|
الْعَقْل التِّقَنِيّ -الْجُزْءِ الْأَوَّلِ-
حمودة المعناوي
الحوار المتمدن-العدد: 8344 - 2025 / 5 / 16 - 18:23
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
_ مَاهُو الْعَقْل التِّقَنِيّ ؟
يُشِير الْعَقْل التِّقَنِيّ إِلَى الْقُدُرَاتِ الطَّبِيعِيَّة لِلْفَرْد وَمَيْلُه نَحْو فَهُمْ التِّكْنُولُوجْيَا وَالْعُلُوم وَ حَلِّ الْمُشْكِلَاتِ الْعَمَلِيَّة بِطَرِيقَة أَدَاتِيَّة، إنَّهُ نَمَط تَفْكِير يُرَكِّزُ عَلَى الْوَسَائِلِ وَالْأَسَالِيبِ التِّكْنُولُوجِيَّة وَالْعِلْمِيَّة لِحَلِّ الْمُشْكِلَاتِ وَإتِّخَاذ الْقَرَارَات، دُون التَّسَاؤُلُ عَنْ الْأَهْدَاف وَالغَايَات الْكَامِنَة وَرَاءَ هَذِهِ الْوَسَائِلِ. وَ هُوَ يَخْتَلِفُ عَنْ الْعَقْلِ الْفَلْسَفِيّ الَّذِي يَسْعَى إلَى فَهْمِ الْأُسُس وَ الْمَبَادِئ الْكَامِنَة وَرَاء الظَّوَاهِر. كَمَا يُشِيرُ مَفْهُومُ الْعَقْل التِّقَنِيّ إلَى ذَلِكَ النَّمَطُ مِنَ التَّفْكِيرِ الَّذِي يَعْتَمِدُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ الْعِلْمِيَّة وَ التِّقْنِيَة لِتَحْقِيق أَهْدَاف مُحَدَّدَة، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ مَدَى إِنْسَانِيَّة هَذِه الْأَهْدَافِ أَوِ مُلَائَمَتِهَا. فَالْعَقْلُ التِّقَنِيّ يَسْعَى إلَى فَرْضٍ السَّيْطَرَة وَالتَّحَكُّم عَلَى الطَّبِيعَةِ وَالْوَاقِع دُون التَّسَاؤُلُ عَنْ الْأبْعَاد الْأَخْلَاقِيَّة لِذَلِكَ. هَذَا النَّمَطِ مِنَ التَّفْكِيرِ يَّنْظُرُ إلَى التِّقْنِيَّة بِإعْتِبَارِهَا وَسِيلَة لِلسَّيْطَرَة وَالتَّحَكُّمُ، بَدَلًا مِنْ كَوْنِهَا إسْتِرَاتِيجِيَّة لِلتَّعَامُلِ مَعَ الْعَالِمِ وَالحِفَاظُ عَلَى الْبَقَاءِ. وَقَدْ أَدَّى التَّوَجُّهِ نَحْوَ الْعَقْلِ التِّقَنِيِّ فِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ إلَى تَحَوُّلِ التِّقْنِيَّة مِنْ أَدَاةِ لِلْمُوَاجَهَة وَالْبَقَاءِ إلَى آلِيَّة لِلسَّيْطَرَة وَالتَّمَرُّدُ عَلَى الدَّيْنِ وَالْفِطْرَة. وَبِذَلِك أَصْبَحْت التِّقْنِيَّة بِمَفْهُومِهَا الْحَدِيثِ مِنْ أَسْبَابِ التَّعَاسَة وَالْمُعَانَاة بَدَلًا مِنْ كَوْنِهَا وَسِيلَةً لِلرَّفَاه وَالتَّقَدُّمُ. وَيُؤَكِّد الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ الْعَقْلَ التِّقَنِيّ يَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهِ أَيْدُيُولُوجِيَّة السَّيْطَرَة، حَيْثُ يَسْعَى إلَى فَرْضٍ الطَّبَقِيَّة وَالتَّفَاوُت الِإجْتِمَاعِيّ بَدَلًا مِنْ تَحْقِيقِ الْعَدَالَةِ. وَفِي الْمُقَابِلِ، يَتَطَلَّع الْعَقْل الْفَلْسَفِيُّ إِلَى تَحْقِيقِ الْعَدَالَةِ وَالْحُرِّيَّةِ الْإِنْسَانِيَّةِ. وَعَلَيْهِ، فَإِنْ الْعَقْل التِّقَنِيّ يُمَثِّل نَمَط تَفْكِير آلِي أَدَاتَيْ يُرَكِّزُ عَلَى الْوَسَائِلِ دُونَ الْأَهْدَافِ، مَا أَدَّى إلَى تَحَوُّلِ الْإِنْسَانِ نَحْوَ السَّيْطَرَة وَالطَّبَقِيَّة بَدَلًا مِنْ تَحْقِيقِ الْحُرِّيَّةِ وَالْعَدَالَةِ. وَهَذَا مَا جَعَلَ بَعْضُ الْفَلَاسِفَةِ يَنْظُرُونَ إلَى الْعَقْلِ التِّقَنِيّ بِإعْتِبَارِه أَيْدُيُولُوجْيَا تَخْدُمُ مَصَالِح السَّيْطَرَة وَالتَّحَكُّم. لَقَدْ أَثَارَ مَفْهُومِ الْعَقْلِ التِّقَنِيّ جَدَلًا وَاسِعًا فِي فَلْسَفَةِ الْعَقْل وَ التِّقْنِيَة. فَهُنَاك إتِّجَاهًان رَئِيسِيًّان فِي هَذَا الْمَجَالِ الْمَثْنَوِيَّة (الثُّنَائِيَّةِ) تَرَى أَنَّ الْعَقْلَ وَالْجَسَد هُمَا كَيَانان مُنْفَصِلَان وَ مُسْتَقِلٍّان. فَالْعَقْلُ هُوَ جَوْهَرٌ مُتَوَاجِد بِشَكْلٍ مُسْتَقِلٌّ عَنْ الدِّمَاغِ وَالْجَسَدِ. وَهَذَا الِإتِّجَاهُ يَرْفُض إِمْكَانِيَّة تَفْسِير الْعَمَلِيَّاتِ الْعَقْلِيَّةِ بِالْمَفَاهِيم الفِيزْيَائِيَّة. وَالْأَحَادِيَة (الْمَادِّيَّةِ) وَ الَّتِي تَرَى أَنَّ الْعَقْلَ وَالْجَسَد لَيْسَا كَيَانين مُنْفَصِلَيْن، بَلْ هُمَا جَوْهَرٍ وَاحِدٍ. وَبِالتَّالِي فَإِنَّ الْعَمَلِيَّاتِ الْعَقْلِيَّةِ سَتُفَسَر فِي نِهَايَةِ الْمَطَافِ بِالْمَفَاهِيم الفِيزْيَائِيَّة وَالْعِلْمِيَّة. وَبِالتَّالِي، تَتَمَّحْوَرُ الجَدَلِيَّةَ بَيْنَ هَذَيْنِ الِإتِّجَاهَيْن حَوْل طَبِيعَة الْعَقْل وَعَلَاقَتُه بِالْجَسَد وَالْعَالِم الْمَادِّيّ. وَهَذَا الجَدَلِ لَهُ إنْعِكَاسَاتِه عَلَى فَهْمِ مَاهِيَّة التِّقْنِيَّة وَ الْعَقْل التِّقَنِيِّ. فِي هَذَا السِّيَاقِ، يَرَى بَعْضُ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ الْعَقْلَ التِّقَنِيّ هُو تَجْسِيد لِلرُّؤْيَة الْمَادِّيَّة (الْأَحَادِيَة) لِلْعَقْلِ، وَاَلَّتِي تَرَى أَنَّ الْعَقْلَ وَالْجَسَد كِيَان وَاحِد قَابِل لِلتَّفْسِير الْعِلْمِيّ وَ الفِيزْيَائِي. وَهَذَا مَا يُفَسِّرُ رَبَط الْعَقْل التِّقَنِيّ بِالسَّيْطَرَة وَ التَّحَكُّم عَلَى الطَّبِيعَةِ وَفْق الْمَعَايِير الْعِلْمِيَّة وَالتِّكْنُولُوجِيَّة دُونَ النَّظَرِ إلَى الْأبْعَادِ الْأُخْرَى لِلْإِنْسَان. إذْن، تَبْرُز أَهَمِّيَّة فَلْسَفَة الْعَقْلِ فِي فَهْمِ مَاهِيَّةِ الْعَقْلِ التِّقَنِيّ وَتَدَاعِيَاتُه عَلَى الْإِنْسَانِ وَالْمُجْتَمَعِ. فَالْخِلَاف الْفَلْسَفِيّ حَوْل طَبِيعَة الْعَقْل يَنْعَكِسُ عَلَى تَصَوَّرْنَا لِدَوْر التِّقْنِيَّة وَالْعَقْل التِّقَنِيِّ فِي حَيَاتِنَا. وَ بِالتَّالِي يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ الْعَقْلَ التِّقَنِيّ يُمَثِّل نَمَط تَفْكِير آلِيّ أَدَاتَيْ يُرَكِّزُ عَلَى الْوَسَائِلِ وَالْأَسَالِيبِ التِّكْنُولُوجِيَّة لِتَحْقِيق أَهْدَاف مُحَدَّدَة، دُون التَّسَاؤُلُ عَنْ مَضَامِينُ هَذِهِ الْأَهْدَاف وَ مَدَى إِنْسَانِيٍّتِهَا. وَهَذَا النَّمَطُ مِنَ التَّفْكِيرِ يَنْطَوِي عَلَى أَيْدُيُولُوجِيَّة السَّيْطَرَة وَالتَّحَكُّم، مِمَّا يُخَالِفُ الرُّؤْيَة الْفَلْسَفِيَّة لِلْعَقْل وَاَلَّتِي تَسْعَى إِلَى تَحْقِيقِ الْحُرِّيَّةِ وَالْعَدَالَةِ الْإِنْسَانِيَّة.
_ الْعَقْلُ وَ الْعَقْل التِّقَنِيّ
يَنْبَغِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ مَفْهُومِ الْعَقْلِ بِشَكْلٍ عَامٍّ وَمَفْهُوم "الْعَقْل التِّقَنِيّ" بِشَكْل خَاصّ. الْعَقْل بِشَكْلٍ عَامٍّ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّفْكِيرِ وَالتَّحْلِيل وَالْإِدْرَاك وَالْحُكْمُ، وَهُوَ مَا مَيَّزَ الْإِنْسَانَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ. أَمَّا مَفْهُومُ "الْعَقْل التِّقَنِيّ" أَوْ الْعَقْلِ الَّأدَاتِي أَوْ العَقْلَانِيَّة التِّقْنِيَّة، كُلُّهَا مُصْطَلَحَاتٌ تُشِيرُ إلَى ذَلِكَ النَّمَطُ مِنَ التَّفْكِيرِ وَ العَقْلَانِيَّة الَّتِي تَرْتَبِطُ بِالتَّقَنُّيَة وَ التِّكْنُولُوجْيَا. يُمْكِنُ تَعْرِيفُ الْعَقْلِ التِّقَنِيّ بِأَنَّه عَقَل يَتَمَيَّز بِطَابَع أَدَاتَيْ أَوْ إجَرَائِي، يَهْتَمّ أَكْثَر بِالْوَسَائِل وَالْآلْيَات لِإِنْجَاز أَهْدَاف مُحَدَّدَة دُون التَّسَاؤُلُ عَنْ مَضْمُونِ تِلْكَ الْأَهْدَافِ وَمَدَى إِنْسَانِيٍّتِهَا أَوْ عَقْلَانِيَّتِهَا. فَالْعَقْلُ التِّقَنِيّ يُرَكِّزُ عَلَى كَيْفِيَّةِ تَحْقِيقِ الْأَهْدَافِ بِشَكْل فَعَّال وَنَاجح، دُونَ أَنْ يُهْتَمَّ كَثِيرًا بِالْقِيَم وَالْمَعَانِي الْكَامِنَة وَرَاءَ تِلْكَ الْأَهْدَاف. وَقَدْ إرْتَبَط هَذَا الْمَفْهُومِ بِصُعُود الْحَدَاثَة الْغَرْبِيَّة، حَيْث بَرَزَتْ العَقْلَانِيَّة الأَدَاتِيَّة الَّتِي تَسْعَى إِلَى السَّيْطَرَةِ عَلَى الطَّبِيعَةِ وَتَسْخِيرِهَا لِخِدْمَة أَهْدَاف مُحَدَّدَة. وَقَدْ أَدَّى هَذَا إلَى ظُهُورِ مَفْهُومِ "الْعَقْلِ الأَدَاتِيَّ" فِي فَلْسَفَةِ الْمَدْرَسَة النَّقْدِيَّة، خَاصَّةً عِنْدَ هُورْكْهَايْمَر "Max Horkheimer" وَ أَدُّورْنُو، "Theodor W. Adorno" اللَّذَيْنِ إنْتَقدا هَيْمَنَة هَذَا النَّمَطِ مِنْ العَقْلَانِيَّة عَلَى الْمُجْتَمَعَات الْحَدِيثَة. وَيَرْتَبِطُ الْعَقْل التِّقَنِيّ أَيْضًا بِالثَّوْرَة التِّكْنُولُوجِيَّة وَ الرَّقْمِيَّة الْمُعَاصِرَة، حَيْث يَتَمَيَّز بِالتَّرْكِيز عَلَى الْآلِيَات وَ الْوَسَائِل التِّقْنِيَّة فِي إنْتَاجِ الْمَعْرِفَة وَتَوْظِيفِهَا، دُونَ الِإهْتِمَام الْكَافِي بِالْقِيَم الْإِنْسَانِيَّة وَالْأَخْلَاقِيَّة الْمُرْتَبِطَة بِذَلِكَ. وَقَدْ أَدَّى هَذَا إلَى ظُهُورِ مَفَاهِيم نَقْديَّة كـ"الْعَقْل الرَّقْمِيّ" و "الدَّيكتاتُورِيَّة الْخَفِيَّةُ لِلرَّقَمِئَة"، الَّتِي تُحَذِّرُ مِنْ خَطَرِ هَيْمَنَة هَذَا النَّوْعِ مِنْ العَقْلَانِيَّة عَلَى الْمُجْتَمَعِ الْمُعَاصِر. وَيُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ الْعَقْلَ التِّقَنِيّ يَتَمَيَّز بِخَصَائِص أَهَمِّهَا. التَّرْكِيزِ عَلَى الْوَسَائِلِ وَالْآلِيَات بَدَلًا مِنْ الِإهْتِمَامِ بِالْقِيَم وَالْإِهْدَاف. وَالْمَيْلُ إلَى التَّكْمِيم وَ التَّقْنِين وَالْحِسَاب الرِّيَاضِيّ فِي مُعَالَجَةِ الْمَعْرِفَة. إضَافَة إلَى الِإعْتِمَادِ عَلَى الْمَنْطِقِ الصُّورِيِّ وَالعَقْلَانِيَّة الأَدَاتِيَّة فِي إتِّخَاذِ الْقَرَارَات. ثُمَّ السَّعْيُ إلَى السَّيْطَرَة وَالتَّحَكُّمُ فِي الطَّبِيعَةِ وَ الْإِنْسَان وَ تَسْخِيرِهُمَا لِخِدْمَةِ أَهْدَاف مُحَدَّدَة. نَاهِيكَ عَنْ النَّزْعَة التِقْنُّوقْرَاطِيَّة وَالِإعْتِمَادُ عَلَى الْخُبَرَاء وَ التَّكَنِّوَقِرَاط فِي إدَارَةِ الْمُجْتَمَعَات. وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ الْمَزَايَا الَّتِي قَدْ تَحَقُّقِهَا التِّقْنِيَّة فِي تَسْهِيلِ الْحَيَاة وَزِيَادَة الْإِنْتَاجِيَّة، إلَّا أَنْ هُنَاكَ مَخَاطِر وَسَلَّبْيَات مُرْتَبِطَةٌ بِهَيْمَنَة الْعَقْلُ التِّقَنِيّ عَلَى الْمُجْتَمَعِ، مِثْل تَهْدِيد الحُرِّيَّات الْفَرْدِيَّة وَالْقِيَمِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَتَرَاجَع الْوَعْي بِالْابْعَاد الْأَخْلَاقِيَّة وَ الفَلْسَفِيَّة لِلتِّقْنِيَّة. لِذَا فَإِنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ لِتَطْوِير مَفَاهِيم بَدِيلَة لِلْعَقْلَانِيَّة تُرَاعِي الْبُعْد الْإِنْسَانِيّ وَ الْأَخْلَاقِيّ فِي تَعَامُلُنَا مَعَ التِّقْنِيَّة. وَهَذَا مَا دَفَعَ فَلَاسِفَة مِثْل هَابَرْمَاس "Jürgen Habermas" وَ مَارْكُوز Herbert" Marcuse" إلَى الْمُطَالَبَةِ بِضَرُورَة إِخْضَاع التِّقْنِيَّة إلَى نَوْعٍ مِنْ "العَقْلَانِيَّة التَّوَاصُلِيَّة" تُرَاعِي الْقِيَمِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَتَحَقَّق التَّفَاهُم وَالتَّعَاوُنِ بَيْنَ الْبَشَرِ. كَمَا دَعَا آخَرُونَ إلَى تَطْوِيرٍ "عَقَل تَقَنَّي إِنْسَانِيٌّ" يَنْطَلِقُ مِنْ مُقَارَبَةِ فَلْسَفِيَّة شَامِلَة لِلْإِنْسَان وَ الْعَالِم. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ مُوَاجَهَة هَيْمَنَة الْعَقْل التِّقَنِيّ تَتَطَلَّب نَقْدًا فَلْسَفِيًّا وَثَقَافِيًّا عَمِيقًا، وَتَطْوِير بِدَائِل عَقْلَانِيَّة أَكْثَرَ إتِّسَاعًا وَ إنْسِجَامًا مَعَ الْقِيَمِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَ الْأَخْلَاقِيَّة، بِمَا يَضْمَنُ التَّوَازُنِ بَيْنَ التَّقَدُّمِ التِّقَنِيّ وَالتَّنْمِيَة الْحَقِيقِيَّةِ لِلْإِنْسَانِ فِي جَمِيعِ جَوَانِبِ حَيَاتِه.
_ الْعَقْل التِّقَنِيّ وِجْهَةُ نَظَرِ فَلْسَفِيَّة
الْعَقْل التِّقَنِيّ أَوْ الْعَقْلِ الأَدَاتِي هُوَ أَحَدُ الْمَفَاهِيم الْهَامَّةِ الَّتِي تَنَاوَلَهَا الْفَلَاسِفَة، وَخَاصَّة فَلَاسِفَة مَدْرَسَة فِرَانْكِفُورْت مِثْل هُورْكْهَايْمَر وَأَدُّورْنُو وَهَابِرْمَاس. هَذَا الْمَفْهُومِ يُشِيرُ إلَى نَوْعٍ مِنْ العَقْلَانِيَّة الَّتِي تَحْكُمُهَا مَبَادِئ الْفِعَالِيَة وَالنَّجَاعَة وَالسَّيْطَرَةَ عَلَى الطَّبِيعَةِ، وَاَلَّتِي تَتَجَلَّى بِشَكْل وَاضِحٌ فِي الْعِلْمِ وَالتِّقْنِيَة وَالتِّكْنُولُوجْيَا الْحَدِيثَة. يَرَى هُورْكْهَايْمَر أنْ الْعَقْل الأَدَاتِي هُوَ النَّمَط السَّائِد فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الرَّأْسِمَالِيَّةِ الْحَدِيثَة، حَيْثُ تَمَّ تَقْلِيصِ دَوْرِ الْعَقْل لِيُصْبِح مُجَرَّد أَدَّاة لِتَوْفِير الْوَسَائِلِ، بَدَلًا مِنْ كَوْنِهِ مَمْلَكَة فِكْرِيَّة. وَبِذَلِكَ فَقَدْ الْعَقْل قُدْرَتِهِ عَلَى إدْرَاكِ الْحَقَائِقِ فِي ذَاتِهَا، وَأَصْبَح كُلِّ شَيْءٍ مُجَرَّدُ وَسِيلَةٍ لِتَحْقِيق أَهْدَاف عَمَلِيَّة. بِالْمِثْل، يَرَى أَدُّورْنُو أنْ الْعَقْل الأَدَاتِي يُمَثِّلُ أُسْلُوبًا لِرُؤْيَة الْعَالِم وَالْمَعْرِفَة النَّظَرِيَّة، حَيْث يَتَّصِف بِالسَّيْطَرَة وَالتَّحَكُّم وَالْتَفْتِيت لِلْوَاقِعِ إلَى أَجْزَاءٍ مُنْفَصِلَة. وَهَذَا النَّمَطُ مِنَ العَقْلَانِيَّة يَقُودُ إِلَى "إخْتِزَال الْإِنْسَانُ" وَيَتَسَبَّبُ فِي "غِيَابِ الذَّات" وَفُقْدَان الْحُرِّيَّة. أَمَّا يُورَغن هَابَرْمَاس فَيَذْهَبُ إلَى أَنْ الْعَقْل الأَدَاتِي يُعَبَّرُ عَنْ "العَقْلَانِيَّة الأَدَاتِيَّة" الَّتِي لَعِبَتْ دَوْرًا بَارِزًا فِي تَشْكِيلِ مَلَامِح الْمُجْتَمَع الرَّأْسِمَالِيّ الْغَرْبِيّ. فَهَذِه العَقْلَانِيَّة تَخْضَع لِمَنْطق الْحِسَابُ وَالفَعَالِيَّة، وَتُرَكِّزُ عَلَى كَيْفِيَّةِ الْوُصُولِ إلَى أَهْدَافٍ بِحَدِّ ذَاتِهَا غَيْرُ خَاضِعَةٍ لِأَيّ طَابَع قِيَمِيّ. وَهَذَا مَا يَتَجَسَّد فِي التَّعَامُلِ مَعَ الطَّبِيعَةِ مِنْ خِلَالِ الْعِلْمِ وَ الصِّنَاعَة وَالتِّكْنُولُوجْيَا. لِذَلِك، يَرَى هَابَرْمَاس أَنَّهُ يَجِبُ تَجَاوُزُ هَذَا النَّمَطِ مِنْ العَقْلَانِيَّة الْمُتَمَرّْكِزَة عَلَى الذَّاتِ وَالسَّيْطَرَة، وَ إسْتِبْدَالُه بـ"العَقْلَانِيَّة التَّوَاصُلِيَّة" الَّتِي تَقُومُ عَلَى التَّفَاعُلِ وَ التَّفَاهُم الْمُتَبَادَل بَيْنَ الْأَفْرَادِ فِي إِطَارِ المُجْتَمَعِ. فَاللُّغَة بِوَصْفِهَا أَدَّاة لِلتَّوَاصُل هِيَ أَسَاسُ هَذِهِ الْعَقْلَانِيَّةُ الْبَدِيلَة، وَ اَلَّتِي تَسْعَى إِلَى إِعَادَةِ الِإعْتِبَار لِلْإِنْسَان كَكَائِن إجْتِمَاعِيّ وَ تَوَاصُلِي، بَدَلًا مِنْ كَوْنِهِ مُجَرَّدَ ذَات مُنْتِجَة وَفَاعِلَة. وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا النَّقْدِ الْفَلْسَفِيّ لِلْعَقْل الأَدَاتِي لَهُ أَهَمِّيَّةٌ كَبِيرَةٌ فِي فَهْمِ طَبِيعَةِ التِّقْنِيَّة وَمَدَى تَأْثِيرِهَا عَلَى الْإِنْسَانِ وَالْمُجْتَمَعِ. فَالتَّحْذِيرُ مِنْ مَخَاطِرِ هَذَا النَّمَطِ مِنْ العَقْلَانِيَّة الَّذِي يَحُولُ الْإِنْسَانُ إلَى مُجَرَّدِ أَدَّاة أَوْ وَسِيلَةٌ، يُعَدّ مُحَاوَلَة هَامَة لِإِعَادَةِ الِإعْتِبَارِ لِلطَّابِع الْإِنْسَانِيِّ وَالِإجْتِمَاعِيّ فِي عَصْرِ هَيْمَنَة التِّقْنِيَّة وَالتِّكْنُولُوجْيَا. وَهَذَا مَا يُفْتَحُ الْبَابَ أَمَامَ الْبَحْثِ عَنْ بِدَائِل عَقْلَانِيَّة أَكْثَر إِنْسَانِيَّة وَأَخْلَاقِيَّة تَحْفَظ لِلْإِنْسَانِ كَرَامَتَهُ وَ حُرِّيَّتِه.
_ تَارِيخَانِيَّة الْعَقْلُ التِّقَنِيّ
الْعَقْل التِّقَنِيّ لَه جُذُور تَارِيخِيَّة وَإجْتِمَاعِيَّة وَفَلْسَفِيَّة مُتَشَابِكَة. جُذُورِه الْأُولَى تَعُودُ إلَى الْفَلْسَفَةِ الْيُونَانِيَّة الْقَدِيمَة وَالرُّؤَى الْفَلْسَفِيَّة لِفَلاَسِفَة مِثْلُ سُقْرَاطَ وَأَفْلَاطُونَ وَأَرِسْطُو، الَّذِين رَكَّزُوا عَلَى الْعَقْلِ كَأَدَاة لِلْمَعْرِفَة وَالْفَهْم وَحَلِّ الْمُشْكِلَاتِ. فَقَدْ رَأَى هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةُ أَنَّ الْعَقْلَ هُوَ الْمَصْدَرُ الأَسَاسِيّ لِلْمَعْرِفَة الْحَقِيقِيَّة، وَأَنَّ الْمَعْرِفَةَ الصَّحِيحَةَ هِيَ تِلْكَ الَّتِي تَنْبَعُ مِنَ الْعَقْلِ وَالْمَنْطِقِ. وَقَدْ كَانَ لِهَذِهِ الرُّؤْيَةِ تَأْثِيرَات عَمِيقَة عَلَى الْفِكْرِ الْفَلْسَفِيّ اللَّاحِق، وَجَسَدت مَبَادِئُ العَقْلَانِيَّة الَّتِي سَتَكُون حَجَرُ الزَّاوِيَةِ فِي بِنَاءِ الْعَقْل التِّقَنِيّ. كَذَلِكَ فَإِنَّ الْجُذُور الِإجْتِمَاعِيَّة لِلْعَقْل التِّقَنِيّ تَرْتَبِط بِالثَّوْرة الصِّنَاعِيَّة فِي أُورُوبَّا فِي الْقُرُونِ الـ 18 و19، وَاَلَّتِي أُفْرِزَتْ تَطَوُّرَات تِقْنِيَّة هَائِلَة وَأَدَّتْ إلَى ظُهُورِ الْمَصَانِع وَالْآلَات وَتَقْسِيم الْعَمَل. هَذِهِ التَّحَوُّلَاتُ الِإجْتِمَاعِيَّةِ وَالِإقْتِصَادِيَّةِ عَزَزْت نَظَرة عَقْلَانِيَّة أَدَاتِيَّة لِلتِّقْنِيَّةِ، حَيْثُ أَصْبَحَتْ وَسِيلَةٌ لِتَحْقِيقِ الْأَهْدَاف الْإِنْتَاجِيَّة وَالِإقْتِصَادِيَّة بِكَفَاءَة وَفَعَالِيَّة. عَلَى صَعِيدِ الْفَلْسَفَة الْحَدِيثَة، كَان لِأَفْكَار فَلَاسِفَة مِثْل دِيكًارت وَكَانط وَهِيَغل و فَيبَرّ تَأْثِير كَبِيرٌ عَلَى بِلَّوْرَة مَفْهُومِ الْعَقْلِ التِّقَنِيّ. فَفِي حِينِ رَأَى دِيكًارت الْعَقْلُ كَجَوْهَر مُنْفَصِلٌ عَنْ الْجَسَدِ، طَوْر كَانَط مَفْهُومًا لِلْعَقْل كَنِظَام مَنْطِقِيّ يَحْكُم إدْرَاك الْعَالَمِ الْخَارِجِيِّ. أَمَّا هِيغِل فَقَدْ فَسَّرَ الْعَقْلَ فِي سِيَاقِ التَّطَوُّر التَّارِيخِيّ لِلْوَعي الْإِنْسَانِيِّ، بَيْنَمَا رَبَط فَيبَرّ العَقْلَانِيَّة بِالتَّطَوُّر الرَّأْسِمَالِيّ وَ الْبِيرُوقْرَاطِيّ. هَذِهِ الْأَفْكَارِ الْفَلْسَفِيَّة سَاهَمَت فِي بِنَاءِ مَفْهُومِ الْعَقْلِ التِّقَنِيّ كَعَقْل أَدَاتَيْ مُنْفَصِلٌ عَنْ السِّيَاقِ الِإجْتِمَاعِيّ وَ الثَّقَافِيّ، وَاَلَّذِي يَنْظُرُ لِلتِّقْنِيَّة كَوَسِيلَة لِتَحْقِيق أَهْدَاف مُحَدَّدَة بِكَفَاءَة دُون الِإهْتِمَام بِالْقِيَم وَالْأبْعَاد الْأُخْرَى. وَقَدْ تَبْلُور هَذَا الْمَفْهُومِ بِشَكْلٍ أَكْثَرَ وُضُوحًا مَعَ ظُهُورِ النَّظَرِيَّات الْوَضْعِيَّةُ فِي الْعُلُومِ الِإجْتِمَاعِيَّةِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ. وَمَعَ تَطَوُّرِ التِّقْنِيَّة وَالثَّوْرَة التِّكْنُولُوجِيَّة فِي الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ، تَعَمَّقْت هَيْمَنَة الْعَقْل التِّقَنِيّ عَلَى مُخْتَلِفِ جَوَانِبِ الْحَيَاةِ. وَقَدْ أَثَارَ هَذَا إهْتِمَام فَلَاسِفَة النَّظَرِيَّة النَّقْدِيَّة مِثْل هُورْكْهَايْمَر وَأَدُّورْنُو وَهَابِرْمَاس، الَّذِينَ إنْتَقَدُوا الْعَقْلُ التِّقَنِيّ وَإعْتِبَارُه أَدَّاة لِلسَّيْطَرَة وَالتَّحَكُّمُ بَدَلًا مِنْ تَحْرِيرِ الْإِنْسَانِ.
_ إشْكَالَيْات الْعَقْلُ التِّقَنِيّ
إنَّ مَسْأَلَةَ الْعَقْل التِّقَنِيّ وَإِشْكَالٌيَأْتِه هِيَ قَضِيَّةٌ مَرْكَزِيَّة فِي الْفِكْرِ الْفَلْسَفِيّ الْمُعَاصِر، وَقَدْ نَالَ هَذَا الْمَوْضُوعِ إهْتِمَامًا بَالِغًا مِنْ قِبَلِ الْعَدِيدِ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ وَالْمُفَكِّرِينَ الْبَارِزَيْن فِي الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ، خَاصَّة فَلَاسِفَة مَدْرَسَة فِرَانْكِفُورْت كَهُوَرْكَهَايِمْر وَ أدَّورنو وَهَابرماس. يُعْرَفُ الْعَقْل التِّقَنِيّ (أَوْ الْعَقْلِ الَّأدَاتِي) بِأَنَّهُ مَنْطِق فِي التَّفْكِيرِ وَأُسْلُوب فِي رُؤْيَةِ الْعَالِمِ، حَيْثُ أَصْبَحَ الْعَالَم الِإجْتِمَاعِيّ لَهُ طَبِيعَةٌ ثَانِيَةٌ كَالطَّبِيعَة غَيْرُ قَابِلٍ لِلتَّغْيِير وَمُسْتَقِلّ عَنْ أَفْعَالِ الْإِنْسَانِ. وَقَدْ رَأَى هُورَكهايمر أنْ هَذَا الْعَقْلُ هُوَ الْعَقْلُ الْمُهَيْمِنِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الرَّأْسِمَالِيَّةِ الْحَدِيثَة، حَيْثُ فَقَدَ الْعَقْل دُورَه كَمَمْلَكَة فِكْرِيَّة وَتَمّ تَقْلِيصه إلَى مُجَرَّدِ أَدَّاة لِتَوْفِير الْوَسَائِل، مِمَّا أَدَّى إلَى فِقْدَانِه لِلْقُدْرَةِ عَلَى إدْرَاكِ الْحَقَائِقِ فِي ذَاتِهَا وَأَصْبَح كُلِّ شَيْءٍ مُجَرَّد وَسِيلَة. وَقَدْ طَوْر فَيْلَسُوف مَدْرَسَة فِرَانْكِفُورْت يُورَغن هَابَرْمَاس نَقْدًا عَمِيقًا لِلْعَقْل التِّقَنِيّ، حَيْثُ رَأَى أَنَّهُ يُعَبَّرُ عَنْ العَقْلَانِيَّة الأَدِاتِيَّة الَّتِي لَعِبَتْ دُورًا هَامًّا فِي تَكْوِينِ مَعَالِم الْمُجْتَمَع الرَّأْسِمَالِيّ الْغَرْبِيّ. فَالْعَقْل الأَدِاتِي يَخْضَعُ لِلْحِسَاب الْوَاعِي الَّذِي يَدْرُّسُ كَيْفِيَّةِ الْوُصُولِ إلَى أَهْدَافٍ بِحَدِّ ذَاتِهَا غَيْرُ خَاضِعَة لِطَابع قِيَمِيٌّ بَلْ لِطَابع عَمَلِي، وَيَتَجسد هَذَا النَّوْعِ مِنْ العَقْلَانِيَّة فِي تَعَامُل الْإِنْسَانِ مَعَ الطَّبِيعَةِ وَتَتَجسد فِي الْعِلْمِ وَالصِّنَاعَة وَ التِّكْنُولُوجْيَا الْحَدِيثَة. وَلِلْعَقْل التِّقَنِيّ أثَار كَارِثِيَّة عَلَى إسْتِقْرَارِ الْمُجْتَمَعَات، خَاصَّةً مَا يُسَمَّى بِالْعَالَمِ النَّامِي. فَهَذَا الْعَقْلِ قَدْ أَصْبَحَ مُسْتَقِلًّا عَنْ الْإِنْسَانِ وَأَهْدَافِه الْحَقِيقِيَّة، حَيْث تَحَوَّلَتْ التِّقْنِيَّة إِلَى مَشْرُوعِ تَارِيخِيّ إجْتِمَاعِيّ تَنْعَكِسُ فِيهِ مَصَالِحُ الْمُجْتَمَعَات الْمُسَيْطِرَة وَأَهْدَافَهَا فِي السَّيْطَرَةِ عَلَى الطَّبِيعَةِ وَ الإِنْسَانَ. وَهَذَا مَا أَدَّى إلَى إسْتِلَاب الْإِنْسَانُ وَفُقْدَانِه لِحُرِّيَّتِه، حَيْث تَحَوَّلَ إلَى مُجَرَّدِ أَدَّاة فِي خِدْمَةِ هَذَا الْمَشْرُوعِ التِّقَنِيّ. وَلَمْ يَقْتَصِرْ النَّقْدِ عَلَى هَابَرْمَاس فَقَطْ، بَلْ إمْتَدَّ إلَى فَلَاسِفَة آخَرِين مِثْل هَرَبَرت مَارًّكوز الَّذِي قَدَمَ فِي كِتَابِهِ "الْإِنْسَان ذُو الْبُعْد الْوَاحِد" تَحْلِيلًا دَقِيقًا لِهَذَا الِإسْتِلَاب النَّاتِجَ عَنِ هَيْمَنَة الْعَقْل التِّقَنِيّ عَلَى الْمُجْتَمَعِ وَالثَّقَافَة. فَمَارْكُوز رَأَى أَنَّ هَذَا الْعَقْلِ قَدْ أَدَّى إلَى تَنْمُيط الْوُجُودُ الْإِنْسَانِيّ وَخَلَقَ "الإِنْسَانُ ذِي الْبُعْد الْوَاحِد" الْمَحْكُوم بِثَقَافَة إسْتِهْلَاكِيَّة تَنْمِيطِيَّة تُحَوِّلُ الْإِنْسَانُ إلَى مُجَرَّدِ أَدَّاة فِي خِدْمَةِ هَذَا النِّظَامِ التِّقَنِيّ. وَبِنَاءً عَلَى هَذِهِ الِإنْتِقَادَات الْمُتَعَدِّدَةُ لِلْعَقْل التِّقَنِيّ، يَتَّضِحُ أَنَّ إشْكَالَيْاتُه الرَّئِيسِيَّةُ تَتَمَثَّلُ فِي تَحَوُّلِهِ إلَى عَقْلِ مُسْتَقِلٌّ عَنْ الْإِنْسَانِ وَأَهْدَافِه الْحَقِيقِيَّة، وَتَحَوُّلِه إِلَى مَشْرُوعِ تَارِيخِيّ إجْتِمَاعِيّ تَنْعَكِسُ فِيهِ مَصَالِحُ الْمُجْتَمَعَات الْمُسَيْطِرَة. إسْتِلَاب الْإِنْسَان وَفِقْدَانِه لِحُرِّيَّتِه، حَيْثُ تَمَّ تَحْوِيلُهُ إلَى مُجَرَّدِ أَدَّاة فِي خِدْمَةِ هَذَا الْمَشْرُوعِ التِّقَنِيّ. تَنْمُيط الْوُجُودُ الْإِنْسَانِيّ وَخَلْق "الإِنْسَانُ ذِي الْبُعْد الْوَاحِد" الْمَحْكُوم بِثَقَافَة إسْتِهْلَاكِيَّة تَنْمْيطِيَّة. الِإنْفِصَالُ بَيْنَ التِّقْنِيَّة وَالْإِهْدَاف الْإِنْسَانِيَّةِ الْحَقِيقِيَّة وَالتَّحَوُّلَ إلَى مُجَرَّدِ وَسَائِل لِتَحْقِيق أَهْدَاف قَائِمَةً عَلَى الْمَصَالِحِ وَالسَّيْطَرَة. إنْ هَذِهِ الِإنْتِقَادَات الْفَلْسَفِيَّة الْعَمِيقَة لِلْعَقْل التِّقَنِيّ قَدْ أَسْهُمت فِي فَتْحِ آفَاقٍ جَدِيدَةٍ لِلتَّفْكِيرِ فِي دُورِ التِّقْنِيَّة فِي الْمُجْتَمَعِ وَوَضَع ضَوَابِط أَخْلَاقِيَّةٍ وَإِنْسَانِيَّةٍ لِإسْتِخْدَامِهَا، بِمَا يَضْمَنُ تَحْقِيق الرَّفَاه لِلْإِنْسَانِ دُونَ إسْتِلَابِه أَوْ تَحْوِيلِهِ إلَى أَدَاةِ فِي خِدْمَةِ أَهْدَاف غَرِيبَةٍ عَنْهُ. وَالتَّحَدِّي الْكَبِيرُ هُوَ كَيْفِيَّةٌ إعَادَة رَبَط التِّقْنِيَّة بِالْهَدَف الْإِنْسَانِيّ الْحَقِيقِيّ وَالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ لِلْإِنْسَان وَالْمُجْتَمَع.
_ الْعَقْلُ التِّقَنِيّ وَالْأَخْلَاق
الْعَلَاقَةِ بَيْنَ التِّقْنِيَّة وَالْأَخْلَاقُ هِيَ وَاحِدَةٌ مِنْ أَبْرَزِ الْإِشْكَالِيَّات الْفِكْرِيَّة وَالفَلْسَفِيَّة الْمُعَاصِرَة. فَمَع التَّطَوُّر الْهَائِلُ فِي مَجَالِ التِّقْنِيَّة وَالتِّكْنُولُوجْيَا، بَرَز التَّسَاؤُل حَوْل دَوْرَ الْعَقْلِ التِّقَنِيّ وَ حُدُودِه وَعَلَاقَتُه بِالمَنْظُومَة الْأَخْلَاقِيَّة. بِدَايَة، لَا شَكَّ أَنَّ التِّقْنِيَّة وَالتِّكْنُولُوجْيَا قَدْ حَقَّقْت الْعَدِيدِ مِنَ الْإِنْجَازَات وَ التَّطَوُّرَات المُذْهِلَة الَّتِي أَسْهُمت فِي تَحْسِينِ نَوْعِيَّةِ الْحَيَاةِ الْبَشَرِيَّةِ وَزِيَادَة رِفَاهِيَّتِهَا. فَالثَّوْرَة الصِّنَاعِيَّة وَالتَّطَوُّرَات الْعِلْمِيَّة وَالتِّقْنِيَة الَّتِي تَلَتْهَا قَدْ أدَتْ إلَى تَحْسِينِ الْمُسْتَوَى الْمَعِيشَي لِلْبَشَر وَزِيَادَة مُتَوَسِّطُ العُمْرِ المُتَوَقِّعُ وَ تَحْقِيق الْعَدِيدِ مِنَ الْإِنْجَازَاتِ الطِّبِّيَّةِ وَ الْعِلْمِيَّة الْهَامَة. وَ مَعَ ذَلِكَ، بَرَز تَسَاؤُل مُهِمّ حَوْل الْحُدُود الْأَخْلَاقِيَّة لِلتِّطور التِّقَنِيّ وَمَا إذَا كَانَ هُنَاكَ خَطَرٌ عَلَى الْإِنْسَانِ وَ الْمُجْتَمَعِ مِنَ جَرَّاءَ هَذَا التَّطَوُّرُ. فَالْعَقْل التِّقَنِيّ بِحَسَب نَقَّاد هَذَا التَّوَجُّهِ قَدْ أَصْبَحَ يَنْظُرُ إلَى الْإِنْسَانِ بِإعْتِبَارِهِ مُجَرَّد كَائِن مَادِّيّ تَخْضَع كُلّ أَبْعَادِه لِلْحِسَابِات وَالْقِيَاسَات الْمَوْضُوعِيَّة، مِمَّا أَدَّى إلَى تَجَاهَل الْبُعْد الْأَخْلَاقِيّ وَالْقِيَمِيّ لِلْوُجُود الْإِنْسَانِيّ. فَالْمَنْطِق التِّقَنِيّ يَقُومُ عَلَى مَبْدَأِ الْكَفَاءَة وَالفَعَالِيَّة وَالِإنْتِاجِيَّة وَتَحْقِيقُ الْأَهْدَاف بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ الْوَسَائِلِ الْمُسْتَخْدَمَة. وَهَذَا مَا دَفَعَ بَعْضَ الْفَلَاسِفَةِ وَالْمُفَكِّرِينَ إلَى الْحَذَرُ مِنْ هَيْمَنَة هَذَا الْمَنْطِقَ عَلَى الْحَيَاةِ الْبَشَرِيَّةِ، حَيْثُ إنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى تَجَاهَل الْأبْعَاد الْأَخْلَاقِيَّة وَ الْقِيمَيَّة لِلْوُجُودِ الْإِنْسَانِيّ. فَعَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، لَقَدْ أَسْهَمَت التَّطَوُّرَات التِّقْنِيَّة فِي مَجَالِ التَسَّلُح وَالْأَسْلِحَة النَّوَوِيَّة وَغَيْرِهَا فِي زِيَادَةِ مَخَاطِر الْحَرْبِ وَالدَّمَارِ عَلَى الْبَشَرِيَّةِ. كَمَا أَدَّى التَّطَوُّر التِّقَنِيِّ فِي مَجَالِ الْإِعْلَام وَ الِإتِّصَالَات إلَى ظُهُورِ تَحَدِّيَات أَخْلَاقِيَّة جَدِيدَة تَتَعَلَّق بِالْخُصُوصِيَّة وَالْأَمْن الْمَعْلُومَاتِي وَإنْتِشَارُ الْمَعْلُومَات الْمُضَلِّلَة وَ الْأَخْبَارِ الْكَاذِبَةِ. وَفِي الْمَجَال الطِّبِّيّ، أَثَارَتْ التَّطَوُّرَات التِّقْنِيَّة الْحَدِيثَةِ فِي مَجَالُ الْهَنْدَسَة الْوِرَاثِيَّة وَتَحْدِيد الْجِينَات الْبَشَرِيَّة جَدَلًا وَاسِعًا حَوْل الْأَخْلَاقَيَّات الْمُرْتَبِطَة بِهَذِه التَّطْبِيقَات. لِذَلِك، بَرَز الْحَدِيثِ عَنْ ضَرُورَةٍ تَطْوِير مَنْظُومَة أَخْلَاقِيَّة تَوَاكب التَّطَوُّرَات التِّقْنِيَّة وَ تَضْبَط مَسَارَهَا بِمَا يُحَقِّقُ الْمَصْلَحَةَ الْإِنْسَانِيَّة. فَالْعَقْل التِّقَنِيّ بِحَدِّ ذَاتِهِ لَا يَكْفِي لِتَوْجِيهِ تَطْبِيقَات التِّقْنِيَّة وَالتِّكْنُولُوجْيَا، بَلْ هُنَاكَ حَاجَةٌ مُلِحَّةٍ إِلَى إِطَار أَخْلَاقِيّ يُحَدِّد الْحُدُودِ وَالضَّوَابِطِ لِإسْتِخْدَام هَذِه التَّطْبِيقَات. وَمِنْ هُنَا جَاءَتْ مُحَاوَلَات الْفَلَاسِفَةِ وَالْمُفَكِّرِينَ لِلتَّوْفِيقِ بَيْن الْعَقْل التِّقَنِيّ وَالْأَخْلَاق، وَتَطْوِير أُطُرٍ فِكْرِيَّةِ وَ فَلَسَفِيَّةِ تَضْمَنُ التَّوَازُنِ بَيْنَهُمَا. فَعَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، بَرَزَتْ إحْدَى مَفَاهِيمُ مِثْل "الْأَخْلَاق التِّقْنِيَّة" و"الْأَخْلَاق البِيئِيَّة" و "أَخْلَاقِيَّات الذَّكَاءُ الِإصْطِنَاعِيّ" كَمُحَاوَلَات لِإِيجَاد هَذَا التَّوَازُنِ. وَفِي هَذَا السِّيَاقِ، تَبْرُز أَهَمِّيَّة إعَادَةِ النَّظَرِ فِي الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعَقْلِ التِّقَنِيّ وَالْأَخْلَاق، بِمَا يَضْمَنُ إحْتِرَام الْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَالْقَيِّم الْأَخْلَاقِيَّة فِي ظِلِّ التَّطَوُّرَات التِّقْنِيَّة المُتَسَارِعَة. فَالتَّحْدِي الْكَبِيرِ هُوَ كَيْفِيَّةٌ تَوْجِيهِ هَذِهِ التَّطَوُّرَات بِمَا يَخْدُم مَصْلَحَةُ الْإِنْسَانِ وَيُحَافِظُ عَلَى قِيمَةِ وَمَبَادِئِه الْأَخْلَاقِيَّة. وَعَلَيْهِ، فَإِنْ إيجَاد تَوَازُن بَيْنَ الْعَقْلِ التِّقَنِيّ وَ الْأَخْلَاق هُوَ مِنْ أَبْرَزِ التَّحَدِّيَات الْفِكْرِيَّة وَالفَلْسَفِيَّة الْمُعَاصِرَةِ الَّتِي تَتَطَلَّبُ جُهُودًا مُتَوَاصِلَة مِنْ قِبَلِ الْبَاحِثِينَ وَ الْمُفَكِّرِينَ لِإِيجَاد الْحُلُول وَالْبَدَائِل الْفِكْرِيَّة وَالْقِيمَيَّة الْمُنَاسَبَةُ.
_ إشْكَالِيَّة الْعَقْل التِّقَنِيِّ فِي الْفِكْرِ الْعَرَبِيِّ الْمُعَاصِر
إشْكَالِيَّة الْعَقْل التِّقَنِيِّ فِي الْفِكْرِ الْعَرَبِيِّ الْمُعَاصِر تَتَمَثَّلُ فِي التَّفَاعُلِ الْمُعَقَّد وَالْمُتَشَابِك بَيْنَ الْأَفْكَار وَالتِّقْنِيَّات الْمُسْتَوْرَدَة مِنْ الْغَرْبِ، وَبَيْن الْأَفْكَار وَالْمَعْطُيَات الرُّوحَانِيَّة وَالتُّرَاثِيَّة الْعَرَبِيَّةِ وَالْإِسْلَامِيَّةِ. هَذِه الْإِشْكَالِيَّة نَشَأَتْ مُنْذُ بِدَايَةِ النَّهْضَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْحَدِيثَةِ فِي الْقَرْنِ التَّاسِعَ عَشَرَ، عِنْدَمَا إصْطَدَم الْعَقْلِ الْعَرَبِيِّ الْمُحَافِظ بِالْعَقْل التِّقَنِيّ الْحَدِيث الْوَافِد مِنْ الْغَرْبِ. فَقَدْ كَانَ الْفِكْرُ الْعَرَبِيِّ وَ الْإِسْلَامِيِّ فِي تِلْكَ الْفَتْرَةِ يُهَيْمِنُ عَلَيْهِ الرُّوَى الرُّوحَانِيَّة وَالنَّزَعَةِ الْأُصُولِيَّة، وَكَانَ يَنْظُرُ إلَى التِّقْنِيَّة وَ الْعُلُومِ الْحَدِيثَةِ نَظَرَة رِيبَة وَحَذَّر. فِي الْمُقَابِلِ، كَانَتْ الْأَفْكَار وَ التِّقْنِيَّات الْغَرْبِيَّة تَتَمَيَّز بِطَابَع مَادِّيّ وَعِلْمَانِيّ وَعَقْلَانِي. وَهُنَا بَرَزَتْ إشْكَالِيَّة كَيْفِيَّة الْمُوَاءَمَة بَيْنَ هَذِهِ الْمَنْظُومَةِ الْفِكْرِيَّة وَ التِّقْنِيَة الْغَرْبِيَّة الْمُتَطَوِّرَة، وَبَيْن الْأَفْكَار وَالْقَيِّم الرُّوحَانِيَّة وَ التُّرَاثِيَّة الْعَرَبِيَّةِ وَالْإِسْلَامِيَّةِ. وَ لَمْ تَكُنْ عَمَلِيَّة التَّكْيِيف وَ التَّبَنِّي لِهَذِه التِّقْنِيَّات الْغَرْبِيَّة سَهْلَةُ أَوْ آلِيَّة، بَلْ وَاجَهَتْ مَجْمُوعَةٌ مِنَ التَّحَدِّيَات وَالْإِشْكَالَيْات عَلَى مُسْتَوَى الْفِكْر وَ الْقَيِّم وَ المُؤَسَّسَات. فَقَدْ حَاوَلَ الْمُفَكِّرُون الْعَرَب إيجَاد تَوَازُن بَيْنَ هَذِهِ الْمَنْظُومَتَيْن عَنْ طَرِيقِ تَبَّنِي التِّقْنِيَّة الْحَدِيثَة مَعَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْهُوِيَّةِ الثَّقَافِيَّة وَالرُّوحَانِيَّة لِلْمُجْتَمَع الْعَرَبِيّ. وَ هَكَذَا بَرَزَتْ إشْكَالِيَّة إزْدِوَاجِيَة الْوَعْيِ فِي الْفِكْرِ الْعَرَبِيِّ الْمُعَاصِر، بَيْنَ النَّزَعَةِ التَّقَدُّمِيَّةُ وَالعَقْلَانِيَّةُ الْحَدِيثَة مِنْ جِهَةِ، وَ النَّزْعَة التُّرَاثِيَّة وَالرُّوحَانِيَّة مِنْ جِهَةِ أُخْرَى. فَالْعَقْل الْعَرَبِيّ أَصْبَح مَشْرُذما بَيْنَ هَذَيْنِ الْقُطْبِيُّن الْمُتَنَافِرِين، وَلَمْ يَسْتَطِعْ تَحْقِيق التَّوْفِيق وَالتَّوَازُن الْمَنْشُود. وَقَدْ أَدَّتْ هَذِهِ الْإِشْكَالِيَّة إلَى إنْفِصَام فِي الْبُّنَى الِإجْتِمَاعِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ وَالِإقْتِصَادِيَّة لِلْمُجْتَمَعَات الْعَرَبِيَّةِ، حَيْثُ ظَهَرَتْ ظَوَاهِرُ كَالتَّخَلُّف وَالرُّكُود الْفِكْرِيّ وَالِإقْتِصَادِيِّ مِنْ جِهَةِ، وَإنْفِتَاح تَقَنَّي وَمَادِّيّ عَلَى الْغَرْبِ مِنْ جِهَةِ أُخْرَى. وَأَصْبَح الْوَطَنِ الْعَرَبِيِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْيَانِ مُجَرَّد مُسْتَهْلَك لِإِنْتَاج الْآخَرِ دُونَ إِبْدَاع ذَاتِيّ. وَبِهَذَا فَإِنَّ إشْكَالِيَّة الْعَقْل التِّقَنِيِّ فِي الْفِكْرِ الْعَرَبِيِّ الْمُعَاصِر تَكْمُنُ فِي صُعُوبَةِ تَحْقِيقِ التَّوَازُنِ وَالتَّكَامُلِ بَيْن الْحَدَاثَة التِّقْنِيَّة الْوَافِدَة وَالْهُوِيَّة الثَّقَافِيَّة وَالرُّوحَانِيَّة لِلْمُجْتَمَع الْعَرَبِيِّ. وَهَذَا مَا جَعَلَ الْأَخْذ بِالْعَقْلِانِيَّة وَالتِّقْنِيَةِ الْحَدِيثَةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْيَانِ عَمَلِيَّة تَكَيَّف وَتَبَّنِي آلِيَّة دُونَ إسْتِيعَاب حَقِيقِيٌّ لَهَا وَتَوْظِيفِهَا فِي إِطَارِ الْخُصُوصِيَّة الثَّقَافِيَّة الْعَرَبِيَّة.
_ كَيْفَ يُؤَثِّرُ الْعَقْل التِّقَنِيّ عَلَى الْقَيِّمِ الْإِنْسَانِيَّة
إنْ تَطَوُّر الْعَقْل التِّقَنِيّ لَهُ تَأْثِيرٌ عَمِيق عَلَى الْقَيِّمِ الْإِنْسَانِيَّة. فَالْتِكْنُولُوجْيَا الْمُتَقَدِّمَةِ تُغَيِّرُ بِشَكْل جِذْرِيّ طَرِيقة تَفَكَّيرِنَا وَ تَفَاعُلِنَا مَعَ الْعَالِمِ مِنْ حَوْلِنَا. مِنْ نَاحِيَةِ، أَصْبَح الْعَقْل التِّقَنِيّ قَادِرًا عَلَى مُعَالَجَةِ كَمِّيَّات هَائِلَة مِنْ الْمَعْلُومَاتِ بِسُرْعَةٍ وَكَفَاءَة لَمْ يَكُنْ إِنْجَازِهَا مُمْكِنًا مِنْ قِبَلِ. هَذَا أَتَاحَ لَنَا إمْكَانِيَّات جَدِيدَة لِلتَّحْلِيل وَالِإكْتِشَاف وَالِإبْتِكَار. وَلَكِنْ مِنْ نَاحِيَةِ أُخْرَى، قَدْ يُؤَدِّي هَذَا إلَى تَحَوُّلِ فِي تَرْكِيزُنَا نَحْوُ التَّفْكِير التِّكْنُولُوجْيّ الضِّيقُ عَلَى حِسَابِ الْقِيَمِ الْإِنْسَانِيَّةِ الْأَوْسَع كَالْحِكْمَة وَ التَّعَاطُف وَالْإِبْدَاع. مَعَ إنْتِشَارٍ الْأَجْهِزَةِ الذَّكِيَّةِ وَالذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ، بَات النَّاسَ يَعْتَمِدُونَ بِشَكْل مُتَزَايِد عَلَى الْحُلُولِ التِّقْنِيَّة لِمُعْظَم جَوَانِب حَيَاتِهِمُ الْيَوْمِيَّةِ. هَذَا قَدْ يُؤَدِّي إلَى تَحَوُّلِ فِي تَرْكِيزُنَا نَحْوُ الْقَيِّم التِّقْنِيَّة كَالْفَعَّالِيَّة وَالْكَفَاءَةُ وَ السُّرْعَة عَلَى حِسَابِ الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ وَالْإِنْسَانِيَّة كَالْعَدَالَة وَ التَّعَاطُف وَالْإِنْسَانِيَّة. فِي ظِلِّ هَذَا التَّرْكِيز الْمُتَزَايِدِ عَلَى الْعَقْلِ التِّقَنِيّ، قَدْ نَفْقِد بِمُرُورِ الْوَقْتِ الِإهْتِمَام بِالْقِيَم الْإِنْسَانِيَّة الْأَسَاسِيَّة. فَعَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، قَدْ تُصْبِحُ قَيِّم مِثْل التَّوَاصُل الشَّخْصِيّ وَالتَّفَاعُلِ الِإجْتِمَاعِيِّ وَالْإِبْدَاع الْفَرْدِيّ أَقَلُّ أَهَمِّيَّةً مُقَارَنَة بِالْكَفَاءَة وَالِإنْتِاجِيَّة التِّقْنِيَّة. وَهَذَا قَدْ يُؤَدِّي إلَى تَآكُلِ جَوَانِب هَامَّةٌ فِي تَجْرِبَتْنَا الْإِنْسَانِيَّةِ. فِي النِّهَايَةِ، إنَّ الْحِلَّ لَا يَكْمُنُ فِي رَفْضِ الْعَقْل التِّقَنِيّ أَوْ التِّكْنُولُوجْيَا بِشَكْلٍ عَامٍّ، بَلْ فِي إيجَادِ توَازِن سَلِيم بَيْنَ الْقَيِّمِ التِّقْنِيَّة وَالْقِيَمِ الْإِنْسَانِيَّةِ. فَالْتِكْنُولُوجْيَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ وَسِيلَةً لِتَعْزِيز الْإِنْسَانِيَّةِ وَلَيْسَ لِإسْتِبْدَالُهَا. وَعَلَيْنَا أَنْ نُؤَكِّدَ عَلَى الْقَيِّمِ الْأَخْلَاقِيَّة وَالْإِبْدَاعِيَّة وَ التَّوَاصِلِية بِنَفْسِ الْقَدْرِ مِنْ الِإهْتِمَامِ الَّذِي نُوَلِّيَه لِلْكَفَاءَة وَ الِإنْتِاجِيَّة التِّقْنِيَّة.
_ بِدَائِل الْعَقْلُ التِّقَنِيِّ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الْحَدِيثَة
هُنَاك بِدَائِل لِلْعَقْلِ التِّقَنِيِّ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الْحَدِيثَةِ. فِي الْوَاقِعِ، يَتَزَايَد الْجَدَل وَالنَّقَّاش حَوْل الْحَاجَةِ إلَى تَطْوِيرٍ أشْكَال بَدِيلَة لِلْعَقْلِ مِنْ أَجْلِ مُوَاجَهَةِ التَّحَدِّيَات الْمُعَاصِرَة. أَحَدُ الْبَدَائِل الْبَارِزَة هُو التَّفْكِير النَّقْدِيّ وَالْعَقْل النَّقْدِيّ. هَذَا الْبَدِيل يُرَكِّزُ عَلَى تَطْوِير الْقُدْرَةِ عَلَى تَحْلِيلِ وَتَفْكِيك الِإفْتِرَاضَات وَ الْمُسْلِمَاتِ الَّتِي يَقُومُ عَلَيْهَا الْعَقْلُ التِّقَنِيّ. بَدَلًا مِنْ الِإنْخِرَاط فِي التَّفْكِيرِ الآلِي وَالتَّنَفُّيذي لِلتِّقْنِيَّةِ، يُرَكِّز الْعَقْل النَّقْدِيّ عَلَى إسْتِكْشَافِ الْأثَار الِإجْتِمَاعِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ وَالْأَخْلَاقِيَّة لِلتَّكْنُولُوجْيَا. كَمَا هُنَاكَ إتِّجَاه مُتَزَايِد نَحْوَ تَطْوِيرِ أشْكَال أَخْلَاقِيَّة لِلْعَقْل كَبَدَيل لِلْعَقْلِ التِّقَنِيّ. هَذَا يَتَطَلَّب إعَادَةِ النَّظَرِ فِي الْقِيَمِ وَالْأهْدَاف الَّتِي يَخْدُمُهَا الْعَقْل التِّقَنِيّ وَتَحْدِيدُ قَيِّم بَدِيلَة تُرَكِّزْ عَلَى الْإِنْسَانِ وَالْمُجْتَمَعِ بَدَلًا مِنْ الْمَنْطِقِ التِّقَنِيّ الْبَحْتُ. عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، قَدْ يُرَكِّز الْعَقْل الْأَخْلَاقِيِّ عَلَى الْقَيِّمِ مِثْل الْعَدَالَةِ وَالْمُسَاوَاةِ وَالِإسْتِدَامَة بَدَلًا مِنْ الرِّبْحِيَّة وَ الْكَفَاءَة. هُنَاكَ أَيْضًا مُحَاوَلَات لِتَطْوِير أشْكَال أَبَدًاعِيَّة لِلْعَقْلِ كَبَدَيل لِلْعَقْلِ التِّقَنِيّ. هَذَا يَتَطَلَّب تَعْزِيز القُدُرَات الْإِبْدَاعِيَّة وَالِإبْتِكَارُيَة بَدَلًا مِنْ الِإعْتِمَادِ الْحَصْرِيّ عَلَى الْمِنْطَقِ وَ الْحِسَابَات. وَيَشْمَلُ ذَلِكَ تَشْجِيع التَّفْكِير الْمَفْتُوح وَالتَّخَيُّلِي وَ الْقُدْرَةُ عَلَى رُؤْيَةِ الْبَدَائِل وَالْحُلُول غَيْر التَّقْلِيدِيَّة. فِي النِّهَايَةِ، هُنَاكَ مُنَادَاة مُتَزَايِدَة بِتَطْوير عَقْلُ أَكْثَر إِنْسَانِيَّة كَبَدَيل لِلْعَقْلِ التِّقَنِيّ. هَذَا يَعْنِي إعَادَة تَرْكِيز الْعَقْلِ عَلَى الإِحْتِيَاجَات وَ التَّجَارِب الْإِنْسَانِيَّة بَدَلًا مِنْ الْمَنْطِقِ الآلِي. وَيَشْمَلُ ذَلِكَ تَعْزِيز القُدُرَات مِثْل التَّعَاطُف وَالْحِكْمَة وَالذَّكَاء الِإجْتِمَاعِيّ وَ الرُّوحَانِيَّة. فِي الْخِتَامِ، تَوَاجِهُ الْمُجْتَمَعَات الْحَدِيثَة تَحَدِّيَات كَبِيرَةً فِي مُوَاجَهَةِ هَيْمَنَة الْعَقْل التِّقَنِيّ. وَلَكِنْ هُنَاكَ جُهُودٌ مُتَزَايِدَة لِتَطْوِير بِدَائِل أَكْثَرُ نَقْدِيَّة وَأَخْلَاقِيَّة وَإِبْدَاعِيَة وَ إِنْسَانِيَّةِ لِلتَّصْدِي لِهَذِهِ التَّحَدِّيَات. وَهَذِه الْجُهُود تُشِيرُ إلَى إِمْكَانِيَّة إحْدَاث تَحَوَّل جَوْهَرِيّ فِي طَبِيعَةِ الْعَقْلِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الْحَدِيثَة.
_ مَاهِيّ الْقَيِّمُ الْإِنْسَانِيَّةِ الَّتِي قَدْ تَتَأَثَّر بِشَكْلٍ أكْبَرَ بِالْعَقْل التِّقَنِيّ
الْقَيِّمُ الْإِنْسَانِيَّةِ الَّتِي قَدْ تَتَأَثَّر بِشَكْلٍ أكْبَرَ بِالْعَقْل التِّقَنِيّ تَشْمَل الْعَدِيدِ مِنَ الْجَوَانِبِ الْمُهِمَّة
. التَّوَاصُلِ وَالعَلَاقَاتِ الِإجْتِمَاعِيَّةِ: التَّطَوُّرَات التِّكْنُولُوجِيَّة وَ الِإنْتِشَار الْوَاسِع لِتَقْنِّيَّات الِإتِّصَالُ الرَّقْمِيَّة قَدْ تُؤَثِّرُ عَلَى طَبِيعَةِ التَّوَاصُلُ بَيْنَ الْأَفْرَادِ وَتَشْكِيل عَلَاقَاتِهِمْ الِإجْتِمَاعِيَّة. فَالِإعْتِمَاد الْمُتَزَايِدِ عَلَى التَّفَاعُلِ عَبْرَ الْإِنْتَرْنِتِ وَالْأَجْهِزَة الرَّقْمِيَّة قَدْ يُؤَدِّي إلَى تَرَاجُعِ التَّوَاصُل وَالتَّفَاعُل الشَّخْصِيّ الْمُبَاشِر، مِمَّا قَدْ يُؤَثِّرُ عَلَى قَيِّمِ مِثْل الْوُدّ وَالتَّعَاطُف وَ الْمُشَارَكَة الْعَاطِفِيَّة. . الْخُصُوصِيَّة وَالْحُرِّيَّة الشَّخْصِيَّة: تَطَوُّر أَدَوَات الْمُرَاقَبَة الرَّقْمِيَّة وَالتَّحَكُّمُ فِي الْمَعْلُومَاتِ الشَّخْصِيَّةِ قَدْ يُسَاهِمُ فِي تَقْوِيض قَيِّم الْخُصُوصِيَّة وَالْحُرِّيَّة الْفَرْدِيَّة لِلْأَفْرَاد، حَيْث تَوَاجَه هَذِهِ الْقِيَمَ تَحَدِّيَات جَدِيدَةً فِي ظِلِّ الْبِيئَة الرَّقْمِيَّة. . الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّة: إسَاءَة إسْتِخْدَام التِّقْنِيَّة أَوْ غِيَابِ التَّنْظِيم الْأَخْلَاقِيّ لَهَا قَدْ يَنْعَكِسُ سَلْبًا عَلَى الْقَيِّمِ الْأَخْلَاقِيَّة وَالْمَعْنَوِيَّة لِلْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ، مِثْل الْعَدَالَة وَالْمُسَاوَاة وَالْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ. فَظُهُور مَفَاهِيم جَدِيدَة كَالذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ وَحَوّْسَبَّة الْقَرَارَات الْأَخْلَاقِيَّة قَدْ تُؤَثِّرُ عَلَى هَذِهِ الْقَيِّم. . الْهُوِيَّة وَالشَّخْصُيَّة الْفَرْدِيَّةُ: التَّطَوُّرَات التِّكْنُولُوجِيَّة كَالْوَاقِع الِإفْتِرَاضِي وَالْهُوِّيَاتِ الرَّقْمِيَّةِ قَدْ تُؤَدِّي إلَى تَغْيِيرِ مَفْهُوم الْهُوِيَّة وَالشَّخْصُيَّة الْفَرْدِيَّةُ، وَقَدْ يَنْشَأُ نَوْعٌ مِنْ "الِإضْطِرَابِ الْهُوِّيَاتِي" نَتِيجَةُ لِذَلِكَ. كَمَا أَنَّ الِإنْخِرَاط الْمُفَرِّطُ فِي الْعَوَالِم الِإفْتِرَاضَيَة قَدْ يُؤَثِّرُ عَلَى الْقَيِّمِ الْإِنْسَانِيَّة الْأَسَاسِيَّة كَالِإسْتِقْلَالِيَّة وَالذَّاتِيَّةُ. . الْقَيِّم الِإجْتِمَاعِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ: التَّنْمِيَط الثَّقَافِيّ وَالْقِيَمِيّ النَّاتِجَ عَنِ الْعَوْلَمَة وَالثَّقَافَة الرَّقْمِيَّة قَدْ يُؤَدِّي إلَى تَرَاجُعِ التَّنَوُّعِ الثَّقَافِيِّ وَالْقَيِّم الْمُجْتَمَعِيَّة التَّقْلِيدِيَّة، مِمَّا قَدْ يُؤَثِّرُ عَلَى التَّمَاسُكِ الِإجْتِمَاعِيّ وَالْهُوِيَّة الثَّقَافِيَّة. كَذَلِكَ قَدْ تَظْهَرُ قَيِّم إسْتِهْلَاكيَّةِ جَدِيدَةٍ تَنَافَس الْقِيَمِ الْإِنْسَانِيَّةِ الْأَصِيلَة. . الْخُصُوصِيَّة وَالْأَمَان: مَعَ انْتِشَارٍ جَمْع الْبَيَانَات وَالتَّحْلِيلًات الْمُتَطَوِّرَة، قَدْ تُصْبِحُ الْخُصُوصِيَّة أَكْثَر تَعْقِيدًا وَصُعُوبَة الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا. كَمَا يُمْكِنُ أَنْ تُؤَثِّرَ التِّقْنِيَّات الْمُرَاقَبَةِ عَلَى شُعُورٍ الْأَفْرَاد بِالْأَمَان. . الْعَدَالَة وَالشَّفَّافِيَّة: قَدْ تَتَسَبَّب أَنْظِمَة الذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ الْمُتَحَيِّزة فِي حُدُوثِ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ وَإنْتِهَاكات لِلْعَدَالَةِ. كَمَا يُمْكِنُ أَنْ يُؤَدِّيَ نَقَص الشَّفَّافِيَّة فِي هَذِهِ الأَنْظِمَة إلَى صُعُوبَةٍ الْمُسَاءَلَة. . الْمُسَاوَاة: مَعَ زِيَادَةٍ الِإعْتِمَادُ عَلَى التِّقْنِيَّات الَّتِي قَدْ تَكُونُ أَكْثَرَ تَفْضِيلًا لِبَعْض الْفِئَات أَوْ الْمَنَاطِق عَنْ غَيْرِهَا، قَدْ تَزْدَادُ فَجْوَة الْفُرَصِ بَيْنَ مُخْتَلِفِ الْمَجْمُوعَات. لِذَلِكَ، مِنْ الضَّرُورِيِّ أَنْ تَكُونَ هُنَاكَ ضَوَابِط وَتَنْظِيمَات قَوِيَّة لِلْحِفَاظِ عَلَى الْقَيِّمِ الْإِنْسَانِيَّةِ فِي وَجْهِ التَّطَوُّر التِّقَنِيّ. بِشَكْلٍ عَامٍّ، يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ التَّطَوُّرَات التِّقْنِيَّة تَفْرِضُ تَحَدِّيَات جَدِيدَة أمَام الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْقَيِّمِ الْإِنْسَانِيَّة الشُّمُولِيَّة كَالْعَدْل وَالْحُرِّيَّةَ وَالْكَرَامَةَ وَالْمُسَاوَاة. لِذَا يَجِبُ عَلَى الْمُؤَسَّسَات وَ المُجْتَمَعَات أَنْ تُرَكِّزَ عَلَى تَطْوِير أشْكَال تِقْنِيَّة تَعَزُّز هَذِهِ الْقِيَمِ وَتَضْمَن التَّوَازُنِ بَيْنَ التِّكْنُولُوجْيَا وَالْإِنْسَانِيَّة.
#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوَعِي الإِيْكُولُوجِيّ: -الْجُزْءُ الثَّانِي-
-
اللاَّوَعِي الإِيْكُولُوجِيّ: -الْجُزْءُ الْأَوَّلُ-
-
عِلْمُ النَّفْسِ الإِيْكُولُوجِيّ
-
الْبَيُولُوجْيَا الِإصْطِنَاعِيَّة
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق: الْأَمْن الْبَيُولُوجِيّ
-
أَخْلَاقِيَّات التِّكْنُولُوجْيَا
-
فَلْسَفَة التِّكْنُولُوجْيَا: -الْجُزْءِ الثَّانِي-
-
فَلْسَفَةُ التِّكْنُولُوجْيَا : -الْجُزْءُ الْأَوَّلُ-
-
التِّكْنُولُوجْيَا
-
أَخْلَاقِيَّات الْبَحْثُ الْعِلْمِيّ
-
أَخْلَاقِيَّات الْإِعْلَام
-
الْأَخْلَاقِ البِيئِيَّة: -الْجُزْءِ الثَّانِي-
-
الْأَخْلَاقِ البِيئِيَّة :-الْجُزْءِ الْأَوَّلِ-
-
الْأَخْلَاقِ الطِّبِّيَّة
-
الْأَخْلَاقِ التَّطْبِيقِيَّة
-
البْيُّوإِثِيقَا : -الْجُزْءُ الثَّالِثُ-
-
البْيُّوإِثِيقَا : -الْجُزْءِ الثَّانِي-
-
البْيُّوإِثِيقَا : -الْجُزْءِ الْأَوَّلِ-
-
الْعِلْم وَالْأَخْلَاق فِي فَلْسَفَةِ الِإخْتِلَاف
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق : رِهَان الدِّرَاسَات المُسْتَقْبَلِ
...
المزيد.....
-
هل ستكون السعودية والإمارات وقطر جزءا من حل أزمة غزة؟.. ترام
...
-
أوروبا تعد عقوبات جديدة للضغط على روسيا في محادثات أوكرانيا
...
-
فرنسا تتصدر قائمة المشترين الأوروبيين للغاز الروسي في مارس ا
...
-
مفاوضات موسكو وكييف.. خطوات نحو الحل
-
رئيس وزراء هنغاريا يحث الاتحاد الأوروبي على اتباع نهج الولاي
...
-
موريتانيا.. مقتل منقبين اثنين بقصف طائرة مسيرة في -كارزرز-
-
محللون غربيون: المحادثات الروسية الأوكرانية في إسطنبول سارت
...
-
-نيويورك تايمز-: الديمقراطيون يعرقلون صفقة أسلحة بقيمة 3 ملي
...
-
ترامب راهن على القادة الأصغر سنا في الشرق الأوسط ونجح
-
هل صفع ترامب نتنياهو أم زوبعة مصالح؟
المزيد.....
-
الآثار العامة للبطالة
/ حيدر جواد السهلاني
-
سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي
/ محمود محمد رياض عبدالعال
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|