أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد مضيه - سيمور هيرش في استقصاءاته الصحفية -4















المزيد.....


سيمور هيرش في استقصاءاته الصحفية -4


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 7184 - 2022 / 3 / 8 - 12:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


خوض في الوحول .. نووي إسرائيل و الجريمة المنظمة والاحتكارات
في هذه الحلقة يدخل سيمور هيرش في أعشاش الدبابير، صارع طواغيت المال والجريمة المنظمة وإسرائيل النووية . في اميركا يدوس الجميع بازدراء على القوانين، وتتطاول الأذرع السلطوية على المصلحة العامة، وتكون هذه هي الضحية. تكشف مكمن إفساد الحياة السياسية وتخريب النشاط النقابي بالتعاون بين الجريمة المنظمة ونشاط الاحتكارات والسلطة السياسية ، خاصة انتخابات الكونغرس. في ما يلي مختصر تجربة سيمور هيرش مع أخطر عمليات التقصي كمن يصارع ملك الغاب في عرينه:
خيار شمشون
عنوان كتاب أصدره سيمور هيرش عام 1991، تناول الإذعان الأميركي لقرار إسرائيل بامتلاك السلاح النووي وتصنيعه. "إثر النجاح المدهش الذي حققه ميناحيم بيغن وحزب الليكود في انتخابات 1977بدأ الخارجون من الحكم يتحدثون عن كيفية حصول إسرائيل على القنبلة النووية وكيف أن أميركا لم تفعل شيئا لوقفها.[390] لا يمكنني كشف هوية ضباط المخابرات المركزية الأميركية الذين أصيبوا بالفزع نتيجة معرفتهم بالمساعدة السرية التي قدمتها أميركا للبحوث الإسرائيلية في هذا الشأن... كما يبدو فقد اقتحمْتُ داخل مخطط يتعلق بدور روبرت ماكسويل، الناشر الصحفي البريطاني، بالتعاون مع نيكولاس ديفز وعلاقتهما بجهاز الموساد، ودور ماكسويل في الإيقاع بمردخاي فعنونو، الذي عمل في البرنامج النووي والقبض عليه ونقله الى إسرائيل للمحاكمة بتهمة الخيانة والتجسس. كان فعنونو قد زود صحيفة بريطانية بتفاصيل عن البرنامج النووي الإسرائيلي واختفى عن الأنظار.اوضحْتُ في كتابي أن ديفز قد عمل أحيانا في تهريب السلاح . اثارت الاتهامات موجة إنكار واستنكار وتوجيه اتهامات معاكسة ، بحيث طلعت الديلي مرر( يصدرها ماكسويل) بعنوان كبير ‘ التزوير’ حول إحدى الوثائق التي استعنت بها ، ثم طلعت الصحيفة الأخرى (صنداي مرر) بعنوان اكبر ‘ انت كذاب’ في حين ثبتت صحة وثائقي.[391] رفعت حماعة المِرُر شكوي ضدي، خاصة بعد أن وجد ماكسويل ميتا بشكل غامض في يخته عام 1991، في مياه الكناري. رفضت المحكمة الشكوى ؛ فقدمت بدوري ، ونتيجة لنصيحة محاميّ، مايكل نسبَوم، شكوى معاكسة. تم التوصل الى اتفاق قضى بالاعتذار وتعويض مالي بمبلغ كبير لا أستطيع البوح بمقداره ، بموجب نصوص الاتفاق.[391]
كانت لدي آمال عريضة بمبيعات الكتاب في أميركا ، حيث أن ما كشفه حول حجم ترسانة إسرائيل النووية أصبح القصة الرئيسة في صحيفة التايمز منذ أن نزل الكتاب الى الأسواق خريف 1991.لكنه سرعئان ما أصبح واضحا اننا نواجه قوة إسرائيل ونجابهها ، لأن نظرة تحليلية للدور الأميركي منذ رئاسة أيزنهاور ومن جاء بعده من الرؤساء هو الإذعان وتحاشي مجابهة إسرائيل بخصوص سلاحها النووي السري... غمرتني موجة من الدعوات للحديث عن الكتاب في مختلف الكنس اليهودية بمختلف ألوانها ونزعاتها . كان من أسوأها الفوضى، حين انطلق العديد من الحاضرين بالصراخ استنكارا لوجودي، خاصة حين ذكرت كيف ان رؤساء أميركا قد تغابوا، واحدا إثر الآخر، وأشاحوا بأبصارهم بعيدا ، كي لا يروا إسرائيل تنتج الأسلحة النووية. ما عنيته هو نفاق أميركا ومساعدتها المكشوفة في طول الشرق الأوسط وعرضه، وهي تدعي انها تحاول منع انتشار الأٍسلحة النووية وامتلاكها.. اشتدت عدوتنية الحاضرين وانا مستمر في كلامي مما اضطرني في النهاية أن أقطع حديثي واستميح الحاخام العذر كي أغادر قبل دقيقتين من نهاية اللقاء.[393]
الكتاب هيأ لي نظرة تبصر في واقع العالم العربي. ظهر الكتاب قبل أيام من انعقاد مؤتمر مدريد-أكتوبر 1991... لقد أعطى كتابي الفرصة المباشرة للشعوب العربية كي تفكر وتناقش العواقب العسكرية والسياسية المترتبة على امتلاك إسرائيل لترسانة نووية. تلقيت دعوات من عدة بلدان عربية للتحدث ... اقترحت ان يتفقوا على مكان واحد يختارونه في الشرق الأوسط، ليس لدي الوقت لأناقش الموضوع في خمس او ست عواصم عربية، وعليه لم أسافر هناك [393] الدرس الذي تعلمته انه سيتحقق السلام في العالم في وقت ما بين البيض والسود وبين روسيا واميركا وبين الأغنياء والفقراء قبل التوصل الى اتفاق بين العرب والإسرائيليين[394].

البحث عن كورشاك
التقيت بمحام ذكي يدعى آدم ولنسكي عمل في مكافحة الجريمة المنظمة، وشجعني على أن أكتب مقالة عن محام في لوس أنجلس اسمه سدني كورشاك، صوّره لي على أنه لاعب رئيس في ميدان الجرائم المنظمة ، العصابات. له علاقات عديدة مع العديد من القادة الفاسدين في نقابات العمال ، خاصة نقابة سائقي الشاحنات قبل وقت بعيد من تولي جيمي هوفا لتلك المهمة.... أبلغني ولنسكي أنني إن تابعت موضوعه فمن الأفضل الاستعانة بشخص اسمه جَف غِرث، طالب دراسات عليا بجامعة كولومبيا ، لكنه لم يكمل دراسته هناك ، كان أفضل من كتب لمختلف وسائل الإعلام عن العصابات والمنظمات الإجرامية"[347] . عثرت على غِرث وعرضت عليه العمل معي ووافق..."استطعنا الحصول على ملف سري للغاية عن كورشاك في مكتب التحقيقات الفيدرالية. اظهر الملف كيف تحول صاحبنا من محام صغير في شيكاغو ووسيط، الى شخص له علاقات ولعدة عقود مع شخصيات معروفة مثل لِو واسِرمن ، الوكيل الكبير للأعمال السينمائية في هوليوود، وكذلك زعيم الحزب الديمقراطي في الولاية. كان بإمكان كورشاك أن يوقف إضرابا لسائقي الشاحنات العاملين في نشاطات هوليوود بمكالمة هاتفية واحدة؛ ولديه القوة لإنقاذ سمعة فرانك سيناتراالمهنية وإعطائه دورا رئيسا في فيلم (من هنا وإلى الأبد).. نقل عن صحفي التايمز الراحل جيمي برسلين قوله ان عصابات الجريمة المنظمة يقودها 9 إيطاليين ويهودي واحد.[348]
يشير ملف مكتب التحقيقات الفيدرالية ان كورشاك ارتكب خلال حياته المهنية خطأ واحدا ، فقد غدر بأحد رجال الأعمال في شيكاغو بالشهادة ضده في قضية شكوى طلاق. يمتلك رجل الأعمال المذكور عدة مخازن في نيويورك، المدينة التي تمتاز بوجود نقابات عمال قوية ، والذي استعان بصاحبنا هذا في الأربعينات ليقدم رشاوى لنقابة سائقي الشاحنات . حصل قادة النقابة على المال وانخفضت كلفة نقل البضائع، ولم يحصل أعضاء النقابة الآخرون إلا على الفتات"[348]...خيانة قائد في عصابات الجريمة المنظمة ليس بالأمر الهين، لكنني و جَف عملنا ما بوسعنا أن نغطي على هوية مخبرنا ، فقادنا الى أشخاص آخرين مسّهم أذى كورشاك ورغبوا في التحدث عن الموضوع"[349]
لم أعرف حتى تلك الساعة عن مدى تغلغل عصابات الجريمة المنظمة في المجتمع الأميركي ، حتى حلول تلك الأمسية من ربيع 1976 حين تلقيت مكالمة هاتفية من جون فان دي كمب، المدعي العام لمنطقة لوس انجلس، الذي كان يحاول مساعدتنا في قضية إعداد تقريرنا: ‘إذهب الى أقرب تلفون عمومي في أحد حوانيت البقالة واتصل بي في الحال. الأمر خطير’ أعطاني رقم هاتفه الخاص...." [349] امتثل هيرش ،" اتصلت بصاحبي اخبرني انه علم من بعض المقربين أن كورشاك حصل على معلومات عن سفري وتنقلاتي وسجلا بأرقام الهواتف التي اتصل بها من مكتب التايمز. وهذا يعني ان مصادري ومصادر جَف السرية قد تم كشفها واننا جميعا في خطر. كنت استعمل بطاقة ائتمان من التايمز لدفع نفقاتي للسفر والتنقل والاتصالات الهاتفية. كانت القائمة الشهرية للبطاقة والتي دفعتها الصحيفة تحتوي على كافة المعلومات المذكورة. كل من تكلمت معهم أو اتصلت بهم عرضة للانتقام. قمنا بتحذير الجميع،...اكتشفنا أن أحد العاملين في مكتب حسابات الصحيفة، وهو المسؤول عن استلام قوائم الصرف ومراجعتها وتسديدها، من شيكاغو وله ارتباطات سرية بتلك العصابات؛ فتقرر فصله ولكن ليس بشكل سريع، كما تم إشعاري. كما وجدوا طريقة أخرى لتغطية نفقاتي ." [349]
كان محامو كورشاك في لوس انجلس يبعثون رسائل التهديد الى إيب روزنثال وبقية المحررين. خلال رحلتنا الأخيرة الى لوس انجلس قبل نشر مقالتنا المكونة من أربعة أقسام طرأت لي فكرة ان اجرى اتصالا هاتفيا باستعمال رقم كورشاك المتوفر لدينا في مكب التايمز. رد شخص على المكالمة فقدمت نفسي وطلبت ان أتحدث مع السيد كورشاك. مرت لحظة صمت، ثم عاد المتحدث ليقول بصوت ناعم، ‘ياسيد هيرش لقد شوهت سمعتي في مختلف وسائل الإعلام في طول البلاد وعرضها’، ثم أضاف‘انت شخص متخصص في الكتابة عن المذابح والخنادق الملأى بالدماء’. تحدث لبضعة دقائق أخرى عن الدم والقتل والتعذيب والذبح ، ولم يفتني طبعا ما كان يقصد بذلك الكلام . لقد هددني دون ان يفصح عن ذلك. هزني كلامه وعجبت لجرأته."[350].
تعرضت المقالة لكثير من المراجعات بسبب ما يمكن أن تثيره من قضايا قانونية. أعيدت صياغة مقاطع باكملها ، ما دفعني عصر أحد ألأيام ، وانا في ذروة امتعاضي ، ان أرمي آلتي الكاتبة عبر شباك مكتبي، والذهاب الى البيت مبكرا. عدت في اليوم التالي لأجد انه تم تنظيف المكتب من قطع الزجاج، كما جرى استبدال الشباك، ولم يقل لي أحد كلمة عما حدث[350]. أصبحت المقالة اخيرا جاهزة للنشر في يوم الأحد في مطلع شهر يونيو. وفجاة ودون سابق إنذار أعلنت نقابة سائقي سيارات الشحن والنقل إضرابا مشكوكا في عصر اليوم الذي سبق النشر، فلم تصل نصف مليون نسخة من الجريدة الى خارج نيويورك لعدة أيام. يبدو ان شخصا ما داخل الجريدة ما زال على اتصال بتلك ‘الجماعة، وعرف بموعد النشر فأُعلِن الإضراب. من سخرية القدر ان ذلك العدد من المقالة لم يحتو على الجزء الأول المتعلق ب كورشاك ؛ سحب في اللحظة الأخيرة ليلقي مكتب أيب والمحامون عليه نظرة اخرى. نشر المقال بعد أسبوعين فبدات المشاكل مع نقابة السواق. شعرت ان أيب وكبار المسئولين في الإدارة لم يعتقدوا أن تلك السلسلة من المقالة استحقت المال والوقت اللذين صرفا عليها، بما فيه وقتي ووقت المحررين الذين قاموا بالمراجعات المتكررة . دعاني أحد كبار المحررين بالصحيفة الى مكتبه...أبلغني أن ‘اللاعبين الكبار’ في الشركات الاحتكارية ممن يلتقي بهم عادة للعب التنس يوم الأحد في جنوب ولاية كنتكت كانوا سعداء وأثنوا على المقالة، التي أستهدفت إسقاط كورشاك."[351]
" كان احد هؤلاء هو المدير التنفيذي لشركة كبرى تضم استوديوهات هوليوود. كانوا يعدون لإنتاج فيلم فحدث نزاع مع نقابة العمال أدى الى توقف الإنتاج... من يقدر على حل المعضلة هو كورشاك.أخبر كورشاك بالموقف.... اتصل جماعته والغي الإضراب خلال وقت قصير جدا.... تحاشى كورشاك السؤال عن الأجور المطلوبة... اتصل كورشاك بالمدير التنفيذي بعد عام تقريبا ليخبره أنه في نيويورك ويريد ان يزوره في مكتـبه...قال انه يحب ان يكون عضوا في مجلس إدارة الشركة، كان المدير التنفيذي يعرف من هو كورشاك ومن يمثل ، كما يعرف استحالة ضمه لمجلس الإدارة. أصيب بالرعب ، وفي النهاية بعث شيكا بمبلغ 50 أو 100 ألف دولار، حسب قول المحرر الذي لم يتذكر المبلغ جيدا ، الى الفندق الذي أقام فيه كورشاك. وكانت نهاية القصة."[352] امتنع الصحفي عن ذكر اسم المدير التنفيذي. "اخبرته ان زميله في لعبة التنس قد خالف مجموعة من القوانين حول مكافحة الابتزاز والقوانين المناهضة لرشوة النقابات، ويجب كشف ذلك... الفساد يعني الفساد ، ويجب كشفه وعدم التستر عليه. كانت لحظات حرجة ازدادت تعقيدا حين واصلت حديثي بالإصرار على طلبي، وهو الأمر الذي جعل المحرر أن يامرني غاضبا بمغادرة مكتبه"[352-53]
لقد غمرتني سعادة بالغة لإعداد مقالتي عن كورشاك ونشرها ...ما كنت أتابع ضابط مخابرات رفيع المستوى ، بل شخصا مدفونا بعمق داخل الدوائر الرسمية في واشنطون، ولا يتوقف عند نشر موضوع ينتقده ، بل يسعى لإيجاد طرق أخرى لممارسة نشاطاته.
في الحقيقة كان هدفي أبعد من كورشاك، انه الصفقات لدى الشركات الاحتكارية، التي ساعدته ووفرت له الحماية. كنت آمل أن المقالة بأجزائها الأربعة ستحرج العاملين في مجال الإعلام في لوس أنجلس الذين لم يجرأوا على قول الحقيقة. الصحفيون الذين تابعوا عصابات الإجرام المنظمة عرفوا ما حققناه ، انا وغرث. كتب سدني زايون ، الصحفي من نيويورك والذي له معرفة بأن الوضع غير طبيعي، مقالة عام 1996 لصحيفة نيويورك ديلي نيوزصور فيها كورشاك بأنه لا يمكن المساس به وسماه ‘رجل الغموض’. افاد زايون أن أحد منتسبي مكتب التحقيقات الفيدرالية قد حذره مرة من التعرض لكورشاك. ‘ ‘قام قبلك لوبي كندي ووزارة العدل والصحف ومجلس الشيوخ بمحاولات ؛ فلم تثمر محاولاتهم شيئا. إن كورشاك لديه مناعة فلا تضيع وقتك’. قال ذلك خلال حفلة في منزل لِو واسرمن في لوس أنجلس جرت يوم نشر الجزء الأول من مقالة كورشاك. اختتمت الجزء الرابع من المقالة.[353] "لا احد يريدان يتكلم عن قصة التايمز حول سدني؛ لكن الحاضرين كانوا يتبادلون الهمس . وحين دخل سدني الباب فجاة ، عم صمت مطبق على المكان لحد ان باستطاعتك سماع صوت إبرة . تقدم واسرمن نحو سدني وفتح ذراعيه واحتضنه بحرارة . تنفس عندها الحاضون الصعداء واستمرت الحفلة’" [353-54] اختتمت الجزء الرابع من المسلسلة بالقول ، ‘ إن المهمة الأساس للصحافة في رأيي هي ان تطرح الأدلة حول جدية التهديد للمصلحة العامة امام المواطنين. وحين تظهر تلك الأدلة مشاكل مزمنة وضعف رئيسي وقصور في المؤسسات فالمطلوب هو التغيير...’"[354] .
"لم نستطع جَف وانا ومكتب التحقيقات ان نربط بينه وبين إحدى جرائم القتل حينها ، رغم معرفة انه لو أشر بإبهامه نحو الأسفل ، فإن ذلك يعني موت شخص ما . حاولنا ان نقنع ابنة اخيه ان تخبرنا شيئا عنه، بعد أن ساءت علاقتها بأفراد العائلة وابتعدت عنهم . قدمت لنا القهوة ، واكتفت بالقول انها لا تستطيع الحديث عن العم سدني ، لأنها تخاف على حياتها.... تلقيت بعد عدة اشهر مكالمة من الفتاة ذكرت حادثة جرت في خريف 1960 لأحد السياسيين المحليين ، الذي كان ذا توجه إصلاحي . كنت قد كتبت عنه في المجلة الأسبوعية التي كتبت فيها في قتل ذلك الشخص بطريقة العصابات."[354]
اتصلت بي ثانية واخبرتني عن حادثة أخرى جرت قبل 25عاما شريطة ان لا أنشرها في حينها . "كنت في الثانية عشرة خلال أعياد رأس السنة اليهودية حين قاد سيارة كاديلاك كنت بها مع ولديه من جيلي ، متوجهين الى بيت كبير العائلة، الذي عرفته بكونه شخصا خطرا . كان الأطفال يمرحون ورددوا أغنية عن ‘ تعليق الزنجي من أصبع رجله’. اوقف السيارة في الحال، التفت الي وصفعني بقوة على خدي قائلا ‘لا نريدهم أن يتحدثوا عنا بهذه الطريقة ولا نريد ان نتحدث عنهم بمثلها ’! تقول البنت انها خافت وبكت بشكل هيستيري. بعد الوصول الى البيت "جلب احدهم جهاز التلفون للعم سدني ، قائلا له إنها مكالمة عاجلة. استمع كورشاك لدقيقة ورد ‘ حسنا انكم انهيتم هذا الغوييم(واحد من الأغيار)!’استمرت الحفلة وطلعت صحف اليوم التالي وهي تحمل تقارير عن تصفية سياسي إصلاحي في جنوب غرب شيكاغو على يد أفراد عصابة مجهولين. احببت أن أقتنع ، وفي الحقيقة لدي قناعة ، أن المغدور هو من كتبت عنه في حينها"[355].
درس رائع في الديمقراطية
ورد اسم كورشاك بعد سنتين خلال وجبة غداء مع جامعي التبرعات للحزب الديمقراطي. حاجة ماسة للتمويل السريع، أشيربالاتصال بشخص اسمه لِو واسرمن ، الذي نصح بالاتصال بشخص يدعى كورشاك واعطاه رقم هاتفه. كان حينها في لاس فيغاس(مدينة القمار، يملكها اليهودي الراحل شيلدون أديلسون) واقترح الساعة الحادية عشرة للقاء. حضر كورشاك الرابعة مساء اليوم التالي في فندق. أشار كورشاك الى اثنين من مرافقيه ان يهتما بالشخص القادم من واشنطون لأنه سيكون مشغولا مع آخرين. اخذه الرجلان الى كازينو ملأى بالرواد ودفعا جانبا الأشخاص الموجودين حول إحدى طاولات القمار. جلس الرجلان ومعهما جامع التبرعات والمرأة المسئولة عن الطاولة. سألا صاحبنا : ‘ هل تعرف هذه الللعبة؟’ اجاب بالنفي، فقالا : ‘لا يهم ، إفعل ما نطلبه منك!’ طلبا من المرأة وضع ما يعادل عشرة آلاف دولارمن الرقاق على الطاولة ، وقالا لصاحبنا ان يرمي الزهر على الطاولة فتلقى منهما التهنئة بالربح. وفعلا ذلك لعدة مرات حتى تجمعت قطع الرقاق بشكل كثير امامه على الطاولة . قالا عندها لصاحبنا : ‘ خذ قطعك واصرفها لدى أمين الصندوق في الكازينو!’ فعل ذلك وعاد الى واشنطون محملا بالمال الكافي لتغطية نفقات الحملة الانتخابية لعدد من الأسابيع. كان ذلك درسا رائعا في الديمقراطية حين توضع موضع التطبيق"[356].
في حقل ألغام
جعلتني مقالتي عن كورشاك أكثر اهتماما بمتابعة التداخلات بين الجريمة المنظمة والسياسة والشركات الكبرى في هذا البلد ، ومعهم طبقة العمال ونقاباتهم في فترة السبعينات. كانت شركة غلف أند ويسترن، إحدى كبريات التكتلات الأميركية ، رئيسها تشارلز بلودورن، تضم دار نشر وشركة أفلام وشركة ماديسون سكويركاردن، ومالكي فريق الهوكي في نيويورك وفريق كرة السلة أيضا.. في العام 1977 خضعت لما يقرب من 14 تحقيقا من قبل لجنة الأرواق المالية والبورسات (سيك). "كان رئيس قسم قرض التعليمات في اللجنة المذكورة ،ستانلي سبوركين، يملك ورقة رابحة ؛ فقد أدين بالاختلاس أحد المرتبطين الرئيسين برئيس الشركة، وتعاون مع لجنة (سيك) بدلا من قضاء فترة العقوبة وراء القضبان... كنت ألعب التينس مع المدعي العام، روبرت موركنثاو، الذي كان مكتبه يجري تحقيقا حول ممارسات شرك غولف أند ويسترن، سببت إزعاجا لسبوركين. كان التحامل شديدا على بلودورن، واستهدفوا شركته. كنت آنذاك أضغط داخل التايمز للحصول على ترخيص كي نقوم ، انا وغِرث بإعداد تقريراستقصائي عن الشركة المذكورة، خاصة بعد أن علمت أن آرثر سولزبيرغر ، ناشر التايمز، داخل في علاقات صداقة مع بلودورن. تطلب الأمر مني ومن غرث عدة شهور من البحث قبل أن يصبح بمقدورنا ‘مواجهة ’ المحررين الكبار بحقائق معينة حول مخالفات بلودورن المالية، حتى حصلنا على الموافقة وانطلقنا لنقابل الموظفين الكبار ، السابقين والحاليين ، لشركة غلف أند ويسترن.
دخلنا فترة جحيم استمرت أربعة أشهر . تدفق سيل من الرسائل على أيب روزنثال ونائبه بنتش وآخرين في الصحيفة بعثها بلودورن رئيس الشركة ومارتن ديفز نائبه، اتهماني فيها بأنني احاول تشويه سمعتهما ، وباستعمالي أساليب رجال العصابات في ذلك، وهذا اتهام عشته قرابة عشرين عاما مرده ان نجاحي يقوم أصلا على التسلط والبلطجة للضغط على مصادر معلوماتي.[357] لم يكن مفاجئا لي أن مسئولي شركة غولف اند ويسترن، وهم أسياد القدح والذم، ليصوروني أنني إرهابي بلباس صحفي. وجهوا رسالة الى إدارة الشركة حملت عدة اتهامات ضدي منها : هددتُ مسئولا سابقا في الشركة انه سيقضي وقتا خلف القضبان ؛ قلت ان الشركة ‘كومة نفايات’، وغيرها من التهم السخيفة. لم أطلع على الرسالة إلا بعد سنوات.[359].. هددت الشركة بأنها "ستقوم بإجراء تحقيق حول عائلتينا ، وانهم يعرفون أن إحدى عمات زوجتي كانت متعاطفة مع الحزب الشيوعي في فترة الثلاثينات؛ كما ذكروا أيضا أن والد جَف، الذي كان يعمل وسيطا في تجارة بيع الفولاذ في كليفلاند، له ارتباطات مثيرة للشك. زيفوا محادثة مسجلة أجراها معنا احد موظفي الشركة ، وبعثوها الى الناشر متجاوزين رئيس التحرير. ... استمر هذا الحال خلال فصلي الربيع و الصيف ، حين استطعنا ، أنا وغرث من تقديم تقريرنا المكون من15 ألف كلمة. حدث شيء لم يبلغنا عنه أحد ؛ احالوا تقريرنا الى جون لي الذي نحتقره ويبادلنا نفس المشاعر . كتب لي مذكرة سرية الى مساعد رئيس التحرير، توبنغ، هاجمنا في المذكرة بشدة دون ان يذكر اسمينا"[360].
تمت مراجعة مقالتنا بشكل جدي قبل نشرها من قبل فريق من محامي التايمز. ومع ذلك استطعنا ان نخبر القراء ونثقفهم عن الشركات الاحتكاريةـ التي تلاعبت بأصولها المالية بكل طريقة شرعية او غير شرعية من اجل تحاشي دفع الضرائب المستحقة عليها . ولكن تم اكتشاف تلاعباتها من قبل لجنة الأوراق المالية(سيك). كنت بشكل شخصي فخورا انني وزميلي قد استطعنا عن طريق شهود مباشرين (ومجهولين) ان نظهر كيف ان مجموعة من موظفي شركة احتكار قد عملوا خلال ليلة واحدة في صيف عام 1968 ونقلوا كافة الوثائق الضريبية من وسط منطقة مانهاتن الى مدينة شتامفورد بولاية كنتكت المجاورة، حين اعتقد بلودورن وزمرته بأنهم سيلقون معاملة افضل وأقل تمحيصا من قبل مصلحة المدخولات السنوية (إيرس)[361].
في لحظة معينة خلال إجراء بحثنا الاستقصائي قرر جف لوحده ان يلقي نظرة على التقرير السنوي الذي تبعثه التايمز الي (سيك)، وهذا ما جعلني أقرب اليه. اكتشف ان روزنثال، ناشر التايمز، كان قد حصل على قرض بموافقة مجلس إدارة الصحيفة بفائدة 2.5 بالمائة ليشتري شقة فاخرة في منطقة غرب سنترال بارك....اكتشفت مع جف بعد أسابيع قليلة ان بلودورن كان قد حصل على قرض بقيمة ملايين الدولارات لشراء أسهم في شركته قبل أسبوع من انشطار تلك الأسهم، بربح قدره دولار لكل دولارين. هذا العمل غير أخلاقي لأنه مطّلع على أسرار الشركة وحركة أسهم الاستثمارات فيها، والذي يدل على غبائه ووضوح جشعه"[362].
بإمكاني القول أن الرسائل التي تلقيتها من خبراء عديدين لهم معرفة أعمق بممارسات الشركات الاحتكارية...الذين كانوا على معرفة بمستوى الكشف الذي عرضناه، انا وزميلي، فمثلا كتب لي جون كنث غالبرايث ، أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد، والذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة في الهند في عهد الرئيس جون كندي ‘ إن أجزاء المقالة حول غولف أند ويسترن ممتازة، اكثر مما يعرفه القراء. ان استخلاص معلومات نافعة عن هؤلاء الأشخاص، ويمكنني القول بناء على خبرتي، أكثر صعوبة بمقدار عشر مرات، مقارنة بالحصول على معلومات من وكالة المخابرات المركزية’. واختتم الرسالة بالقول ‘شكرا لك’. كما اخبرني جالز نسّون عن طريق ملاحظة له أن ‘ أجزاء المقالة هامة للغاية... وبحسب علمي ، فإنها حاولت ان تعطي صورة للمواطن العادي عن المكائد المالية لأحد اقطاب الفساد، الذي ما زال يتمتع بمكانة عالية. ما زلت شديد الحيرة حول الجوانب التي يتم الكشف عنها واخلاقيات العمل لدى هؤلاء الأقطاب ومحاميهم . لقد قمت بعمل فائق ’.يعرف غالبرايث ونسّون ثمن الخوض في قضايا الاحتكارات الرئيسة ويشيران الى الحذر الذي يجب أن يؤخذ بالحسبان لدى مراجعة مقالات حول تلك القضايا والقلق البالغ من محاولات الانتقام..."[365]
كانت التجربة مثارا للإحباط وللإضعاف . استنفذت الكتابة عن الاحتكارات في أميركا طاقتي وسببت لي توترا ـ كما سبب لي المحررون في صحيفتي الخيبة . لقد بدا لي انه ليس من المسموح به التعرض للاحتكارات في اميركا . وهكذا انتصر الجشع . إن الخصام القبيح مع شركة غولف أند ويسترن قد هز الناشر والمحررين لدرجة ان المحرر والمشرفين على قسم الأعمال سمح لهم إبطال العمل الجيد الذي أنجزته أنا وزميلي جَف"[366].
لم يظهر رجال المخابرات القسوة وروح العدائية التي اظهرها رجال الاحتكارات ممن يمارسون دور الجريمة المنظمة في الولايات المتحدة الأميركية التي يزعم انها بلد الحريات المطلقة- لكن للمافيات.



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيمور هيرش في استقصاءاته الصحفية-3
- سيمور هيرش في مذكرات استقصاءاته-2
- سيمور هيرش في مذكرات استقصاءاته .. -1
- التضامن الأممي ..نستثمره ام نتفيأ بظله؟
- ماذا يكمن خلف صخب الدعاية المتصاعد حول أكرينا؟
- نظام التفاهة - الفصل الثالث :: التفاهة إلهاء وإفساد – الحلقة ...
- نظام التفاهة- الفصل الثالث : الثقافة والحضارة - الحلقة الساد ...
- نظام التفاهة-الحلقة الخامسة
- نظام التفاهة: التجارة والمال - الحلقة الرابعة
- نظام التفاهة – الفصل الأول :-المعرفة- والخبرة - الحلقة الثال ...
- نظام التفاهة-2
- نظام التفاهة -حلقة اولى
- بالتعليم والعلوم اكتسبت كوبا المناعة ضد الأوبئة والحصار الام ...
- مفهوم الثورة في النظرية العلمية للماركسية
- جدل السياسة والثقافة في نضال التحرر الوطني
- استعمار ثقافي أشد فتكا بالقيم الوطنية والإنسانية من الاستعما ...
- الصهيونية تواجه بالإرهاب الفكر المعارض
- في يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني - يهود متضامنون
- الولايات المتحدة وإسرائيل .. عنصرية في اكناف الفاشية
- العلاقة العضوية التي يتجاهلها القائمون على القضية الفلسطينية


المزيد.....




- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...
- بلينكن يأمل بإحراز تقدم مع الصين وبكين تتحدث عن خلافات بين ا ...
- هاريس وكيم كارداشيان -تناقشان- إصلاح العدالة الجنائية
- ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟
- عراقيل إسرائيلية تؤخر انطلاق -أسطول الحرية- إلى غزة
- فرنسا تلوح بمعاقبة المستوطنين المتورطين في أعمال عنف بالضفة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد مضيه - سيمور هيرش في استقصاءاته الصحفية -4