَّقَدُّم الْعِلْمِيِّ. هَذَا الِإدِّعَاءُ يُفَكَّكْ بِالْكَشْفِ عَنْ أَنْ هَدَف هَذِهِ الْأَبْحَاثِ لَيْسَ بِالضَّرُورَةِ الْمَعْرِفَة الْخَالِصَةِ أَوْ الصَّالِحِ الْعَامِّ، بَلْ تَأْمِين الْهَيْمَنَة السُّوقِيَّة وَحِمَايَة الْمَصَالِح الرِّبْحِيَّة. الْعِلْمِ هُنَا لَا يُسَخَرْ لِلْإِبْتِكَار الْجِذْرِيِّ الَّذِي يَخْدُمُ الْبَشَرِيَّة، بَلْ لِتَعْزِيز الِإحْتِكَار نَفْسِه.
تُمَارِسُ الِإحْتِكَارَات سَيْطَرَةً عَلَى بَرَاءَات الِإخْتِرَاع وَالتِّقْنِيَّات، مِمَّا يُعِيقُ الْبَحْث الْحُرّ وَالْمُنَافَسَة الْعِلْمِيَّة. الِإبْتِكَار يُصْبِح مَحْصُورًا فِي أَيْدِي قِلَّة، وَغَالِبًا مَا يُسْتَخْدَم لِتَعْزِيز السَّيْطَرَة بَدَلًا مِنْ فَتْحِ آفَاقٍ جَدِيدَةٍ لِلْمَعْرِفَة.
أَخْلَاقِيًّا، تَرْكِيز رَأْسِ الْمَالِ مِنْ خِلَالِ إظْهَار كَيْفَ يُؤَدِّي إلَى تَفَاقُمِ التَّفَاوُت الِإقْتِصَادِيّ وَالِإجْتِمَاعِيّ. الثَّرْوَة تَتَرَكَّز فِي أَيْدِي قِلَّةٍ، مِمَّا يَنْتَهِكُ مَبْدَأ الْعَدَالَة التَّوْزِيعِيَّة وَيَزِيدُ مَنْ بُؤْس الْفِئَات الْأَضْعَف.
تَظْهَرُ هَذِهِ السِّمَةِ تَحَوُّلًا أَخْلَاقِيًّا نَحْوَ تَقْدِيمِ الرِّبْح الْمَادِّيّ الْأَقْصَى عَلَى حِسَابِ الْقَيِّم الِإجْتِمَاعِيَّةِ أَوِ البِيئِيَّة. فَالْمُمَارَسَات الِإحْتِكَارِيَّة غَالِبًا مَا تَكُونُ مَدْفُوعَة بِالجَشِع، الَّذِي يُعْمِي عَنْ أَيِّ إعْتِبَار أَخْلَاقِيّ لِلْمُسْتَهْلْكَيْن أَوْ العَمَّالَ أَوْ الْبِيئَة.
2. إنْدِمَاج رَأْسِ الْمَالِ الْمَصْرِفِي وَالصَّنَاعِيّ، مِمَّا يُؤَدِّي إلَى إنْشَاءِ رَأْسِ الْمَالِ الْمَالِيّ وَالطَّبَقَة الْأُولِيغَارْشِيَّة الْمَالِيَّةِ: "تَفْكِيك الْعَلَاقَة بِالْعِلْم وَالْأَخْلَاق"
هَذَا الِإنْدِمَاج يُنْشِئ قُوَّة مَالِيَّة هَائِلَة، تَتَحَكَّمُ فِي مَسَارٍ الِإقْتِصَادِ الْعَالَمِيِّ.
السُّؤَالُ هُنَا هُوَ كَيْفَ يُصْبِحُ الْعِلْمِ أَدَّاة لِخِدْمَة رَأَسْمَال الْمَالِ الَّذِي لَا يُهِمُّهُ إِلَّا الْعَوَائِد الْمَالِيَّة السَّرِيعَة. الْأَبْحَاث تَوَجَّهَ نَحْوَ الْمَجَالَاتِ الَّتِي تَدْر أَرْبَاحًا فَوْرِيَّة كَالْتِقْنِيَات الْمَالِيَّةِ أَوْ الْمُنْتَجَات الِإسْتِهْلَاكِيَّة الْمُرْبِحَة، بَيْنَمَا تُهْمَش الْأَبْحَاث الْأَسَاسِيَّة أَوْ تِلْكَ الَّتِي تُعَالِجُ مُشْكِلَات مُجْتَمَعِيَّة كُبْرَى لَا تُدِرُّ رِبْحًا مُبَاشِرًا.
تُصْبِحُ الْمَعْرِفَة مُسَلَعَة، وَالنَّتَائِج البَحْثِيَّة مُحْتَكَرَة، مِمَّا يُعِيقُ التَّشَارُك المَعْرِفِيّ وَيُقَلِّلَ مِنْ شِفَافِيَّة الْبَحْثُ الْعِلْمِيّ. الْأَمْرُ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ نَصْطَلِح عَلَى تَسْمِيَتِهِ بِخَصْخَصَة الْمَعْرِفَةُ وَ تَضْيِيق فَضَاء الْبَحْث
يُظْهِرُ هَذَا الِإنْدِمَاج كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ تُصْبِحَ الْأَخْلَاق ثَانَوِيَّة أمَام تَحْقِيقِ أَقْصَى الْأَرْبَاح. الْقَرَارَات الِإسْتِثْمَارِيَة قَدْ تُتَّخَذ دُونَ إعْتِبَارِ لِلْأثَار الْأَخْلَاقِيَّة عَلَى الْمُجْتَمَعَات، الْعُمَّالِ، أَوْ الْبِيئَة، طَالَمَا أَنَّهَا تَعَزُّز الثَّرْوَة الْمَالِيَّة. إنَّهَا أَخْلَاقِيَّة الرِّبْحِ الَّتِي تُوضَعُ فَوْقَ كُلِّ إعْتِبَار
تُسْتَخْدَمُ هَذِهِ الْقُوَّةُ الْمَالِيَّة لـشِرَاء التَّأْثِير السِّيَاسِيّ، مِمَّا يُؤَدِّي إلَى فَسَادِ الأَنْظِمَة التَّشْرِيعِيَّة وَالتَّنْفِيذِيَّة. الْقَوَانِينِ تُصَاغ لِخِدْمَة مَصَالِح الْأُولِيغَارْشِيَّة الْمَالِيَّةِ، وَلَيْسَ الصَّالِح الْعَامِّ، وَ هَذَا يُشْكِلُ إنْتِهَاكًا صَارِخًا لِمَبَادِئ الْعَدَالَة وَالنَّزَاهَة.
3. تَصْدِير رَأْسِ الْمَالِ يَكْتَسِب أَهَمِّيَّةٍ خَاصَّةٍ: "تَفْكِيك الْعَلَاقَة بِالْعِلْم وَالْأَخْلَاق"
لَمْ يَعُدْ الْهَدَف تَصْدِير السِّلَع، بَلْ تَصْدِير رُؤُوسِ الْأَمْوَالِ لِلسَّيْطَرَة عَلَى الْإِنْتَاجِ فِي دُوَلِ أُخْرَى.
هُنَا يَنْبَغِي أَنْ نَتَسَاءَل كَيْف تُصْبِح الدُّوَل الْمُسْتَقْبَلَة لِرَأْسِ الْمَالِ (النَّامِيَة) سَاحَة لِتِجَارب وَنَمَاذِجَ إنْتَاج تَخْدُم مَصَالِح الْمُمَوَّل الْأَجْنَبِيّ. الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ فِي هَذِهِ الدُّوَلِ قَدْ يُوَجَّهُ لِدَعْم الصِّنَاعَاتِ الَّتِي يُسَيْطِر عَلَيْهَا رَأْسِ الْمَالِ الْأَجْنَبِيُّ، وَ لَيْس لِبِنَاء قَاعِدَة عِلْمِيَّة مُسْتَقِلَّة تَخْدُم إحْتِيَاجَاتِهِا.
إضَافَةُ إلَى إفْرَازًات ظَاهِرَّة أَبْحَاث الْبَارَّاشوت السَّلْبِيَّةِ عَلَى مَسَار تَطَوُّر الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ و دُور الْبَاحِثِين الْأَجَانِبِ الَّذِينَ يَسْتَغِلُّونَ الْمَوَارِد الْبَشَرِيَّة وَالْمَادِّيَّة الْمَحَلِّيَّة لِجَمْع الْبَيَانَات، ثُمَّ يَصْدُرُونَ الْمَعْرِفَة النَّاتِجَة إلَى بُلْدَانِهِمْ، مِمَّا يُعَمَّق التَّبَعِيَّة الْمَعْرِفِيَّة وَيُدِيم نَمُوذَج الِإسْتِعْمَار المَعْرِفِيّ.
يُعَدُّ تَصْدِير رَأْسِ الْمَالِ كَشَكْل مِنْ أشْكَالِ الِإسْتِغْلَال الْأَخْلَاقِيّ حَيْث تَسْتَفِيد الدُّوَل الْإِمْبِرَيَالِيَّة مِنْ إنْخِفَاضٍ تَكَالِيف الْعِمَالَة وَ الْمَوَارِد فِي الدُّوَلِ الْأُخْرَى، دُونَ ضَمَانِ حُقُوقُ الْعُمَّالُ أَوْ الْمُسَاهَمَة الْعَادِلَةِ فِي التَّنْمِيَةِ الْمَحَلِّيَّة.
غَالِبًا مَا تُعْفَى الشَّرِكَات الْمُتَعَدِّدَة الْجِنْسَيْات مِنْ نَفْسِ الْمَعَايِير الْأَخْلَاقِيَّة وَالْقَانُونِيَّة الَّتِي تَخْضَعُ لَهَا فِي بُلْدَانِهِا الْأَصْلِيَّةُ عِنْدَمَا تَعْمَلُ فِي الدُّوَلِ النَّامِيَة، مِمَّا يُنْتَهَك مَبَادِئ الْعَدَالَة وَ الْمُسَاوَاة.
4. تَشْكِيل إتِّحَادَات إحْتِكَارُيَة رَأْسِمَالِيَّةً دَوْلِيَّة تَتَقَاسَم الْعَالِمُ: "تَفْكِيك الْعَلَاقَة بِالْعِلْم وَالْأَخْلَاق"
هَذِه الِإتِّحَادات تُظْهِرُ التَّقْسِيم الْعَالَمِيّ لِلْمَوَارِد وَالْأَسْوَاق.
هَذِهِ السِّمَةِ تُظْهِرُ كَيْفَ يُمْكِنُ لِلِإتِّحَادات الِإحْتِكَارِيَّة الدَّوْلِيَّة أَنْ تَتَحَكَّمُ فِي التِّقْنِيَّات الْحَيَوِيَّة كَالدَّوَائِيَّات، الْبُذُور الْمُعَدَّلَةِ وِرَاثِيًّا، التِّكْنُولُوجْيَا الرَّقْمِيَّةَ، مِمَّا يَمْنَعُ الدُّوَل الْأَقَلّ قُوَّةٍ مِنْ الْوُصُولِ إلَيْهَا أَوْ تَطْوِير بَدَائِلُهَا. الْعِلْمُ هُنَا يُصْبِحُ أَدَّاة لِلسَّيْطَرَة عَلَى حَيَاةِ الشُّعُوب وَرَفَاهِيَتِهَا.
عِنْدَمَا تَتَقَاسَم الِإتِّحَادات الدَّوْلِيَّة الْعَالِم، تُصْبِح هِيَ الْفَاعِلُ الرَّئِيسِيُّ فِي رَسْمِ السِّيَاسَات الِإقْتِصَادِيَّة وَالتِّكْنُولُوجِيَّة الْعَالَمِيَّة، مِمَّا يُهَمِش الْمَعَارِف الْمَحَلِّيَّة وَالْحُلُول الْبَدِيلَة الَّتِي قَدْ تَكُونُ أَكْثَرَ مُلَاءَمَة لِلسِّيَاقِات الْمُخْتَلِفَةِ. الْأَمْرُ الَّذِي يُؤَدِّي إلَى تَغْيِيب الْمَعْرِفَة الْمَحَلِّيَّةُ عَنْ السِّيَاسَات الْعَالَمِيَّة.
التَّقْسِيمُ كَظَاهِرَّة غَيْرَ عَادِلَةٍ تُكَرِّس اللَّامُسَاوَاة الْعَالَمِيَّةُ. الْعَالَم يُقْسَمُ بِنَاءً عَلَى الْقُوَّةِ وَالْمَصَالِحِ، لَا عَلَى الْعَدْلِ أَوْ الْحَاجَة.
تُجْبَر الدُّوَل الْأَضْعَفِ عَلَى التَّنَازُلِ عَنْ سِيَادَتِهَا الِإقْتِصَادِيَّة، وَ بِالتَّالِي الْأَخْلَاقِيَّة، أمَام إمْلَاءَات هَذِهِ الِإتِّحَادات الِإحْتِكَارِيَّة الَّتِي لَا تُرَاعِي سِوَى مَصَالِحِهَا الرِّبْحِيَّة.
5. إكْتِمَال التَّقْسِيم الْإِقْلِيمِيّ لِلْعَالِم بَيْن أَكْبَر القِوَّى الرَّأْسِمَالِيَّة: "تَفْكِيك الْعَلَاقَة بِالْعِلْم وَالْأَخْلَاق"
هَذِهِ السِّمَةِ تُشِيرُ إلَى نِهَايَةِ فَتْرَة الِإسْتِعْمَار الْمُبَاشِر وَبِدَايَة مَرْحَلَة التَّنَافُسَ عَلَى إعَادَةِ التَّقْسِيم.
كَيْفَ يُصْبِحُ الْعِلْمَ خَاصَّةً فِي مَجَالَاتِ التَّجَسُّس، التَّسْلِيح، وَ التِّكْنُولُوجْيَا العَسْكَرِيَّة أَدَّاة حَاسِمَةً فِي صِرَاع القِوَّى الْإِمْبِرَيَالِيَّة عَلَى إعَادَةِ تَقْسِيم مَنَاطِق النُّفُوذ وَالْمَوَارِد. الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ يُوَجَّه لِخِدْمَة الْأَهْدَاف الْعَسْكَرِيَّة وَالِإسْتِخْبَارَاتِيِّة، لَا السَّلَامُ أَوْ التَّنْمِيَة. هُنَا يَكْمُن الدَّوْر الْوَظِيفِيّ لِلْعِلْم كَأَدَاة لِلصِّرَاع عَلَى إعَادَةِ التَّقْسِيم
تُفْرَضُ نَمَاذِج التَّنْمِيَة الْعِلْمِيَّة الْغَرْبِيَّةِ عَلَى الدُّوَلِ الَّتِي تَسْعَى لِلِإسْتِقْلَال أَوْ إعَادَة الْبِنَاءُ، مِمَّا يُعِيدُ إنْتَاج تَبَعِيَّة مَعْرِفِيَّة وَ إقْتِصَادِيَّة. إنَّهَا ظَاهِرَةٌ هَيْمَنَة النَّمَاذِج التَّنْمَوِيَّة الْغَرْبِيَّة.
الْحُرُوب وَالصَّرَّاعَات الَّتِي تَنْشَأُ عَنْ هَذِهِ السِّمَةِ عَلَى أَنَّهَا نَتِيجَة مُبَاشَرَة لِلْمَصَالِح الْمَادِّيَّة لِلْقِوَّى الْإِمْبِرَيَالِيَّة، لَا لِأَيّ دَافِع أَخْلَاقِيّ نَبِيل مِثْل نَشْر الدِّيمُقْرَاطِيَّة أَوْ حِمَايَةِ حُقُوقِ الْإِنْسَانِ، وَالَّتِي تُسْتَخْدَم كَذَرَائِع كَاذِبَةٌ لِتَبْرِير الْعُنْف. هَذَا هُوَ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُشْكِلَ الدَّافِع الْأَخْلَاقِيّ الْكَاذِب لِلْحَرْب.
تُعَادُ صِيَاغَة الْآخَر كَمَفْهُوم مُلْغًوم يُقْصَدُ بِهِ الشُّعُوب فِي الْمَنَاطِقِ الْمُسْتَهْدَفَة كَتَهْدِيدِ أَوْ كَكِيان غَيْرَ مُتَحَضر يَحْتَاجُ إلَى التَّدَخُّل، مِمَّا يُزِيلُ أَيْ إلْتِزَامُ أَخْلَاقِيّ تُجَاهَه وَيُبَرِّر الِإسْتِغْلَال وَالْقَمْع. هَذِهِ الْحَالَةِ تَعَدُّ حَالَةِ لَا أَخْلَاقِيَّة بِإمْتِيَاز. كُلَّمَا تَمَّ نَزَع إِنْسَانِيَّة الْآخَر لِتَبْرِير السَّيْطَرَة.
إنْ خَصَائِص الْإِمْبِرَيَالِيَّة الْخَمْسِ، عِنْدَمَا تَقْرَأ بِمَنْظُور تَفْكِيكِيّ، لَا تَكْشِفُ فَقَطْ عَنْ دَيْنٌاميكَيَّات إقْتِصَادِيَّة وَسِيَاسِيَّة، بَلْ تُعَرِّي أَيْضًا الْعَلَّاقَةُ الْعَمِيقَة وَالْإِشْكَالِيَّة بَيْنَ الْقُوَّةِ، الْعِلْم، وَالْأَخْلَاق. تَظْهَرُ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ كَيْفَ أَنَّ الْعِلْمَ، الَّذِي يُفْتَرَضُ أَنَّه مَحَايِّد وَ مُوَجَّه لِلْحَقِيقَة، يُصْبِح أَدَّاة لِتَعْزِيز الْهَيْمَنَة، وَكَيْفَ إنْ الْأَخْلَاقِ الَّتِي تُفْتَرَض أَنَّهَا تَوَجَّهَ نَحْوَ الْعَدَالَة وَالْإِنْصَاف، تُصْبِح مُرِنَّة وَ تَخْضَع لِمَصَالِح الأُولِيغَارْشِيَّة الْمَالِيَّةِ. هَذَا التَّفْكِيكِ ضَرُورِيّ لِفَهْم الْجُذُور الْحَقِيقِيَّة لِلظُّلْم الْعَالَمِيّ وَالسَّعْيِ نَحْوَ عَالِمٍ تَحْكُمَ فِيهِ الْعَلَاقَات بِمَعَايِيّر الْعَدْلُ لَا بِقُوَّةِ الِإحْتِكَار.



#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نَقْدٍ مَا بَعْدَ الِإسْتِعْمَار والِإسْتِعْمَار الْجَدِيد
- نَقْد الكُولُونْيَّالِيَّة: -الْجُزْءُ الرَّابِعُ-
- نَقْد الكُولُونْيَّالِيَّة: -الْجُزْءُ الثَّالِثُ-
- نَقْد الكُولُونْيَّالِيَّة -الْجُزْءِ الثَّانِي-
- نَقْد الكُولُونْيَّالِيَّة - الْجُزْءِ الْأَوَّلِ-
- الْعِلْمُ و الْأَخْلَاق: الْمَرْكَزِيَّة الْغَرْبِيَّة
- التَّنْمِيَط الثَّقَافِيّ وَالْقِيَمِيّ -الْجُزْءِ الثَّانِي ...
- التَّنْمِيط الثَّقَافِيّ والقِيَمِيّ -الْجُزْءُ الْأَوَّلُ-
- حَوْسَبَة القَرَارَات الْأَخْلَاقِيّة -الْجُزْءُ الثَّانِي-
- حَوْسَبَة القَرَارَات الْأَخْلَاقِيّة -الْجُزْءُ الْأَوَّلُ-
- الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة -الْجُزْءُ الثَّانِي-
- الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة -الْجُزْءُ الْأَوَّلُ-
- الهُوِيَّات الرَّقْمِيَّةِ : -الْجُزْءُ الثَّالِثُ-
- الهُوِيَّات الرَّقْمِيَّةِ : -الْجُزْءُ الثَّانِي-
- الهُوِيَّات الرَّقْمِيَّةِ -الْجُزْءُ الْأَوَّل-
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق : الْوَاقِع الِإفْتِرَاضِي
- أَخْلَاقِيَّات الذَّكَاءُ الِإصْطِنَاعِيّ -الْجُزْءُ الثَّان ...
- أَخْلَاقِيَّات الذَّكَاءُ الِإصْطِنَاعِيّ -الْجُزْءُ الْأَوّ ...
- الْعَقْل التِّقَنِيّ ؛ -الْجُزْءِ الثَّانِي-
- الْعَقْل التِّقَنِيّ -الْجُزْءِ الْأَوَّلِ-


المزيد.....




- عراقجي لشبكة إن بي سي: خيار التفاوض أو الحرب متروك للأميركيي ...
- الجامعة العربية تدين الهجوم الإسرائيلي على إيران وتدعو للتهد ...
- خبراء فرنسيون يدونون آثار غزة تفاديا لمحو ذاكرتها التراثية
- الأرصاد الجوية في المغرب: سنة 2024 الأكثر حرارة في البلاد
- كيف يعمل الصحافيون الأجانب على وقع إخطارات الجيش والإنذارات ...
- كيف تستفيد إسرائيل وإيران من الحرب لتجريب الأسلحة والتقنيات ...
- الاتحاد الأوروبي يُضيف الجزائر إلى قائمة الدول عالية المخاطر ...
- ترامب غير متفائل بقدرة الأوروبيين على المساعدة في إنهاء النز ...
- مسؤول عسكري إسرائيلي: إيران بدأت بالتعافي على صعيد الدفاعات ...
- محكمة تونسية تصدر حكما غيابيا بالسجن 22 عاما على المنصف المر ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - الْإِمْبِرَيَالِيَّة؛ نَزْعة نَحْو السَّيْطَرَة الشَّامِلَة