|
الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة -الْجُزْءُ الْأَوَّلُ-
حمودة المعناوي
الحوار المتمدن-العدد: 8360 - 2025 / 6 / 1 - 03:08
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
_ تَعْرِيفُ الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة
الْفَجْوَةُ الرَّقْمِيَّة (Digital Divide) هُوَ مُصْطَلَحُ يُشِيرُ إلَى عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ فِي تَوَفُّرِ الإِمْكَانَات التِّكْنُولُوجِيَّة وَالرَّقْمِيَّة وَ الْمَعْرُفِيَّة بَيْنَ الْأَفْرَادِ وَالمُجْتَمَعَات. هَذَا التَّفَاوُتِ يَنْشَأ نَتِيجَة لِعَوَامِل مُخْتَلِفَةً، مِثْلَ الِإخْتِلَافَات الِإقْتِصَادِيَّة وَالِإجْتِمَاعِيَّة، وَ نَقَص الْبِنْيَةِ التَّحْتِيَّةِ التِّقْنِيَّة، وَإنْخِفَاض مُسْتَوَى التَّعْلِيم الرَّقْمِيّ. وَيُمْكِنُ أَنْ تَتَجَلَّى الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة فِي مَظَاهِرٍ مُتَعَدِّدَةً، مِثْلُ الْفُرُوقِ فِي تَوَفُّرِ التِّكْنُولُوجْيَا بَيْن الْمَنَاطِق الْحَضَرِيَّة وَ الرِّيفُيَّة، أَوْ بَيْنَ الدُّوَلِ الْمُتَقَدِّمَة وَالنَّامِيَة، أَوْ حَتَّى دَاخِلِ الْمُجْتَمَعَات الْوَاحِدَةِ بَيْنَ مَنْ يَمْلِكُون الْمَعْرِفَةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى إسْتِخْدَامِ التِّقْنِيَّات الْحَدِيثَة وَبَيْنَ مَنْ لَا يَمْلِكُونَ ذَلِكَ. وَتُعَدُّ الْأُمِّيَّة الرَّقْمِيَّة أَحَدُ الْأَسْبَابِ الرَّئِيسِيَّة لِلْفُجْوَة الرَّقْمِيَّةِ، فَكُلَّمَا إرْتَفَعَتْ نِسْبَةِ الْأُمِّيَّةِ كُلَّمَا إتَّسَعَتْ هَذِه الْفَجْوَة. فَالْوُصُول الْفِعْلِيّ لِلتَّكْنُولُوجْيَا وَالْمَعْلُومَات الرَّقْمِيَّة وَإِمْكَانِيَّة إسْتِخْدَامُهَا بِشَكْل فَعَّال يُعْتَبَرُ فِي صُلْبِ مَفْهُوم الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة. تَمَّ تَطْويْرُ الْعَدِيدِ مِنَ الْمُؤَشِّرُات لِقِيَاسِ الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة عَلَى الصَّعِيدِ الْوَطَنِيّ وَالْعَالَمِيّ، مِثْل مُؤَشِّر تَنْمِيَة تِكْنُولُوجْيَا الْمَعْلُومَاتِ وَالِإتِّصَالَات (IDI) الَّذِي يَعْكِسُ مَدَى تَقَدَّم الْبُلْدَانِ فِي هَذَا الْمَجَالِ. وَتُشِير الدِّرَاسَات إلَى أَنْ الْوَطَنِ الْعَرَبِيِّ يُعَانِي مِنْ فَجْوَة رَقْمِيَّة كَبِيرَة وَفْقًا لِهَذَا الْمُؤَشِّر. كَمَا يُمْكِنُ قِيَاسُ الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة مِنْ خِلَالِ مُوَشًّرات أُخْرَى مِثْلَ نِسْبَةِ إسْتِخْدَام الْإنْتَرْنِت وَالْحَوَاسِيب الشَّخْصِيَّة و اِمْتِلاَك الْهَوَاتِفِ الذَّكِيَّةِ وَالِإشْتِرَاكِات فِي الْهَاتِف الثَّابِت وَ النُّقَال. وَتَظْهَرُ هَذِهِ الْمُؤَشِّرُات التَّفَاوُتُ فِي الْوُصُولِ وَ الِإسْتِخْدَام الْفِعْلِيّ لِلتَّكْنُولُوجْيات الرَّقْمِيَّةِ بَيْنَ مُخْتَلِفِ شَرَائِح الْمُجْتَمَع. إنْ وُجُود فَجْوَة رَقْمِيَّة وَاسِعَةً فِي الْمُجْتَمَعِ لَه إنْعِكَاسِات سَلْبِيَّةٍ عَلَى مُخْتَلِفِ الْأَصْعِدَة. فَهِي تُؤَدِّي إلَى تَعْمِيق الْفَوَارِق الِإقْتِصَادِيَّة وَالِإجْتِمَاعِيَّة وَتَحْرُم فِئَاتٍ وَاسِعَةٍ مِنْ الْفُرَص التَّعْلِيمِيَّة وَالتَّنْمَوِيَّة الْمُتَاحَة عَبَّر التِّقْنِيَّات الرَّقْمِيَّة. كَمَا أَنَّهَا تُحَدُّ مِنْ قُدْرَة الْمُجْتَمَعَات عَلَى الِإسْتِفَادَةِ الْكَامِلَةِ مِنْ فَوَائِدِ التَّحَوُّل الرَّقْمِيّ وَتَحْقِيق التَّنْمِيَة الْمُسْتَدَامَة. لِذَا تَعَدّ مُعَالَجَة الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة وَسَدِّهَا أَحَد التَّحَدِّيَات الرَّئِيسِيَّةِ الَّتِي تُوَاجِهُ الدُّوَلِ فِي سَعْيِهَا لِلتَّحَوُّل الرَّقْمِيّ وَالِإسْتِفَادَةِ مِنْ ثَوْرَةٍ الْمَعْلُومَات وَالِإتِّصَالَات. الْفَجْوَةُ الرَّقْمِيَّة هِيَ ظَاهِرَةٌ مُعَقَّدَة تَتَطَلَّب تَضَافَر الْجُهُود عَلَى مُسْتَوَيَات مُتَعَدِّدَة لِمُعَالَجَة أَسْبَابِهَا الْمُتَشَعِّبَة وَالْحَدُّ مِنْ أثَارِهَا السَّلْبِيَّةِ عَلَى الْمُجْتَمَعَات. وَيَتَطَلَّب ذَلِك سِيَاسَات وَ بَرَامِج شَامِلَة فِي مَجَالَاتِ التَّعْلِيم وَالبُنْيَةِ التَّحْتِيَّةِ التِّكْنُولُوجِيَّة وَالتَّنْمِيَةِ الِإقْتِصَادِيَّةِ وَالِإجْتِمَاعِيَّة.
_ الْفَجْوَةُ الرَّقْمِيَّة مِنْ مَنْظُورٍ فَلْسَفِيّ
الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة هِيَ مَفْهُومُ مُتَعَدِّد الْأبْعَاد لَهُ أثَارٌ وَاسِعَة النِّطَاق عَلَى الْمُجْتَمَعِ. مِنْ الْمَنْظُور الْفَلْسَفِيّ، يُنْظَرُ إلَى الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة كَإمْتِدَاد جَدِيد لِلْوُجُود الْبَشَرِيّ، حَيْثُ تُطْرَحُ تَحَدِّيَات أَخْلَاقِيَّة وَمَعَرْفِيَّة هَامَة. الْإِبْعَاد الْفَلْسَفِيَّة لِلْفُجْوَة الرَّقْمِيَّةِ : 1. الْبُعْد الْأَخْلَاقِيّ: تُثِير الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة قَضَايَا أَخْلَاقِيَّة مُهِمَّة حَوْل الْمُسَاوَاة وَالْعَدَالَة الِإجْتِمَاعِيَّة. فَعَدَم الْمُسَاوَاةِ فِي إِمْكَانِيَّة الْوُصُولِ إلَى التِّكْنُولُوجْيَا الرَّقْمِيَّةَ يُؤَدِّي إلَى تَفَاوُتِ فِي الْفُرَصِ الْمُتَاحَة لِلْأَفْرَاد وَالمُجْتَمَعَات، مِمَّا يُعَمَّق الْمُشْكِلَات الِإجْتِمَاعِيَّةِ وَالِإقْتِصَادِيَّةِ الْقَائِمَة. هُنَاك تَسَاؤُلَات أَخْلَاقِيَّة حَوْل مَسْؤُولِيَّةُ الْمُجْتَمَعِ فِي مُعَالَجَةِ هَذِهِ الْفَجْوَة وَضَمَان إِتَاحَة الْفُرَص الرَّقْمِيَّة بِشَكْل عَادِل. 2. الْبُعْد المَعْرِفِيّ: تَنْطَوِي الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة عَلَى بُعْدٍ مَعْرِفِيّ مُهِمّ، حَيْث تُؤَثِّرُ عَلَى إِمْكَانِيَّة الْوُصُولِ إلَى الْمَعْرِفَةِ وَ الْمَعْلُومَات الرَّقْمِيَّة وَقُدْرَة الْأَفْرَادِ عَلَى إسْتِخْدَامِهَا. هَذَا يَطْرَحُ تَسَاؤُلَات فَلْسَفِيَّة حَوْل طَبِيعَة الْمَعْرِفَةِ فِي الْعَصْرِ الرَّقْمِيِّ وَ كَيْفَ يُمْكِنُ ضَمَانُ الْوُصُول الْعَادِل إلَيْهَا. كَمَا يُثِير قَضَايَا حَوْل التَّعْلِيم وَالتَّنْمِيَة الْمَعْرِفِيَّة فِي ظِلِّ التَّحَوُّلَات الرَّقْمِيَّة. 3. الْبُعْدُ الْوُجُودِيّ: مِنْ مَنْظُورٍ فَلْسَفِيّ، يُنْظَرُ إلَى الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة كَإمْتِدَاد جَدِيد لِلْوُجُود الْبَشَرِي فِي الْعَالَمِ الرَّقْمِيّ. فَالتَّطَوُّر التِّكْنُولُوجْيّ وَالرَّقْمَنَّة قَدْ أَحْدَثَا تَحَوُّلَات جِذْرِيَّة فِي طُرُقِ تَفَكَّيرِنَا وَتَفَاعُلِنَا مَعَ الْعَالِمِ. هَذَا يَطْرَحُ تَسَاؤُلَات حَوْلَ مَاهِيَّةَ الْإِنْسَانِ فِي الْعَصْرِ الرَّقْمِيِّ وَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ تُؤَثِّرَ الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة عَلَى هَوِيَتَنَا وَتَجْرِبَتِنَا الوُجُودِيَّةُ. يَنْطَوِي مَفْهُوم الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة عَلَى الْعَدِيدِ مِنَ التَّحَدِّيَات الْأَخْلَاقِيَّة وَالْمَعْرُفِيَّة الَّتِي تُوَاجِهُ الْمُجْتَمَعَات الْمُعَاصِرَةِ. مِنْ نَاحِيَةِ أَخْلَاقِيَّة، تَطْرَحُ الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة قَضَايَا حَوْل الْعَدَالَةِ وَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْوُصُولِ إلَى الْمَوَارِد وَالْفُرَص الرَّقْمِيَّة. فَعَدَم الْمُسَاوَاةِ فِي هَذَا الْمَجَالِ يُمْكِنُ أَنْ يُعَمَّقَ التَّفَاوُتَات الِإجْتِمَاعِيَّةِ وَالِإقْتِصَادِيَّةِ الْقَائِمَة وَيَحْرُم الْفِئَات الْمَحْرُومَة مِنْ الْمُشَارَكَةِ الْكَامِلَةِ فِي الْمُجْتَمَعِ الرَّقْمِيّ. مِنْ نَاحِيَةِ مَعْرِفِيَّة، تُؤَثِّر الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة عَلَى إِمْكَانِيَّة الْوُصُولِ إلَى الْمَعْرِفَةِ وَالْمَعْلُومَات الرَّقْمِيَّة، مِمَّا يُؤَدِّي إلَى تَفَاوُتِ فِي فُرَصِ التَّعْلِيم وَالتَّنْمِيَة الْمَعْرِفِيَّة. هَذَا يَطْرَحُ تَسَاؤُلَات حَوْلَ طَبِيعَة الْمَعْرِفَةِ فِي الْعَصْرِ الرَّقْمِيِّ وَكَيْفِيَّةُ ضَمَانِ الْوُصُول الْعَادِل إلَيْهَا. كَمَا يُثِير قَضَايَا حَوْل دُور التَّكْنُولُوجْيَا فِي تَشْكِيلِ الْمَعْرِفَة وَالْمَهَارَات الْمَطْلُوبَةِ لِلْمُشَارَكَة الْفَاعِلَةِ فِي الْمُجْتَمَعِ الرَّقْمِيّ. لِمُعَالَجَةِ التَّحَدِّيَات الْأَخْلَاقِيَّة وَالْمَعْرُفِيَّة لِلْفُجْوَة الرَّقْمِيَّةِ، هُنَاكَ حَاجَةٌ إلَى مَنْظُور فَلْسَفِيّ شَامِلٌ يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْقَضَايَا بِعُمْق. هَذَا الْمَنْظُورِ يَجِبُ أَنْ يَتَضَمَّنَ تَحْلِيلًا نَقْدًيا لِلِإفْتِرَاضَات وَالْقَيِّمِ الْكَامِنَة وَرَاء التَّطَوُّر التِّكْنُولُوجْيّ، وَكَذَلِكَ التَّفْكِيرِ فِي كَيْفِيَّةِ إعَادَةِ تَشْكِيل وُجُودُنَا الْإِنْسَانِيُّ فِي ظِلِّ التَّحَوُّلَات الرَّقْمِيَّة. فِي هَذَا السِّيَاقِ، يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَمَعِ الْعَمَلِ عَلَى تَعْزِيز الْمُسَاوَاة وَالْعَدَالَةِ فِي الْوُصُولِ إلَى الْمَوَارِد الرَّقْمِيَّة، وَضَمَان إِتَاحَة الْمَعْرِفَة وَالْمَعْلُومَات بِشَكْل عَادِل. كَمَا يَجِبُ النَّظَرُ فِي دُورِ التَّكْنُولُوجْيَا فِي تَطْوِيرِ الْمَنَاهِج التَّعْلِيمِيَّة وَالْمَهَارَات الْمَطْلُوبَةِ لِلْمُشَارَكَة الْفَاعِلَةِ فِي الْمُجْتَمَعِ الرَّقْمِيّ. إنْ الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة هِيَ تَحَدٍّ فَلْسَفِيّ كَبِير يَتَطَلَّب مُعَالَجَة شَامِلَة تَأْخُذُ فِي الِإعْتِبَارِ الْأبْعَاد الْأَخْلَاقِيَّة وَالْمَعْرُفِيَّة وَ الوُجُودِيَّة لِهَذِه الْمُشْكِلَة. فَقَطْ مِنْ خِلَالِ هَذَا الْمَنْظُورِ الْفَلْسَفِيّ الشَّامِل يُمْكِنُنَا التَّصَدِّي لِهَذِه التَّحَدِّيَات بِشَكْل فَعَّال وَضَمَان تَحْقِيقُ الْعَدَالَةِ وَالْمُسَاوَاةِ فِي عَصْرِ الرَّقْمَنَّة.
_ الْعَلَاقَةُ الْمُرَكَّبَة بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة
الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالتَّقَدُّمِ الْعِلْمِيِّ وَالْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة هِيَ عَلَاقَةٌ مُعَقَّدَة وَمُتَشَعِّبة لَهَا الْعَدِيدِ مِنَ الْأَبْعَادِ وَالْجَوَانِب. صَحِيحٌ إنْ التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ كَانَ مِنْ أَبْرَزِ الْعَوَامِلِ الَّتِي أَدَّتْ إلَى ظُهُورِ الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة وَتَفَاقُمِهَا عَبَّرَ الزَّمَنِ، إلَّا أَنْ هَذِهِ الْعَلَاقَةِ لَيْسَتْ بَسِيطَة أَوْ خَطِيَّة. التَّقَدُّمُ الْعِلْمِيّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ فِي مَجَالَاتِ تِكْنُولُوجْيَا الْمَعْلُومَاتِ وَالِإتِّصَالَات كَانَ السَّبَبُ الْمُبَاشِرُ فِي ظُهُورِ الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة بَيْنَ مَنْ يَسْتَطِيعُونَ الْوُصُولِ إلَى هَذِهِ التَّطَوُّرَات وَمَنْ لَا يَسْتَطِيعُونَ ذَلِكَ. فَإِنْتَشَار الحَوَاسِيب وَالِانْتِرْنِت فِي الدُّوَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَعَدَمِ إِمْكَانِيَّة الْوُصُولِ إلَيْهَا فِي الْمَنَاطِقِ الْفَقِيرَةِ أَوْ النَّائِيَة أَوْجَدَ هَذِهِ الْفَجْوَة. الْفَجْوَةُ الرَّقْمِيَّة هِيَ جُزْءُ مَنْ مَجْمُوعَةٌ مِنَ الْفِجوات الْمُتَدَاخِلَة كَالْفَجْوَة التَّعْلِيمِيَّة وَالِإقْتِصَادِيَّة وَالِإجْتِمَاعِيَّة. فَالْعِلْم وَالتِّكْنُولُوجْيَا لَمْ تَكُنْ هِيَ السَّبَبُ الْوَحِيد لِظُهُورِ هَذِهِ الْفِجوات، بَلْ كَانَتْ أَيْضًا نَتِيجَة لَهَا. فَالتَّفَاوُتُ فِي الدَّخْلِ وَ الْمَوَارِد بَيْن الْمَنَاطِق وَالشِّرَائِح الِإجْتِمَاعِيَّةِ أَدَّى إلَى تَفَاوُتِ فِي إِمْكَانِيَّة الْوُصُولِ إلَى التِّقْنِيَّات الْحَدِيثَة. عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ الْعِلْمَ وَالتِّكْنُولُوجْيَا لَعِبًا دُورًا مُحَوَّريا فِي ظُهُورِ الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة، إلَّا أَنَّهُمَا أَيْضًا يُعْتَبَرَان الْحَلّ الأَسَاسِيّ لَهَا. فَالِإسْتِثْمَار فِي الْبِنْيَةِ التَّحْتِيَّةِ التِّكْنُولُوجِيَّة وَالتَّعْلِيم الرَّقْمِيّ هُمَا مِنْ أَهَمِّ الْوَسَائِل لِرَدْم هَذِه الْفَجْوَة. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ الْعِلْمَ وَالتَّطَوُّر الْعِلْمِيّ لَهُ وَجْهَانِ مُتَنَاقِضَان فِي هَذَا الشَّأْنِ. الْفَجْوَةُ الرَّقْمِيَّة تَتَّسِع لَيْسَ فَقَطْ بَيَّنَ الدُّوَل الْمُتَقَدِّمَة وَ النَّامِيَة، وَلَكِنْ أَيْضًا دَاخِلٌ الْمُجْتَمَعَات الْوَاحِدَةِ بَيْنَ الطَّبَقَاتِ الِإجْتِمَاعِيَّة وَالْمَنَاطِق الْجُغْرَافِيَّة الْمُخْتَلِفَة. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَوَامِلَ الِإجْتِمَاعِيَّةِ وَالِإقْتِصَادِيَّةِ لَهَا دَوْرٌ بَارِزٌ فِي تَفَاقُم هَذِه الْفَجْوَة بِجَانِب التَّطَوُّرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَالتِّكْنُولُوجِيَّة. الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة هِيَ عَلَاقَةٌ مُعَقَّدَة وَ مُتَدَاخِلَة، فَالْعِلْم كَانَ سَبَبًا رَئِيِسِيًّا فِي ظُهُورِ هَذِهِ الْفَجْوَة، وَلَكِنَّهُ أَيْضًا يُشْكِلُ الْحَلّ الأَسَاسِيّ لَهَا. كَمَا أَنَّ الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة هِيَ جُزْءُ مَنْ مَنْظُومَة أَوْسَعُ مِنْ الْفِجوات الْمُتَرَابِطَة إجْتِمَاعِيًّا وَإقْتِصَادِيًّا. وَلِذَلِكَ، فَإِنَّ مُعَالَجَةِ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ تَتَطَلَّب تَضَافَر الْجُهُودِ فِي مُخْتَلَفٍ الْمَجَالَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَالِإجْتِمَاعِيَّةُ وَ السِّيَاسِيَّةُ.
_ تَطَوُّرُ تِكْنُولُوجْيَا الْمَعْلُومَاتِ وَالِاتِّصَالَات وَالْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة
لَعِبَ التَّطَوُّر السَّرِيعُ فِي تِكْنُولُوجْيَا الْمَعْلُومَاتِ وَالِإتِّصَالَات دُورًا مُحَوَّريا فِي تَشْكِيلِ الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة. فَالِإبْتِكَارُات الْعِلْمِيَّةِ وَالتِّقْنِيَة المُتَسَارِعَةِ فِي مَجَالَاتِ الْكِمبيوتر وَالِإنْتِرْنِت وَ الْهَوَاتِفِ الذَّكِيَّة وَغَيْرِهَا أَتَاحَتْ فُرَصًا جَدِيدَة لِلْمَعْرِفَة وَ التَّوَاصُل وَالِإنْتِاجِيَّة. وَلَكِنْ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ، هَذَا التَّطَوُّرُ لَمْ يَكُنْ مُتَاحًا بِالتَّسَاوِي لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ، مِمَّا أَدَّى إلَى ظُهُورِ الْفَجْوَةِ بَيْنَ مَنْ يَسْتَطِيعُونَ الْوُصُولِ إلَى هَذِهِ التِّكْنُولُوجْيات وَمَنْ لَا يَسْتَطِيعُونَ ذَلِكَ. مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ التَّطَوُّر السَّرِيعُ فِي تِكْنُولُوجْيَا الْمَعْلُومَاتِ وَ الِإتِّصَالَات قَدْ أَحْدَثَ تَأْثِيرًا عَمِيقًا عَلَى الْمُجْتَمَعِ مِنْ جَوَانِبِ مُتَعَدِّدَةٍ. مِنْ نَاحِيَةِ، أَتَاحَتْ هَذِه التَّطَوُّرَات فُرَصًا جَدِيدَة لِلْمَعْرِفَة وَالتَّوَاصُل وَالِإنْتِاجِيَّة. ظُهُورُ الْإنْتَرْنِت وَإنْتِشَار الْحَوَاسِيبِ الشَّخْصِيَّةِ وَالْهَوَاتِف الذَّكِيَّة قَدْ مَكَّنَ النَّاسِ مِنْ الْوُصُولِ إلَى مُصَادِرٍ الْمَعْلُومَات وَأَسَالِيب التَّوَاصُل بِطُرُق لَمْ تَكُنْ مُمْكِنَةً مِنْ قِبَلِ. كَمَا سَاهَمَت هَذِه التِّكْنُولُوجْيات فِي زِيَادَةِ الْإِنْتَاجِيَّة وَالِإبْتِكَار فِي مُخْتَلَفٍ الْمَجَالَات. وَمَعَ ذَلِكَ، فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ، لَمْ يَكُنْ هَذَا التَّطَوُّرُ التِّكْنُولُوجْيّ مُتَاحًا بِالتَّسَاوِي لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ. فَقَدْ أَدَّى إلَى ظُهُورِ مَا يُعْرَفُ بِـ "الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة"، وَهِي الْفَجْوَةِ بَيْنَ مَنْ يَسْتَطِيعُونَ الْوُصُولِ إلَى هَذِهِ التِّكْنُولُوجْيات وَمَنْ لَا يَسْتَطِيعُونَ ذَلِكَ. هَذِهِ الْفَجْوَة لَيْسَتْ مُقْتَصِرَةً عَلَى الْبُلْدَانِ النَّامِيَة فَقَطْ، بَلْ تُلَاحِظُ أَيْضًا دَاخِلٌ الْبُلْدَان الْمُتَقَدِّمَةِ بَيْنَ مُخْتَلِفِ الْفِئَاتِ الْإجْتِمَاعِيَّةِ وَالِإقْتِصَادِيَّة. وَتَتَمَثَّلُ أَسْبَابِ هَذِهِ الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة فِي عِدَّةِ عَوَامِل رَئِيسِيَّة. مِنْهَا الْبِنْيَةِ التَّحْتِيَّةِ التِّكْنُولُوجِيَّة. التَّكَلُّفِة. الْمَهَارَات وَالْمَعْرِفَة. الْفَوَارِق الِإجْتِمَاعِيَّة وَالِإقْتِصَادِيَّة. فِي كَثِيرٍ مِنْ المَنَاطِقِ، لَا تَتَوَفَّرُ الْبِنْيَةِ التَّحْتِيَّةِ الْمُنَاسَبَة لِلِإتِّصَالَات وَالِإنْتِرْنِت، مِمَّا يُحَدُّ مَنْ إِمْكَانِيَّة الْوُصُولِ إلَى التِّكْنُولُوجْيَا. بِالرَّغْمِ مِنْ إنْخِفَاضٍ أَسْعَار الْأَجْهِزَة وَالِإتِّصَالَات فِي السَّنَوَاتِ الْأَخِيرَةِ، إلَّا أَنَّهَا لَا تَزَالُ خَارِج مُتَنَاوِل الْكَثِيرِين، خَاصَّةً فِي الْمَنَاطِقِ الْفَقِيرَة وَالنَّائِيَّة. كَمَا أَنَّ إسْتِخْدَامَ التِّكْنُولُوجْيَا بِفَعَالِيَّة يَتَطَلَّبُ مُهَارات وَخَبَرات مُعَيَّنَةٍ، وَهَذَا مَا قَدْ لَا تَتَوَفَّرُ لَدَى بَعْض الْفِئَات، كِبَارِ السِّنِّ أَوْ ذَوِي الْمُسْتَوَيَات التَّعْلِيمِيَّة الْمُنْخَفِضَة. تَمِيل الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة إلَى أَنْ تَكُونَ أَكْبَرَ بَيْنَ الطَّبَقَاتِ الِإجْتِمَاعِيَّةِ وَالِإقْتِصَادِيَّةِ الْمُخْتَلِفَة، حَيْثُ يَكُونُ الْوُصُولِ إلَى التِّكْنُولُوجْيَا أَسْهَل لِلْفِئَات الْأَكْثَرُ ثَرَاء وَالْمُتْعَلِّمَة. وَلِمُعَالَجَة هَذِهِ الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة، هُنَاكَ حَاجَةٌ إلَى جُهُود مُتَعَدِّدَة الْأَطْرَافِ عَلَى مُسْتَوَى الْحُكُومَات وَالمُؤَسَّسَات وَالْمُجْتَمَع الْمَدَنِيّ. وَيَجِبُ الْعَمَلُ عَلَى تَوْفِيرِ الْبِنْيَةِ التَّحْتِيَّةِ اللَّازِمَة، وَ خَفْض تَكَلَّفة الْوُصُولِ إلَى التِّكْنُولُوجْيَا، وَتَحْسِين الْمَهَارَات الرَّقْمِيَّة لَدَى الْفِئَاتِ الْمُخْتَلِفَة، وَتَبَّنِي سِيَاسَات تَعَزُّز الْمُسَاوَاةِ فِي الْفُرَصِ. وَمِنْ خِلَالِ هَذِهِ الْجُهُود الْمُتَكَامِلَة يُمْكِنُ الْحَدُّ مِنْ الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة وَضَمَان عَدَالَة الْوُصُولِ إلَى مَزَايَا التَّطَوُّر التِّكْنُولُوجْيّ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ.
_ دُورٌ الْعِلْمِ فِي الْحَدِّ مِنْ الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة
مِنْ نَاحِيَةِ أُخْرَى، يَلْعَب الْعِلْم دُورًا مُحَوَّريا فِي مُحَاوَلَةٍ الْحَدِّ مِنْ الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة وَسَدّ الْهُوَّةُ بَيْنَ الْمُجْتَمَعَات. فَالْعُلَمَاء وَ الْبَاحِثُون يَسْعَوْنَ إِلَى إِيجَادِ حُلُولٍ تِقْنِيَّة وَإبْتكارات تُيَسِّر وُصُول التِّكْنُولُوجْيَا لِأَوْسع شَرَائِح الْمُجْتَمَع، كَتَطْوير تِقْنِيَات رَخِيصَة التَّكَلُّفَة وَسَهْلَةُ الِإسْتِخْدَامِ. كَمَا تَسْعَى البُحُوثِ العِلْمِيَّةِ إلَى فَهْمِ الْأَسْبَاب الجِذْرِيَّة لِلْفُجْوَة الرَّقْمِيَّةِ وَكَيْفِيَّة مُعَالَجَتُهَا مِنْ مَنْظُورٍ إجْتِمَاعِيّ وَإقْتِصَادِيّ وَثَقَافِيّ. الْعِلْمُ لَهُ دُورٌ مِحْوَرَي فِي مُحَاوَلَةٍ الْحَدِّ مِنْ الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة وَ تَقَليص الْهُوَّةُ بَيْنَ الْمُجْتَمَعَات. الْعُلَمَاء وَالْبَاحِثُون يَعْمَلُونَ عَلَى إيجَادِ حُلُول تِقْنِيَّة وَإبْتكارات تُسَاعِدُ عَلَى زِيَادَةِ وُصُول التِّكْنُولُوجْيَا إِلَى أَوْسَعِ شَرَائِح الْمُجْتَمَع. ذَلِكَ يَتَضَمَّنُ تَطْوِيرِ تِقْنِيَاتٍ رَخِيصَة التَّكَلُّفِة وَسَهْلَةُ الِإسْتِخْدَام. عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، قَام بَاحِثُونَ فِي جَامِعة سِتًّانفورد بِتَطْوير جِهَازُ كَمَبِيُوتَر صَغِيرٍ لِلْغَايَة وَبِأَسْعَار مَعْقُولَةً لِيَتِمّ تَوْزِيعُهُ فِي الْمَنَاطِقِ النَّائِيَة وَالْفَقِيرَة حَوْل الْعَالَمِ. هَذَا الْجِهَازِ الذَّكِيّ بِتَصْمِيم بَسِيط وَمُوَاصَفَات مُتَوَاضِعَةٍ، لَكِنَّه يَسْمَح بِالْوُصُولِ إلَى الْإنْتَرْنِت وَالْخِدْمَات الرَّقْمِيَّة الْأَسَاسِيَّة كَمَا تُرْكَز البُحُوثِ العِلْمِيَّةِ عَلَى فَهْمِ الْأَسْبَاب الجِذْرِيَّة لِلْفُجْوَة الرَّقْمِيَّةِ مِنْ مَنْظُورًات إجْتِمَاعِيَّةٍ وَإقْتِصَادِيَّةٍ وَثَقَافِيَّة. الْبَاحِثُون يُحَلِّلُون الْعَوَامِلِ الَّتِي تُؤَدَّي إِلَى هَذِهِ الْفَجْوَة مِثْلُ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ فِي الدَّخْلِ، وَتَفَاوُت مُسْتَوَيَات التَّعْلِيم، وَ الْحَوَاجِز اللُّغَوِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّة. عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، دِرَاسَة أجْرَاهَا بَاحِثُونَ فِي جَامِعِة MIT حَلَلْت كَيْفَ أَنَّ ضَعْفَ الْبِنْيَةِ التَّحْتِيَّةِ لِلِإتِّصَالَات فِي الْمَنَاطِقِ الرِّيفِيَّة وَالنَّائِيَّة يُحَدُّ مَنْ وُصُول السُّكَّان المُحَلَّيَيْن لِلْخِدْمَات الرَّقْمِيَّة. كَمَا وُجِدَتْ الدِّرَاسَةُ أَنَّ تَكَالِيف الْإنْتَرْنِت وَالْأَجْهِزَة الرَّقْمِيَّة تُشْكِل عِبْئًا كَبِيرًا عَلَى الْأَسرِ ذَات الدَّخْل الْمُنْخَفِض. بِنَاءً عَلَى هَذِهِ الْأَبْحَاثِ، يَقُوم الْعُلَمَاء بِإقْتِرَاح حُلُولُ مُبْتَكَرَة لِمُعَالَجَة الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة. ذَلِكَ قَدْ يَشْمَلُ تَطْوِيرِ تِقْنِيَاتٍ لِتَحْسِين الْبِنْيَةِ التَّحْتِيَّةِ لِلِإتِّصَالَات فِي الْمَنَاطِقِ النَّائِيَةِ، أَوْ وَضَعَ بَرَامِج لِدَعْم وُصُول ذَوِي الدَّخْل الْمُنْخَفِض لِلْأَجْهِزَة وَ الِإتِّصَالَات الرَّقْمِيَّة. كَمَا تُسَاهِم الْأَبْحَاثِ فِي تَوْعِيَّةِ صَانِعي السِّيَاسَات بِالْأبْعَاد الْمُخْتَلِفَة لِلْفُجوة الرَّقْمِيَّةِ لِوَضْع إسْتِرَاتِيجِيَّات فَعَّالَة لِلْحَدّ مِنْهَا. يَلْعَب الْعِلْم دُورًا مُحَوَّريا فِي تَطْوِيرِ الْحُلُول التِّقْنِيَّة وَ التَّحْلِيلًات الِإجْتِمَاعِيَّةِ وَالِإقْتِصَادِيَّةِ اللَّازِمَة لِلْحَدِّ مِنْ الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة وَتَمْكِين وُصُول التِّكْنُولُوجْيَا لِجَمِيع شَرَائِح الْمُجْتَمَع. هَذِه الْجُهُود الْبَحْثَيْة تُسْهِم بِشَكْلٍ كَبِيرٍ فِي تَقْلِيص الْهُوَّة الرَّقْمِيَّة وَتَحْقِيقُ الْمُسَاوَاةِ فِي الْفُرَصِ الرَّقْمِيَّة.
_ التَّحَدِّيَات الْمَعْرِفِيَّة لِلْفُجْوَة الرَّقْمِيَّةِ
الْفَجْوَةُ الرَّقْمِيَّة هِيَ الْفَرْقُ فِي الْوُصُولِ إلَى التِّكْنُولُوجْيَا الرَّقْمِيَّةَ وَالِإسْتِفَادَة مِنْهَا بَيْنَ مُخْتَلِفِ المَجْمُوعَاتِ السُّكَّانِيَّة. هَذِه التَّحَدِّيَات الْمَعْرِفِيَّة لِلْفُجْوَة الرَّقْمِيَّةِ تَشْمَل الْعَدِيدِ مِنَ الْحَالَاتِ مِنْهَا : بَعْضُ الْأَفْرَادِ وَالْمَجْمُوعَات لَدَيْهِمْ مَهَارات تِقْنِيَّة مَحْدُودَةً أَوْ غَيْرَ كَافِيَةٍ لِلِإسْتِفَادَة بِشَكْل كَامِلٌ مِنْ التِّقْنِيَّات الرَّقْمِيَّة. هَذَا يُؤَدِّي إلَى صُعُوبَاتٍ فِي إسْتِخْدَامِ الحَوَاسِيب وَالِإنْتِرْنِت وَ تَطْبِيقَات التَّوَاصُل الرَّقْمِيَّة. الْعَدِيدَ مِنَ الأَفْرَادِ، خُصُوصًا كِبَارِ السِّنِّ وَالْأَشْخَاص ذَوِي الدَّخْل الْمُنْخَفِض، قَدْ لَا يُدْرِكُونَ فَوَائِد التِّكْنُولُوجْيَا الرَّقْمِيَّةَ أَوْ قَدْ لَا يَثِقُون بِهَا. هَذَا يُحَدُّ مَنْ رَغْبَتِهِمْ فِي تَبَنِّي وَإسْتِخْدَام التِّقْنِيَّات الرَّقْمِيَّة. فِي بَعْضِ الْمَنَاطِق، قَدْ تَكُونُ الْمُحْوَتَيات وَالْوَاجِهَات الرَّقْمِيَّةِ بِلُغَات لَا يَفْهَمُهَا جَمِيع الْمُسْتَخْدِمِين. هَذَا يَجْعَلُ مِنْ الصَّعْبِ عَلَى بَعْضٍ الْأَفْرَاد الِإسْتِفَادَةِ مِنَ الْخِدْمَات الرَّقْمِيَّة. الْبَعْضُ قَدْ لَا يَمْتَلِكُ الْمَعْرِفَة الْكَافِيَة حَوْل كَيْفِيَّةِ إسْتِخْدَامِ التِّقْنِيَّات الرَّقْمِيَّة بِفَعَالِيَّة. هَذَا يَحُدُّ مَنْ قُدْرَتِهِمْ عَلَى الِإسْتِفَادَةِ مِنَ الْفُرَصِ الَّتِي تَوَفُّرِهَا التِّكْنُولُوجْيَا الرَّقْمِيَّة. فِي بَعْضِ الْمُجْتَمَعَات، قَدْ تُوجَدُ إتِّجَاهَات سَلْبِيَّة أَوْ عَدَمِ قَبُولِ لِلتَّكْنُولُوجْيَا الرَّقْمِيَّة. هَذَا يُشْكِلُ عَائِقًا أمَام إسْتِخْدَامُهَا عَلَى نِطَاقٍ وَاسِع. بِشَكْلٍ عَامٍّ، تَتَطَلَّب مُعَالَجَةِ هَذِهِ التَّحَدِّيَات الْمَعْرِفِيَّة لِلْفُجْوَة الرَّقْمِيَّةِ جُهُودًا مُتَكَامِلَة لِتَحْسِين الْمَهَارَات التِّقْنِيَّة، زِيادَةِ الْوَعْيِ وَالثِّقَة، وَإِزَالَة الْحَوَاجِز اللُّغَوِيَّة وَالثَّقَافِيَّة.
_ الْعِلْمُ وَالْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة : عَلَاقَة مُرَكَّبَة ذَات جَوَانِب مُتَعَدِّدَة
الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالتَّقَدُّمِ التِّكْنُولُوجْيّ وَ الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة هِيَ عَلَاقَةٌ مُعَقَّدَة ذَات أبْعَاد مُتَعَدِّدَةٍ. مِنْ نَاحِيَةِ، شَكْل التَّطَوُّرُ الْعِلْمِيُّ وَالِإبْتِكَارُات التِّكْنُولُوجِيَّة الْأَسَاسُ الَّذِي أَدَّى إلَى ظُهُورِ هَذِهِ الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة وَتَفَاقُمِهَا عَلَى مَرَّ الزَّمَنُ. فَقَدْ سَاهِم إنْتِشَار تِكْنُولُوجْيَا الْمَعْلُومَاتِ وَالِإتِّصَالَات بِشَكْل سَرِيعٌ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي إحْدَاثِ هَذِهِ الْفَجْوَةِ بَيْنَ تِلْكَ الْمُجْتَمَعَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ المَنَاطِقِ وَالْفِئَات الْأَقَلّ حَظًّا فِي الْوُصُولِ وَالِإسْتِخْدَام الْفَعَال لِهَذِه التِّقْنِيَّات. فَبَيْنَمَا تَمَكَّنَتْ الدُّوَل الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ إسْتِثْمَار هَذِه التَّطَوُّرَات لِتَحْسِين مُخْتَلِفَ جَوَانِبِ الْحَيَاةِ، مِنْ التَّعْلِيمِ وَالصِّحَّة إلَى الِإقْتِصَادِ وَالتَّوَاصُل الِإجْتِمَاعِيّ، ظَلَّتْ فِئَات وَاسِعَةً فِي الدُّوَلِ النَّامِيَة وَالْمَنَاطِق الرِّيفِيَّة مَحْرُومَةٌ مِنَ الِإسْتِفَادَة الْكَامِلَةِ مِنْ هَذِهِ الِإبْتِكَارَات بِسَبَب الْعَوَائِق الِإقْتِصَادِيَّة وَالبُنْيَةِ التَّحْتِيَّةِ وَ التَّعْلِيمِيَّة. وَمَنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ هَذِهِ الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة نَفْسِهَا بِدَوْرِهَا قَدْ أَثَّرَتْ بِشَكْل سَلْبِيٌّ عَلَى مَسَار الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ وَالِإبْتِكَار التِّكْنُولُوجْيّ، فَالتَّرْكُيز عَلَى تَطْوِير الْحُلُول الرَّقْمِيَّة وَ التِّكْنُولُوجِيَّة الْمُتَقَدِّمَةِ دُونَ مُرَاعَاةِ إحْتِيَاجَات الْمُجْتَمَعَات الْأَقَلّ حَظًّا أَدَّى إلَى تَفَاقُمِ هَذِه الْفَجْوَة وَعَدَمُ تَمَكُّنٍ هَذِهِ الْمُجْتَمَعَاتِ مِنَ الِإسْتِفَادَةِ مِنَ ثِمَار التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ. فَعَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، تُشِير الْإِحْصَاءات إلَى أَنْ الدُّوَل الْمُتَقَدِّمَة تَسْتَحْوِذ عَلَى مَا يُقَارِبُ 70% مِنْ الْإِنْفَاقِ البَحْثِيّ وَالتَّطَوُّيري عَلَى مُسْتَوَى الْعَالَمِ، بَيْنَمَا تَنْخَفِض نَسَبَة الْبَحْث وَالتَّطْوِير فِي الدُّوَلِ النَّامِيَة إلَى حُدُودِ 30%. وَهَذَا التَّفَاوُتُ يَعْكِس عَدَم التَّوَازُنُ فِي الْقُدُرَاتِ الْبَحْثَيْة وَالِإبْتِكَارُيَة بَيْنَ الْمَنَاطِق الْمُخْتَلِفَةِ، مِمَّا يَنْعَكِس سَلْبًا عَلَى قُدْرَة هَذِهِ الْمُجْتَمَعَاتِ عَلَى سَدِّ الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة وَالِإسْتِفَادَةِ مِنْ التَّطَوُّرَات التِّكْنُولُوجِيَّة. لِذَا، فَإِنَّ مُعَالَجَة الْفَجْوَة الرَّقْمِيَّة يَتَطَلَّب نَهْجًا شَامِلًا يَرْبِطُ بَيْنَ تَطْوِير الْبِنْيَةِ التَّحْتِيَّةِ وَالتَّعْلِيم الرَّقْمِيّ وَتَعْزِيز القُدُرَات الْبَحْثَيْة وَالِإبْتِكَارُيَة فِي الْمَنَاطِقِ الْأَقَلّ نُمُوًّا، بِمَا يَضْمَنُ إسْتَفَادَة الْجَمِيعِ مِنْ الْفُرَصِ الَّتِي يُوَفِّرها التَّقَدُّمُ الْعِلْمِيّ وَ التِّكْنُولُوجِيّ. وَهَذَا يَتَطَلَّب تَضَافَر جُهُود الْحُكُومَات وَ المُؤَسَّسَات الدَّوْلِيَّة وَالْقِطَّاع الْخَاصّ لِسَدِّ هَذِهِ الْفَجْوَة وَضَمَان تَحْقِيقُ الْعَدَالَةِ الرَّقْمِيَّة.
#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الهُوِيَّات الرَّقْمِيَّةِ : -الْجُزْءُ الثَّالِثُ-
-
الهُوِيَّات الرَّقْمِيَّةِ : -الْجُزْءُ الثَّانِي-
-
الهُوِيَّات الرَّقْمِيَّةِ -الْجُزْءُ الْأَوَّل-
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق : الْوَاقِع الِإفْتِرَاضِي
-
أَخْلَاقِيَّات الذَّكَاءُ الِإصْطِنَاعِيّ -الْجُزْءُ الثَّان
...
-
أَخْلَاقِيَّات الذَّكَاءُ الِإصْطِنَاعِيّ -الْجُزْءُ الْأَوّ
...
-
الْعَقْل التِّقَنِيّ ؛ -الْجُزْءِ الثَّانِي-
-
الْعَقْل التِّقَنِيّ -الْجُزْءِ الْأَوَّلِ-
-
الوَعِي الإِيْكُولُوجِيّ: -الْجُزْءُ الثَّانِي-
-
اللاَّوَعِي الإِيْكُولُوجِيّ: -الْجُزْءُ الْأَوَّلُ-
-
عِلْمُ النَّفْسِ الإِيْكُولُوجِيّ
-
الْبَيُولُوجْيَا الِإصْطِنَاعِيَّة
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق: الْأَمْن الْبَيُولُوجِيّ
-
أَخْلَاقِيَّات التِّكْنُولُوجْيَا
-
فَلْسَفَة التِّكْنُولُوجْيَا: -الْجُزْءِ الثَّانِي-
-
فَلْسَفَةُ التِّكْنُولُوجْيَا : -الْجُزْءُ الْأَوَّلُ-
-
التِّكْنُولُوجْيَا
-
أَخْلَاقِيَّات الْبَحْثُ الْعِلْمِيّ
-
أَخْلَاقِيَّات الْإِعْلَام
-
الْأَخْلَاقِ البِيئِيَّة: -الْجُزْءِ الثَّانِي-
المزيد.....
-
بالخرائط.. خطة إسرائيل -لغزو- غزة لا تترك للفلسطينيين سوى مك
...
-
-لقمة مغمّسة بالدم-.. نهاية مأساوية لرحلة البحث عن الطعام في
...
-
بولندا: فوز القومي المشكك في أوروبا كارول ناوروكي في الانتخا
...
-
-تيك توك- في مرمى العلم: أكثر من نصف نصائح الصحة النفسية مُ
...
-
الدفاع الروسية: إسقاط صاروخين -ستورم شادو- بريطانيي الصنع خل
...
-
روسيا.. طائرات مسيرة تستهدف مقاطعة إيركوتسك
-
موسكو.. علاج شامل لطفل تعرض لإصابة نتيجة حادث في مقاطعة بريا
...
-
الوفد الأوكراني يلتقي في اسطنبول مع ممثلين أوروبيين قبيل الم
...
-
ألمانيا.. 11 رجل إطفاء وسيارتا إسعاف لإنقاذ رجل يبحث عن سماع
...
-
-فتنة أموال الدجوي في مصر-.. كاتب مصري يكشف أسرارا حول انتحا
...
المزيد.....
-
الآثار العامة للبطالة
/ حيدر جواد السهلاني
-
سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي
/ محمود محمد رياض عبدالعال
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|