|
البْيُّوإِثِيقَا : -الْجُزْءِ الْأَوَّلِ-
حمودة المعناوي
الحوار المتمدن-العدد: 8298 - 2025 / 3 / 31 - 21:29
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
_ مَاهِيّ البْيُّوإِثِيقَا
البْيُّوإِثِيقَا (bioethics) هِيَ مَجَالُ دَرَاسي جَامِعُ يَتَنَاوَلُ الْقَضَايَا وَالْأَخْلَاقِيَّات الْمُتَعَلِّقَة بِالْحَيَاة وَ الْمَمَارَسَات الْحَيَوِيَّة. وَ تُعْرَف البْيُّوإِثِيقَا بِأَنَّهَا "الْعِلْم الْمِعْيَاري الَّذِي يَهْتَمُّ بِالسُّلُوكِ الْإِنْسَانِيِّ الَّذِي يُمْكِنُ قَبُولُهُ فِي إِطَارِ الْقَضَايَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْحَيَاة وَالْمَوْت". البْيُّوإِثِيقَا تَتَصَدَى لِلْقَضَايَا الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي تَنْشَأُ نَتِيجَة التَّطَوُّرَات فِي مَجَالَاتِ الْبَيُولُوجْيَا وَالطِّبِّ وَ التِّكْنُولُوجْيَا الْحَيَوِيَّة. هَذِهِ الْقَضَايَا تَشْمَل مَوْضُوعَات مِثْلِ زَرْعِ الْأَعْضَاء، الْإِجْهَاض، التَّجَارِبُ عَلَى الْبَشَرِ، الِإسْتِنْساخ، هَنْدَسَة الْجِينَات، وَالْمَوْت الرَّحِيم. لَقَدْ ظَهَرْتُ البْيُّوإِثِيقَا كَحَقِّل مَعْرِفِيّ مُنْفَصِلٌ فِي أَوَاخِرِ السِّتِّينَيات مِنْ الْقَرْنِ الْمَاضِي، بَعْدَ التَّقَدُّمِ السَّرِيعُ فِي الْعُلُومِ الْحَيَاتِيَّة وَتَطْبِيقِاتِهَا الْعِلَاجِيَّة وَ التَّشّخِيصِيَّة. وَأَصْبَحَتْ البْيُّوإِثِيقَا هِيَ الْوِعَاءُ الَّذِي يَسْتَوْعِبُ الْقَضَايَا الْأَخْلَاقِيَّة الْمُسْتَجَدَّة فِي هَذِهِ الْمَجَالَات وَيُشِير مُصْطَلَح "البْيُّوإِثِيقَا" إلَى دَمْج مَجَالين رَئِيَسِيِّين هُمَا الْبْيُّوإِثِيقَا (Bio) وَ الْأَخْلَاقِ (Ethics). وَ تَهْدِف بْيُّوإِثِيقَا إلَى تَطْوِيرٍ الأَطْر الْمَفَاهِيمِيَّة وَالْأَخْلَاقِيَّة اللَّازِمَة لِمُعَالَجَة التَّحَدِّيَات الْأَخْلَاقِيَّة النَّاشِئَةِ عَنْ التَّقَدُّمِ الْعِلْمِيِّ فِي الْمَجَالَاتِ الْحَيَاتِيَّة. مِنْ أَهَمِّ الْمَفَاهِيم الْأَسَاسِيَّة لِلْبْيُّوإِثِيقَا مَفْهُومُ الْمَسْؤُولِيَّةَ، حَيْثُ تَحُثُّ الْبْيُّوإِثِيقَا عَلَى ضَرُورَةِ تَحَمُّلِ الْمَسْؤُولِيَّةِ الْأَخْلَاقِيَّةُ وَ الِإجْتِمَاعِيَّةُ تُجَاه الْقَضَايَا الْحَيَاتِيَّة وَ الطِّبِّيَّة الْمُسْتَجَدَّة. كَمَا أَنَّ الْبْيُّوإِثِيقَا تَسْعَى إِلَى تَرْسِيخ قَيِّم الدِّيمُقْرَاطِيَّة و الْحِوَار وَالتَّسَامُح وَ التَّضَامُن وَ حُقُوقُ الْإِنْسَان.وَ يُوجَد تَبَايُنٌ فِي تَعْرِيفِ الْبْيُّوإِثِيقَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَ الْفَلَاسِفَة. فَقَدْ عَرَّفَهَا "فَانْ بوتْر" Van Potter, عَلَى أَنَّهَا "عِلْمُ الْبَقَاء"، بَيْنَمَا عَرَّفْتُهَا "جَاكَلين رُوس" Jacqueline Rose, عَلَى أَنَّهَا الْعِلْم الْمِعْيَاري الَّذِي يَهْتَمُّ بِالسُّلُوكِ الْإِنْسَانِيِّ الَّذِي يُمْكِنُ قَبُولُهُ فِي إِطَارِ الْقَضَايَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ". وَهُنَاك تَعْرِيفَات أُخْرَى تَرْبَط الْبْيُّوإِثِيقَا بِالْأَخْلَاق الْبَيُولُوجِيَّة وَالْأَخْلَاق الطِّبِّيَّة وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ الْبْيُّوإِثِيقَا تَسْتَمَدّ جُذُورُهَا مِنْ الْأَخْلَاقِ الطِّبِّيَّة التَّقْلِيدِيَّة، إلَّا أَنَّهَا تَتَجَاوَزُ هَذَا الْمَجَالِ لِتَشْمَل قَضَايَا أَوْسَع تَتَعَلَّق بِالْحَيَاةِ وَ الْمَوْتِ وَ التَّنَوُّع الْبَيُولُوجِيّ وَالْمَمَارَسَات الْحَيَوِيَّة. وَتَتَدَاخَل الْبْيُّوإِثِيقَا مَعَ الْعَدِيدِ مِنَ التَّخَصُّصَات الْأُخْرَى كَالْفَلْسَفَة وَ الْقَانُون وَ الِإجْتِمَاع وَالسِّيَاسَة بِشَكْلٍ عَامٍّ، فَإِنَّ الْبْيُّوإِثِيقَا تُمَثِّلُ حَقْلًا مَعْرِفِيًّا مُتَطَوِّر يَسْعَى إلَى تَطْوِيرٍ الأَطْر الْمَفَاهِيمِيَّة وَالْأَخْلَاقِيَّة اللَّازِمَة لِمُعَالَجَة الْقَضَايَا الْأَخْلَاقِيَّة النَّاشِئَةِ عَنْ التَّقَدُّمِ الْعِلْمِيِّ فِي الْعُلُومِ الْحَيَاتِيَّة وَ الطِّبِّيَّة. كَمَا تُعْتَبَرُ البْيُّوإِثِيقَا مَجَالُ دِرَاسِي فَلْسَفِيّ يَهْدِفُ إِلَى دِرَاسَةِ الْمَشَاكِل الْأَخْلَاقِيَّة وَ الْقَانُونِيَّة وَالِإجْتِمَاعِيَّة النَّاتِجَةِ عَنِ التَّطَوُّرِ الْعِلْمِيِّ وَ التِّكْنُولُوجِيّ فِي مَجَالَاتِ الطِّبِّ وَالْعُلُومِ الْحَيَاتِيَّة. البْيُّوإِثِيقَا نْشَأت كَمَجْال مُتَعَدِّدٌ التَّخَصُّصَات يَشْمَل الْفَلْسَفَة وَالْأَخْلَاق وَ الْقَانُون وَالطِّبّ وَالْبُيُولُوجِيَا وَالتِّكْنُولُوجْيَا الْحَيَوِيَّة وَعُلُوم الْبِيئَة، بِهَدَف مُعَالَجَة الْقَضَايَا الْأَخْلَاقِيَّة الْمُعَقَّدَةِ الَّتِي نَشَأَتْ مَعَ التَّقَدُّمِ الْعِلْمِيِّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ فِي هَذِهِ الْمَجَالَات. تَارِيخِيًّا، بَدَأ اسْتِخْدَامَ مُصْطَلَحِ البْيُّوإِثِيقَا فِي عَامٍ 1927 مِنْ قِبَلِ الْعَالِم الْأَمْرِيكِيّ فَرِيتز هَابر Fritz Haber، عِنْدَمَا تَحَدِّثُ عَنْ "ضَرُورَةٍ أَخْلَاقِيَّات بَيُولُوجِيَّة" فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِإسْتِخْدَام الْحَيَوَانَاتِ فِي التَّجَارِبِ الْعِلْمِيَّة. ثُمَّ فِي عَامٍ 1970، إسْتَخْدَم عَالِم الْكِيمْيَاء الْحَيَوِيَّة الْأَمْرِيكِيّ ذَان رِيتَشَارِد بوتْرٍ Dan Richard Potter, مُصْطَلَح "البْيُّوإِثِيقَا" بِمَعْنَى أَوْسَع، لِيَشْمَل الْحَاجَةِ إلَى أَخْلَاقِ عَالَمِيَّة تَرْبِطُ بَيْنَ الْبَيُولُوجْيَا وَالْبِيئَة وَ الْقِيَمِ الْإِنْسَانِيَّةِ، مِنْ أَجْلِ ضَمَانِ بَقَاءِ الْإِنْسَانِ وَالْأَنْوَاع الْأُخْرَى. أَهَمُّ الْقَضَايَا الَّتِي تَتَنَاوَلُهَا البْيُّوإِثِيقَا تَشْمَلُ مَسَائِلَ الْإِجْهَاض وَالإِنْجَاب، بِمَا فِي ذَلِكَ التَّلْقِيح الِإصْطِنَاعِيّ وَ أَسَالِيب الْمُسَاعَدَة الطِّبِّيَّة عَلَى الْإنْجَاب. قَضَايَا نِهَايَةِ الْحَيَاةِ، مِثْلُ الْإِنْعَاش الطِّبِّيّ وَالْإِنْهَاء الرَّحِيم. إسْتِخْدَام التِّكْنُولُوجْيَا الْحَيَوِيَّة، كَالْهَنْدَسَة الْوِرَاثِيَّة وَزِرَاعَة الْأَعْضَاء. التَّجَارِبُ عَلَى الْبَشَرِ وَالْحَيَوَانَاتِ فِي الْأَبْحَاث الطِّبِّيَّة. قَضَايَا الْحِفَّاظُ عَلَى الْبِيئَةِ وَالتَّوَازُن الَّإيْكُولُوجِيّ. وَتُعْتَبَرُ البْيُّوإِثِيقَا مَجَالًا حَيَوِيًّا يَهْدِفُ إِلَى تَنْظِيمِ الْمُمَارَسَات الْعِلْمِيَّة لِضَمَان إحْتِرَامُ كَرَامَةُ الْإِنْسَانِ وَحُقُوق الْمُشَارِكِينَ فِي الْأَبْحَاث، بِالْإِضَافَةِ إلَى الْحفَّاظُ عَلَى التَّوَازُنِ البِيئِيِّ. وَتَقُومُ عَلَى مَبَادِئِ أَسَاسِيَّة مِثْل مَبْدَأ الِإسْتِقْلَالِيَّة (مُوَافَقَة الْأفْرَادِ عَنْ وَعْيٍ) وَمَبْدَأ الْإِحْسَان (تَقْدِيم الْمَنْفَعَة وَدَرْء الضَّرَر). بِشَكْلٍ عَامٍّ، تُعْتَبَر البْيُّوإِثِيقَا مَجَالًا حَيَوِيًّا وَ مُتَطَوْرًا بِإسْتِمْرَارِ، يَسْعَى إلَى إيجَادِ التَّوَازُن وَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ التَّقَدُّمِ الْعِلْمِيِّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ مِنْ نَاحِيَةِ، وَالْقَيِّم وَ الْمَبَادِئ الْأَخْلَاقِيَّة وَالْإِنْسَانِيَّة مِنْ نَاحِيَةِ أُخْرَى، بِمَا يَضْمَنُ إحْتِرَامَ كَرَامَةِ الإِنْسَانِ وَالْحِفَاظِ عَلَى الْبِيئَةِ وَالتَّوَازُن الَّإيْكُولُوجِيّ.
_ الْفَلْسَفَة و البْيُّوإِثِيقَا
البْيُّوإِثِيقَا هِي حَقْل فَلْسَفِيّ جَدِيد ظَهَرَ فِي أَوَاخِرِ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ، وَاَلَّذِي يُرَكِّزُ عَلَى دِرَاسَة الْأبْعَاد الْأَخْلَاقِيَّة وَالْقِيمَيَّة لِلتِّطَوُّرَات الْعِلْمِيَّةِ وَالتِّكْنُولُوجِيَّة فِي مَجَالِ الْعُلُوم الْحَيَاتِيَّة وَ الطِّبِّيَّة. وَتَحْتَلّ البْيُّوإِثِيقَا مَوْقِعًا مُرَكَّزيا فِي الْفَلْسَفَةِ الْمُعَاصِرَة حَيْث تُشْكِل حَقْلًا خِصْبًا لِتَحَدِّيَات جَدِيدَة تُوَاجِهُ الْخَطَّاب الْفَلْسَفِيّ وَتَسْتَدْعِي إعَادَةُ النَّظَرُ فِي مَفَاهِيمِ أَسَاسِيَّة مِثْلِ الْإِنْسَانُ وَالطَّبِيعَة وَالْأَخْلَاق. مِنْ وَجْهَة نَظَر الْفَلْسَفَة، تُعَدُّ البْيُّوإِثِيقَا فَرْعًا جَدِيدًا مِنْ فُرُوعِ الْفَلْسَفَة، يُعْنَى بِالْإِبْعَاد الْأَخْلَاقِيَّة لِلتِّطَوُّرَات الْعِلْمِيَّةِ وَالتِّكْنُولُوجِيَّة فِي مَجَالِ الْحَيَاةِ الْبَيُولُوجِيَّةُ وَالطِّبِّيَّة. فَالبْيُّوإِثِيقَا هِيَ فِي جَوْهَرِهَا فِكْر أَخْلَاقِيّ جَدِيد، يَسْعَى إلَى تَجْدِيدِ مَبْحَث الْأَخْلَاقِ أَوْ "الْأَكْسِيَولُوجْيَا" فِي الْفَلْسَفَةِ، مِنْ خِلَالِ مُعَالَجَةِ قَضَايَا نَاشِئَةً عَنْ الثَّوْرَة الْبَيُولُوجِيَّة وَالتِّكْنُولُوجِيَّة الْحَدِيثَة. وَتُشَكِّلُ البْيُّوإِثِيقَا تَحَدِيًّا لِلْفَلْسَفَةُ، لَيْسَ فَقَطْ مِنْ حَيْثُ طَرَحَ قَضَايَا جَدِيدَة، وَلَكِنْ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ إسْتِدْعَاء مُرَاجَعَة بَعْضِ الْمَفَاهِيمِ الْفَلْسَفِيَّة الْأَسَاسِيَّة. فَالثَّوْرَة الْبَيُولُوجِيَّةِ وَمَا نَتَجَ عَنْهَا مِنْ تِقْنِيَات جَدِيدَة مِثْلَ الْهَنْدَسَةِ الْوِرَاثِيَّة وَزِرَاعَة الْأَعْضَاء وَتَقَنِّيَّات التَّحَكُّمُ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ، أَثَارَتْ تَسَاؤُلَات فَلْسَفِيَّة جَوْهَرِيَّة حَوْل طَبِيعَةِ الْإِنْسَانِ وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ الطَّبِيعَةِ وَالتِّكْنُولُوجْيَا، وَحُدُود التَّدَخُّل الْبَشَرِي فِي الْحَيَاةِ. فِي هَذَا السِّيَاقِ، سَاهَمَت البْيُّوإِثِيقَا فِي إِثْرَاءِ الْخَطَّاب الْفَلْسَفِيّ الْمُعَاصِرِ مِنْ خِلَالِ طَرْحِ قَضَايَا جَدِيدَة، وَإِعَادَةِ النَّظَرِ فِي مَفَاهِيمِ أَسَاسِيَّة مِثْل الْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَالْحَقُّ فِي الْحَيَاةِ وَ الْمَوْتِ وَالْحُرِّيَّة وَالْمَسْؤُولِيَّة. كَمَا أَنَّهَا فَتَحَتْ بَاب الْحِوَار وَ التَّفَاعُل بَيْن الْفَلْسَفَة وَالْعُلُوم الطِّبِّيَّة وَالْبُيُولُوجِيَّة، مِمَّا أَثْرَّى كُلًّا الْمَجَالِين. بِالْإِضَافَةِ إلَى ذَلِكَ، سَاهَمَت البْيُّوإِثِيقَا فِي تَعْزِيزِ الطَّابَع التَّطْبِيقِيّ لِلْفَلْسَفَة، مِنْ خِلَالِ رَبَطَهَا بِالْقَضَايَا الْمَلْمُوسَة وَالْحَيَاتِيَّة لِلنَّاسِ. فَهِيَ لَا تَكْتَفِي بِالتَّأَمُّل النَّظَرِيّ، بَلْ تَسْعَى إِلَى تَقْدِيمِ إرْشَادَات وَ إِطَارًا أَخْلَاقِيًّا لِمُعَالَجَة الْمُشْكِلَات النَّاشِئَةِ فِي الْمَجَالِ الطِّبِّيّ وَالْبُيُولُوجِيّ. وَبِهَذَا، فَإِنَّ عَلَاقَةَ البْيُّوإِثِيقَا بِالْفَلْسَفَة هِيَ عَلَاقَةٌ تَكَامُلِيٍّة وَتَفَاعُلِيَّة، حَيْث تَثْرِي البْيُّوإِثِيقَا الْفَلْسَفَةِ بِقَضَايَا جَدِيدَة وَتَسْتَدْعِي مُرَاجَعَةِ مَفَاهِيمِهَا الْأَسَاسِيَّة، بَيْنَمَا تَسْتَمِدّ الْفَلْسَفَة مِنْ البْيُّوإِثِيقَا مِنْهُجِيَّات وَأَدَوَاتُ تُسَاعِدُهَا عَلَى التَّعَامُلِ مَعَ هَذِهِ الْقَضَايَا بِشَكْلٍ أَكْثَرَ فَاعِلِيَّة. البْيُّوإِثِيقَا هِيَ حَقْل فَرْعَيْ مِنْ الْفَلْسَفَةِ يَهْتَمّ بِالْقَضَايَا الْأَخْلَاقِيَّة النَّاشِئَةِ عَنْ التَّقَدُّمِ فِي الْعُلُومِ الْحَيَاتِيَّة وَالطِّبِّيَّة. الْعَلَاقَةِ بَيْنَ البْيُّوإِثِيقَا وَالْفَلْسَفَةُ هِيَ عَلَاقَةٌ وَطِيدَة وَتَبَادُلِيَّة، حَيْثُ يُعَدُّ الْفَلَاسِفَة هُمْ الرَّوَّاد الْأَسَاسِيون فِي تَأْسِيسِ وَ تَطْوِير هَذَا الْحَقْلِ الْفَرْعِيّ. تَتَجَلَّى هَذِهِ الْعَلَاقَةِ بِشَكْل وَاضِحٌ مِنْ خِلَالِ دُور الْفَلَاسِفَةِ فِي نَشْأَةٍ البْيُّوإِثِيقَا وَ تَطَوُّرِهَا. كَان لِلْفَلَاسِفَة دُور مِحْوَرَي فِي نَشْأَةٍ البْيُّوإِثِيقَا وَ تَطَوُّرِهَا كَمَجْال مُتَمَيِّزٌ ضَمِن الْحَقْل الْفَلْسَفِيّ. فَقَدْ سَاهِم الْعَدِيدِ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ الْبَارِزَيْن فِي تَأْسِيسِ البْيُّوإِثِيقَا كَمَشْرُوعِ فِكْرِي مُسْتَقِلّ، مِثْل دَانْيَال كَالْاهَان Daniel Callahan. وَ هَانز يُونُاس Hans Jonas. وَ غَيْرِهِمْ. فَالْفَلَاسِفَة كَانُوا أَوَّلَ مَنْ تَصَدَّى لِلتَّحْدِيات الْأَخْلَاقِيَّة النَّاشِئَةِ عَنْ التَّطَوُّرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَالتِّقْنِيَة فِي الْمَجَالِ الطِّبِّيّ وَالْحَيَوَيّ، وَأَسْهَمُوا فِي إِرْسَاءِ أَسَّسَهَا النَّظَرِيَّة وَ الْمِنْهَجِيَّة. كَمَا تَتَجَلَّى الْعَلَاقَةِ بَيْنَ البْيُّوإِثِيقَا وَ الْفَلْسَفَةُ فِي كَوْنِ البْيُّوإِثِيقَا نَفْسَهَا "فَلْسَفَة ثَالِثَةٌ" إلَى جَانِبِ الْفَلْسَفَة التَّقْلِيدِيَّة وَالْأَخْلَاق الطِّبِّيَّة، بِإعْتِبَارِهَا تَتَنَاوَل قَضَايَا فَلْسَفِيَّة أَصِيلَة مِثْلِ الذَّاتِ، وَالشَّخْصِ، وَالْحَيَاةُ وَالْمَوْتُ، وَ الْوُجُود وَ الْمَصِير، وَالْعَلَاقَة بِالْآخَر. فَالبْيُّوإِثِيقَا تُعْنَى بِالتَّأَمُّل الْفَلْسَفِيّ الْعَمِيقِ فِي الْمَسَائِلِ الْأَخْلَاقِيَّة الْمُرْتَبِطَة بِالتَّطَوُّرَات فِي الْعُلُومِ الْحَيَاتِيَّة وَالطِّبِّيَّة، وَتَنْخرط فِي مُنَاقَشَةِ الأَطْر الْمَعْرِفِيَّة وَ الْمَنْطِقِيَّة وَ الْقِيمَيَّة الَّتِي تَحْكُمُ هَذِه الْمَجَالَات. مِنْ جَانِبِ آخَرَ، كَانَ لِلْبْيُّوإِثِيقَا دُورٌ مُهِمٌّ فِي إخْرَاجِ الْفَلْسَفَة مِنْ حَالَة الْعُقْم وَ الِإجْتِرَار الَّتِي أَصَابَتْهَا فِي الْعُقُودِ الْأَخِيرَةِ، وَ ذَلِكَ مِنْ خِلَالِ إتَاحَتَهَا مُنَاقَشَات عَمِيقَة لِقَضَايَا فَلْسَفِيَّة أَصِيلَة لَمْ تَكُنْ قَدْ طُرِحَتْ بِالشَّكْل الْمُنَاسِبُ مِنْ قَبْل. فَالثَّوْرَة الْبَيُولُوجِيَّةِ وَمَا نَتَجَ عَنْهَا مِنْ مَشَاكِلَ أَخْلَاقِيَّةٍ جَدِيدَة قَدْ أَحْدَثْتَ نُكُوصاً فِي التَّفْكِيرِ الْفَلْسَفِيّ، وَلَكِنْ البْيُّوإِثِيقَا سَاهَمَت فِي إِنْعَاشٍ هَذَا التَّفْكِيرِ وَأَعَادَة إحْيَائِهِ مِنْ خِلَالِ الْمُنَاقَشَات الْعَمِيقَة لِلْقَضَايَا الْفَلْسَفِيَّة الْمُسْتَجَدَّة. وَعَلَيْهِ، فَإِنْ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ البْيُّوإِثِيقَا وَ الْفَلْسَفَةُ هِيَ عَلَاقَةٌ تَفَاعُلِيَّة وَ تَكَامُلِيَّة، حَيْثُ يُسْهَم كُلٍّ مِنْهُمَا فِي إِثْرَاءِ الْآخَر. فَالْفَلَاسِفَةُ هُمُ مَنْ أَرْسَى أُسِّس البْيُّوإِثِيقَا وَ طْوَرُوهَا، بَيْنَمَا سَاهَمَت البْيُّوإِثِيقَا فِي تَجْدِيدِ الْفِكْرُ الْفَلْسَفِيُّ وَ تَوْسِيع نِطَاق الْمُنَاقَشَات الْفَلْسَفِيَّة الْأَصِيلَة. وَبِذَلِكَ، يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ البْيُّوإِثِيقَا هِيَ إمْتِدَادٍ طَبِيعِيٍّ لِلْفَلْسَفَةُ وَأحَد فُرُوعِهَا الرَّئِيسِيَّة، وَاَلَّتِي تُوَاصِل تَطْوِير وَ تَجْدِيد الْحَقْل الْفَلْسَفِيّ بِشَكْلٍ عَامٍّ.
_ الْمُبَادَيء الثَّلَاثَةِ الْأَسَاسِيَّة لِلْبْيُّوإِثِيقَا
هُنَاكَ ثَلَاثَةٌ مَبَادِئ أَسَاسِيَّة لِلْبْيُّوإِثِيقَا وَ هِيَ كَالْاتِي : . إحْتِرَام الشَّخْصُ (Respect for Persons) هَذَا الْمَبْدَأِ يُؤَكِّدُ عَلَى ضَرُورَةِ إحْتِرَامَ كَرَامَةِ الإِنْسَانِ وَحُرِّيَّة إخْتِيَارِه. وَ يَتَطَلَّب هَذَا الْمَبْدَأ الْحُصُولِ عَلَى الْمُوَافَقَةِ الْمُسْتَنِيرَة مِنْ الْمُشَارِكِينَ فِي الْأَبْحَاث الطِّبِّيَّة، وَإحْتِرَام حَقِّ الْأَفْرَادِ فِي رَفْضِ الْمُشَارَكَةُ. كَمَا يَلْزَمُ عَدَمُ إسْتِغْلَال الْأَشْخَاص الضُّعَفَاءِ أَوْ الْمُسْتَضْعَفِين . مَبْدَأُ الْإِحْسَان (Beneficence) هَذَا الْمَبْدَأ يَفْرِضُ عَلَى الْبَاحِثِين وَالْأَطِبَّاء وَاجِب تَعْزِيز الرَّفَاه وَالْخَيْرُ لِلْمَرْضَى وَ الْمُشَارِكِين فِي الْأَبْحَاث. وَ يَتَطَلَّب هَذَا الْمَبْدَأِ مِنْ الْأَطِبَّاءِ وَ الْبَاحِثِين الْبَحْثِ عَنْ طُرُقِ لِتَقْلِيل الْمَخَاطِر وَالْالَام قَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَالسَّعْي لِتَحْقِيق أَكْبَرَ قَدِّرَ مِنْ الْفَوَائِدِ لِلْمَرْضَى وَ الْمُجْتَمَع كَكُلّ. . مَبْدَأُ الْعَدَالَةُ (Justice) هَذَا الْمَبْدَأِ يَتَطَلَّب تَوْزِيع الْمَنَافِع وَ الأَعْبَاء الْمُرْتَبِطَة بِالْبَحْث وَالْمَمَارَسَات الطِّبِّيَّةُ بِطَرِيقَة عَادِلَة. وَ يَشْمَلُ ذَلِكَ ضَمَانٌ وُصُولِ جَمِيعِ الْأَفْرَادِ بِشَكْل مُتَسَاو إلَى الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ وَالْبُحُوث الطِّبِّيَّة، دُونَ تَمْيِيزٍ أَوْ تَفْضِيلٍ لِفِئة مُعَيَّنَةٍ. كَمَا يَتَطَلَّبُ هَذَا الْمَبْدَأِ مُعَامَلَة الْمُشَارِكِينَ فِي الْأَبْحَاث بِإِنْصَاف وَعَدَم إسْتِغْلَالَهُمْ. هَذِهِ الْمَبَادِئِ الثَّلَاثَة - إحْتِرَام الشَّخْص وَالْإِحْسَان وَالْعَدَالَة - تُشْكِل الْأَسَاس الْأَخْلَاقِيّ لِلْبْيُّوإِثِيقَا. وَتَوَجَّهَ الْمُمَارَسَات الطِّبِّيَّة وَالْبَحْثيَّة فِي مُخْتَلَفٍ الْمَجَالَات الْحَيَوِيَّة. وَتُعْتَبَرُ هَذِهِ الْمَبَادِئِ بِمَثَابَة الْمَرْجِعِيَّة الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ تَحْكُمَ قَرَارَات الْأَطِبَّاءُ وَالْبَاحِثِين فِي الْمَوَاقِفِ الْحَرَجَة الَّتِي تَتَطَلَّبُ تَوَازَنَا بَيْن مَصَالِحَ الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ. وَ بِالرَّغْمِ مِنْ أَهَمِّيَّةِ هَذِهِ الْمَبَادِئِ الْأَخْلَاقِيَّةِ، إلَّا أَنَّهَا قَدْ تَوَاجَه تَحَدِّيَات فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ الْخَاصَّةِ، مِمَّا يَسْتَدْعِي الْمَزِيدَ مِنْ النَّقَّاش وَالتَّأَمُّل الْفَلْسَفِيّ لِإِيجَاد الْحُلُول الْمُنَاسَبَة. وَلِذَلِكَ فَإِنَّ البْيُّوإِثِيقَا تَظَلُّ مَجَالًا حَيَوِيًّا وَمَتَطَوْرًا بِإسْتِمْرَارِ لِمُوَاكَبَة التَّطَوُّرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَالتِّقْنِيَة فِي مَجَالِ الطِّبِّ وَالْإِحْيَاء.
_ كَيْفَ تَرَى البْيُّوإِثِيقَا طَبِيعَةٍ الْإِنْسَان وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ الطَّبِيعَةِ وَ التِّكْنُولُوجْيَا
البْيُّوإِثِيقَا تَنْظُرُ إلَى طَبِيعَةِ الْإِنْسَانِ مِنْ مَنْظُورٍ مَعْقِد وَمُتَشَابِك حَيْثُ إنَّهَا تَرَى أَنْ التَّطَوُّرُ الْعِلْمِيُّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ قَدْ أَحْدَثَ تَغْيِيرَات جِذْرِيَّة فِي الْحَيَاةِ وَالطَّبِيعَة الْبَشَرِيَّة. فَالبْيُّوإِثِيقَا تَرَى أَنَّ الْإِنْسَانَ أَصْبَحَ فَاقِدًا لِجَوَانِب أَسَاسِيَّة مِنْ طَبِيعَتِهِ، بِسَبَب هَيْمَنَة التِّقْنِيَّة وَ التِّكْنُولُوجْيَا عَلَى جَوَانِبِ كَثِيرَةٍ مِنْ حَيَاتِهِ. فَمَع تَزَايَد قُدْرَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى التَّحَكُّمِ التِّقَنِيِّ فِي أَجْزَاءِ الطَّبِيعَة، ظَهَرَتْ مَخَاوِفَ مِنْ أَنَّ هَذَا التَّحَكُّمُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى تَغْيِيرَات غَيْر مُتَوَقَّعَةٌ فِي الطَّبِيعَةِ الْبَشَرِيَّةِ، كَإسْتِخْدَام الْعَقَاقِيرِ وَالْأَدْوِيَةِ الْعَصَبِيَّة بِشَكْلٍ غَيْرِ مُنْتَظِم. كَمَا تَرَى البْيُّوإِثِيقَا إنْ التِّكْنُولُوجْيَا وَالْإِنْتَاج هُمَا الْمُحَدَّدِان الرَّئِيسِيان لِلْعَلَاقَات بَيْنَ الْبَشَرِ، وَإِنْ أَيْ تَغْيِيرُ فِي الطَّبِيعَةِ سَيُؤَدِّي بِالضَّرُورَةِ إِلَى تَغْيِيرِ فِي هَذِهِ الْعَلَاقَاتِ. وَهُنَاك مَخَاوِفَ مِنْ أَنَّ هَذَا التَّغْيِيرِ قَدْ يُؤَدِّي إلَى فقْدَان الْإِنْسَان لِهُوِيَّتِه وَكَرَامَتِه، مِمَّا يَتَطَلَّب ظُهُور مَبْحَث فَلْسَفِيّ جَدِيد يُحَاوِل التَّوْفِيقُ بَيْنَ التَّقَدُّمِ التِّكْنُولُوجْيّ وَالْأَخْلَاقِيَّات. فِي الْمُقَابِلِ، تَرَى البْيُّوإِثِيقَا إنْ لِلْإِنْسَان دُورًا فِي تَحْسِينُ بَعْضِ جَوَانِبِ الطَّبِيعَة، كَتَحْسِين الْأَرَاضِي الْعَقِيمَة لِلزِّرَاعَة وَتَطْوِير التِّكْنُولُوجْيَا البِيئِيَّة لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى الطَّاقَةِ وَالْمَوَارِد. وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنْ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالطَّبِيعَةِ لَيْسَتْ بِالضَّرُورَة سَلْبِيَّة، بَلْ قَدْ تَكُونُ إِيجَابِيَّة إذَا تَمَّ إسْتِخْدَام التِّكْنُولُوجْيَا بِشَكْل مَسْؤُول وَ أَخْلَاقِيّ. فِي النِّهَايَةِ، تَسْعَى البْيُّوإِثِيقَا إلَى تَحْدِيدِ الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ وَالْمَبَادِئ التَّوْجِيهِيَّة لِلتَّعَامُلِ مَعَ التَّحَوُّلَات النَّاجِمَةِ عَنِ التَّطَوُّرِ الْعِلْمِيِّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ، بِهَدَفِ الْحُفَّاظُ عَلَى طَبِيعَةِ الْإِنْسَانِ وَكَرَامَتِهِ فِي ظِلِّ هَذِهِ التَّغَيُّرَاتُ. إذَنْ، يَتَبَيَّنُ أَنَّ البْيُّوإِثِيقَا تَنْظُرُ إلَى طَبِيعَةِ الْإِنْسَانِ وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ الطَّبِيعَةِ وَ التِّكْنُولُوجْيَا مِنْ مَنْظُورٍ مُتَعَدِّد الْأَوْجَه. فَهِي تَرَى أَنَّ التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ وَ التِّكْنُولُوجِيّ قَدْ أَدَّى إلَى تَغْيِيرَات جِذْرِيَّة فِي الْحَيَاةِ وَالطَّبِيعَة الْبَشَرِيَّةِ، مِمَّا أَثَارَ مَخَاوِفَ مِنْ فِقْدَانِ الْإِنْسَان لِجَوَانِب أَسَاسِيَّة مِنْ طَبِيعَتِهِ وَهُوِيَّتِه. فِي الْمُقَابِلِ، تَرَى البْيُّوإِثِيقَا إنْ لِلْإِنْسَان دُورًا إِيجَابِيًّا فِي تَحْسِينِ بَعْضِ جَوَانِبِ الطَّبِيعَة بِإسْتِخْدَام التِّكْنُولُوجْيَا بِشَكْل مَسْؤُول، مِمَّا يُشِيرُ إلَى أَنْ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالطَّبِيعَةِ لَيْسَتْ بِالضَّرُورَةِ سَلْبِيَّة. وَ بِالتَّالِي، تَسْعَى البْيُّوإِثِيقَا إلَى تَحْدِيدِ الأَطْر الْأَخْلَاقِيَّة وَ التَّوَجُّيهَيْة لِلتَّعَامُلِ مَعَ التَّحَوُّلَات النَّاجِمَةِ عَنِ التَّقَدُّمِ الْعِلْمِيِّ وَ التِّكْنُولُوجِيّ، بِهَدَفِ الْحُفَّاظُ عَلَى طَبِيعَةِ الْإِنْسَانِ وَكَرَامَتِهِ فِي ظِلِّ هَذِهِ التَّغَيُّرَاتُ.
_ تَأْثِير الْفَلَاسِفَةِ عَلَى تَطَوُّرِ البْيُّوإِثِيقَا
البْيُّوإِثِيقَا هِيَ فَرْعٌ مِنْ فُرُوعِ الْأَخْلَاقِ الَّتِي تَبْحَثُ فِي الْقَضَايَا الْأَخْلَاقِيَّة الْمُرْتَبِطَة بِالتَّطْبِيقَات الْحَيَوِيَّة وَالطِّبِّيَّة، مِثْلَ الْهَنْدَسَةِ الْوِرَاثِيَّة وَالتِّكْنُولُوجْيَا الطِّبِّيَّة وَالرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ. لَقَدْ لَعِب الْفَلَاسِفَة دُورًا مُحَوَّريا فِي تَطْوِيرِ هَذَا الْحَقْلِ المَعْرِفِيّ الْجَدِيدِ، حَيْثُ قَدَّمُوا إِطَارًا فَلْسَفِيًّا وَتَحْلِيلُات نَقْدِيَّة لِمُوَاجَهَةِ التَّحَدِّيَاتِ الْأَخْلَاقِيَّة وَالْقَانُونِيَّة وَالِإجْتِمَاعِيَّة النَّاجِمَةِ عَنِ التَّقَدُّمِ الْعِلْمِيِّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ فِي مَجَالِ الْعُلُوم الْحَيَاتِيَّة. تُعْتَبَرُ البْيُّوإِثِيقَا نِتَاجٌ تَفَاعُلٌ بَيْنَ الْعُلُومِ الطِّبِّيَّةِ وَالْعُلُوم الِإجْتِمَاعِيَّة وَالْفَلْسَفَة. فَقَدْ أَسْهَمَ الْفَلَاسِفَة الْمُعَاصِرُون بِشَكْلٍ كَبِيرٍ فِي تَشْكِيلِ هَذَا الْحَقْلِ المَعْرِفِيّ الْجَدِيد مُنْذ بِدَايَات ظُهُورِهِ فِي السِّتِّينَيات مِنْ الْقَرْنِ الْمَاضِي. حَيْثُ طَرَحَ بَعْضَ الْفَلَاسِفَةِ كـ"فَانْ رِينْسِلْرْ بَوْتْرْ" (Van Rensselaer Potter) مَفْهُوم البْيُّوإِثِيقَا كَتَخْصص أَكَادِيمِيّ يَجْمَعُ بَيْنَ الْعُلُوم الْحَيَاتِيَّة وَ الْأَخْلَاق، بِهَدَف التَّصَدِّي لِلْمَشَاكِل الْأَخْلَاقِيَّة النَّاجِمَةِ عَنِ التَّطَوُّرِ الْعِلْمِيِّ وَالطَّبِي. كَمَا سَاهِم الْفَيْلَسُوف "دَانْيِّيلْ كَالاَهَانْ" (Daniel Callahan) فِي إنْشَاءِ أَوَّل مَرْكَز لِلْبْيُّوإِثِيقَا فِي جَامِعَةِ كُولُومْبْيَّا عَامٌّ 1969، وَاَلَّذِي أَصْبَح مُنْذُ ذَلِكَ الْحِينِ مِنَصَّة رَئِيسِيَّة لِمُنَاقَشَة الْقَضَايَا الْأَخْلَاقِيَّة الْمُتَعَلِّقَة بِالْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ وَالجِينَات وَالتِّكْنُولُوجْيَا الْحَيَوِيَّة. لَا تَقْتَصِرُ مُسَاهَمَة الْفَلَاسِفَةِ فِي تَطَوُّرِ البْيُّوإِثِيقَا عَلَى الْمَرْحَلَةِ التَّأْسِيسِيَّة فَحَسْبُ، بَلْ إمْتَدَّتْ لِتَشْمَل تَحْلِيل الْقَضَايَا الْأَخْلَاقِيَّة الْمُسْتَجَدَّة وَالْمُتَجَدِّدَة فِي ظِلِّ التَّطَوُّرَات المُتَسَارِعَةِ فِي الْمَجَالِ الطِّبِّيّ وَالْبُيُولُوجِيّ. فَقَدْ طَرَحَ الْفَلَاسِفَة الْعَدِيدِ مِنَ الْمَفَاهِيمِ وَالنَّظَرِيَّات الْأَخْلَاقِيَّة وَالْقِيمَيَّة الَّتِي أَثَّرَتْ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ عَلَى مُنَاقَشَة وَتَحْلِيل قَضَايَا مِثْل أَخْلَاقِيَّات الْبُحُوث الطِّبِّيَّة عَلَى الْبَشَرِ. قَضَايَا بِدَايَةٌ وَنِهَايَةٌ الْحَيَاة (الْإِجْهَاض، الْإِنْعَاش الصِّنَاعِيّ، إنْهَاء الْحَيَاة) أَخْلَاقِيَّات التِّكْنُولُوجْيَا الْحَيَوِيَّة (الْهَنْدَسَة الْوِرَاثِيَّة، الِإسْتِنْساخ، التَّعْدِيلِ الْجِينِيّ) أَخْلَاقِيَّات الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ (تَوْزِيع الْمَوَارِد، الْخُصُوصِيَّة, الْمَسْؤُولِيَّة الْمِهَنِيَّة) الْقَضَايَا الْأَخْلَاقِيَّة الْمُرْتَبِطَة بِالذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ وَالتِّكْنُولُوجِيَّات الرَّقْمِيَّةِ فِي الطِّبِّ. كَمَا سَاهَمَ الْفَلَاسِفَةِ فِي تَطْوِيرِ نَمَاذِج أَخْلَاقِيَّة وَ قِيمِيَّة جَدِيدَةٍ لِلتَّصْدِي لِهَذِهِ الْقَضَايَا، مِثْل أَخْلَاقِيَّات الرِّعَايَةِ، وَأَخْلَاقِيَّات السَّعَادَة، وَالْأَخْلَاقِيَّات البِيئِيَّة. فَضْلًا عَنْ دُورِهِمْ فِي صِيَاغَةٍ التَّشْرِيعَات وَالْمَوَاثِيق الْأَخْلَاقِيَّة الْمُنَظَّمَة لِمُمَارَسَات الْبَحْثُ وَ التَّطْبِيقَات الطِّبِّيَّة. إِنْ التَّحَدِّيَات المُسْتَقْبَلِيَّة وَالدُّور الْمُتَنَامِي لِلْفَلْسَفَةِ مَعَ تَسَارُع وَتِيرَة التَّطَوُّرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَالتِّكْنُولُوجِيَّة فِي مَجَالِي الطِّبّ وَالْبُيُولُوجِيَا، تَفْرِضُ الْحَاجَةِ إلَى الْمُسَاهَمات الْفَلْسَفِيَّة فِي البْيُّوإِثِيقَا وَ الَّتِي سَتَزْدَادْ بِشَكْلٍ مَلْحُوظٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. فَالْقَضَايَا الْأَخْلَاقِيَّة الْمُتَعَلِّقَة بِالتَّطْبِيقَات النَّاشِئَةُ كَالتَّنْقِيب الْجِينِيّ، وَالتَّعْدِيل الْجِينِيّ، وَالذَّكَاء الِاصْطِنَاعِيّ فِي الطِّبِّ، تَتَطَلَّب تَحْلِيلًات فَلْسَفِيَّة مُعَمَّقَة لِإسْتِشْرَاف تَدَاعَيَاتِهَا عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ. كَمَا سَتَكُون هُنَاكَ حَاجَةٌ مُتَزَايِدَة إلَى دُورِ الْفَلَاسِفَةِ فِي صِيَاغَةِ السِّيَاسَات وَالتَّشْرِيعَات الْمُنَظَّمَة لِهَذِه التَّطْبِيقَات، بِمَا يَضْمَنُ التَّوَازُنِ بَيْنَ التَّقَدُّمِ الْعِلْمِيِّ وَ الْمَسْؤُولِيَّة الْأَخْلَاقِيَّة. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ مُسْتَقْبِل البْيُّوإِثِيقَا سَيَشْهَدُ مَزِيدًا مِنَ التَّفَاعُلِ وَالتَّكَامُل بَيْنِ الْعُلُومِ وَالْفَلْسَفَةِ، بِمَا يُسْهِمُ فِي تَطْوِيرِ الأَطْر الْمَفَاهِيمِيَّة وَالنَّمَاذِج الْأَخْلَاقِيَّة الْكَفِيلَة بِمُوَاجَهَة التَّحَدِّيَات المُسْتَقْبَلِيَّة فِي مَجَالَاتِ الطِّبِّ وَ الْعُلُومِ الْحَيَاتِيَّة.
_ مَا الْعَلَاقَةِ بَيْنَ البْيُّوإِثِيقَا وَالْأَخْلَاقِ فِي الْفَلْسَفَة؟
البْيُّوإِثِيقَا هِيَ مَجَالُ فَلْسَفِيّ جَدِيد ظَهَر نَتِيجَة لِلتِّطور الْهَائِلَ فِي الْعُلُومِ الطِّبِّيَّةِ وَالْبُيُولُوجِيَّة، وَاَلَّذِي أَفْرَز الْعَدِيدِ مِنَ الْمَشَاكِلِ وَالتَّحْدِيَات الْأَخْلَاقِيَّة. وَهُنَاك عَلَاقَة وَثِيقَةٌ جِدًّا بَيْنَ البْيُّوإِثِيقَا وَالْأَخْلَاقِ فِي الْفَلْسَفَة. البْيُّوإِثِيقَا هِيَ فَرْعٌ أَسَاسِيّ مِنْ فُرُوعِ الْفَلْسَفَة، تَحْدِيدًا فِي مَجَالِ الْأَخْلَاق التَّطْبِيقِيَّةِ (applied ethics). البْيُّوإِثِيقَا تَسْتَمِدّ جُذُورُهَا الْفَلْسَفِيَّة مِنْ فَرْعٍ الْأَكْسِيَولُوجْيَا ( عِلْمَ الْقَيِّمِ)، (Axiology) وَهُوَ أَحَدُ الْفُرُوعِ الرَّئِيسِيَّة لِلْفَلْسَفَةُ. فَالبْيُّوإِثِيقَا تَبْحَثُ فِي الْمَسَائِلِ الْأَخْلَاقِيَّة الْمُرْتَبِطَة بِالتَّطَوُّرِ الْعِلْمِيِّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ فِي مَجَالَاتِ الطِّبّ وَالْبُيُولُوجِيَا. وَمَنْ الْمَنْظُور الْفَلْسَفِيّ، فَإِنْ البْيُّوإِثِيقَا تَسْعَى إِلَى وَضْعِ أُطُرٍ أَخْلَاقِيَّة تُنَظِّم وَتَحَكُّم الْمُمَارَسَات وَ التَّطْبِيقَات الْعِلْمِيَّةِ فِي مَجَالَاتِ الْحَيَاةِ وَالطِّبّ، وَذَلِك لِضَمَان إحْتِرَامَ كَرَامَةِ الإِنْسَانِ وَحُقُوقِهِ، وَالْحِفَاظِ عَلَى التَّوَازُنِ البِيئِيِّ. وَهُنَا تَبْرُزُ أَهَمِّيَّة الْفَلْسَفَةِ فِي تَأْصِيلِ الْمَبَادِئِ وَالْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي تَحْكُمُ هَذِه الْمُمَارَسَات الْعَلَمِيَّةِ. كَمَا أَنَّ الْفَلَاسِفَةَ كَانُوا مِنْ أَوَائِلِ الْمُسَاهَمين فِي تَأْسِيسِ وَتَطْوِير حَقْل البْيُّوإِثِيقَا. فَقَدْ سَاهَمَ الْعَدِيدِ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ الْبَارِزَيْن فِي هَذَا الْمَجَالِ، مِثْل دَانْيَال كَالاَهَان Daniel Callahan الَّذِي أُسِّسَ مَرْكَز "هيستلجيز (Hastings Center) لِدِرَاسَةٍ البْيُّوإِثِيقَا، وَهَانز يُونُاس (Hans Jonas) الَّذِي طَوْر مَفْهُومِ "الْمَسْؤُولِيَّةِ" كَأَسَاس لِلْفِكْر الْبْيُّوإثِيقِي. عِلَاوَةٌ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ البْيُّوإِثِيقَا تَسْتَخْدَمُ النَّظَرِيَّات الْأَخْلَاقِيَّة الْفَلْسَفِيَّة، مِثْل نَظَرِيَّة الْفَضِيلَة، وَالنَّفْعِيَّة، وَالْمَذْهَب الْكِانطي، كَأطْر نَظَرِيَّةٌ لِمُعَالَجَة الْقَضَايَا الْأَخْلَاقِيَّة الْمُعَقَّدَة النَّاشِئَةِ عَنْ التَّطَوُّرَات الطِّبِّيَّة وَ الْبُيُولُوجِيَّة. فَالْفَلَاسِفَةُ يَلْعَبُون دَوْرًا أَسَاسِيًّا فِي تَوْفِيرِ هَذِه الأَطْر النَّظَرِيَّة لِلْبْيُّوإِثِيقَا. فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ، فَإِنَّ البْيُّوإِثِيقَا تَطْرَحُ تَحَدِّيَات جَدِيدَةً عَلَى الْفَلْسَفَةِ الْأَخْلَاقِيَّة التَّقْلِيدِيَّة، مِمَّا يَسْتَدْعِي مُرَاجَعَة وَتَطْوِير هَذِه النَّظَرِيَّات لِتَوَاكب الْمُسْتَجَدَّات فِي مَجَالَاتِ الطِّبّ وَالْبُيُولُوجِيَا. فَقَضَايَا مِثْل الِإسْتِنْساخ الْبَشَرِيِّ، وَالْهَنْدَسَة الْوِرَاثِيَّة، وَإِنْهَاء الْحَيَاة، تَتَطَلَّب إعَادَةِ النَّظَرِ فِي الْمَفَاهِيمِ الْأَخْلَاقِيَّة الْأَسَاسِيَّة كَالْحَيَاة وَ الْمَوْت وَالطَّبِيعَة الْبَشَرِيَّة. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ البْيُّوإِثِيقَا وَالْأَخْلَاقِ فِي الْفَلْسَفَةِ هِيَ عَلَاقَةٌ وَثِيقَة وَتَبَادُلِيَّة. فَالبْيُّوإِثِيقَا تَسْتَمِّدُ أُسُّسَهَا الْفَلْسَفِيَّة مِنْ الْأَخْلَاقِ، بَيْنَمَا فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ تَثْرِي وَ تُطَوِّر هَذِه النَّظَرِيَّات الْأَخْلَاقِيَّة لِتَوَاكب التَّطَوُّرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ المُتَسَارِعَة. وَهَذَا التَّفَاعُلِ الْمُسْتَمِرِّ بَيْن البْيُّوإِثِيقَا وَ الْفَلْسَفَةُ الْأَخْلَاقِيَّة هُوَ مَا يَضْمَنُ تَطْوِير أُطُرٍ أَخْلَاقِيَّة قَادِرَةً عَلَى تَوْجِيهِ الْمُمَارَسَات الْعِلْمِيَّة بِمَا يَحْفَظُ كَرَامَةُ الْإِنْسَانِ وَ حُقُوقِهِ، وَيُحَقِّق التَّوَازُنِ البِيئِيِّ.
_ مَاهِيّ أَهَمُّ الْقَضَايَا الَّتِي تَتَنَاوَلُهَا البْيُّوإِثِيقَا
البْيُّوإِثِيقَا تَتَصَدَّى لِمَجْمُوعَة وَاسِعَةٍ مِنْ الْقَضَايَا الْأَخْلَاقِيَّة الْمُعَقَّدَةِ الَّتِي تَرْتَبِطُ بِالتَّطَوُّرَات الْعِلْمِيَّةِ وَالتِّكْنُولُوجِيَّة فِي مَجَالَاتِ عُلُومِ الحَيَاةِ وَالطِّبّ. أَوَّلًا، أَحَدُ أَبْرَز الْمَوَاضِيعِ الَّتِي تَشْغَل البْيُّوإِثِيقَا هُوَ قَضِيَّةُ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ، وَلَا سِيَّمَا مَسَائِلَ مِثْلَ الْإِجْهَاض، الْإِنْعَاش الصِّنَاعِيّ، إيقَاف الْعِلَاج، الِإنْتِحَار الْمُسَاعِد، وَزِرَاعَة الْأَعْضَاء. هُنَاك نَقَاشات حَادَّةٍ حَوَّلَ حَقَّ الْإِنْسَانِ فِي التَّحَكُّمِ بِمَصِيرِه وَ الْقَرَار بِالْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ، وَمَا هِيَ الضَّوَابِطُ الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تَحْكُمَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ. ثَانِيًا، تَتَنَاوَل البْيُّوإِثِيقَا مَسَائِلُ الْمُسَاعَدَة الطِّبِّيَّة عَلَى الْإنْجَاب وَتَقَنِّيَّات الْإخْصَاب الِإصْطِنَاعِيّ، مِثْل تَلْقِيحِ الْبُوَيْضَةِ خَارِج الرَّحِم، إخْتِيَار جِنْس الطِّفْل، وَكِرَاء الْأَرْحَام. هُنَاك جَدَلٌ حَوْلَ مَا إذَا كَانَتْ هَذِهِ التِّقْنِيَّات تَتَعَارَضُ مَعَ الطَّبِيعَةِ الْبَشَرِيَّةِ وَ كَرَامَةِ الْإِنْسَانِ، أَوْ إذَا كَانَ لَهَا مَزَايَا تَبَرُّر إسْتِخْدَامُهَا. ثَالِثًا، تُرْكِز البْيُّوإِثِيقَا عَلَى قَضَايَا الْهَنْدَسَة الْوِرَاثِيَّة وَالتَّطَوُّر الْبَشَرِيّ، مِثْل التَّعْدِيلَات الْجِينِيَّة، الِإسْتِنْساخ، وَتَحْسِينُ الصِّفَات الْبَشَرِيَّة. هَذِه الْمُمَارَسَات تَطْرَح تَسَاؤُلَات حَوْلَ مَا إذَا كَانَ مِنْ الْمَقْبُول أَخْلَاقِيًّا التَّدَخُّلِ فِي التَّرْكِيبِ الْجِينِيّ لِلْبَشَر وَ تَغْيِير مَسَار التَّطَوُّر الْبَيُولُوجِيّ. رَابِعًا، تُناقِش البْيُّوإِثِيقَا مَسَائِلُ التَّجَارِب الطِّبِّيَّة عَلَى الْبَشَرِ وَ الْحَيَوَانَاتِ، وَمَا هِيَ الضَّوَابِطُ الْأَخْلَاقِيَّة اللَّازِمَة لِضَمَان حِمَايَة حُقُوق الْمُشَارِكِين وَكَرَامَتِهِمْ. كَمَا تَتَصَدَّى لِقَضَايَا أُخْرَى مِثْلَ تَوْزِيع الْمَوَارِد الطِّبِّيَّة الْمَحْدُودَة، وَأَخْلَاقِيَّات الرِّعَايَة الصِّحِّيَّة. خَامِسًا، تَوَلَّي البْيُّوإِثِيقَا إهْتِمَامًا مُتَزَايِدًا لِلْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَ الْبِيئَة وَالْكَائِنَات الْحَيَّة الْأُخْرَى. تُثَّارْ تَسَاؤُلَات حَوْلَ مَا إذَا كَانَ يَنْبَغِي إعْطَاء الْحَيَوَانَاتِ وَالنَّبَاتَاتِ "حُقُوقًا" أَخْلَاقِيَّة، وَ كَيْفَ يَنْبَغِي أَنْ تُنَظَّمَ الْمُمَارَسَات الْبَشَرِيَّة لِحِمَايَة التَّوَازُن البِيئِيّ. فِي الْخِتَامِ، البْيُّوإِثِيقَا تُغَطِّي مَجَالَات وَاسِعَة تَتَنَاوَل التَّطَوُّرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَالتِّكْنُولُوجِيَّة الْحَدِيثَةِ فِي عُلُومِ الحَيَاةِ وَ الطِّبّ، وَتَسْعَى إِلَى إِيجَادِ تَوَازِنُ بَيْنَ الْمُنَجَّزِات الْعِلْمِيَّةِ وَبَيْنَ الْقَيِّمِ الْأَخْلَاقِيَّة وَالْإِنْسَانِيَّة. أَنَّهَا تُمَثِّلُ حَقْلًا فَلْسَفِيًّا حَيَوِيًّا لِلتَّفْكِيرِ فِي مُسْتَقْبَلِ الْإِنْسَانِ وَالْحَيَاةِ عَلَى كَوْكَبِ الْأَرْضِ.
_ أَمْثِلَةٌ عَلَى تَطْبِيقَاتٍ البْيُّوإِثِيقَا فِي الْحَيَاةِ الْيَوْمِيَّة
هُنَاكَ عِدَّة أَمْثِلَةٌ عَلَى تَطْبِيقَاتٍ البْيُّوإِثِيقَا فِي الْحَيَاةِ الْيَوْمِيَّة. تُسْتَخْدَم الْخَلَايَا الْجِذْعِيَّةَ فِي عِلَاجِ أَمْرَاضِ مِثْلِ السَّرَطَانِ وَ الْأَمْرَاض الْمَنَاعَيَّة وَالعَصَبِيَّةُ، وَتُثِير هَذِه التَّطْبِيقَات قَضَايَا أَخْلَاقِيَّة حَوْل مَصَادِر الْخَلَايَا الْجِذْعِيَّةَ وَطُرُق إسْتِخْدَامُهَا. أَيْضًا تُسْتَخْدَم الِإخْتِبَارَات الْوِرَاثِيَّة لِتَحْدِيد الْمَخَاطِر الْوِرَاثِيَّة لِلْإِصَابَة بِبَعْضِ الْأَمْرَاضِ، مِمَّا يُثِيرُ أَسْئِلَةً حَوْلَ الْخُصُوصِيَّة وَ التَّمْيِيزُ عَلَى أَسَاسِ الْجِينَات. وَ تُثِير عَمَلِيَّات زِرَاعَة الْأَعْضَاء قَضَايَا أَخْلَاقِيَّة حَوْل الْمَعَايِير الْمُسْتَخْدَمَةُ فِي تَخْصِيصِ الْأَعْضَاء الْمُتَبَرِّع بِهَا، وَكَيْفِيَّةِ ضَمَان الْعَدَالَةِ فِي هَذِهِ الْعَمَلِيَّات. كَمَا يُطْرَحُ إسْتِخْدَام التِّكْنُولُوجْيَا الْحَيَوِيَّةَ فِي التَّحَكُّمِ فِي عَمَلِيَّةِ الْإنْجَاب وَتَعْدِيل الْجِينَات أَسْئِلَةً حَوْلَ حُدُود التَّدَخُّل الْبَشَرِّي فِي الْحَيَاةِ وَ الْهُوِيَّة الْبَشَرِيَّة. فِي الْوَقْتِ الَّذِي تُثِير تَجَارِب الْبَحْث الطِّبِّيّ عَلَى الْبَشَرِ قَضَايَا أَخْلَاقِيَّة حَوْل الْمُوَافَقَة الْمُسْتَنِيرَة وَالْحِمَايَة مِنْ الْمَخَاطِرِ وَالتَّصَرُّف بِشَكْل عَادِل.
#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الْعِلْم وَالْأَخْلَاق فِي فَلْسَفَةِ الِإخْتِلَاف
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق : رِهَان الدِّرَاسَات المُسْتَقْبَلِ
...
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق : تَحَدِّيَات الْعَوْلَمَة
-
الْعِلْم وَالْأَخْلَاق : أَسَاسِيًّات التَّقَدُّمُ
-
الْعِلْم وَالْأَخْلَاق : إنْتِقَادَات مَا بَعْدَ الْحَدَاثَة
...
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق : تَسَاؤُلَات الْحَدَاثَةِ
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق : تَشْكِيلَات الْحَضَارَةُ
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق: الْمَنْظُور الْفَلْسَفِيّ التَّارِي
...
-
الْعِلْم وَالْأَخْلَاق: رَمَزَيات الْمَيثولُوجْيَا
-
الْعِلْم وَالْأَخْلَاق: جُذُور الْمُعْتَقَدَات السِّحْرِيَّة
-
الْعِلْم وَالْأَخْلَاق : تَجَاوُزَات الْأَيْدُيُولُوجِيَّا
-
الْعِلْم وَالْأَخْلَاق فِي الْحِكْمَةِ الْغَنُوصِيَّة
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي الْحِكْمَةِ الْهَرْمُسِيَّة
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ مَبَاحِث الْآكْسِيُّولُوجْيَا
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ إشْكَالَيْات الْكُوسْمُّولُوجْيَا
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي سِيَاقِ الثَّيُولُوجْيَا
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ تَصَوُّرَات الِأنْطولُوجْيَا
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ مُقَارَبَات الإِبِسْتِمُولُوجْيَّا
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي الْفَلْسَفَةِ الْمَادِّيَّةِ
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي الْفَلْسَفَةِ الْمِثَالِيَّةِ
المزيد.....
-
في تركيا.. لماذا استئجار هذه الفيلا الفاخرة قد يكلفك 50 ألف
...
-
فيديو يُظهر اللحظات الأولى بعد تحطم مقاتلة شبح أمريكية من طر
...
-
-أمر مفجع-.. شاهد كيف وصف زعيم الجمهوريين بمجلس النواب الأمر
...
-
فيضانات مفاجئة تُخلف دمارًا في سوتشافا شمال رومانيا: 2500 مت
...
-
بعد إعلان نيتها الاعتراف بدولة فلسطين.. ترامب: خطوة كندا تجع
...
-
زيلينسكي يصف المهاجمين بـ -الإرهابيين-.. قتلى بينهم طفل في ق
...
-
في مواجهة رسوم ترامب.. الرئيس البرازيلي يتعهد بالدفاع عن سيا
...
-
ترامب ينتقد وماكرون يرحب.. كندا تعتزم الاعتراف بدولة فلسطيني
...
-
روسيا تعلن السيطرة على مدينة تشاسيف يار الاستراتيجية شرق أوك
...
-
قتلى بقصف روسي على كييف وموسكو تعلن السيطرة على مدينة أوكران
...
المزيد.....
-
الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي
...
/ فارس كمال نظمي
-
الآثار العامة للبطالة
/ حيدر جواد السهلاني
-
سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي
/ محمود محمد رياض عبدالعال
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|