أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد مضيه - نظام التفاهة – الفصل الأول :-المعرفة- والخبرة - الحلقة الثالثة















المزيد.....


نظام التفاهة – الفصل الأول :-المعرفة- والخبرة - الحلقة الثالثة


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 7148 - 2022 / 1 / 28 - 12:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


خصاء التعليم الجامعي
في أقطار العروبة تطلق الأنظمة الأبوية أيدي الأجهزة الأمنية تلاحق وتترصد وترهب؛ تفرز الأجهزة دائرة في كل بلد خاصة بالجامعات تتدخل في تعيين الإدارات الجامعية، تراقب الأساتذة في محاضراتهم والطلبة في أنشطتهم وتنظيماتهم، تستدعي وتهدد وقد توصي بفصل الأستاذ الأمين لقناعاته العلمية. وبهذه الممارسات زرع إرهاب المخابرات لدى كل موظف او طالب بالجامعة آلية مراقبة ذاتية ، تغدو غير مدركة مع الزمن.
اما في بلدان الرأسمالية المتقدمة ، إذ تتباهى بديمقراطيتها، توكل الى الرأسمال بالذات مهمة ترويض الأساتذة والإدارات الجامعية وحملبها على مجافاة المانة العلمية، حيث مضامين الأبحاث أو المحاضرات تتحور حسب رغبة من يدفع المال.
تستقبل الجامعة طلبة اعتادوا التعليم التلقيني، لم يطوروا قدرة تفكير نقدي أو مهارة البحث عن المعرفة وإلتفكير في حلول للمسائل. قال أستاذ رياضيات أن لديه بالسنة الاولى طلبة حازوا علامة كاملة في الرياضيات ويعجزون عن حل أي مسألة رياضية هي في مستوي منهاج الثانوية. وقال أستاذ آخر اننا نقلص سياقات المنهاج باستمرار نظرا لتدني القدرات الاستيعابية للطلبة. ومع هذا نجد العشرة الأوائل ومئات آخرين بامتحان الثانوية حاصلين على نسبة ...,99 .الثانوية لا تؤهل للمرحة الجامعية ،ويعجز طلبة الجامعة عن الخروج من شرنقة التلقي والتعليم التلقيني.
يكرس المفكر "ألان دونو" الفصل الأول من كتابه نظام التفاهة لكشف التباسات إفساد المعرفة العلمية وإطفاء شعلتها التنويرية. ينقل عن كريس هيدجز ، صحفي الاستقصاء الأميركي، تقصيه لكيفية إسهام الأكاديميين في عللنا الاجتماعية : استلاب التفكير النقدي طاقته ؛ الهوس بالتطور الوظيفي؛ الشللية ـ الموالاة لشبكات اجتماعية تبدو الى القبائل أقرب؛ ومن جهة ثانية تسببت الأبحاث والتدريب داخل الجامعة في مشاكل بيئية؛ تباينات في المداخيل وطنيا وعالميا؛ التقادم المخطط له، بمعنى تسريع تتابع دورات الإنتاج بحيث تتخم السوق بالمنتجات الجديدة ووقف تسويق المنتجات الأولى او تقليص قطع الغيار، وذلك لحمل المستهلكين على شراء الجديد بينما القديم لم يزل صالحا للاستعمال ، كما يجري في دورات الموظة والأجهزة الإليكترونية وألأدوات المنزلية. وجدت الأكاديميا مسئولة عن الاختلالات التالية:
أولا – الارتهان للراسمال
نخب هيئات التدريس والباحثين، مدعمة بالشهادات المبهرة، ينتجون المعارف التي تسهم في تشكيل العالم وتحديده. يعيب كريس هيدجز على الجامعات تحولاتها الى ان غدت أحد مكونات جهاز اليوم الصناعي والمالي والإيديولوجي؛ ترتبط بعلاقة تبعية مقابل المال، فتسخر الباحثين لإنتاج المعدات ، وقد تغطي الأبحاث على النتائج السلبية لنشاط الشركات الكبرى. وصل الأمر بجامعات أن تحمل أسماء الشركات التي تبرم معها عقود المقاولات. بات مدراء الجامعات يتباهون بتسليع العقول الأكاديمية. فقد صرح رئيس جامعة مونتريال بكندا في خريف 2011 بأن "العقول يجب أن تفصّل وفق احتياجات سوق العمل" كأنْ تحصر التدريس والبحوث في دائرة احتيات سوق العمل ، وإهمال قضايا المجتمع الأخرى. وهذا ما يقرره الليبراليون الجدد في مجالس الحكم بالولايات الأميركية والمعاهد العلمية الخاضعة لإداراتهم. باتت الجامعات تدار من أوساط البنوك . وفي إسرائيل يعين الضباط العسكريون والأمنيون بعد التقاعد مدراء للمعاهد الدراسية . وفي سويسرا تم تحويل مدرسة لوزان للعلوم التقنية الى المعهد السويسري للتكنولوجيا في لوزان ، الذي أطلق تخصصات جديدة بمسوغ الابتكار والتميز والإنتاجية ، وكلها مكرسة لعالم الأعمال ؛ إحدى التخصصات حملت الاسم " الدراسات المالية العصبية" ومهمتها "اكتساب فهم أفضل لعمليات التفكير التي تقود الى إبرام الصفقات التجارية". في هذا السياق يجري تطبيق ضرب من الحوكمة " له أثر مفسد بشكل عميق [93] .
ثانيا - إضعاف الحافز الذاتي للبحث العلمي
الأصل في الابتكار ان يتم بمبادرة ذاتية وباختيار حر من المبتكر. تندمج العاطفة بالتفكير العقلي. ومثال احمد زويل في بيبليوغرافيا كتبها يوضح كيف اختار البحث في النانو. باحثون يعشقون البحث في الحشارت أوالميكروبات وأخرون ينجذبون لليحث في المناخات وغيرهم في مجالات أخرى عديدة. تتحقق السعادة الذاتية ببذل الجهد الإبداعي طواعية حسب القناعة العقلية، وإثبات قوة الشخصية، والرضى الناجم عن إشباع حاجة، نظرا لكون منتوجه يثري الحياة. وكل ما يتطور بدفع من الخارج يعتريه اختلالات تعطل ديناميته الذاتية؛ ومن ثم فتسخير العقل باتجاه مفروض من الخارج يسفر عن "تضخم نظري" وإجهاد ذهني، "يجد العقل نفسه مثقلا وهو يمضي في الطريق الذي يقوده لإنتاج أي شيء"[95] . في زمن مبكر حمل كتاب " فكرة وتراجيديا المعرفة" للمفكر الألماني، جورج سيميل (1858- 1918) انتقادات لنظام التعليم الجامعي: المبتكِر " ينتج المعرفة بغض النظر عن التكلفة وعن أثر المعرفة في العالم، فيحتم إنتاجا يبلغ من قوته أن العقل لا يعود قادرا على الفهم أو الكلام"[94]. حيث جدلية البحث لا تنطلق من فكرة وصلنا ،حسب تعبير سيميل ، " درجة الحمولة القصوى ، صار الطريق نحوتحقيق الفكر مسدودا. لقد انتصرت النزعة الإنتاجية وما يصاحبها من عمليات تراكمية"[96]. وفي نفس الكتاب رصد سيميل حالة من تراكم معارف غير لازمة في العديد من مناطق البحث ، أدخلت البحوث في مرحلة مأساوية ، ينفلت الإنتاج الثقافي من عقاله الذاتي فيصبح خاضعا للحتميات الآلية للبحث المدار مؤسسيا[97]، وليس بمبادرات ذاتية.
يصف طالب الدكتوراه الفرنسي في إحدى جامعات كويبيك عملية تضييق الأفاق بوجه الباحث الشاب، "كل شيء يتم بالتدريج لضمان تبعيتك، ثم " تقدم الجامعة قواعد هي فقط من يفهمها؛ يمر الزمن وتقضي أنت الكثير من الوقت كي تتخصص في مجال ضيق جدا حتى تصل الى درجة تبدأ معها بالتفكير بأنه ليس فقط ان الأكاديميا / البحث هي فرصة النمو أو الابتزاز الوحيدة امامك ، بل إنها الطريقة الوحيدة أصلا لتطوير كامل قدراتك بطريقة مهنية"[149].
والآن تتكشف طقوس إذلال عقيمة أو ابتزازا مرتبطا بتمويل متدن الى درجة المجاعة:‘ عليك أن تشرح في رسائل طويلة سبب طلبك لسنة إضافية لإنهاء أطروحتك، وأن تستجدي قسمك العلمي لإصدار الموافقة’، هذه اللطمات المتكررة هي سمة مميزة للفترة التي تفقد خلالها تقديرك لذاتك"[150]. مواقع على الانترنت مثل " الأكاديميا تقتل أصدقائي" أو أكاديميون مكتئبون" تجمع قصصا حول أعضاء في المجتمع الأكاديمي ممن لقوا أذى جراء الأجواء الخانقة والقامعة لهذه المؤسسة. إن امورا مثل التحرش الأخلاقي والنفسي والاعتداء الجنسي والتفرقة توجد جميعها كجزء من العلاقات التي لا يحتكم الطلبة فيها غالبا إلا الى قليل من السلطة، لاسيما إن كانوا ينتمون الى مجموعات من تلك الأكثر هشاشة (كالنساء ، الطلاب الأجانب ، الأقليات العرقية،و غيرهم). [153]
وثالثا -غائية البحوث
باتت البحوث الأكاديمية موجهة لأغراض الدعاية، إقناع الجمهور بسلامة أنشطة الرأسمال والتستر على تجاوزاته؛ هنا تنشط شركات العلاقات العامة (ينتقد المؤلف شركة إيدلمان في كندا) ، حيث تشير على شركة ترانز كندا بتمويل أبحاث تسهم في تشكيل صورة إيجابية عن الشركة . غائية البحث تلغي موضوعيته وتتتجنى على الأمانة العلمية. يأسف الكاتب ، إذ لم يسمع الناس إنكارا للموقف أو نقاشا حول الطبيعة الخيالية لهذه الفرضية من أستاذ جامعي واحد او من مدير في الجامعة او من إداري فيها"، رغم قيام راديو كندا بالترويج للفكرة.
اخطر من تسليع البحث العلمي تصبح المؤسسات البحثية شريكة في التلاعب، إذ تغدو طرفا في الضغوط السياسية لصالح الشركات ، بتسخير من جماعات الضغط، التي تمهر في خلق سياقات تؤدي إلى إرغام هيئات التشريع المنتخبة ، وأحيانا تمنحها الغطاء لدى اتخاذ قرارات منحازة للفساد، التخويف او التلاعب . مؤسسات العلاقات العامة تمول المختبرات العامة او الخاصة لتحمل الخبير الباحث على الخروج بما يرضي الممول او الممولين.
ورابعا- ركاكة لغة العلم
يتحكم الممولون في مفردات التقارير العلمية، بحيث لا تثير الخواطر. في نظر التفاهة لغة العلم هادئة "متزنة" ومحايدة. " سوف يقومون بشيء أشبه بالتزلج اللغوي، يتعرجون بين الحار والبارد ، الملائكة والشياطين ، الفساد والأخلاق ، التوافق والثورة، وأخيرا سوف يؤكدون –بتباه- أن موقفهم يكون مختلفا تماما في اليوم الذي ستتم فيه السيطرة على هدفهم اللغوي!"[100] يجري تجنب المفردات المشحونة تاريخيا او عاطفيا، االتي تتهم بالانحياز ومجانبة موضوعية العلم، مثل الصراع الطبقي ، الثورة ، العدالة الضريبية، الفساد والإفساد. بدلا منها تصلح "تصرفات مريبة" او "حوكمة سيئة"، وتجنب كلمات مثل نهب، اضطهاد ، ثورة . ونذكر أن الإدارة الأميركية حظرت تدريس ماضي النظام العبودي بالولايات المتحدة وحركة الحقوق المدنية. وفي العصر الوسيط نفذ الخليفة المتوكل انقلاباعام 232 هجرية فحرم المناظرات والهندسة وحظر التطرق لماضي حوارات الأئمة الأربعة وتسامحهم؛ أسند الى أبي الحسن الأشعري وحده وظيفة التفقه .
"وحده الأسلوب المحايد،الهادئ ، والمعيَّر هو ما يجعل من نثر المرء جديرا بالعلم"[102]. وما إن تتم مكافاة مرتزقة الكلمة هؤلاء على جبنهم حتى يصبحوا اكثر شراسة وجدبا، يغفلون التفكير النقدي (الذي أداروا له ظهورهم )،ملتزمين تجاه شركائهم التجاريين.."[101] .تجسد في الواقع المثل الدارج "اليد التي توقع على الشيكات لا تعضها الصحافة"، ونضيف حتى ولا الأبحاث العلمية تثير الخواطر. نادرا ما تأتي الصحافة الرئيسة في الولايات المتحدة والعالم على ذكر الجرائم المحلية والدولية للتجمع الصناعي – العسكري- الأمني، في الولايات المتحدة، رغم أن المكائد والقرارات السياسية والنشاطات العدوانية في أنحاء العالم تجري تلبية لإملاءاته. يدين الكاتب الجامعات الكندية "فشلت على مدى خمسين عاما في إنتاج أي أطروحة حول أثر عائلة ديسماريه على مؤسساتنا العامة- رغم أهمية هذا الموضوع- في حين تم الخروج بأعداد لا حصر لها من النقاشات حول المعايير المجردة التي ينبغي وضع أسسها في العالم".[107]
وخامسا: نبرة مملة
"تختار معاهد الأبحاث أن تقيد نفسها بنبرة وعالم ضيقين الى حد كبير . في هذه البيئة السطحية هناك ألف تفصيل وتفصيل لتحديد ما إذا كانت نظرية ما ستقبل أو ترفض".[108] يقتبس المؤلف ما كتبه تشارلز رايت ميللز في كتابه "الياقة البيضاء: الطبقة الوسطى الأميركية " حول " خوف غامض عام – يسمى احيانا ب ‘ السلطة التقديرية’ و ‘الحكم السليم’ يقود الى التخوف الذاتي ويصبح بالنهاية معتادا الى درجة كبيرة حتى أن الباحث لا يعود مدركا له... يحدث ذلك لأن الرجال المهذبين الأكاديميين يمارسون سيطرة تلاعبيةعلى شخصية الثوري"[109]. اما كريس هيدجز فيقارب الأمر بوضوح أشد : "هذه المفردات... تعرقل الفهم العام ؛ إنها تردع قليلي الخبرة عن طرح الأسئلة غير المستحبة. إنها تدمر البحث القاصد للخير العام، إنها تقطع كل الحقول المعرفية، والكليات والطلاب والخبراء الى شقف متخصصة صغيرة. إنها تسمح للطلبة ولأعضاء ههيئات التدريس بالانسحاب الى تلك الإقطاعيات المفروضة ذاتيا واهمال الأسئلة الأكثر إلحاحا، أخلاقيا وسياسيا وثقافيا "[110].
كتبت كريستين ر.جودسي أستاذة الأكاديمية الأميركية "إن الأكاديميين مسؤولون جميعا عن إنتاج بعض أكثر النثر بلادة وعدم قابلية للاختراق في اللغة الإنجليزية... الميل نحو الغموض بات سمة مميزة للكتابة العلمية المعاصرة ...إن اللغة الأكاديمية هي الشيفرة السرية التي يستخدمها بعض الباحثين كي يبعثوا برسالة مرمزة تفيد كونهم أعضاء بالنادي. إنها تضمن أن أحدا لن يستطيع أن يجزم – على وجه التحقيق –ما إذا كانت أفكارهم هذه مبهرة ، سيئة ، أو أنها لا تعدو أن تكون محض كتابات تافهة".[110]
ومن جامعة هارفارد يذم ستيفن بينكر ، أستاذرعلم النفس، " الكتابة الأكاديمية بانها كتابة متعفنة"، وذلك في مقال كتبه بعنوان لماذا الأكاديميون سيئون في الكتابة؟" أورد "تشكيلة واسعة من الأخطاء كانت ستقابل بالرفض من قبل اي محرر فيما لو لم يكن عضوا متواطئا من الوسط الأكاديمي". ابتدع تعبير "ميتا خطاب " ودخل حيز الاستعمال للإشارة الى معلومات ذات صفة ثانوية في النص مما يلجأ اليه الأكاديميون في كتاباتهم التحوط أو الاستخدام المبالغ فيه لأقواس التنصيص مثل "كما يقال" ، "الى حد ما"، "الى درجة ما "، "جزئيا"، "على ما يبدو"، "لعلي أجادل هنا"، وذلك من أجل اتخاذ مسافة شخصية من عبارة أنت لست مستعدا لدعمها "[112]
يرفض بنكر الاتهام التقليدي الذي " يذهب الى أن الباحثين يتعمدون جعل لغتهم غامضة بحيث لا يفهمها احد...محبوسون داخل الاقتصاد المؤسسي والفكرة المقدسة للأعمال العلمية المراجعة من قبل الأقران ، مما يقودهم الى تطوير أسلوب كتابة لا يهدف الى الاتصال او التبادل ، وإنما الى عرض الذات بطريقة تتوافق مع بيئتهم "[113]
يضيف الدكتور دونو الى ما تقدم ان أسلوب الكتابة ينم عن "احتقار للعامة... مع مرور الوقت لا يعود الباحثون يهتمون بمهارات الكتابة او القراءة ، الحقيقية منها والموهومة: إنهم يجدون استحالة في تخيل عملية التفكير التي يمارسها أي شخص غير منغمس في مجالاتهم المعرفية"[113]
الوضوح يتطلب التدريب، وهو أصعب من الغموض؛ الأكاديميون يتجاهلون كون الحقيقة لا تنفصل عن الفكرة، "بل إن البعض يستشعر الاحتقار للأعمال الهامة المكتوبة خارج الأكاديميا."[114] يتساءل المؤلف: " كم من أساتذة الجامعات يمكنهم مقاربة مهارة نعومي كلاين(كاتبة كندية مناهضة لليبرالية الجديدة وللعولمة ونشاط الشركات عابرة القارات) في مساعدة المواطنين على زيادة معرفتهم وتعميق فكرهم؟"[114]
كلارك كينت وسوبرمان
وجهان لنفس الشخصية يتراوحان بين الضعف والقوة، بين النكرة تبعث أوهام الشهرة والقوة. سوبرمان يروج لسياسة القوة، من خلالها تتحقق العدالة- شخصة إيديولوجية تلهم قوة المثال. وفي نفس الوقت مادة ثرية لشركات هوليوود. فمن خلال مشاركة هذه المؤسسات ‘في التعليم التكنولوجي المتخصص’ المدفوع باقتصاد الحرب اولا ثم بالنظام الاقتصادي المبرمج ل"تقادم السلع" ( (ابتكار منتجات محسنة بينما المنتجات السابقة لم تستهلك بعد) لضمان تجددها المستمر. وجدت الحياة الثقافية نفسها في حال من الفوضى الشاملة "[116] عملية تنطوي على "جدب أخلاقي"، وفي نظر ماكلوهان "فإن المفتاح لسوبرمان هو كلارك كينت ، عديم الجدوى"[117]
مثال مهربي المخدرات
يركب المتنفذون في الأكاديميا مركب الشطط ، وهي حالة تعتري كل من يكسر القوانين ، يتخلى عن الحذر ويوغل في المغامرة. تعجز الأكاديميا عن الرد على الهجمات الشجاعة الصادرة من داخلها. عالم الاقتصاد، أليكسندر أفونسو ، الذي يدرّس الاقتصاد السياسي في كينغز كوليدج، لم يجد غضاضة في مقارنة الأنماط المؤسسية للجامعة بتلك الخاصة بالجريمة المنظمة. في بحث أعده عنوانه " كيف تشبه الأكاديميا عصابة مخدرات" المنشور عام 2013 على موقع جامعة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، يقارن بين الدخول المتفاوتة بشكل كبير بين شبكات التهريب - حيث بائعو الشوارع يكسبون النزر الضئيل فيما الأرباح يحصدها الزعماء الكبار- وبين نظام التعويض المالي السائد في الجامعة. بائعو الشوارع في نظر افونسو يمنون الانفس بالثروات الضخمة في المستقبل. " ومثل زعماء المخدرات فإن مدراء الجامعات وشاغلي الكراسي الجامعية والأعضاء الأٍساتذة لا يشعرون بأية حاجة لضمان أن يتم توزيع ما يتقاضونه من ثروة بشكل أكثر عدالة".[123]
وهناك استغلال كبار الأساتذة لطلبة الدراسات العليا بأشكال فظة . وفي نفس الوقت يزيد أعداد حملة الدكتوراة عن الحاجة للتدريس والبحوث في كل من فرنسا وكندا وجميع الأٌقطار؛ تستغل الجامعات الظاهرة بتشغيل موظفين بأجور متواضعة وغير منتظمة، فيصبحون موضع استغلال من قبل الأساتذة . هنا تدخل الميدان ما يسمى "اللعبة" ، كناية عن نظام سياسي آخر : "نظام ذي بنية قائمة بشكل سيء لا يمكن الحديث عنه، حتى من قبل من يقومون بحفظه سنة بعد أخرى، اعتباطي ، غير متوقع ، وطبعا غير ديمقرطي الى حد كبير."[129] يقوم مديرو الجامعات بعمل أشياء تنتهي بهم الى عمليات هي إما على حافة ما هو قانوني أو ما هو غير مشروع تماما. " يمكننا أن نذكر أيضا المبالغ الهائلة التي اقتطعها مدراء الجامعات لآنفسهم"[131]؛ و كشف النقاب عن توظيف أموال الجامعة في عقارات، أو فيما أطلق عليه "جنات ضريبية"، وفقدت الأموال بطرق جد غامضة.
تساءل المؤلف: لماذا اختارت جامعة مونتريال أن تستثمر اموالا هائلة في الجزر العذراء البريطانية، علما أنها تعرف منذ ثمانينات القرن الماضي بأن النظام هناك لم يكن بأي شكل من الأشكال آمنا للاستثمار؟ لماذا قامت كلية مونتريال التقنية بالأمر ذاته؟ ويجيب، كانت تجني "عوائد استثنائية" [137] كما يؤكد مقال نشرته جريدتها الداخلية فوروم،عام 1998. رُفعت الى القضاء قضيةجماعية وجرت إثر ذلك تسوية ، " تاركة عددا من الأسئلة دون إجابات : لأي غرض كانت اموال الجامعة تدار ؟ وما هي " اللعبة" التي يلعبها إداريو الجامعة؟
يضيف دونو ، في خريف 2017 كشفت "بارادايس بيبرز- أوراق الجنة"- مجموعة ضخمة من المستندات(ما يقارب 13 مليون مستند) فضحت تفاصيل استثمارات سرية خارجية لأفراد وشركات تم تسريبها ونشرها على الملآ- " أبرز الجامعات في اميركا الشمالية وبريطانيا ملتزمة الآن باستراتيجية الاستثمار بالخارج.[139] "كم من الطلبة الأذكياء – الذين يريدون أن يفهموا الأسباب وراء اختلال التطور المالي والصناعي للعالم – اكتشفوا ان ارتياد كليات التجارة ، الحقوق ، او العلوم السياسية يجعلهم أكثر جهلا مما كانوا عليه قبل قبولهم فيها ؟ "والجواب لأن المؤسسة الأكاديمية تنقل عطاب الجهل وتنتجه معا.[141]
الباحثون المزعجون يدفعون ضريبة الضمير ، يفصلون من العمل او يمنعون من التوظيف. نشر ستة عشر أكاديميا أميركيا مجموعة مقالات بعنوان " صراع الحرية الأكاديمية" ركزوا فيها على المعايير المقيدة واللوائح الرسمية التي تحكم ، وأحيانا تخنق ، وجهات النظر الحرجة او الجديدة داخل الأكاديميا 141-42]. تسليع الفكر يتطور بالنهاية الى أن يصبح المشاركون صورا مشوهة من أنفسهم؛ ففيما يلتزمون بالكامل بأدوارهم كمستشارين للحكومة وآيديولوجييها ، أو يبيعون أنفسهم لسادة الشركات الكبرى، فإن شخصياتهم الأكاديمية تصبح فارغة بشكل متزايد."[143]. الخبير في الفيزياء الفلكية، العالم في مركز هارفارد – سميثونيان للفيزياء الفلكية، وي –هوك سون، كان يتلقى دفعات مالية من قبل القطاع النفطي للادعاء بأن التفاوت في طاقة الشمس هو امر يمكن ان يعزى له الاحتباس الحراري الى درجة كبيرة"[143-44]. وكذلك جيمس كريستول، الخبير في الزهور والنحل في جامعة اكستر البريطانية كان يدفع له من قبل شركة سينجينتا العملاقة في مجال المبيدات الحشرية للقيام بعمل يظهر ان موت مستعمرات النحل حول العالم لا علاقة له بهذه المبيدات."[144] وأظهرت أبحاث التقصي ان الكثير من الاقتصاديين ، ممن يدرسون في الجامعات وينشرون أبحاثا "علمية " ويبذلون النصيحة بصفتهم أعضاء في لجان مؤسسية – كانوا في الآن ذاته أعضاء في مجالس إدارات شركات مالية او صناعية . ولعل أوضح مثال على ذلك هوجلين هوبارد، عميد كلية إدارة الأعمال في جامعة كولمبيا.
يجدر في هذا الصدد إيراد الرئيس الحالي لحزب العمال البريطاني، كير ستارمر، وشغل سابقا منصب المدعي العام، كان يتلقى راتبا شهريا من إحدى الجهات ، حيث تصدى لجيريمي كوربين سلفه واتهمه مع أنصاره باللاسامية. وحاليا يهاجم ستارمر منتقدي سياسات الأبارتهايد التي تتبعها إسرائيل ويتهمهم باللاسامية.
يلعب الأكاديميون اللعبة ، فيصبحون رواد أعمال ، همهم ، كما أشارت إيفون ريفارد عام 2012، "الأستاذ الجامعي ‘الجيد’ هو الأستاذ المعفي من التدريس لأنه حصل على الكثير من المنح ، حتى صار ينبغي ان يكرس نفسه للبحث في شيء هو يعرفه سلفا من خلال تقديم مشروع (مع الميزانية والببليوغرافيا-قائمة بالمراجع)الى باحثين (محكمين) كان هو نفسه قد قام بتقييمهم في منافسات سابقة"[146]. تشكلت مجموعات بحثية تتبادل المنافع وتتواطأ فيما بينها . وقد وجدت لجنة فرنسية للأخلاقيات الخاصة بالمركز الوطني للبحث العلمي عام 2014، "أن إخضاع الأبحاث الجامعية لمعايير المشروعات الخاصة كان ضارا بهذه الأبحاث"[147]
فقد الكاتب السويسري دينيس دي روجيمونت عمله أستاذا للأدب، قال عن نفسه انه في حالة بطالة ولم يقل انه عاطل عن العمل ؛ ذلك أنه يفكر. حين يكون التفكير وظيفة مأجورة امر لا علاقة له بالنشاط العقلاني ، أي النشاط الخاص بالنشر وشرح الأفكار . النشاط المتعلق بالفكر هو نشاط حر ‘وعي مصلحي.‘ في أغلب الأوقات لا يحتاج المثقف إلى اي شيء عدا الأوراق والحبر’ "[156]. الالتزام بالضمير يتحقق في هذا المناخ ." حين يكون المرء ‘في حالة بطالة’ فإن التزامه قد يكون أثناء بطالته أعظم منه في حال تقييده بالجداول وبالمعايير وبالأهداف المتوقعة من المهنة"[157] .
دي روجيمونت مثال للمفكر الحر ؛ في هذه الأيام فإن " المكافئ للكاتب دي روجيمونت، العاطل عن العمل يمكن أن يكون المدرس العامل بالجامعة وفق عقد مؤقت ، شريحة مثقفة تستشعر القلق إما لكونهم بلا مال أو لآنهم لا يعرفون ما إذا كان سيتم التعاقد معهم في الفصل القادم".[158] تلك الشريحة جزء عضوي من ملايين البشرعلى هذه الشاكلة افقروا في عهد الليبرالية الجديدة وباتوا قلقين في حيواتهم." المدرسون العاملون وفق عقود هم بروليتاريو الجامعات ، الذي أفلتوا بنيويا من التشوهات الأساسية للمؤسسة "[ 158]. انهم يفعلون ما تتطلبه منهم مهنة الأستاذ، التدريس. وقد ينتهي بهم الأمر بخروجهم بأطروحات أصيلة وفق وتيرة معقولة."[159] اعتبر وجودهم بالجامعة دليل فشل الجامعة ؛ لكن "حضور المدرسين المتعاقدين قد يمثل الفرصة الوحيدة امام الجامعة للإفلات من الفساد الذي يضربها"[159] ليسوا أفضل بالضرورة أو انهم في مستوى ثقافي وعلمي أفضل من الأساتذة ، إلا أنهم "يوجدون في مراكز تسمح لهم ، بنيويا ، بتجنب الضغوطات التي يعانيها نظراؤهم من الأساتذة "[160] .
هكذا تحرف الجامعات تحت تأثير الرأسمال العلم وتشوه الحياة الأكاديمية.



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظام التفاهة-2
- نظام التفاهة -حلقة اولى
- بالتعليم والعلوم اكتسبت كوبا المناعة ضد الأوبئة والحصار الام ...
- مفهوم الثورة في النظرية العلمية للماركسية
- جدل السياسة والثقافة في نضال التحرر الوطني
- استعمار ثقافي أشد فتكا بالقيم الوطنية والإنسانية من الاستعما ...
- الصهيونية تواجه بالإرهاب الفكر المعارض
- في يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني - يهود متضامنون
- الولايات المتحدة وإسرائيل .. عنصرية في اكناف الفاشية
- العلاقة العضوية التي يتجاهلها القائمون على القضية الفلسطينية
- الصهيونية محاطة باستنكار المثقفين وهيئات حقوق الإنسان
- سماء وسبعة بحور
- سماء وسبعة بحور -2من3
- سماء وسبعة بحور..رواية ناجي الناجي -1من3
- الانعتاق من استرقاق الأبارتهايد، او كارثة التهجير الجماعي!
- قوة ضاربة للفاشية
- في غياب الحاضنة العربية للمقاومة الفلسطينية
- هل بالإمكان تفكيك السلسة الشيطانية ؟-6
- اليس بالإمكان أبدع مما كان ؟-5
- أليس بالإمكان أبدع مما كان ؟-4


المزيد.....




- لماذا تهدد الضربة الإسرائيلية داخل إيران بدفع الشرق الأوسط إ ...
- تحديث مباشر.. إسرائيل تنفذ ضربة ضد إيران
- السعودية.. مدير الهيئة السابق في مكة يذكّر بحديث -لا يصح مرف ...
- توقيت الضربة الإسرائيلية ضد إيران بعد ساعات على تصريحات وزير ...
- بلدات شمال شرق نيجيريا تشكل وحدات حماية من الأهالي ضد العصاب ...
- أنباء عن -هجوم إسرائيلي محدود- على أهداف في العمق الإيراني و ...
- قنوات تلفزيونية تتحدث عن طبيعة دور الولايات المتحدة بالهجوم ...
- مقطع فيديو يوثق حال القاعدة الجوية والمنشأة النووية في أصفها ...
- الدفاع الروسية: تدمير 3 صواريخ ATACMS وعدد من القذائف والمسي ...
- ممثل البيت الأبيض يناقش مع شميغال ضرورة الإصلاحات في أوكراني ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد مضيه - نظام التفاهة – الفصل الأول :-المعرفة- والخبرة - الحلقة الثالثة