أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد مضيه - في رفض الرضوخ للتفوق العرقي للغرب الامبريالي















المزيد.....

في رفض الرضوخ للتفوق العرقي للغرب الامبريالي


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 7239 - 2022 / 5 / 5 - 14:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الشعوب العربية لم تنفض من نفوسها مهابة الغرب رغم الخلاص من سيطرته الاستعمارية المباشرة بتضحيات جمة. تكشفت المهابة، تحت أضواء الأزمة الأكرانية، عنصرية تزدري الشعوب الملونة جمعاء ، ومن بينها الشعوب العربية ، وهي تمد بالقوة نظام الأبارتهايد الإسرائيلي.على الصعيد النفسي والحضاري أبقت شعوبنا وأنظمتها الأبوية هالة التفوق العرقي لدول الغرب الامبريالية ، فحافظت بذلك على تبعية مهينة ومعطلِّة للتقدم وبناء الحياة المستقلة." منذ البدء ونحن نعاني من شعور بالنقص تجاه الغرب؛ نستمد منه بدون تفحص او تقييم انماطا ونماذج من السلوك والفكر ونقبلها بلا سؤال لمجرد انها اوروبية أو أميركية المصدر"،هذا ما نبه منه المفكر والأكاديمي هشام شرابي قبل نصف قرن في مؤلفه "مقدمات لدراسة المجتمع العربي"، وذهبت تحذيراته أدراج الرياح. وفي نفس الوقت التقط نفس الظاهرة من منطلق علم النفس الاجتماعي مصطفى حجازي في مؤلفه "التخلف الاجتماعي .. سيكولوجية الإنسان المقهور"، ظاهرة "رضوخ لوّنت بخصائصها وصبغت بسماتها البارزة الأفكار الشائعة من التخلف بكل ما فيه من سلبية وجمود وخرافة وانحطاط . وهي التي شجعت الأحكام التبخيسية التي كونها المستعمر والمتسلط المحلي عن الشعوب المقهورة ، جاعلا من خصائص مرحلة واحدة طبيعة ثابتة لتلك الشعوب(حجازي:39). القهر السياسي الذي مارسته الامبريالية، ورثته الأنظمة الأبوية، حيث ابقت على الاستبداد السياسي، يشيع القهر ويحافظ على تخلف الحياة الاجتماعية، وتبعيها للامبريالية .
فضحت صحافة التقصي في الولايات المتحدة واوروبا عنصرية الغرب وساعدت على تعرية جذورها . "ان الحركات الفاشية والشمولية والعنصرية جميعا تستر نظم معتقداتها بغلالة من الأخلاق؛ فهي تعلن التقوى، والسعي لاستعادة القانون والنظام ، الصحيح والخطأ، طهارة الحياة، الفضائل المدنية والأسرية، الوطنية والتقليد، وذلك بهدف التستر على تفكيك المجتمع وإسكات واضطهاد كل من يعارضهم. تلك هي اللعبة التي يلعبها الفاشيون المسيحيون، الذين راحوا يشكلون منذ سبعينات القرن الماضي جمعيات ومؤسسات تمول بعشرات ملايين الدولارات، من تبرعات الشركات الكبرى، كي يستولوا على السلطة". تلك هي الحقيقة التي توصل اليها التقصي النقدي للصحفي الأميركي كريس هيدجز لجماعات المسيحية االصهيونية، دعاة العنصرية ضد الملونين والمسلمين بالولايات المتحدة الأميركية، والقاعدة السياسية لترمب راعي صفقة القرن..
ومن زاوية أخرى تناول الكاتب الصحفي الأميركي روبرت فانتينا ، سياسات أميركا الخارجية عارضا نماذج من التمويه الذي من خلاله تفرض الحكومات الموافقة على ألأنشطة العدوانية وقهر الشعوب. وآخر مؤلفاته ما يدل على رؤيته النقدية "البروباغاندا والأكاذيب، كيف تبرر الولايات المتحدة حروبها؟" وفي مقالته "روسيا وإسرائيل والميديا"، المنشورة يوم 19 إبريل يعقد مقارنات تكشف التمييز العرقي بين شعب فلسطين، المكشوف للعدوان الإسرائيلي المتواتر، وبين شعب أكرانيا بمسوغ مسيحيته واوروبيته ، هدف الغزو الروسي. التناقض في رؤى ميديا الغرب تجاه القضيتين يفسره فانتينا بالتمييز العنصري .
نقل فانتينا عن دانييل حنن في صحيفة تيليغراف:"يبدون مثلنا ؛ وهذا ما يصدمنا . أكرانيا بلد أوروبي ، وشعبها يشاهد برامج نيتفليكس ولديهم حسابات على الإنستغرام ، يصوتون في انتخابات حرة ويطالعون صحفا لا تخضع للمراقبة . لم تعد نازلة تنزل بشعب فقير يعيش بعيدا عنا ".
يتجاهل صحفي التلغراف إقدام زيلينسكي على حظر أحزاب المعارضة واعتقال أو مطاردة معارضيه من نواب ورؤساء بلديات وصحافيين واغتيال الكثير منهم ، ويصر مع ميديا الغرب على أن أكرنيا بلد ديمقراطي !!

يواصل فانتينا : المفارقة واضحة: قنابل تسقط على اوروبيين، بيض ، مسيحيين؛ ضربات تنزل من الجو على مسلمين بالشرق الأوسط. قصف بالقنابل مصنع أزوفستال ، حيث أوردت المقالة أن آلاف الأكرانيين المدنيين لاذوا به للحماية . اما عن شعب فلسطين في غزة فقد بثت هيئة الإذاعة البريطانية(بي بي سي)، بصدد العدوان الإسرائيلي على غزة قصفت صباح يوم 29 تموز 2014 مدرسة تابعة لوكالة الأنروا في مخيم جباليا وعليها علامة دالة، تؤوي أسرا تضم ثلاثة آلاف فرد أطفالا ونساءا ومسنين؛ هل صدر استنكار عالمي حينذاك؟ وفي آذار 2019 استنكرت الأمم المتحدة الهجوم على مخيم للاجئين في غزة ، حيث قتل سبة أفراد من بينهم طفلة في الرابعة من عمرها . مرة أخرى ، لماذا تجاهل العالم الجربمة؟
في العام 2021قتل بقنبلة قذفتها طائرة عشرة أفراد امرأتان وثمانية اطفال من اسرة واحدة- عفوا، ضربة جوية إسرائيلية على مخيم لاجئين في غزة . يجب الافتراض، نظرا لأنهم لا يشاهدون نيتفليكس ولا يهاجرون في ‘سيارات خصوصية تشبه سياراتنا’ لا يتطلب الأ مر ان يعنى احد بأمرهم؛ ومن غير المحتمل أن أيا منهم له عيون زرق وشعر أشقر !
.الى أن يقول : "طالبت حكومة الولايات المتحدة بإجراء تحقيق من قبل المحكمة الجنائية الدولية في احتمال وقوع جرائم حرب روسية في أكرنيا ( مثير للسخرية نظرا لكون الولايات المتحدة قد رفضت التوقيع على ميثاق روما لإنشاء المحكمة ، ولا تريد المحكمة ان تحقق في جرائم حروبها العديدة ). ومع هذا نددت حكومة الولايات المتحدة بالمحكمة لانها حققت في جرائم محتملة اقترفتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. فقط التحقيق يشمل ما يحدث في أكرانيا. ليس سرا ان العنصرية حية وتنتعش بالولايات المتحدة، ولا يثير الدهشة أيضا انها تبرز رأسها البشع على صعيد دولي ، مثلما اتضح بجلاء .
"أمر آخر يثير الاستغراب يزخم بالنفاق الأمريكي؛ فقد علق مرار على هذا النفاق كاتب هذه السطور وآخرون غيره . لنلاحظ عندما يقترف عدو الولايات المتحدة جرائم ضد البيض ومسيحيين أوروبيين بصورة رئيسة فأن الولايات المتحدة تقدم المساعدة للضحية ، اسلحة واموالا، وتدعم تحقيق المحكمة الجنائية الدولية. لكن حين تقترف حليفة الولايات المتحدة (إسرائيل) جرائم حرب ضد مسلمين بصورة رئيسة، وفي بلد شرق أوسطي، حسنا فالقضية مختلفة تماما؛ حينئذ يتساءل المسئولون في الغرب الامبريالي: ألا تمتلك إسرائيل المقدسة حق الدفاع عن نفسها؟"
ويدلق جونسون عواطفه أسلحة ومعدات لأكرانيا ، ليس تعاطفا مع شعب أكرانيا ، بل امتثالا لأوامر سيده في البيت الأبيض "إنهاك روسيا". يتناسى جونسون، وهو يدلق نفاقه، شراسة تاتشر، تحجرت عواطفها حيال مسلمسل من الشباب الإيرلندي أضربوا تباعا حتى الموت مطالبين بالحرية لوطنهم . لم يرتفع صوت يندد بفظاعات حكومة بريطانيا! أم نذكّر جونسون بما سردته الكاتبة الإيرلندية باولين مورفي في 8 أيار 2018 ، عطفا إنسانياعلى حوادث تراجيدية "لقتل الأطفال الفلسطينيين على أيدي لابسي البزات العسكرية" . فقد سقط برصاص جنود الاحتلال الإسرائيلي في 20 إبريل 2018، الطفل محمد أيوب من غزة؛ فأعاد اغتياله ومصائر الأطفال الفلسطينيين، الى ذاكرتها حوادث اغتيال أطفال إيرلنديين في عشرينات القرن الماضي على أيدي الجنود البريطانيين. في 21 يناير 1921 نفذ جيش تحرير إيرلندة عملية ناجحة ضد وحدة عسكرية بريطانية في موقع يدعى توريتنغاريف غلين؛ بعد ذلك قامت وحدة عسكرية تدعى ذا بلاك أند تانز بعمليات مطاردة للأطفال في تلك الناحية، إلى جانب حرق البيوت ومراكز المؤسسات. كانت البداية في منطقة توكناغري حيث كان مجموعة أطفال يلعبون في موقع خارج القرية وأطلقت عليهم دورية من الفرقة بلاك اند تانز النار من رشاشات أردتهم جميعا. ثم تلاحقت اغتيالات الأطفال. مداهمات واغتيالات وفرض حظر التجول، كما حدث بمدينة كورك يوم 23 يناير وطلب من السكان التجمع؛ وصلت شاحنة تحمل أفراد الفرقة واخذوا يطلقون النار لتفريق الجمهور . سقط بنيران الجيش أفراد منهم الطفل ابن العاشرة ريتشارد موراي مزقت قلبه رصاصة.
تواصل الكاتبة الإيرلندية، باولين مورفي، سرد حكايات همجية جيش الاحتلال البريطانيضد مسيحيين اوروبييين ذوي عيون زرق وشعر أشقر ووجوه بيض!!... وعمليات أخرى على أيدي فرقة الموت تلك لتستنتج ان الأطفال الفلسطينيين على غرار الأطفال الإيرلنديين خلال العامين 1920 -1921يلاقون الموت العشوائي، إذ يعتبرون أهدافا معادية. انه تقليد قوات الاحتلال على مر العصور.
يكشف ذوو الضمائر زيوف الحضارة الرأسمالية ، بينما يمعن ضحاياها في اوساطنا الإذعان لتبخيس الغرب، مبخسين الذات القومية . الغرب الحديث يقوم على العنف والاستغلال والكذب والتمويه وقهر الشعوب؛ والقاهر ينزع عن المقهور إنسانيته؛ "وبمقدار ما يبخس الإنسان المقهور ويفرض عليه الانحطاط والشقاء ، يصبح مستضعفا اتكاليا مستكينا . وهذا بدوره يؤكد في ذهن المتسلط اسطورة تفوقه وخرافة وغباء الإنسان المستضعف وعدم آدميته(حجازي:38). الإنسان في حضارة الغرب لا يكون القيمة الأساسية كما تدعي مثل الغرب ونظرياته؛ تقتضي المحافظة على النظام تضليل المجتمع المحكوم بما يغيب حقيقة النظام وإفرازات تركيزه على الأرباح القصوى. "التقدم الفائق الذي حققته بلدان الغرب في حقول الثقافة رافقه كبت فردي وقهر اجتماعي. اصبح ، كما قال ماركس، مغتربا عن نفسه وعن عمله وعن الآخرين؛ ومحروما من إنسانيته كما قال نيتشه؛ ومريضا بعصاب مزمن يحرمه السعادة الحقيقية في الحياة كما قال فرويد. اتفق المفكرون العظام الثلاثة على ان هذا المجتمع الغربي لا يقوم فقط على الاستغلال والقهر والعنف بل ايضا على مقدرة هائلة للكذب والتمويه على النفس وحجب الحقيقة عن الذات" . هذا ما أجمل به شرابي استقصاءاته لجوهر الحضارة الرأسمالية. وهذا لا يحجب عن الرؤى النقدية ما تزخم به حضارة الرأسمالية من علوم وتقان وثقافة تخفيها الدعاية الامبريالية. فلامانع من ان نستمد من الغرب نماذج وأفكارا ومواد لإنعاش حياتنا الاقتصادية وإعادة تنظيم مجتمعنا وإحياء ثقافتنا العربية ، شرط ان يكون ذلك مقرونا أولا بالتغلب على شعورنا بالنقص تجاه الغرب والغربيين؛ "تتجلى عقدة النقص في موقف الإنسان المقهور من العلوم والتقاني. فهو يضع نفسه مسبقا في موضع العاجز عن استيعاب التقنيات الحديثة . يظل أمامها مبهورا لأن الآلة بالنسبة له ليست اواليات تحكم بنيتها في كل مجموعة من القوانين الفيزيائية والرياضية ، بل هي كيان سحري يمت الى عالم يتجاوز عالمه"(حجازي:44)؛ ويقترن لالنقل عن الغرب ثانيا بضرورة خلع سيطرة الغرب الحضارية كما خلعنا سيطرته السياسية . ومن دون ذلك لا يمكننا ان نتفاعل معه التفاعل السليم ولا يمكننا التحررمنه، لأنه نفسي بينما الاستعمار السياسي والاقتصادي محسوس تسهل مقاومته.

مجتمع الغرب عنصري، الثراء فيه مشروط بإفقار المجتمعات النامية؛ تنطوي سياساته على قدر كبير من الكذب والتلفيق والتمويه. "المقدرة على التمويه والكذب يعبر عنها بالنزعة المثالية في التربية والتعليم وفي الثقافة الدينية. الطفل ينشأ على قيم المثالية –المحبة ، التعاون، الصدق والكرم الخ- التي يتعلمها لفظيا في البيت والمدرسة ، لكنه سرعان ما يكتشف تلقائيا ان هذه القيم مجرد ‘مثل’ لا ارتباط مباشراً لها بالحياة الواقعية والسلوك العام. وبالمثل يخترق الزيف قيم الحرية والديمقراطية والرفاه وكل ما يتباهى به الغرب الامبريالي من قيم .
علاوة على تبخيس الذات نجد النخب العربية تقلد المستبد فتتماهى مع أفعاله واحكامه وقيمه، حيث الموسرون يتباهون بالاستهلاك غير المرشد، وتتمظهر النخب بالوجاهة؛ كما نجد عناصر المقاومة الوطنية في فلسطين تضطهد الناس ويكرههم كل فصيل على تأييد مواقفه، خاصة أثناء الإضرابات. يقعدها الكسل الذهني عن خوض نضال ثقافي ينهض بمهام التربية السياسية والتعبئة النفسية والفكرية.

ضمن دائرة التخلف التي لم تجد المجتمعات العربية منها فكاكا تسربت الى النفوس على نطاق واسع رؤى المتسلط ، في انماط من تبخيس العنصر العربي عامة وتبخيس الجماهير الكادحة بوجه خاص، وهنا تكمن خطورة إغفال الطاقات الثورية الكامنة.في جماهير الشعب؛ فقد ترسخت بالنفسية الاجتماعية مشاعر إحباط بفعل هزائم النضال المسيّر بعفوية الانفعالية والارتجال في غياب الفكر والتنظيم ومع سطوة الأنظمة القمعية الأبوية العاجزة . تتشكل، بفعل ضغوط الاستبداد الأبوي، ما أسماها حجازي " عملية اجتياف"، أي ابتلاع في الجوف ، للتبخيس الذاتي . أبرز انماط التبخيس الذاتي هو " الإعجاب بالمتسلط والاستسلام له في ظروف التبعية الكلية. بمقدار ما ينهار اعتبار المجتمع لذاته ، يتضخم تقديره للمتسلط يرى فيه نوعا من الإنسان الفائق(حجازي:41). والرضوخ الذاتي يخفي تمردا خفيا يتجلى بنماذج عديدة منها الرياء والمخادعة والمراوغة والحداقة.. يصبح الكذب والنفاق جزءا من نسيج الوجود المتخلف على مختلف الصعد في جميع الظروف ".(حجازي:42)
كما تعزز تبخيسُ الذات والإعجابُ بالمتسلط في النفسية الاجتماعية بجريرة نمط من الاستعمار الثقافي، استمد قوته المهيمنة من هيمنة الثقافة الامبريالية من خلال النخب الثقافية الملتحقة بالنظم الأبوية المحدثة ؛ لامست الأبوية المتناسلة عبر قرون خلت تمدد الامبريالية فاكتسبت مناعة ضد التحرر والتقدم؛ وتدعمت ثقافتها المتخلفة بوسائل الإعلام الغربية وبشيوع القيم الاستهلاكية، الطاردة لتوجهات التنمية الاقتصادية والاجتماعية . النشاط الاقتصادي الاستهلاكي يفرز ثقافته ويرسخها في الوعي الاجتماعي بقوة رهيبة؛ هذا بينما الاقتصاد الإنتاجي بمنطوياته من "التقنيات المتقدمة تفرض على المتعامل معها التجرد العاطفي وتنمي العقلانية والواقعية والمنطق والترتيب والدقة من اجل حسن تسييرها؛ كما ان المثل الأعلى الإنتاجي يخلق نماذج بشرية مركزة حول الفعالية والإنتاج كقيمة اساس موجهة للذهن والسلوك الفكري، ويصفي ترسبات الفكر الغربي السائد في ثقافتنا الحاضرة، والذي قبِلته أجيال المثقفين السابقة دون تردد ووضعته مثلا اعلى لكل علم وفن ومعرفة في العالم". (شرابي:91) اهتم شرابي وحجازي بإبراز التبعية الثقافية ، مشيرين الى أن عدوان الامبريالية يوجب إعطاء الأولوية في نضالات التحرر الوطني والاجتماعي لثقافة التحرر والديمقراطية . حقا في مرحلة الثورة المعلوماتية وتكنولوجيا المعرفة باتت الثقافة قوة هيمنة تلعب دورا مقررا في حياة المجتمعات كافة، وبما يفوق تأثير السياسة والاقتصاد.
"ان مسألة إدخال تعريب العلوم المضبوطة وتدريسها باللغة الأم هي من مسائل الساعة؛ وهي تمس قضية ديمقراطية التعليم في الصميم ؛ فاللغة تشكل الذهن وتحدد النظرة الى الوجود. هناك جدلية بين اللغة والواقع وبين اللغة والفكر، وعلى هذا فإن الصيغ اللغوية تؤثر في الذهن وتنظم التفكير بشكل معين"(شرابي 79). يكون العائد على التفكير أفضل، ويدخل نسيج الثقافة الوطنية إذا ما أدخل العلم في الإنتاج او قارب مشكلة أو قضية اجتماعية.
بدون المقاربة النقدية لمنجزات الغرب العلمية نسقط ضحايا أكاذيب وتلفيقات الدعاية الامبريالية ؛ فالنقد موقف من العالم ومن الحياة. . ونقد الغرب لا يترجم عمليا رفض الغرب وثقافة الغرب وعلمه بلا قيد او شرط. " التصنيع ليس مجرد إدخال الآلة في الإنتاج على نطاق واسع؛ إنما هو مجمل الخصائص التقنية والاجتماعية والذهنية المتولدة من خلال التعامل مع الآلة ، ومع العلم المدخل في العملية الإنتاجية"(حجازي:74). والقراءة النقدية والرؤى النقدية وسائل استيعاب التجارب البشرية . النقد طريقة للحياة، وليس مهنة، إنه وسيلة تتيح لصاحبها أن يسأل ويتوقف ويناقش، وتسمح له بأن يعرض ويحلل، ويفك ويركب، ويقارن ويوازن، ويصل إلى الحكم السليم، مهما كان الموضوع أو القضية. النقد وسيلة لاكتشاف ما وراء تعقيد الموقف أو المشكلة، عين تنظر إلى ما هو جوهرى، وتفصله عما هو فرعى أو هامشى، وهو أسلوب للتعامل مع كل ما فى الحياة اليومية، قبل التعامل مع النصوص والأعمال الفنية. ومن ثم كان الإدراك الذاتي والمعرفة النقدية والوعي الاجتماعي فهما وإدراكا وعملا ، في معالجة أي معضلة. نتوقف عند مصطلح صيغ برسم التضليل، مثل " تحريك الأسعار" بدل رفع الأسعار، و"العالم الحر" و" المال العام" و " ممثلي الشعب" ، و" تفوق العرق الأبيض"الخ ؛ فنكتشف أن اللغة وسيلة للخداع، مثلما هى وسيلة للعلم والمعرفة، هذا نموذج بسيط للحس النقدى. .
مقدرتنا على مجابهة التحدي الحضاري تتوقف في النهاية على أمرين : فهم صحيح لحقيقة الغرب ولما نريده من الغرب وثانيا القدرةعلى تخطي نظرية التحديث ونظرية التقليد في مجابهتنا للغرب والسير في طريق حضاري مستقل.
التحرر الذاتي شرط لتحرير الوطن. تحرير النفس من عقد النقص ومن النقل التجريدي للأفكار والمقولات، وقبل هذا كله التخلص من نزعة الاضطهاد والكبت . فالتحرير الاجتماعي مرتبط بتغيير العلاقات الثلاث، العلاقة مع الطفل والعلاقة مع المراة والعلاقة فيما بين أفراد المجتمع تصوغها جميعا النظرة النقدية المرشدة بقيم الديمقراطية والثقافة العلمية.











.



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ديمقراطية برسم التصفية في حاضرة الامبراطورية الامبريالية
- حال الديمقراطية في أرجاء الامبراطورية الامبريالية
- هشام شرابي المفكر الماركسي-3
- هشام شرابي المفكر الماركسي-2
- الشيوعيون سعوا لتجنب النكبة ولم ينصاعوا لموقف سوفييتي
- هشام شرابي المفكر الماركسي - الحلقة الأولى
- كيف نقلم التناقضات بين نضالات توجب التحالف والوحدة
- داخل روسيا يحسم الصراع حول أكرانيا
- متاهة قوى التغيير الاجتماعي .. مازق التحرر الوطني
- يوم الأرض في التصدي لاحتلال اقتلاعي
- يوم الأرض-1
- وحشية أميركا في العراق فاقت بكثير ما تقوم به روسيا في أكراني ...
- المسئولون عن غزو العراق مجرمو حرب يعاقبون روسيا!
- سيمور هيرش في استقصاءاته الصحفية- الحلقة الأخيرة
- سيمور هيرش في استقصاءاته الصحفية-6
- سيمور هيرش في استقصاءاته الصحفية -5
- سيمور هيرش في استقصاءاته الصحفية -4
- سيمور هيرش في استقصاءاته الصحفية-3
- سيمور هيرش في مذكرات استقصاءاته-2
- سيمور هيرش في مذكرات استقصاءاته .. -1


المزيد.....




- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...
- حادث مروع يودي بحياة 3 ممرضات في سلطنة عمان (فيديوهات)
- تركيا.. تأجيل انطلاق -أسطول الحرية 2- إلى قطاع غزة بسبب تأخر ...
- مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل جديدة ومفاجآت مدوية عن جريم ...
- البنتاغون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ ...
- مصادر: مصر تستأنف جهود الوساطة للتوصل إلى هدنة في غزة
- عالم الآثار الشهير زاهي حواس: لا توجد أي برديات تتحدث عن بني ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد مضيه - في رفض الرضوخ للتفوق العرقي للغرب الامبريالي