|
الهُوِيَّات الرَّقْمِيَّةِ -الْجُزْءُ الْأَوَّل-
حمودة المعناوي
الحوار المتمدن-العدد: 8355 - 2025 / 5 / 27 - 19:37
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
_ مَاذَا نَقْصِد بالهُوِيَّات الرَّقْمِيَّةِ
الهُوِيَّات الرَّقْمِيَّةِ "Digital identities" هِي شَكْلٍ مِنَ أشْكَال التَّمْثِيل الْإِلِكْتِرُونِيّ لِلّْهُوِيَّة الْخَاصَّةِ بِالْفَرْد عَلَى الْإِنْتَرْنِت. وَ هِي تَتَكَوَّنُ مِنْ مَجْمُوعَةِ شَامِلَة مِنْ الْمَعْلُومَاتِ الرَّقْمِيَّة وَ الْأنْشَطَة الْمُرْتَبِطَة بِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَوْ كِيَانٍ، وَاَلَّتِي تَشْمَل الْبَيَانَاتِ الشَّخْصِيَّةِ وَالْمَعْلُومَات الْحَسَّاسَة وَالهُوِيَّة الِإفْتِرَاضَيَة الَّتِي يُمْكِنُ إسْتِخْدَامُهَا لِلتَّعَرُّفِ عَلَى هَوِيِّة الْفَرْدِ أَوْ الكِيَان عَلَى الْإِنْتَرْنِت. تَتَجَاوَز الْهُوِيَات الرَّقْمِيَّةِ مُجَرَّدِ إسْمِ المُسْتَخْدِم وَصُورَة المِلَفّ الشَّخْصِيّ. فَهِي تُمَثِّل التَّمْثِيل الْإِلِكْتِرُونِيّ الْكَامِل لِشَخْصِيَّة الْفَرْدِ فِي الْعَالَمِ الرَّقْمِيّ، وَاَلَّذِي يَتِمّ تَشْكِيلَهُ مِنْ خِلَالِ كُلِّ نَشَاطَاتِه وَتَفَاعُلَاتِه عَلَى الْإِنْتَرْنِت. هَذَا يَشْمَلُ مَعْلُومَات مِثْلُ إسْمِ المُسْتَخْدِم وَكَلِمَات الْمُرُور لِلْوُصُولِ إلَى الْحِسَابَات عَبْرَ الْإِنْتَرْنِتِ، وَالْمَعْلُومَات الشَّخْصِيَّة مِثْل الِإسْم الْكَامِل وَتَارِيخ الْمِيلَاد وَالْعُنْوَان وَرَقَم الْهَاتِف وَالْبَرِيد الْإِلِكْتِرُونِيّ، بِالْإِضَافَةِ إلَى النَّشَاطَات وَالتَّفَاعُلًات عَبَّرَ الْإنْتَرْنِت مِثْل الْمُشَارَكَةِ فِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِإجْتِمَاعِيِّ وَالتَّعْلِيقَات عَلَى الْمُدَوَّنَات وَ الْمُشْتَرِيًات عَبَّرَ الْإِنْتَرْنِتِ. فِي عَالَمِنَا الْمُتَّصِل بِالْإنْتَرْنِت وَالْمُشَبَّع بِالتَّقَنُّيَات، تُعَدُّ الْهُوِيَات الرَّقْمِيَّةِ أَمْرًا حَيَوِيًّا لِإنْدِمَاجنا فِي الْمُجْتَمَعِ الرَّقْمِيّ. فَهِي تَمَثَّل الصُّورَة الذَّاتِيَّةِ الَّتِي نُرْسِمها عَلَى الْإِنْتَرْنِت، وَتُؤَثِّرُ فِي إنْطِبَاعَات الْآخَرِين عَنَّا وَتُحَدِّدُ طَرِيقَة تَفَاعُلِهِمْ مَعَنَا. فِي الْوَاقِعِ، هُنَاكَ فَرْقٌ بَيْنَ الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة وَالَّبَصْمَة الرَّقْمِيَّةِ. الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة هِيَ الصُّورَةُ الَّتِي نَخْتَار إظْهَارُهَا لِلْعَالِم، بَيْنَمَا الَّبَصْمَة الرَّقْمِيَّةِ هِيَ الْعَلَامَاتُ غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ الَّتِي نَتْرُكُهَا خَلْفَنَا أَثْنَاء تَصَفَّحْنَا لِلْإِنْتَرْنِت. فِي هَذِهِ الْبِيئَة الرَّقْمِيَّة الدِّينَامِيكِيَّة، حَيْثُ كُلُّ إجْرَاءً لَهُ أَهَمِّيَّةٌ وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَتْرُكُ أَثَرًا، تُصْبِح الْإِدَارَة الفَعَالَة لِهَذَيْن الْجَانِبَيْن مَهَارَة أَسَاسِيَّة لِحِمَايَة خُصُوصِيَّتِنَا وَ أَمْنَنَا عَلَى الْإِنْتَرْنِت. تُوَفَّرُ تِقْنِيَّة الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة الْعَدِيدِ مِنَ الْفَوَائِدِ لِلْأَفْرَاد، مِثْل إِمْكَانِيَّة الْوُصُول الأَمْنِ إِلَى الْخِدْمَات عَبْرَ الْإِنْتَرْنِتِ بِإسْتِخْدَام حِسَاب مُوَحِّد، وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّوْقِيع الرَّقْمِيّ عَلَى الْمُسْتَنَدَات، وَالْحُصُولُ عَلَى نَسْخِ رَقْمِيَّة أَمِنَة مِنْ الْوَثَائِقِ الرَّسْمِيَّة. كَمَا تُسَاعِدُ فِي تَعْزِيزِ الْإِدْمَاج الْمَالِيّ، وَزِيَادَة الْمُشَارَكَة الِإقْتِصَادِيَّة وَالْحَدُّ مِنْ الِإحْتِيَالِ. وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنْ الْهُوِيَات الرَّقْمِيَّةِ تَحْمِل أَيْضًا بَعْضُ الْمَخَاطِر، حَيْثُ إنَّ كُلَّمَا زَادَتْ الْمَعْلُومَاتِ الشَّخْصِيَّةِ الْمُرْتَبِطَةِ بِهَا، زَادَتْ إِحْتِمَالِيَّة تَعَرُّضِك لِسَرِقَة الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة. لِذَلِكَ مِنْ الْمُهِمِّ جِدًّا فَهُمْ هَوِيَاتِنَا الرَّقْمِيَّةِ وَإِدَارَتِهَا بِشَكْل فَعَّال لِحِمَايَة أَنْفُسَنَا عَلَى الْإنْتَرْنِت. فِي الْوَاقِعِ، تُعَدُّ الْهُوِيَات الرَّقْمِيَّةِ أَكْثَر أَمَانًا وَحِمَايَة مِنْ الْوَثَائِقِ الْمَادِّيَّة، حَيْثُ لَا يُمْكِنُ فِقْدَانِهَا أَوْ سَرِقَتِهَا أَوْ إتْلَافِهَا. وَقَدْ لَعِبَتْ دُورًا حَاسِمًا فِي الْمَنَاطِقِ الَّتِي مَزَّقَتْهَا الْحُرُوب، مِثْل سُورِيَا وَالْيَمَن، حَيْثُ مَكَّنَتْ الْمُوَاطِنِين الَّذِين فُقِدَتْ وَثَائِقِهِمْ أَوْ دَُمِّرَت مِنْ الْحُصُولِ عَلَى الدَّعْم الْحَاسِم. لِذَلِكَ، فَإِنْ هَدَف تَحْقِيق الْوُصُول الشَّامِلِ إلَى بِطَاقَات الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة بِحُلُولِ عَامِ 2030 أَصْبَحَ فِي الْمُتَنَاوَلِ، نَظَرًا لِلطَّلَب الْمُتَزَايِد وَالْحُلُول التِّكْنُولُوجِيَّة النَّاشِئَة. بِالْإِجْمَال، الْهُوِيَات الرَّقْمِيَّةِ هِي تَمْثِيل إِلِكْتُرُونِيّ لِهَوِيِّة الْأَفْرَادِ عَلَى الْإِنْتَرْنِت، وَالَّتِي تُمَثِّلُ أَهَمِّيَّة حَاسِمَةً فِي عَالَمِنَا الْمُتَّصِل رَقَّمَيا. عَلَى الرَّغْمِ مِنْ الْمَخَاطِرِ الْمُرْتَبِطَةِ بِهَا، إلَّا أَنَّهَا تُقَدَّمُ الْعَدِيدِ مِنَ الْفَوَائِدِ لِلْأَفْرَاد وَالمُجْتَمَعَات، وَتُعَدّ أَكْثَر أَمَانًا مِنْ الْوَثَائِقِ الْمَادِّيَّة. وَيُعَدّ تَحْقِيق الْوُصُول الشَّامِلِ إلَى هَذِهِ الْهُوِيَات الرَّقْمِيَّةِ هَدَفًا مُهِّماً وَقَابِلًا لِلتَّحْقِيقِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ الْقَرِيب.
_ النَّظْرَةُ الْفَلْسَفِيَّة لِلَّهُوِيَات الرَّقْمِيَّةِ
مَعَ التَّقَدُّمِ التِّكْنُولُوجْيّ الْهَائِلَ الَّذِي شَهِدَه الْعَصْرِ الْحَدِيثِ، ظَهَرَتْ مَفَاهِيم جَدِيدَة لِلّْهُوِيَّة الْبَشَرِيَّة تَتَجَاوَز الْحُدُود التَّقْلِيدِيَّة. أَبْرَزَ هَذِهِ الْمَفَاهِيمِ الْجَدِيدَةِ هِيَ مَا يُعْرَفُ بِـ "الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة"، وَاَلَّتِي أَصْبَحْت مَحَلّ إهْتِمَام الْفَلَاسِفَة وَ صَانِعِيّ السِّيَاسَات وَالْمُجْتَمَع بِشَكْل عَامّ. فَلْسَفِيًّا، تَطْرَحُ الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة تَسَاؤُلَات جَوْهَرِيَّةً حَوْل طَبِيعَةِ الْوُجُودِ الْبَشَرِيِّ فِي ظِلِّ التَّطَوُّر التِّكْنُولُوجْيّ. فَالمُجْتَمَعَاتُ الِإفْتِرَاضَيَة الَّتِي تَشَكَّلَتْ عَبْرَ شَبَكَاتِ التَّوَاصُلِ الِإجْتِمَاعِيِّ وَ الْعَوَالِم الرَّقْمِيَّة أَتَاحَتْ لِلْأَفْرَاد فُرْصَة بِنَاء هُوِيَات جَدِيدَةٍ تَتَجَاوَزُ قُيُود الْحَيِّز الْمَادِّيّ وَالزَّمَنِي وَالِإجْتِمَاعِيّ وَالثَّقَافِيّ. يَرَى الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ هَذَا التَّحَوُّلِ نَحْو الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة يُثِير إشْكَالَات مُتَعَدِّدَة حَوْل مَفْهُوم الذَّات وَالْوَاقِع. فَالْحُدُود بَيْنَ مَا هُوَ حَقِيقِيٌّ وَمَا هُوَ وَهْمِيّ أَصْبَحْتُ أَكْثَرَ غُمُوضًا، كَمَا أَنَّ تَعَدُّدَ الْهُوِيَات الرَّقْمِيَّةِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يَتَبَنَّاهَا الْفَرْد تَطْرَحُ تَسَاؤُلَات حَوْلَ طَبِيعَة الْهُوِيَّة الْحَقِيقِيَّة وَالْجَوْهَرِيَّة لِلْإِنْسَان. إضَافَةُ إلَى ذَلِكَ، فَإِنْ الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة تُؤَثِّرُ عَلَى طَبِيعَةِ التَّفَاعُلِ الِإجْتِمَاعِيِّ وَالْعَلَاقَاتِ بَيْنَ الْأَفْرَادِ. فَفِي الْبَيِّئَات الرَّقْمِيَّةِ، يَتِمّ إنْشَاء صُوَر رَمْزِيَّة وَهُوَيات إخْتِيَارِيَّةٌ تَخْضَع لِإِدَارَة وَتَحَكُّم الْفَرْد، مِمَّا يُمْكِنُهُ مِنْ التَّعْبِيرِ عَنْ جَوَانِبَ مُعَيَّنَةٍ مِنْ ذَاتِهِ دُونَ الْكَشْفِ عَنْ هُوِيَّتُه الْحَقِيقِيَّة. هَذَا الْأَمْرِ قَدْ يُسَاعِدُ فِي التَّخَلُّصِ مِنْ بَعْضِ الْقُيُودِ الِإجْتِمَاعِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ، لَكِنَّهُ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ قَدْ يُؤَدِّي إلَى نَوْعٍ مِنْ "الِإغْتِرَاب الرَّقْمِيّ" وَ فِقْدَان الصِّلَة بِالْوَاقِع الْمَلْمُوس. كَمَا أَنَّ مَوْضُوعَ الْخُصُوصِيَّةِ فِي ظِلِّ الْهُوِيَات الرَّقْمِيَّةِ يُثِير جَدَلًا فَلْسَفِيًّا كَبِيرًا. فَالْبَيَانَات الشَّخْصِيَّةُ وَالْمَعْلُومَات الَّتِي يُفْصِحْ عَنْهَا الْأَفْرَادِ فِي الْعَوَالِم الرَّقْمِيَّة قَدْ تُؤَدِّي إلَى إنْتِهَاكِ الْخُصُوصِيَّة وَفِقْدَان السَّيْطَرَةَ عَلَى الْهُوِيَّةِ الشَّخْصِيَّة. هَذَا الْأَمْرِ يَدْفَع الْفَلَاسِفَةُ إلَى إعَادَةِ النَّظَرِ فِي مَفَاهِيمِ الْحُرِّيَّة وَ الْخُصُوصِيَّة فِي ظِلِّ التَّحَوُّلَات الرَّقْمِيَّة. فِي الْمُقَابِلِ، يَرَى بَعْضُ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة قَدْ تَمَكَّنَ الْأَفْرَادِ مِنْ التَّعْبِيرِ عَنْ ذَوَاتِهِمْ بِطُرُق جَدِيدَة وَالِإنْدِمَاج فِي مُجْتَمَعَاتٍ إفْتِرَاضِيَة تَتَخَطَّى الْقُيُود التَّقْلِيدِيَّة. فَالْعَوَالِم الرَّقْمِيَّةِ قَدْ تَوَفُّر فُرَصًا لِلتَّجْرِبَة وَالِإسْتِكْشَاف وَالتَّفَاعُلِ الِإجْتِمَاعِيِّ بِطُرُق لَمْ تَكُنْ مُمْكِنَةً سَابِقًا، مِمَّا قَدْ يُسْهِمُ فِي تَنْمِيَةِ الذَّات وَتَحْقِيق الذَّات بِشَكْل أَكْبَر. يُعَدّ مَوْضُوع الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة مِنَ الْمَوَاضِيعِ الْجَوْهَرِيَّة الَّتِي تَشْغَل الْفِكْرُ الْفَلْسَفِيُّ الْمُعَاصِر. فَهَذَا الْمَفْهُومُ الْجَدِيد لِلّْهُوِيَّة يَطْرَحُ تَسَاؤُلَات عَمِيقَة حَوْل طَبِيعَةِ الْإِنْسَانِ وَالْوَاقِع وَ العَلَاقَاتِ الِإجْتِمَاعِيَّةِ فِي ظِلِّ التَّحَوُّلَات الرَّقْمِيَّة المُتَسَارِعَة. وَتُعَدُّ هَذِهِ التَّسَاؤُلَاتِ بِمَثَابَة دَعْوَة لِلْفَلَاسِفَة لِإِعَادَة صِيَاغَة مَفَاهِيمَهُمْ وَتَطْوِير أُطُرٍ نَظَرِيَّة جَدِيدَة تَوَاكب هَذِهِ التَّغَيُّرَاتُ الجِذْرِيَّة.
_ الْعِلْمُ وَالهُوِيَّات الرَّقْمِيَّةِ
الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْهَوِيَات الرَّقْمِيَّةِ هِيَ عَلَاقَةٌ تَكَامُلِيٍّة وَ مُتَدَاخِلَةً عَلَى عِدَّةِ مُسْتَوَيَات. الْعِلْم وَالتِّقْنِيَة الْحَدِيثَة هُمَا أَحَدُ أَهَمّ الْمُحَرِّكَات الْأَسَاسِيَّة وَرَاء ظُهُور وَتَطَوَّر الْهَوِيَات الرَّقْمِيَّةِ فِي الْعَصْرِ الْحَالِيّ. مِنْ نَاحِيَةِ، أَدَّى التَّطَوُّرُ الْعِلْمِيُّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ إلَى ظُهُورِ وَسَائِل وَتَطْبِيقَات التَّوَاصُلِ الِإجْتِمَاعِيِّ وَالْوَسَائِط الرَّقْمِيَّةِ الْمُتَعَدِّدَة، وَاَلَّتِي بَاتَتْ تُشْكِل الْبِيئَة الْأَسَاسِيَّة لِبِنَاء وَتَشْكِيل الْهِوَيَات الرَّقْمِيَّةِ لِلْأَفْرَاد وَالمُجْتَمَعَات. فَالْهَوِيَّة الرَّقْمِيَّةِ هِي تَمْثِيل إِلِكْتُرُونِيّ لِهَوِيِّة الْفَرْدِ عَلَى الْإِنْتَرْنِت وَالْمَنْصُات الرَّقْمِيَّةِ، وَ اَلَّتِي تَتَكَوَّنُ مِنْ مَجْمُوعَةِ مِنْ الْمَعْلُومَاتِ وَالسِّمَات الَّتِي يَخْتَارُهَا الْفَرْد لِتَعْرِيف نَفْسِه رَقَّمَيا. مِنْ نَاحِيَةِ أُخْرَى، فَإِنْ الْهَوِيَات الرَّقْمِيَّةِ الَّتِي يُنْشِئُهَا الْأَفْرَادِ وَ الْجَمَاعَاتِ عَبْرَ هَذِهِ الْمَنْصَات الرَّقْمِيَّةِ تُعَدُّ مِرْأة عَاكِسَة لِعَلَاقَتِهِمْ بِالْعِلْمِ وَالتِّكْنُولُوجْيَا. فَالطَّرِيقَة الَّتِي يَخْتَارُ بِهَا الْأَفْرَادُ تَمْثِيل أَنْفُسِهِمْ رَقَّمَيا، وَإخْتِيَارُ الْمُحْتَوَى الَّذِي يَنْشُرُونَه وَالتَّفَاعُلًات الَّتِي يَقُومُونَ بِهَا عَبَّرَ الْإنْتَرْنِت، تَعْكِس مَدَى إدْرَاكِهِمْ وَتَمَثُّلِهِمْ لِلْعِلْمِ وَالتِّكْنُولُوجْيَا وَإنْعِكَاسَاتِهَا عَلَى هَوِيَّاتّهِم وَ حَيَاتُهُمْ الْيَوْمِيَّة. بَلْ إنْ ظُهُور مَفَاهِيم جَدِيدَة مِثْل "المُوَاطَنَة الرَّقْمِيَّة" و "الْهُوِيَّة الِإفْتِرَاضَيَة" يُؤَكِّدُ عَلَى أَنَّ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَ الْهَوِيَات الرَّقْمِيَّةِ قَدْ تَجَاوَزْتُ مُجَرَّدَ إسْتِخْدَامٍ التِّكْنُولُوجْيَا لِتَصِلَ إلَى إعَادَةِ تَشْكِيل الثَّقَافَات وَالمُجْتَمَعَات وَالْعَلَاقَاتِ الِإجْتِمَاعِيَّةِ فِي ظِلِّ هَذِهِ الْبِيئَة الرَّقْمِيَّة الْجَدِيدَة. وَعَلَيْهِ، فَإِنْ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْهَوِيَات الرَّقْمِيَّةِ هِيَ عَلَاقَةٌ تَفَاعُلِيَّة مُتَبَادَلَة، فَالْعِلْم وَالتِّقْنِيَة الْحَدِيثَة هِيَ أَسَاسُ ظُهُور وَ تَطَوَّر الْهِوَيَات الرَّقْمِيَّةِ، بَيْنَمَا تُشْكِلُ هَذِهِ الْهِوَيَات الرَّقْمِيَّةِ أَيْضًا إنْعِكَاسًا لِعَلَاقَة الْأَفْرَادِ وَالْجَمَاعَاتِ بِالْعِلْم وَالتِّكْنُولُوجْيَا وَتَأْثِيرِهَا عَلَى حَيَاتِهِمْ وَمُجْتَمَعِاُتُّهِم. وَهَذَا التَّفَاعُلِ الْمُسْتَمِرِّ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْهَوِيَات الرَّقْمِيَّةِ هُوَ مَا يُؤَكِّدُ عَلَى الْحَاجَةِ إلَى دِرَاسَة هَذِهِ الْعَلَاقَةِ بِشَكْل مَعْمَق لِلْوُقُوفِ عَلَى تَدَاعَيَاتِهَا وَ إنْعِكَاسَاتِهَا عَلَى الْأَفْرَادِ وَالمُجْتَمَعَات.
_ التَّطَوُّرِ التِّكْنُولُوجْيّ وَتَأْثِيرُهُ عَلَى الهُوِيَّات الرَّقْمِيَّةِ
ظُهُور التَّطَوُّر التِّكْنُولُوجْيّ السَّرِيعُ وَتَنَامِي الِإعْتِمَادُ عَلَى التِّكْنُولُوجْيَا الرَّقْمِيَّةَ فِي جَمِيعِ جَوَانِبِ الْحَيَاةِ أَدَّى إلَى إعَادَةِ تَشْكِيل مَفْهُوم الْهُوِيَّة فِي الْعَصْرِ الرَّقْمِيِّ. لَمْ يَعُدْ الْإِنْسَان مُجَرَّد كَائِن مَادِّيّ يَنْشَطُ فِي الْعَالَمِ الْوَاقِعِيّ فَقَطْ، بَلْ أَصْبَحَ لَهُ وُجُودٌ رَقْمِيّ مُتَزَايِد الْأَهَمِّيَّة يُؤَثِّر وَيَتَاثر بِتَطْور التِّكْنُولُوجْيَا. . الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة وَتَعْزِيز التَّحَوُّل الرَّقْمِيّ: الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة لَعِبَتْ دُورًا مُحَوَّريا فِي تَعْزِيزِ التَّحَوُّل الرَّقْمِيّ عَلَى مُسْتَوَى الْأَفْرَادِ وَ المُؤَسَّسَات وَالْحُكُومَات. هَذِه الْهُوِيَّة تَمَثَّل الصُّورَة وَالتَّمْثِيل الْإِلِكْتِرُونِيّ لِلشَّخْص أَوْ الْجِهَةُ عَلَى الْإِنْتَرْنِت، وَتُشَكِّل الْأَسَاس لِلتَّفَاعُلَات وَالْمُعَامَلَاتِ الرَّقْمِيَّة. بِالنِّسْبَةِ لِلْأَفْرَادِ، الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة تَمْنَحُهُمْ إِمْكَانِيَّة الْوُصُولِ إلَى مَجْمُوعَة وَاسِعَةٍ مِنْ الْخِدْمَاتِ الحُكُومِيَّة وَالْخَاصَّة عَبْرَ الْإِنْتَرْنِتِ. فَمَنْ خِلَالِهَا يُمْكِنُهُمْ إتْمَام مُعَامَلَات مِثْلُ تَجْدِيدِ الْهُوِيَات وَالرُّخَصُ، وَدَفَع الضَّرَائِب، وَطَلَب الْوَثَائِق الرَّسْمِيَّة دُونَ الْحَاجَةِ لِلذَّهَابِ إلَى الْمَكَاتِبِ الحُكُومِيَّة. كَمَا تُسَاعِدُ الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة فِي تَعْزِيزِ الْأَمْن وَحِمَايَةِ الْبَيَانَاتِ الشَّخْصِيَّةِ. فَهِي تَعْتَمِدُ عَلَى تِقْنِيَات التَّحَقُّق الْمُتَطَوِّرَة كَالتَّوْثِيق الْبَيُّومِتْرِي، مِمَّا يُقَلِّلُ مِنْ مَخَاطِرِ سَرِقَة الْهُوِيَّة وَالْجَرَائِم الْإِلِكْتِرُونِيَّة. بِالْإِضَافَةِ إلَى ذَلِكَ، تَمَكِّنُ الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة الْأَفْرَادِ مِنْ التَّوْقِيعِ عَلَى الْمُعَامَلَاتِ وَالْوَثَائِق إلِكْتِرُونيا، مِمَّا يُسْرِعُ الْعَمَلِيَّات وَيُقَلِّلَ مِنْ إسْتِخْدَامِ الْأَوْرَاق. بِالنِّسْبَةِ لِلْمُؤَسَّسَات، تُعْتَبَرُ الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة أَسَاسِيَّة لِتَعْزِيز تَوَاجُدَهُا الرَّقْمِيّ وَإسْتِقْطَاب الْعُمَلَاء. فَهِي تُؤَثِّر بِشَكْلٍ كَبِيرٍ عَلَى إدْرَاكِ الْعُمَلَاء لِلْعَلَّامَة التِّجَارِيَّة وَتَحَدِّدُ طَرِيقَة تَفَاعُلِهِمْ مَعَهَا. الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة الْقَوِيَّة تُسَاعِد الْمُؤَسَّسَاتِ فِي بِنَاءِ الثِّقَة وَالْمَصْدَاقِيَة مَعَ الْجُمْهُورِ، كَمَا أَنَّهَا تُمَيِّزُهُمْ عَنْ مُنَّافِسِيهِم فِي السُّوقِ. وَتَسْهَم أَيْضًا فِي تَحْسِينِ التَّفَاعُلِ مَعَ الْعُمَلَاء وَفَهْم إحْتِيَاجَاتِهِمْ بِشَكْل أَفْضَلُ. عَلَى الْمُسْتَوَى التَّنْظِيمِيّ، تَمَكَّن الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة الْمُؤَسَّسَات مِنْ تَقْدِيمِ خِدْمَات إلِكْتِرُونِيَّة أَكْثَر كَفَاءَة وَسُرْعَة، وَتَسْهُل التَّوَاصُل وَالتَّعَاوُنِ بَيْنَ مُخْتَلِفِ الْأَقْسَام وَالْفُرُوع. بِالنِّسْبَةِ لِلْحُكُومَات، تُعْتَبَرُ الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة رَكِيزَةً أَسَاسِيَّةً لِتَحْقِيق التَّحَوُّل الرَّقْمِيّ الشَّامِل. فَهِي تَمَكَّن المُوَاطِنِينَ مِنْ الْوُصُولِ السَّرِيع وَالسَّهْل إلَى الْخِدْمَات الحُكُومِيَّة دُونَ الْحَاجَةِ لِلتِّوَاجِد الْفِعْلِي فِي الْمَكَاتِبِ. كَمَا تُسَاهِم الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة فِي تَعْزِيزِ الْأَمْن وَحِمَايَةِ الْبَيَانَاتِ الْحَسَّاسَة لِلْمُوَاطِنِين، مِنْ خِلَالِ آلِيَات التَّحَقُّق الْمُتَطَوِّرَة كَالتَّوْثِيق الْبَيُّومِتْرِي. وَتَيَسُّرَ إجْرَاء الْمُعَامَلَات وَالتَّوْقِيعِ عَلَى الْوَثَائِقِ إلِكْتِرُونيا، مِمَّا يُقَلِّلُ مِنْ الِإعْتِمَادِ عَلَى الْأَوْرَاق وَالْمُسْتَنَدَات التَّقْلِيدِيَّة. عَلَى الْمُسْتَوَى الِإسْتِرَاتِيجِيّ، تَمَكَّن الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة الْحُكُومَاتِ مِنْ رَقَّمَنَة إجْرَاءَاتِهَا وَرَبَطَ مُخْتَلَف الأَنْظِمَة وَالْخِدْمَات بِطَرِيقَة مُوَحَّدَة وَفَعَالَة. وَهَذَا مَا تَمَّ تَطْبِيقِه فِي دَوْلَةِ الْإِمَارَاتِ الْعَرَبِيَّةِ الْمُتَّحِدَةِ مِنْ خِلَالِ مَشْرُوعِ "UAE PASS"، الَّذِي حَقَّقَ نَجَاحًا كَبِيرًا عَلَى الْمُسْتَوَى الْمَحَلِّيِّ وَالْعَالَمِيّ. تُعْتَبَر الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة عُنْصُرًا حَيَوِيًّا لِنَجَاح التَّحَوُّل الرَّقْمِيّ عَلَى الْمُسْتَوَيَات الْفَرْدِيَّة وَالْمُؤَسَسِيَّة وَ الْحُكُومِيَّة. فَهِيَ تَوَفُّر الْأَمْن وَالسُّرْعَة وَالْكَفَاءَة لِلْمُعَامَلَات الْإِلِكْتِرُونِيَّة، وَتُمَكِّن الْجِهَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ مِنْ التَّوَاصُلِ وَالتَّفَاعُل بِشَكْل أَفْضَلُ فِي ظِلِّ التَّطَوُّر التِّكْنُولُوجْيّ الْمُتَسَارِع.
.تَأْثِيرِ التِّكْنُولُوجْيَا عَلَى الْهُوِيَّةِ الشَّخْصِيَّة: التِّكْنُولُوجْيَا الْحَدِيثَةِ لَهَا تَأْثِيرٌ كَبِيرٌ عَلَى هَوِيِّة الْفَرْدِ فِي عَصْرِنَا الْحَالِيّ. التَّطَوُّر السَّرِيعُ فِي التِّكْنُولُوجْيَا الرَّقْمِيَّةَ وَالذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ قَدْ أَحْدَثَ تَحَوُّلًا جِذْرِيًّا فِي طُرُقِ تَوَاصُلُنَا وَتَعَامُلِنَا مَعَ الْعَالِمِ الْمُحِيط بِنَا. فَفِي الْوَقْتِ الَّذِي أَتَاحَتْ فِيه التِّكْنُولُوجْيَا طُرُقًا جَدِيدَة لِلتَّفَاعُل وَالتَّعْبِيرِ عَنْ الذَّاتِ، إلَّا أَنَّهَا فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ أَدَّتْ إلَى إعَادَةِ تَشْكِيل مَفَاهِيمَ أَسَاسِيَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْهُوِيَّة الشَّخْصِيَّة وَالِإجْتِمَاعِيَّة. أَصْبَحْت الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة لِلْفَرْد جُزْءًا لَا يَتَجَزَّأُ مِنْ هُوِيَّتُه الْحَقِيقِيَّة. فَالْأنْشَطَة وَالتَّفَاعُلًات الَّتِي يَنْخَرِط فِيهَا الْأفْرَادُ عَبْرَ الْإِنْتَرْنِتِ وَعَبَّر وَسَائِل التَّوَاصُلِ الِإجْتِمَاعِيِّ تُسَاهِمُ فِي تَشْكِيلِ صُورَة الذَّات الرَّقْمِيَّة. وَبِإسْتِخْدَام الْخَوَارِزْمِيَّات وَ الذَّكَاءِ الِإصْطِنَاعِيّ، تَقُوم الْمَنْصَات الرَّقْمِيَّةِ بِتَحْلِيل هَذِه الْبَيَانَات وَالسَّلْوَكَيَّات لِتَقْدِيمِ مُحْتَوَى مُخَصِّص لِلْمُسْتَخْدِم، مِمَّا يُؤَثِّرُ بِدَوْرِه عَلَى كَيْفِيَّةِ تَقْدِيم الْأَفْرَاد لِأَنْفُسِهِمْ وَتَفَاعُلِهِمْ مَعَ الْعَالِمِ الرَّقْمِيّ. فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، قَدْ تَبْدُو الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الْهُوِيَّة الْحَقِيقِيَّة لِلْفَرْد، مِمَّا يَطْرَحُ تَسَاؤُلَات حَوْلَ الِإسْتِقْلَالِيَّة وَالْأَصَالَةُ فِي عَالَمِ يَتَحَكَّم فِيهِ الذَّكَاءُ الِإصْطِنَاعِيّ لَقَدْ أَدَّى التَّطَوُّر التِّكْنُولُوجْيّ إلَى إحْدَاثِ تَغْيِيرَات جِذْرِيَّة فِي طَبِيعَةِ الْعَمَلِ وَالْأدْوَار الْمِهَنِيَّة التَّقْلِيدِيَّة. فَقَدْ أَدَّتْ الأَتْمَتَّة وَ التَّطَوُّرِ فِي مَجَالِ الذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ إلَى إزَاحَة بَعْض المَهَامّ، مِمَّا خَلَقَ فُرَصًا وَتَحَدِّيَات جَدِيدَة. وَإضْطُرّ الْأَفْرَادِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْيَانِ إِلَى إِعَادَةِ تَعْرِيف هَوِيَاتُّهم الْمِهَنِيَّة لِتَتَكَيَّف مَعَ هَذِهِ التَّحَوُّلَاتُ، مِمَّا أَدَّى إلَى إنْدِمَاج مُتَزَايِد بَيْن الْبَشَرِيَّة وَ الْآلِيَة. عَلَى الرَّغْمِ مِنْ الْفُرَص الْكَبِيرَةِ الَّتِي تَتَيَحها التِّكْنُولُوجْيَا، إلَّا أَنَّهَا تَطْرَحُ أَيْضًا تَحَدِّيَات أَخْلَاقِيَّة وَإجْتِمَاعِيَّة بَارِزَة. فَقَضَايَا الْخُصُوصِيَّة وَالتَّحَيُّز فِي الْخَوَارِزْمِيَّات تُعَدُّ مِنْ الْمَخَاوِفِ الرَّئِيسِيَّةِ الَّتِي تُثِيرُهَا هَذِه التَّطَوُّرَات التِّكْنُولُوجِيَّة. كَمَا أَنَّ إسْتِخْدَامَ الْبَيَانَاتِ الشَّخْصِيَّةِ وَتَأْثِير الذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ عَلَى عَمَلِيَّةِ تَشْكِيل الْهُوِيَّة الْفَرْدِيَّة وَالِإجْتِمَاعِيَّة يَطْرَحُ تَسَاؤُلَات مُهِمَّةٌ حَوْل الِإسْتِقْلَالِيَّة وَالْحُرِّيَّة الْفَرْدِيَّة. إنْ التِّكْنُولُوجْيَا الْحَدِيثَةِ قَدْ أَحْدَثْتَ تَحَوُّلَات جِذْرِيَّة فِي مَفَاهِيمِ الْهُوِيَّة الشَّخْصِيَّة وَ الِإجْتِمَاعِيَّة. فَمَع تَزَايَد إنْدِمَاج الذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ فِي حَيَاتِنَا اليَوْمِيَّةِ، أَصْبَحْت هَوِيَاتُّنَا الرَّقْمِيَّةِ جُزْءًا لَا يَتَجَزَّأُ مِنْ هَوِيَاتُّنَا الْحَقِيقِيَّةِ، مِمَّا يَتَطَلَّب إعَادَةِ النَّظَرِ فِي الْمَفَاهِيمِ الْأَسَاسِيَّة لِلْفَرْدِيَّة وَالثَّقَافَة الْجَمَاعِيَّة. وَلَا بُدَّ مِنْ مُعَالَجَةِ التَّحَدِّيَات الْأَخْلَاقِيَّةُ وَ الِإجْتِمَاعِيَّةُ النَّاشِئَةِ عَنْ هَذِهِ التَّطَوُّرَات، بِمَا فِي ذَلِكَ قَضَايَا الْخُصُوصِيَّة وَالْعَدَالَة، لِضَمَان إسْتِفَادَةِ المُجْتَمَعِ مِنْ هَذِهِ التِّقْنِيَّات الْحَدِيثَة بِطَرِيقَة مَسْؤُولَة وَأَخْلَاقِيَّة.
.تَأْثِيرِ التِّكْنُولُوجْيَا عَلَى الْهُوِيَّةِ الْجَمَاعِيَّة : التِّكْنُولُوجْيَا الرَّقْمِيَّةَ وَالِإنْتِرْنِت قَدْ أَحْدَثْتَ تَحَوُّلَات جِذْرِيَّة فِي تَشْكِيلِ الْهُوِيَّة الْجَمَاعِيَّة وَالثَّقَافَةِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الْمُعَاصِرَة. تُسَاهِم الْمَنْصَات الرَّقْمِيَّةِ كَوَسَائِل التَّوَاصُلِ الِإجْتِمَاعِيِّ فِي بِنَاءِ هَوِيَات رَقْمِيَّة لِلْأَفْرَاد وَ الْجَمَاعَات ، وَ اَلَّتِي تَتَدَاخَل بِشَكْلٍ كَبِيرٍ مَع هَوِيَاتُّهِم الْوَاقِعِيَّة. فَالْأفْرَاد أَصْبَحُوا يُعَبِّرُونَ عَنْ إنْتِمَاءَتُّهِم وَ خُصُوصِيَّاتِهِم الثَّقَافِيَّة مِنْ خِلَالِ الْمُحْتَوَى الرَّقْمِيّ الَّذِي يُنْتِجُونَه وَيَتَفَاعِلُون مَعَهُ عَبْرَ هَذِهِ الْمَنْصَات. هَذَا التَّدَاخُلِ بَيْنَ الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة وَالْوَاقِعِيَّة أَدَّى إلَى إعَادَةِ تَشْكِيل الْمَفَاهِيمِ الْأَسَاسِيَّة لِلّْهَوِيَّة الْجَمَاعِيَّة، كَالِإنْتِمَاء وَالتَّوَاصُل وَ التَّفَاعُل الِإجْتِمَاعِيّ. وَفَرَّتْ تِكْنُولُوجِيَّات الِإتِّصَالُ الْحَدِيثَة فُرَصًا جَدِيدَة لِتَعْزِيز الْهُوِيَّة الْجَمَاعِيَّة وَالِإنْتِمَاء، حَيْث أَتَاحَتْ لِلْأَفْرَاد التَّوَاصُل وَ تَكْوِين مُجْتَمَعَات إفْتِرَاضِيَة تَتَشَارَكُ فِي إهْتِمَامًات وَتَطَلُّعَات مُشْتَرَكَةٍ. هَذِهِ الْمُجْتَمَعَاتِ الِإفْتِرَاضَيَة الَّتِي تَتَشَكَّلُ عَبَّر الْمَنْصَات الرَّقْمِيَّةِ تَعْمَلُ عَلَى تَعْزِيز الرَّوَابِط الثَّقَافِيَّة وَ الِإجْتِمَاعِيَّة بَيْنَ الْمُشَارِكِينَ، مِمَّا يُسْهَمُ فِي تَقْوِيَةِ الْهُوِيَّة الْجَمَاعِيَّة وَتَمَاسَك الْمُجْتَمَعِ. فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ ، أَثَارَتْ التِّكْنُولُوجْيَا الرَّقْمِيَّةَ تَحَدِّيَات جَدِيدَة أمَام الْهُوِيَّة الْجَمَاعِيَّةُ فِي ظِلِّ الْعَوْلَمَةِ. فَإِنْتَشَار الْمُحْتَوَى الرَّقْمِيّ عَبَّر الْحُدُود الْجُغْرَافِيَّة وَالثَّقَافِيَّة أَدَّى إلَى تَعَرَّض الْأَفْرَاد وَالمُجْتَمَعَات لِتَيَارَات ثَقَافِيَّةً مُتَنَوِّعَةً، مِمَّا قَدْ يُؤَدِّي إلَى تَآكُلِ الْهُوِيَّة الْجَمَاعِيَّة التَّقْلِيدِيَّة وَظُهُور هَوِيَات جَمَاعِيَّة جَدِيدَةٍ. كَمَا أَنَّ سُرْعَةَ التَّغَيُّرِ التِّكْنُولُوجْيّ وَزِيَادَةُ تَدَفُّق الْمَعْلُومَات قَدْ تُؤَدِّي إلَى شُعُورِ الْأَفْرَاد بِالِاغْتِرَاب وَالْعُزْلَةُ عَنْ مُحِيطِهِمْ الِاجْتِمَاعِيّ وَالثَّقَافِيّ الْوَاقِعِيّ. لِذَا، يَتَطَلَّب الْأَمْر تَوْجِيه التِّكْنُولُوجْيَا الرَّقْمِيَّةَ بِمَا يَخْدُم تَعْزِيز الْهُوِيَّة الْجَمَاعِيَّة وَتَمَاسُكِ الْمُجْتَمَعِ. وَيَتَطَلَّبُ ذَلِكَ مُوَاجَهَةً التَّحَدِّيَات النَّاتِجَةِ عَنِ الْعَوْلَمَة الرَّقْمِيَّة، مِثْل الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ الثَّقَافِيَّة وَالتَّنَوُّع، وَتَعْزِيز الشُّعُور بِالِإنْتِمَاء وَالمُوَاطَنَة الرَّقْمِيَّة. كَمَا يَجِبُ تَطْوِير الْمَهَارَات الرَّقْمِيَّة لَدَى الْأَفْرَادِ وَالمُجْتَمَعَات بِمَا يُمَكِّنُهُمْ مِنْ التَّفَاعُلِ مَعَ التِّكْنُولُوجْيَا بِطَرِيقَة إِيجَابِيَّة وَ فَاعِلَة، وَالْحِفَاظِ عَلَى هَوِيَتَهُّم الْجَمَاعِيَّة. إنَّ التِّكْنُولُوجْيَا الرَّقْمِيَّةَ قَدْ أَحْدَثْتَ تَغْيِيرَات جِذْرِيَّة فِي تَشْكِيلِ الْهُوِيَّة الْجَمَاعِيَّة وَالثَّقَافَةِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الْمُعَاصِرَة، مِمَّا يَتَطَلَّب تَوْجِيهِ هَذِهِ التِّكْنُولُوجْيَا بِمَا يُعَزِّز الِإنْتِمَاء وَ التَّمَاسُك الِإجْتِمَاعِيّ، وَيُوَاجِه تَحَدِّيَات الْعَوْلَمَة الرَّقْمِيَّة.
. تَأْثِيرِ التِّكْنُولُوجْيَا عَلَى الْهُوِيَّةِ الْمُؤَسَّسِيَّة : فِي الْعَصْرِ الرَّقْمِيِّ الْمُتَسَارِع، لَمْ تَعُدْ الْهُوِيَّة الْمُؤَسَّسِيَّة مُجَرَّدُ شِعَارَات أَوْ رَسَائِلَ تَقْلِيدِيَّة تُعْرَضُ عَلَى وَسَائِلَ الإِعْلَامِ، بَلْ أَصْبَحَتْ الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة هِي الْوَاجِهَة الرَّئِيسِيَّةِ الَّتِي تُحَدِّدُ مَكَانَة الْمُؤَسَّسَاتِ فِي أَذْهَانِ الْجُمْهُور. الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة تُعَرَّفُ بِأَنَّهَا الِإنْطِبَاع الرَّقْمِيّ الَّذِي تَتْرُكَه الْمُؤَسَّسَةِ عَلَى مُخْتَلِفِ الْمَنْصَات الْإِلِكْتِرُونِيَّة، مِنْ مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الِإجْتِمَاعِيِّ إلَى المَوَاقِعِ الإِلكِتْرُونِيَّةِ الرَّسْمِيَّة. تَأْتِي الْعَلَاقَات الْعَامَّة كَأَدَاة مُحَوَّرية فِي صِيَاغَةِ هَذِه الْهُوِيَّة، حَيْث تُسْهِمُ فِي إدَارَةِ الصُّورَة الرَّقْمِيَّة لِلْمُؤَسَّسَة، وَبِنَاءً ثِقَة الْجُمْهُور، وَتَعْزِيز التَّفَاعُلِ مَعَ الْعُمَلَاء عَبْرَ قَنَوَاتٍ الِإتِّصَال الرَّقْمِيَّة. مِنْ خِلَالِ تَصْمِيم إسْتِرَاتِيجِيَّات مُبْتَكَرَة وَإِبْدَاعِيَة، تَضْمَنُ الْعَلَاقَات الْعَامَّة تَكَامُل الرَّسَائِل الْمُؤَسَّسِيَّة مَعَ إحْتِيَاجَات الْجُمْهُور الرَّقْمِيّ الْمُتَغَيِّر بِإسْتِمْرَار. وَتَأْتِي أَهَمِّيَّة الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة لِلْمُؤَسَّسَات فِي تَعْزِيزِ تَوَاجُدَهُا الرَّقْمِيّ، وَبِنَاء الثِّقَة وَالْمَصْدَاقِيَة، وَتَسْهِيلُ التَّفَاعُلِ مَعَ الْجُمْهُورِ، وَالتَّمَيُّزِ فِي السُّوق. تُشِيرُ الدِّرَاسَات إلَى أَنْ 79% مَنْ الْمُؤَسَّسَات النَّاضِجَة رَقَّمَيا سَتُعْطِي الْأَوْلَوِيَّة لِبَرَامج الثِّقَةُ الرَّقْمِيَّة فِي عَامٍ 2023. وَ يُعْزَى ذَلِكَ إلَى أَنْ التِّكْنُولُوجْيَا الرَّقْمِيَّةَ لَعِبَتْ دَوْرًا كَبِيرًا فِي إحْدَاثِ تَحَوُّلَات إقْتِصَادِيَّة وَثَقَافِيَّة وَسِيَاسِيَّة بِسُرْعَةٍ مُذْهِلَةٍ. وَأَصْبَحَتْ هَذِه التِّكْنُولُوجْيَا لَهَا تَأْثِيرٌ كَبِيرٌ عَلَى الْهُوِيَّةِ الثَّقَافِيَّة وَالمُوَاطَنَة الرَّقْمِيَّة، مِمَّا يُشْكِلُ تَحْدُيا حَضَارِيًّا وَ سِيَاسِيًّا غَيْرَ مَسْبُوقٍ لِلْمُجْتَمَعَات. فَقَدْ أَدَّتْ التِّكْنُولُوجْيَا الرَّقْمِيَّةَ إلَى تَنْمُيط كُلُّ الْهِوَيَات وَ الثَّقَافَاتُ وَإخْتِزَالِهَا فِي ثَقَافَةِ وَاحِدَةٍ هِيَ ثَقَافَة الطَّرَف الْأَقْوَى تِكْنُولُوجْيَا وَسِيَاسِيًّا وَإقْتِصَادِيًّا. وَتُعْتَبَر الْهُوِيَّة العَرَبِيَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ مِنْ بَيْنِ أَهَمّ الْهُوِيَات الْمُتَضَرِّرَة مِنْ الْمَضَامِين الَّتِي تُقَدِّمُهَا وَتُسَوقِهَا تِكْنُولُوجْيَا الْإِعْلَام وَالِإتِّصَال، حَيْث شُوهِت صُورَةُ هَذِهِ الْهُوِيَّة بِرَبْطِهَا بِالْعُنْف وَالتَّخَلُّف وَالْإِرْهَاب. وَمَعَ تَزَايُدِ أَهَمِّيَّة الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة لِلْمُؤَسَّسَات، بَاتَ مِنْ الضَّرُورِيِّ أَنْ تَتَبَنَّى هَذِه الْمُؤَسَّسَات إسْتِرَاتِيجِيَّات لِحِمَايَة هَوِيتُهَا الرَّقْمِيَّة وَتَعْزِيز ثِقَة الْجُمْهُور بِهَا. وَيُمْكِنُ لِذَلِكَ أَنَّ يَتِمُّ مِنْ خِلَالِ الِإهْتِمَام بِالتَّصْمِيم الْبَصْرِيّ وَالْمُحْتَوَى الرَّقْمِيّ، وَ تَوْظِيف تِقْنِيَات الْأَمْن وَالْخُصُوصِيَّة، وَتَحْقِيق التَّكَامُلَ بَيْنَ الرَّسَائِل الْمُؤَسَّسِيَّة وَإحْتِيَاجات الْجُمْهُورُ. كَمَا أَنَّ مُؤَسَّسَات الْمَعْلُومَات وَالأَرْشِيف تَلْعَبُ دَوْرًا مُحَوَّريا فِي الْحِفَاظِ عَلَى الْهُوِيَّةِ الثَّقَافِيَّة وَالمُوَاطَنَة الرَّقْمِيَّة، مِنْ خِلَالِ الْحُفَّاظُ عَلَى اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَالثَّقَافَة الْأَصِيلَة، وَتَعْزِيز الْوَعْي الرَّقْمِيّ فِي ظِلِّ التَّقَدُّم التِّكْنُولُوجْيّ الْمُتَسَارِع. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ التِّكْنُولُوجْيَا الرَّقْمِيَّةَ قَدْ أَحْدَثْتَ تَحَوُّلَات جِذْرِيَّة فِي الْهُوِيَّة الْمُؤَسَّسِيَّة، مِمَّا يَتَطَلَّب مِنَ الْمُؤَسَّسَاتِ تَبَّنِي إسْتِرَاتِيجِيَّات مُتَكَامِلَةَ لِحِمَايَة هَوِيتُهَا الرَّقْمِيَّة وَالْحِفَاظِ عَلَى ثِقَةٍ الْجُمْهُورِ، مَعَ الِإسْتِفَادَةِ مِنَ دُور مُؤَسَّسَات الْمَعْلُومَات وَ الأَرْشِيف فِي الْحِفَاظِ عَلَى الْهُوِيَّةِ الثَّقَافِيَّة وَالمُوَاطَنَة الرَّقْمِيَّة خُلَاصَةٌ الْقَوْلِ، أَنَّ التَّطَوُّر التِّكْنُولُوجْيّ السَّرِيعُ وَظُهُور الْهُوِيَات الرَّقْمِيَّةِ أَعَاد تَشْكِيل مَفْهُوم الْهُوِيَّة عَلَى الْمُسْتَوَيَات الْفَرْدِيَّة وَالْجَمَاعِيَّة وَالْمُؤَسَّسِيَّة. فَأَصْبَحَتْ الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة جُزْءًا لَا يَتَجَزَّأُ مِنْ تَشْكِيل الذَّات وَ الِإنْتِمَاءَات الِإجْتِمَاعِيَّة، مِمَّا يَطْرَحُ تَحَدِّيَات جَدِيدَةً فِي الْحِفَاظِ عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ وَ الهَوِيَات التَّقْلِيدِيَّة. وَ يَتَطَلَّب ذَلِك إيجَاد تَوَازُنُ بَيْنَ الِإسْتِفَادَةِ مِنَ إمْكَانِيَّات التِّكْنُولُوجْيَا الرَّقْمِيَّةَ وَحِمَايَة الْجَوَانِب الْأَسَاسِيَّة لِلّْهَوِيَّة الْإِنْسَانِيَّةِ.
_ تَأَمُّلَاتٍ فَلْسَفِيَّة فِي مَفْهُومِ الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة
مَفْهُومُ الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة هُوَ مَوْضُوعٌ نَقَّاش وَتَأَمَّلْ فَلْسَفِيّ كَبِيرٌ فِي عَصْرِنَا الرَّقْمِيّ الْحَالِيّ. هَذَا الْمَفْهُومِ يَطْرَحُ الْعَدِيدِ مِنَ التَّسَاؤُلَاتِ وَالْإِشْكَالَيْات الْفَلْسَفِيَّة حَوْل طَبِيعَةِ الْوُجُودِ الْبَشَرِيِّ وَالْمَعْرِفَة وَالْأَخْلَاق فِي ظِلِّ التَّطَوُّر السَّرِيع لِلتَّكْنُولُوجْيَا الرَّقْمِيَّة. الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة تَتَشَكَّل مِنْ خِلَالِ التَّفَاعُلَات الْإِلِكْتِرُونِيَّة وَ الرَّقْمِيَّة لِلْفَرْد عَلَى الْإِنْتَرْنِت وَالشَّبَكَات الِإجْتِمَاعِيَّةِ. فَالْمُعَلَّومَات وَالْبَيَانَات وَالصُّوَر وَالتَّفَاعُلًات الَّتِي يَنْشُرُهَا المُسْتَخْدِم عَنْ نَفْسِهِ تُشْكِل هُوِيَّتُه الرَّقْمِيَّة وَكَيْفِيَّة تَصَوُّر الْآخَرِينَ لَهُ. وَتَخْتَلِف هَذِه الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة عَنْ الْهُوِيَّة الْحَقِيقِيَّةِ فِي الْعَالَمِ الْمَادِّيِّ، حَيْثُ إنَّ المُسْتَخْدِم قَدْ يَخْتَارُ أَنْ يَظْهَرَ بِصُورَةٍ مُخْتَلِفَةِ عَنْ شَخْصِيَّتِه الْوَاقِعِيَّة، أَوْ قَدْ يَكُونُ مَجْهُولَ الْهُوِيَّة. هَذَا التَّمَايُزَ بَيْنَ الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة وَالْحَقِيقِيَّة يَطْرَحُ تَسَاؤُلَات فَلْسَفِيَّة حَوْل طَبِيعَة الذَّات وَالْوَاقِعُ فِي ظِلِّ الْعَوَالِم الِإفْتِرَاضَيَة. إنْ تَدَاخَلَ الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة وَالْحَقِيقِيَّة لِلْفَرْد يُثِير أَسْئِلَة فَلْسَفِيَّة عَمِيقَة حَوْل مَفْهُومِ الْحَقِيقَةِ وَالْوَاقِعِ. فَالشَّخْصُ قَدْ يَبْنِي هَوِيِّة رَقْمِيَّة مُخْتَلِفَةٌ عَنْ هُوِيَّتُه الْحَقِيقِيَّةَ، مِمَّا يَطْرَحُ إشْكَالِيَّة التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْوَهْمَ. كَمَا أَنَّ التَّفَاعُلَات الرَّقْمِيَّة تُؤَثِّرُ عَلَى تَشْكِيلِ هَوِيِّة الْفَرْدِ فِي الْعَالَمِ الْحَقِيقِيّ، فَالِإنْطِبَاع الَّذِي يَخْلُقُهُ الشَّخْصُ عَبَّر هُوِيَّتُه الرَّقْمِيَّة قَدْ يُؤَثِّرُ عَلَى كَيْفِيَّةِ تَفَاعُلِه وَتَصَرُّفُهُ فِي الْعَالَمِ الْمَادِّيِّ. وَهَذَا التَّدَاخُلُ بَيْنَ الْعَالَمِينَ يَسْتَدْعِي تَأَمُّلَات فَلْسَفِيَّة حَوْل طَبِيعَة الذَّات وَ الْوَعْي وَالهَوِيَّة. إنْ قُدّْرَة الْأَفْرَادِ عَلَى بِنَاء هَوِيَات رَقْمِيَّة مُخْتَلِفَةٌ عَنْ هَوِيَاتهِم الْحَقِيقِيَّةِ يَطْرَحُ تَسَاؤُلَات أَخْلَاقِيَّة كَبِيرَة. فَالْخِدَاع وَالتَّضْلِيلِ النَّاتِجَ عَنِ هَذَا التَّبَايُنَ بَيْن الْهِوَيَات يُمْكِنُ أَنْ يُنْتَهَكَ حُقُوقِ الْآخَرِينَ وَيَنْتَقِصُ مِنْ كَرَامَتَهُمْ. وَهَذَا مَا دَفَعَ الْفَلَاسِفَةُ إلَى إعَادَةِ النَّظَرِ فِي مَفَاهِيمِ الْأَخْلَاق وَالْحُرِّيَّة وَالْخُصُوصِيَّة فِي ظِلِّ الْعَالِم الرَّقْمِيّ. كَمَا أَنَّ إنْتِشَارَ جَمْع الْبَيَانَات وَالْمَعْلُومَات الشَّخْصِيَّة لِلْأَفْرَاد عَبَّر الشَّبَكَات الرَّقْمِيَّة أَثَارَ مَخَاوِفَ أَخْلَاقِيَّة حَوْل إحْتِرَام الْخُصُوصِيَّةِ وَحِمَايَةِ الْبَيَانَاتِ. وَهَذَا مَا جَعَلَ الْفَلَاسِفَة يَطْرَحُون قَضَايَا جَدِيدَةً فِي أَخْلَاقِيَّات التِّكْنُولُوجْيَا الرَّقْمِيَّة. إنْ تَشَكَّلَ الْهُوِيَّة عَبَّر التَّفَاعُلَات الرَّقْمِيَّة أثَار تَسَاؤُلَات فَلْسَفِيَّة حَوْل مَاهِيَّة الْوَعْي وَالذَّات فِي ظِلِّ الْعَالِم الِإفْتِرَاضَى. فَالتَّسْجِيل وَالتَّحَقُّقُ الرَّقْمِيّ لِلْمُسْتَخْدِمِين يَطْرَحُ إشْكَالِيَّة حَوْل إِمْكَانِيَّة إمْتِلَاك الْآلَات وَالذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ لِوَعْي شَبِيه بِالْوَعْي الْبَشَرِيّ. كَمَا أَنَّ التَّمْثِيلَ الرَّقْمِيّ لِلّْهَوِيَّة يُثِيرُ أَسْئِلَةً حَوْلَ مَفْهُوم الذَّات وَتَكْوِينِهَا. فَهَلْ الذَّاتِ هِيَ مُجَرَّدُ بِنَاء إجْتِمَاعِيّ قَابِلٍ لِلتَّشْكِيلِ عَبَّر التَّفَاعُلَات الرَّقْمِيَّة؟ وَكَيْف تَتَأَثَّر الْهُوِيَّة الْفَرْدِيَّة بِالتِّكْنُولُوجِيَّات الرَّقْمِيَّةِ؟ هَذِهِ التَّسَاؤُلَاتِ تَتَطَلَّب تَأَمُّلَات فَلْسَفِيَّة مُعَمَّقَة فِي مَفْهُومِ الذَّات وَالْوَعْي. إنْ التَّطَوُّرَات السَّرِيعَة فِي مَجَالِ التِّكْنُولُوجْيَا الرَّقْمِيَّةَ سَتُّوَاصِلُ إحْدَاثُ تَغْيِيرَات جَوْهَرِيَّةٌ فِي مَفْهُومِ الْهُوِيَّة الْبَشَرِيَّة. فَالتَّدَاخُل الْمُتَزَايِد بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالْآلَة، وَالِإنْتِشَار الْوَاسِع لِلذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ وَالْوَاقِع الِإفْتِرَاضِي سَتُّؤَثِرُ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ عَلَى كَيْفِيَّةِ تَصَوُّر الْأَفْرَاد لِذَوَاتِهَم وَلِلْعَالِمِ مِنْ حَوْلَهُمْ. وَ مَعَ هَذِهِ التَّحَوُّلَاتُ، سَتُوَاجِه الْفَلْسَفَة تَحَدِّيَات جَدِيدَةً فِي مُحَاوَلَاتِهَا لِفَهْمِ وَتَفْسِير مَفْهُوم الْهُوِيَّة الْبَشَرِيَّة. لَكِنَّ هَذِهِ التَّحَدِّيَات سَتُفْتَح أَيْضًا أَفَاقَا جَدِيدَة لِلتَّفْكِير الْفَلْسَفِيّ فِي الْعَلَاقَةِ بَيْنَ التِّكْنُولُوجْيَا وَالْإِنْسَان، وَتَطْوِير مَفَاهِيم جَدِيدَة حَوْل الذَّات وَالْوَعْي وَالْأَخْلَاق. يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ مَفْهُومَ الْهُوِيَّة الرَّقْمِيَّة يَطْرَحُ الْعَدِيدِ مِنَ التَّسَاؤُلَاتِ الْفَلْسَفِيَّة الْمُهِمَّةِ حَوْلَ طَبِيعَةِ الْوُجُودِ الْبَشَرِيِّ وَ الْمَعْرِفَة وَالْأَخْلَاق فِي عَصْرِ الرَّقمنة. وَسَتِّوَاصْل هَذِهِ التَّأَمُّلَات الْفَلْسَفِيَّة أَهَمِّيَّتِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَعَ إسْتِمْرَارِ التَّطَوُّر التِّكْنُولُوجْيّ وَالتَّحَوُّلُ نَحْو عَوَالِم إفْتِرَاضِيَة أَكْثَرُ تَعْقِيدًا.
#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق : الْوَاقِع الِإفْتِرَاضِي
-
أَخْلَاقِيَّات الذَّكَاءُ الِإصْطِنَاعِيّ -الْجُزْءُ الثَّان
...
-
أَخْلَاقِيَّات الذَّكَاءُ الِإصْطِنَاعِيّ -الْجُزْءُ الْأَوّ
...
-
الْعَقْل التِّقَنِيّ ؛ -الْجُزْءِ الثَّانِي-
-
الْعَقْل التِّقَنِيّ -الْجُزْءِ الْأَوَّلِ-
-
الوَعِي الإِيْكُولُوجِيّ: -الْجُزْءُ الثَّانِي-
-
اللاَّوَعِي الإِيْكُولُوجِيّ: -الْجُزْءُ الْأَوَّلُ-
-
عِلْمُ النَّفْسِ الإِيْكُولُوجِيّ
-
الْبَيُولُوجْيَا الِإصْطِنَاعِيَّة
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق: الْأَمْن الْبَيُولُوجِيّ
-
أَخْلَاقِيَّات التِّكْنُولُوجْيَا
-
فَلْسَفَة التِّكْنُولُوجْيَا: -الْجُزْءِ الثَّانِي-
-
فَلْسَفَةُ التِّكْنُولُوجْيَا : -الْجُزْءُ الْأَوَّلُ-
-
التِّكْنُولُوجْيَا
-
أَخْلَاقِيَّات الْبَحْثُ الْعِلْمِيّ
-
أَخْلَاقِيَّات الْإِعْلَام
-
الْأَخْلَاقِ البِيئِيَّة: -الْجُزْءِ الثَّانِي-
-
الْأَخْلَاقِ البِيئِيَّة :-الْجُزْءِ الْأَوَّلِ-
-
الْأَخْلَاقِ الطِّبِّيَّة
-
الْأَخْلَاقِ التَّطْبِيقِيَّة
المزيد.....
-
شاهد كيف يحدد ترامب الجدول الزمني لكل شيء تقريبًا بـ-خلال أس
...
-
ماذا نعلم عنه؟.. مقتل ضابط روسي بارز بانفجار داخل روسيا
-
مسؤول إسرائيلي يكشف لـCNN الموافقة على اقتراح أميركي لوقف إط
...
-
كيف يساعد الغرب روسيا في تمويل حربها على أوكرانيا؟
-
في تحد للسلطة.. نساء إيران تحملن -نعش الحجاب- إلى مثواه الأخ
...
-
الخارجية الروسية: نأمل أن تحذو كييف حذو موسكو في جدية التفاو
...
-
موسكو: فريق ترامب يتعامل مع روسيا بعقلانية وبراغماتية أكثر
-
العليمي يروي لـRT قصة أربع طائرات دمرتها إسرائيل في مطار صنع
...
-
-مبعوث الرب-.. منشور غامض من الرئيس الأمريكي يثير الجدل
-
-الاعتراف بدولة فلسطين مطلب سياسي-.. ماكرون يدعو لتشديد المو
...
المزيد.....
-
الآثار العامة للبطالة
/ حيدر جواد السهلاني
-
سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي
/ محمود محمد رياض عبدالعال
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|