أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سعيد مضيه - هشام شرابي المفكر الماركسي - الحلقة الأولى















المزيد.....

هشام شرابي المفكر الماركسي - الحلقة الأولى


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 7219 - 2022 / 4 / 15 - 19:18
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


رصد لعوامل التخلف في المجتمعات العربية
المفكر والأكاديمي هشام شرابي ولد في مدينة يافا في الرابع من نيسان 1927، تخرج من الجامعة الأميركية في بيروت، و نال الماجستير في الفلسفة من جامعة شيكاغو (1948)، وتابع دراسة الدكتوراه. في ربيع 1953 تعاقد مع جامعة جورجتاون محاضراً في مادة “تاريخ الفكر الأوروبي الحديث” واستمر أستاذاً فخرياً فيها حتى وفاته في بيروت عام 2005.
يقول في مقدمة كتابه " مقدمات لدراسة المجتمع العربي" ، الذي نحن بصدد استعراضه، أن المقدمات ، وعددها خمس، قاربت مازق التخلف العربي المسبب للوهن. صدمته هزيمة حزيران 1967، وسيطرت تساؤلاتها المؤرقة على تفكيره. اعتاد أثناء العطلة الصيفية مراجعة مواضيع مساق أكاديمي يدرسه بالجامعة حول الفكر السياسي الأوروبي في القرن التاسع عشر. وصدفة بدأ صيف 1967بماركس، إذ عرضه ضمن المساق برؤية ليبرالية حكمت بفشله. اما هذه المرة، متأثرا، كما يبدو، بالصدمة ومسكونا بهاجس تساؤلاتها، استقبل ماركس بفهم مغاير؛ قراء ة ماركس ضمن الظروف الطارئة، "ما أزال أذكر كيف هزتني بهذا الشكل... نفذ ماركس الى اعماق تفكيري". ولعل رؤيته الفكرية حول جدل الدافع الذاتي والبحث العلمي ما يفسر التأثر الثوري بماركس . يورد في المقدمة الثالثة: "... فما يقود العلم ويسيره في المجتمع هو دافع ينبثق من ذلك المجتمع ، فيعطيه منطقه الخاص وطبيعته الخاصة" . أذن دافع داخلي وأسئلة ملحاحة عثرت في فكر ماركس على الأجوبة. ومن اكتشاف ماركس الى اكتشاف " مقدرة الثقافة المسيطرة في إخضاع عقلية الفرد لقيمها وتضليله على أعمق المستويات . شعرت انني ابتدات بكسر القيود الفكرية التي كبلتني، واصبحت اسير في اتجاه فكري مستقل استمده من قوة داخلية وليس من قوة تسيطرعليّ من الخارج؛ وأدركت ان الخطوة الأولى في التحررتكمن في التحرير الذاتي، وأن بداية التحرير تكمن في التحرر من عبودية الفكر المسيطر". تحرير الذهن في المجال الفكري وتحرير الإرادة في المجال السياسي – نضال التحر الوطني، شرطان لابد منهما يسبقان فعل الإبداع وتجاوز الذات والواقع: "ولكن سرعان ما اكتشفت ان تحقيق هذه الخطوة ليس أمرا سهلا ؛ إذ ان التحررالذهني يتطلب عملية غسل دماغ جذرية وطويلة المدى، وإعادة نظر في جميع ركائز الفكر الموروثة والمستمدة من الثقافة المهيمنة ، وإخضاع الفكر لنقد مستمر شامل".

ربَط الفكر بالممارسة وانتقل الى حيث تنشط المقاومة الفلسطينية . ادرك ان قضية الوطن متشابكة مع مجمل قضايا التحرر في العالم. " ان الفلسطيني لا يمثل تحرير فلسطين وحسب ، وإنما يمثل أيضا وموضوعيا ، إرادة التحرير الإنساني الشامل ، وإن لم يستوعب ذلك كل فلسطيني..". رحل عدة مرات الى الأردن، وأصدر كراستين حول القضية الفلسطينية؛ وفي مطلع 1970 "شعرت بما يشبه اليقين ان الأشهر المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة الى حركة المقاومة ومستقبلها ؛ فأخذت فرصة من الجامعة وركبت الطائرة الى حيث كان أيلول الأسود ينتظرني.... رويدا رويدا ادركت ان الثورة ليست امرا سهلا ، وأنها لا تحدث لمجرد إيماننا بضرورة حصولها ، وبدأت اعي ان التحول الاجتماعي في غاية الصعوبة ".
لم يفلح في إقناع قيادة المقاومة المسلحة؛ وتحول الى البحث ، حيث التقى مع صديقه مختار عاني، الذي تقاعد من التدريس في نفس الجامعة وتعاونا معا في البحث عن أعطاب المجتمع تلازمه ولا تبرحه. "كان قد انصرف في دراسات انثروبولوجية ... تناقشنا وبحثنا ... واكتشفنا ايضا ان التربية والتثقيف في العائلة وفي المدرسة إنما يهدفان الى قولبة الفرد على النحو الذي يريده المجتمع وتقرره الثقافة المسيطرة والتي هي الثقافة ونمط الحياة المسيطرين في مجتمعنا. ان الإرهاب والقهر والرضوخ التي يعانيها كل منا في المجتمع هي نفسها التي عانيناها في طفولتنا وفي فترة تربيتنا وتثقيفنا".
ويتابع: "انصرفت الى القراءة المكثفة في العلوم الاجتماعية ومناهجها ، وخاصة في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا وعلم النفس التحليلي. واستغرقت قراءاتي قرابة السنتين ، وكان لها أكبر الأثر في تطوير فكري وامتلاكي المقدرة على معالجة الوقائع الاجتماعية بشكل علمي منتظم. وصار بإمكاني جمع النتائج التي توصلت اليها ضمن ارضية علمية واضحة وإرسائها في إطار نظري متكامل. هكذا تعلمت بالممارسة ما كنت عرفته نظريا : لا يمكن تفهم معنى الأحداث والعلاقات الاجتماعية دون نظرية علمية متماسكة . فما يبدو على السطح ليس له معنى ثابت إلا بقدر ما نتمكن من ربطه بالعلاقات القائمة خلف الظهر. إن هذا ما أثبتته النطرية العلمية الأولى في حقل العلوم الاجتماعية التي قدمها ماركس، والنظرية النفسية التي قدمها فرويد". التحليل النفسي لفرويد طرأت عليه تطورات وفي العالم العربي ظهرت دراسات سيكولوجية بصدد التخلف، أبرزها حسب قراءاتي المحدودة، " الإنسان المهدور " للباحث في علم النفس الاجتماعي مصطفى حجازي.
العجز والتهرب من المسئولية
وضع شرابي قدمه على أول الطريق المفضي الى اكتشاف جوهر التخلف الاجتماعي؛ اكتشف أخطر عوامل أعطاب المجتمع العربي في التربية بالبيت والمدرسة ، تعيد إنتاج التخلف والعجز وتدعمهما. "التعليم التلقيني يضعف شخصية الفرد ويثنيه عن الإبداع. حياة العربي تبدأ وتنتهي بالتلقين والعقاب وكل منهما يدفع الى الاستسلام ويمنع حدوث التغيير". من خلال التلقين يتم فرض السلطة، حيث الترديد والحفظ لا يبقىان مجالا للتساؤل والبحث والتجريب. التلقين يئد ملكة الإبداع لدى الأجيال، حيث تتلقى نماذج متكاملة تحولها الى نمط سلوكي دونما تفهم او نقد، يتدعم الامتثال وتذوي طاقة الإبداع والتجديد.
المعاملة التي تفرض على الطفل تقتل سريعا شعلة الذكاء الطبيعية في نفسه، وتقضي على القدرات الفطرية فيه. وما ان ندخله المدرسة حتى يكون استعد نفسيا لأن يتقبل الأفكار والأساليب الاجتماعية السائدة، فينسى أحلامه وتتبعثر قدراته. "وما عملية التطبيع الاجتماعي من المهد الى اللحد إلا استمرار لعملية الاستعباد التي يفرضها الجيل القديم على الجيل الجديد. وفي تعبير آخر اننا نحرم أولادنا من مواهبهم ونحد من قدراتهم ، لأننا نسعى بغية جعلهم على صورتنا ومثالنا".
ضمن المنهجية العلمية للبحث العاني أصدر شرابي عام 1975 "مقدمات لدراسة المجتمع العربي". في المقدمة الثالثة يحيل التخلف الى طبقة "البرجوازية الإقطاعية"، مفهوم ركّبه مع صديقه مختار عاني؛ وفي المؤلف التالي يطلق على المجتمع مجاز "الأبوي " أو "البطريركي "، كناية عن التسلط والانفراد بالقرار وفرض الأوامر. هذا العرض يعتمد وف مفهوم "الأبوي" ومشتقاته. في المقدمات ثم في البحث المعمق التفصيلي نظر شرابي الى المجتمعات العربية الأبوية كافة مجتمعا واحدا نظرا ذا بنية أبوية متجانسة ربطته بالتبعية للامبريالية، راعية التخلف العربي.
منطلق البحث هو العائلة كمؤسسة الاجتماعية، فيها تتبلور شخصية الفرد، ومنها تنتقل قيم المجتمع المبنية على القمع والكبت، تتم على عدة منازل ، أولاها واهمها الأم ، إذ تلعب دورا هاما وحاسما من حيث أثرها في تكوين شخصية الطفل . خلص من هذه الحقيقة الموضوعية الى اعتبار تحرير المرأة جانب عضوي من تحرير المجتمع ؛ فالقيم التي تسود العائلة من سلطة وتسلسل وتبعية وقمع هي التي تسود العلاقات الاجتماعية بصورة عامة ، وهي قيم الطبقة المهيمنة في المجتمع. توصل شرابي الى طبقية الحياة الاجتماعية العربية وطبقية الثقافة والاقتصاد والسياسة. فالأب، إذ يتعسف في التسلط ، إنما يكيف الأبناء لتسلط قاهريه .
يتطرق الباحث الى تفرعات السلطوية في النفسية الاجتماعية تحدث اختلالت نفسية وذهنية ، نؤجل الإشارة اليها الى حلقة تالية. فالاختلالات تترك أعطابا اجتماعية تقوض الانتماء الوطني.
نتيجة التربية الأبوية يدرج الشبان على مسرح الحياة غير مؤهلين لدور مستقل يمثلونه؛ فهم يخضعون دائما لكبت شديد من الناحيتين العقلية والجنسية؛ "... نمط التربية ينتج افرادا منسلخين عن مجتمعهم لا يشعرون تجاهه باي التزام ولا يتحسسون إلا بما يتعلق مباشرة بأنفسهم. ما ان تسوء الأحوال حتى نراهم يعلنون براءتهم بصورة عفوية موجهين الاتهامات الى الحاكمين ومن بيدهم السلطة. وهذا يساعد على تفسير ما يلي: ان أوضاعا وطنية فيها اقصى انواع الذل والألم لم يكن لها ، على ما يبدو، سوى تأثير ضئيل في احترام الفرد العربي لنفسه". حقا ، فقد لوحظ بأسى عميق مباشرة مع الاحتلال أن شرع الجمهور يتعامل مع المحتلين، الذين تقاطروا على أسواق المدن الفلسطينية طامعين في رخص سلعها النسبي. وكنت تسمع في الأسواق صخب عبارة "بليرة يا خواجة"، بلا أدنى شعوربالحرج مع طارئ الاحتلال العسكري وانظمته العرفية .
تتجلى مؤثرات العناية الدؤوبة بالصبي في انسحاقه من خلال المقارنة باعتماد البنت على نفسها، حيث لا تحظى بمثل العناية؛ تنمو البنت بحرية نسبية أعظم تتيح لها تعلم الاعتماد على النفس وتواجه المصاعب بنجاح؛ مختلف الاختلالات النفسية والذهنية تتوالد من سوء التربية. نظام التربية في البيت ثم المدرسة يعلم الطفل الاعتماد على الكبار وعلى المعلم يلقنه المادة لا يدخله في حوار ، ولا يتركه يبحث بنفسه عن المعلومة ، وعلاوة عليه لا يبدي له الاحترام . بيئة المدرسة ضاغطة تخلو من الاحترام المتبادل ." ان النظام التربوي يثني الطفل عن الثقة بآرائه الشخصية ويشجعه على قبول آراء الآخرين دون تردد او تساؤل ، وهذا ما ينمي في نفسه الإذعان للسلطة، أي لأبيه وللشيخ وللمعلم، وفيما بعد لكل من هو أقوى منه أو أعلى منزلة وجاها".
الإذعان للسلطة المحلية يسهل الإذعان لتسلط الغرب الامبريالي. يحضر في هذا الصدد قول الباحث في التراث ، نصر حامد أبو زيد، وسع إطار الحاكمية لتشمل حاكمية الأجنبي في ظروف التبعية. بالعجز ومجافاة معطيات العلم والتهرب من المسئولية تواجه المجتمعات العربية كواسر التوحش الامبريالي. "في المجتمع العربي احتل التبرير محل النقد ؛ فتميز الفكر العربي المعاصر بخروجه عن خط المعرفة العلمية ( معرفة الذات والنقد الذاتي ) واندفاعه في متاهات تجريدية وتهربه من مجابهة الواقع وكشفه. والنتيجة هي ارتكاز تفهمنا للواقع على الوهم والعاطفة لا العقل والحقيقة العلمية. كانت كل محاولة لإزالة الوهم وإصلاح الخطأ تقاوم بشدة لارتباطها بمصالح اجتماعية وسياسية قائمة وبحاجات نفسية متأصلة".
كشف الباحث شرابي أعطابا مزمنة في المجتمعات العربية تعطل إرادة التحرر والتقدم. ورغم ان الاكتشاف تحقق قبل حوالي نصف قرن إلا أنه لم يتغير او يتحول مع الزمن. إعاقة مركبة حافظ عليها نظام أبوي يرعى التخلف، ويرفض العلم، وعاجز لذلك عن تحقيق الأهداف ومتمسك بعلاقات التبعية لامبريالية الغرب
الأكثر توحشا وهمجية في التاريخ البشري
مجتمع الغرب عنصري الثراء فيه يشترط الفقر في المجتمعات النامية؛ تنطوي سياساته على قدر كبير من الكذب والتلفيق والتمويه. "المقدرة على التمويه والكذب يعبر عنها بالنزعة المثالية في التربية والتعليم. الطفل ينشأ على قيم المثالية –المحبة ، التعاون، الصدق والكرم الخ- التي يتعلمها لفظيا في البيت والمدرسة ، لكنه سرعان ما يكتشف تلقائيا ان هذه القيم مجرد "مثل" لا ارتباط مباشراً لها بالحياة الواقعية والسلوك العام. في سن الرشد يسلك سلوك الذئب نحو اخيه الإنسان، وفي الوقت ذاته لايتخلى في كلامه وتخيله عن قيم المحبة والأخوة التي يسمعها بالكنيسة يوم الأحد وينساها يوم الأثنين في السوق والشارع". تقتضي المحافظة على النظام تضليل المجتمع المحكوم بما يغيب حقيقة النظام وإفرازات تركيزه على الأرباح القصوى. "التقدم الفائق الذي حققته بلدان الغرب في حقول الثقافة رافقه كبت فردي وقهر اجتماعي. اصبح ، كما قال ماركس، مغتربا عن نفسه وعن عمله وعن الآخرين؛ ومحروما من إنسانيته كما قال نيتشه؛ ومريضا بعصاب مزمن يحرمه السعادة الحقيقية في الحياة كما قال فرويد".
"ظاهرة الخبل الكامنة في صميم مجتمعات الغرب ، والتي عبر نيتشه عنها بلغة الفلسفة والشعر ، وأشار فرويد اليها بلغة التحليل النفسي وعلم النفس، وكشف عنها ماركس بلغة النقد الاجتماعي والجدلية التاريخية ، واتفق الجميع على ان هذا المجتمع الغربي لا يقوم فقط على الاستغلال والقهر والعنف بل ايضا على مقدرة هائلة للكذب والتمويه على النفس وحجب الحقيقة عن الذات".
التمويه وسيلة يتبعها الغرب للتستر على عيوبه وأزماته، مفهوم مستمد من علم النفس، ويعني حجب حقيقة شيء ما او واقع ما بمختلف الطرق والوسائل. تبدأ عملية التمويه في البيت وتستمر في المدرسة، ثم يمارسها المجتمع في مؤسساته وعلاقاته كافة. بالتمويه تتمكن الثقافة الاجتماعية المهيمنة من فرض نظراتها وقيمها وأ هدافها، وتشمل حقول العلم والفلسفة الى جانب الدين والإيديولوجيا والسياسة والأخلاق. في حالة كهذه يصعب اعتماد الفرد على رأيه او النظرالى الأمور باستقلال فكري، فهو سجين آراء تأتيه من الخارج، وبذا يبتعد الفرد عن حقيقته ويصبح مسيرا للقوى والمصالح المهيمنة في المجتمع حوله. تعبر عملية التمويه عن نفسها سلوكيا في تجسيد العلاقات الفكرية في سلوك يقبل الأمر الواقع كما هو دون تساؤل. والتمويه هو الذي يصنع الوعي الخاطئ الذي يجعلنا نرى العالم من خلال نظارات تصنعها ثقافتنا الاجتماعية والواقع المسيطرفيها ، فندعم القوى المسيطرةعلينا وتستغلنا، ونرفض بملء إرادتنا سبيل التحرروالانعتاق. ان الخطوة الأولى نحو نظرة علمية هو رفض التمويه السائد واستعادة الثقة بالذات، وذلك بامتلاك الإدراك النقدي والمعرفة الذاتية.
ومن ثم كان الإدراك الذاتي والمعرفة النقدية والوعي الاجتماعي فهما وإدراكا وعملا ، في معالجة هذه المعضلة. نقد الفكر الغربي السائد في ثقافتنا الحاضرة، والذي قبله أجيال المثقفين السابقة دون تردد ووضعته مثلا اعلى لكل علم وفن ومعرفة في العالم، وذلك لاستنباط الطرق السليمة التي يمكن اتباعها للتغلب على عوامل التمويه الكامنة فيه، ولهضم القوى الإيجابية التي ينبثق منها.
المعرفة الذاتية هي الشرط الاساس للتغيير الذاتي ، في الفرد كما في المجتمع. يختزنها الفرد من خلال التعليم النقدي ، التعليم البعيد عن التلقين والقسر والحفظ بدون فهم. المعرفة النقدية أرقى من المعرفة النظرية، " قادرة على اختراق الفكر السائد والنفاذ الى قلب القاعدة الحضارية التي ينطلق منها سلوكنا الاجتماعي، وينبع منها فكرنا وقيمنا واهدافنا. الوعي الصحيح هو الوعي النقدي القادر على كشف الواقع وتعريته وإظهار قاعدته الحضارية، الكشف عن حقيقة الواقع عملية معرفية نقدية هادفة الى التغيير".
يجب تفهم حقيقة التحدي الذي يشكله الغرب اقتصاديا وعسكريا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا، وردود افعالنا بوجه التحدي. تاريخنا الحديث بكل سلبياته وإيجابياته هو من صنع الغرب بصورة مباشرة وغير مباشرة. لم نزل تحت سيطرة الغرب على الصعيد النفسي والحضاري، رغم ما تحقق من استقلال شكلي. "الغرب الحديث يقوم على العنف والاستغلال وهو مضرج بالدماء ، وهو في هذا المجال اكثر وحشية واشد همجية من اي مجتمع في التاريخ. والإنسان في حضارة الغرب لا يكون القيمة الأساسية كما تقول مثل الغرب ونظرياته؛ بل الإنسان اداة التوسع العلمى والتوسع الاستهلاكي من دون نهاية ؛ ولا يشكل غاية الإنسان في حد ذاته الا في اوقات الوعظ في الكنائس والمناسبات الخطابية".
منذ التماس مع التوسع الامبريالي ونحن نعاني من شعور بالنقص تجاه الغرب، نستمد منه بدون تفحص او تقييم انماطا ونماذج من السلوك والفكر ونقبلها بلا سؤال لمجرد انها اوروبية أو أميركية المصدر. الغرب رمز لما هو متقدم ورفيع ومتفوق حتى لقد اصبحنا ننظر لأنفسنا والى مجتمعنا وإلى تاريخنا من خلال نظرة الغرب الينا، همنا ان نحظى برضاه وبإعجابه. وهذا يعكس تحقيرنا لقيمتنا كمجتمع وكأفراد. المجابهة مع الغرب غلب عليها الطابع الثقافي التجريدي.
غلب على المجتمعات العربية اتجاهان للتغيير: تحديث على النمط الغربي، وانغلاق يتمسك بالتقليدي. الاتجاهان اعترضتهما السدود والفشل نظرا لانطلاقهما من رد فعل ثقافي مجرد غير موضوعي ولا عقلاني .
أولا ، فشل على المستوى الحسي العملي الذي يقرر كل صراع وكل مجابهة. فالإطار الصحيح لفهم معنى التحدي يظهره على حقيقته انه تضارب تصادمي في المصالح والقيم والأهداف. وهذا لا يعني رفض الغرب وثقافة الغرب وعلمه بلا قيد او شرط ؛ فلا مانع من ان نستمد من الغرب نماذج وأفكارا ومواد لإنعاش حياتنا الاقتصادية وإعادة تنظيم مجتمعنا وإحياء ثقافتنا العربية ، شرط ان يكون ذلك على اساس الندية.
وثانيا لا بد من خلع سيطرة الغرب الحضارية كما خلعنا سيطرته السياسية . ومن دون ذلك لا يمكننا ان نتفاعل معه التفاعل السليم ولا يمكننا التحررمنه. هو امرصعب التحقيق لأنه نفسي بينما الاستعمار السياسي والاقتصادي محسوس يمكن مكافحته.
مقدرتنا على مجابهة التحدي الحضاري تتوقف في النهاية على أمرين : فهم صحيح لحقيقة الغرب ولما نريده من الغرب وثانيا القدرةعلى تجاوزنظرية التحديث ونظرية التقليد في مجابهتنا للغرب والسير في طريق حضاري مستقل.
يتبع



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف نقلم التناقضات بين نضالات توجب التحالف والوحدة
- داخل روسيا يحسم الصراع حول أكرانيا
- متاهة قوى التغيير الاجتماعي .. مازق التحرر الوطني
- يوم الأرض في التصدي لاحتلال اقتلاعي
- يوم الأرض-1
- وحشية أميركا في العراق فاقت بكثير ما تقوم به روسيا في أكراني ...
- المسئولون عن غزو العراق مجرمو حرب يعاقبون روسيا!
- سيمور هيرش في استقصاءاته الصحفية- الحلقة الأخيرة
- سيمور هيرش في استقصاءاته الصحفية-6
- سيمور هيرش في استقصاءاته الصحفية -5
- سيمور هيرش في استقصاءاته الصحفية -4
- سيمور هيرش في استقصاءاته الصحفية-3
- سيمور هيرش في مذكرات استقصاءاته-2
- سيمور هيرش في مذكرات استقصاءاته .. -1
- التضامن الأممي ..نستثمره ام نتفيأ بظله؟
- ماذا يكمن خلف صخب الدعاية المتصاعد حول أكرينا؟
- نظام التفاهة - الفصل الثالث :: التفاهة إلهاء وإفساد – الحلقة ...
- نظام التفاهة- الفصل الثالث : الثقافة والحضارة - الحلقة الساد ...
- نظام التفاهة-الحلقة الخامسة
- نظام التفاهة: التجارة والمال - الحلقة الرابعة


المزيد.....




- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...
- مقتل عراقية مشهورة على -تيك توك- بالرصاص في بغداد
- الصين تستضيف -حماس- و-فتح- لعقد محادثات مصالحة
- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سعيد مضيه - هشام شرابي المفكر الماركسي - الحلقة الأولى