أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سعيد مضيه - كيف نقلم التناقضات بين نضالات توجب التحالف والوحدة















المزيد.....


كيف نقلم التناقضات بين نضالات توجب التحالف والوحدة


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 7214 - 2022 / 4 / 10 - 17:09
المحور: القضية الفلسطينية
    


كيف نقلم التناقضات بين نضالات توجب التحالف والوحدة ؟
في لقاء تشاوري على برنامج زوم يقدمه المنبر الديمقراطي التقدمي الفلسطيني تناوب أربعة ممثلين لفصائل اليسار الفلسطيني الإدلاء برؤاهم في إنهاء تشتت اليسار وتعزيز نفوذه الاجتماعي والسياسي، بعد ان تجلى انحسار نفوذه في المجتمع الفلسطيني. شارك بتقديم مقترحاتهم أفراد يساريون . لم يحاول احد ان يشبك مع متحدث سابق أو ينقد طروحاته. أحيانا تتحكم المسايرة بالامتناع عن النقد الوجاهي ، لتحل محل النقد الرياء والاستغابة . وقد يتطوع مُغرض لنقل الاستغابة محرفة قليلا أو كثيرا فتدب البغضاء . وهذه بعض تداعيات استبداد نظام الحكم في الحياة الثقافية والاجتماعية.
ضعف التفاعل مع الجماهير
انحصر النقاش في إطار الفكر اليساري، لكن اليسار محكوم بمبدأ "الشعار الملموس في الظرف الملموس"، ويحسن ، من ثم ، التساؤل قبل تقديم الطروحات: هل الظروف مهيأة لهذا الطرح؟ وهل لدى اليسار السند الشعبي الكفيل بإنجاز طروحات، مثل الضغط على حماس وفتح من اجل الوحدة وتشكيل حكومة وحدة وطنية؛ وكذلك تشكيل تيار اليسار لتغيير الحياة السياسية ، أو تعزيز الديمقراطية؟ ألا تتطلب مسبقا نشاطا ثقافيا مكثفا وحوارات منتظمة بالتفاعل مع ممارسات عملية لفصائل اليسار كي تتوصل الى "آلية مؤسسات فكرية تفتح نقاشات تتعلق بالمنظومة الفكرية لليسار"، وكذلك "فرز عدد من القضايا الاجتماعية الأساس يتم العمل المشترك لإنجازها"، كما أقترح أحد المتحدثين؟
في الحالة الفلسطينية اليسار قوة سياسية تتحمل مسئولية وطنية مشتركة، وتعلق عليها الآمال في التغيير الاجتماعي والسياسي. يتمثل مبرر وجود اليسار في إنجاز مهام التحرر الوطني بتصفية الاحتلال العسكري وتفكيك المستوطنات غير الشرعية وإقامة الدولة غير منقوصة السيادة. فالقيادة الراهنة، كما هو باد للعيان تراوح منذ عقود عند رفض إجراءات الاحتلال دون التحول الى الحشد والتعبئة لكسر موجتها وتفكيك المستوطنات. وبلغ الاسنخفاف بالموقف الفلسطيني أن رفض بينيت بصريح العبارة التحدث مع الرئيس الفلسطيني؛ ومؤخرا صدر كتاب للأكاديمي ميخا غودمان ، المقرب من بينيت، اشتمل على مقترح "تقليص الصراع"، إبقاء السيادة على كامل الأرض الفلسطينية المحتلة في يد اسرائيل، وأخطر من هذا أنها تركز على أنه من حق الفلسطينيين اعتبار الجزر المتناثرة دولة؛ بينما عملياً وفعلياً تبقى خاضعة للسيطرة الاسرائيلية، والشعب الفلسطيني محروم من حقه الطبيعي والقانوني في العيش بسلام وحرية في دولة مستقلة ذات سيادة. لم يأت ذكر الاحتلال العسكري الاسرائيلي في كتاب غودمان، وأغفل كليا التفاوض مع الشعب الفلسطيني او اخذ موافقته؛ فقد اعتبرغودمان مقترحاته بديلاً عن مفاوضات. المقترحات تكرار لمقترح نتنياهو حول السلام الاقتصادي ، ولكن بعبارات تجميلية فارغة المضمون.
التحرر الوطني لا ينجز بدون تحرر الإنسان ؛ والتحررالإنساني مرحلة تحرر اجتماعي إنجازها ملقى على عاتق اليسار، وهي عنوان وجوده. من خلال النشاط لإنجازالمهمة يتقدم اليسار على بقية الفصائل الوطنية. بعض فصائل اليسار ينسب نفسه للتيار الماركسي، والماركسية تنظر للسياسسة نضالا بواسطة الجماهير الواعية بمصالحها الحقة وبظروف نضالها وبهدف نضالها، وفي الأثناء تتحرر من إرث الاستلاب والاضطهاد الدهريين. يكتسب الماركسيون النفوذ السياسي طبقا لمدى نجاحهم في توعية اوسع الأوساط الشعبية وتحريرها من التخلف الدهري، واكتساب ثقتها؛ والجماهير لا تتحرر من قيود تخلفها وحرماناتها إلا بالسير مع قوى التغييرالاجتماعي، وبالاسترشاد بالفكر الماركسي؛ أما الفئات السياسية الأخرى فتحتفظ بالجماهير احتياطا يسخر لكسب النفوذ الانتخابي بالدرجة الأولى؛ قوى التغيير الاجتماعي تناضل مع الجماهير ، ولا تناضل نيابة عن الجماهيراو من أجلها. بإدراك هذه العلاقة التفاعلية نتفهم جيدا مضمون النشاط السسياسي لقوى التغيير الاجتماعي.
الثقافة اهم محاور النضال
يستدعي التصميم على مواصلة النهج الاقتلاعي ونظام الأبارتهايد ما هو أعظم من التعاون في انتخابات الهيئات الشعبية. الانتخابات ، كي تعطي النتائج المرجوة ، تستبق بالضرورة بنشاط ثقافي دؤوب بين الأوساط الشعبية، يحاورها ويوثق الصلات المتبادلة ويكسب ثقتها، ومن ثم الذهاب الى الانتخابات برصيد شعبي ؛ وبغير ذلك يصح على اليسار الاستهجان " هل ينفع العليق ليلة الغارة؟!"
انطلق المتحدثون من رصد عدم تماسك اليسار، وهو عامل ضعف. الملاحظ أن المتحدثين ارتجلوا أحاديثهم شفاهة ، وكان الأفضل لو أعد كل متحدث مداخلته وركز على نقاط متبلورة يمكن أن يدور حولها حوار أو تشكل مع غيرها مبادئ عامة لثقافة اليسار يجري تداولها داخل المجتمع، حسب اقتراح الرفيق عصام مخول. ان شيوع ثقافة اليسار حصيلة تغير نوعي يتوج تراكمات يحدثها النشاط التثقيفي المتفاعل مع النشاط النضالي العملي؛ وما من مداخلة تطرقت الى جذر الأزمة المتجسد في ضعف النشاط الثقافي ، بل ضعف الصلة بالجماهير. فكيف تتجاوب الجماهير مع دعوات اليسار، والعلاقة شبه مقطوعة معها ؟! الجماهير تعاني "التردي الروحي"، بتعبير هشام شرابي،تدهور " في ظل حكم مضى عبر القرون ببنية أبوية استمد شرعيته من موقع القوة والتفرد، حظر على الإنسان فعاليته ومنعه الحق في المواطنة وسلبه القدرة على التأثير بالمصير الوطني". هدر موروث تستقر فوقه وتتراكم عوامل هدر خارجي: "تركز على الشباب الفلسطيني إغراءات الإثارة والمتع الحسية وشهوات الاستهلاك باعتبارها قيمة عليا. بهذا النمط الوجودي المقحم يتم تعميق هدر الوعي بعناصر عدمية تسهل الانجرار مع نزعات ثقافة الليبرالية الجديدة، وأخطرها الاستهانة بمفهوم الوطن وتنشيط الاندفاع في سيل الهجرة للخارج ، حيث الرفاه والوفرة. لا توقف الليبرالية الجديدة مساعيها لسلخ الشباب الفلسطيني عن هويته القومية وكيانه الوطني" . يغفل السياسيون والمثقفون ، ومنهم يساريون، هذه الترسبات الملوثة للوعي والمحبِطة، فتتواصل عوامل هدم ونخر في الوجدان الجمعي . هذا الاستلاب الجمعي لا يزول بالتعليم المدرسي او الجامعي بنمطيهما السائدين؛ بالعكس يفاقمانه ويعززانه في الوعي الاجتماعي. وهذا يلقي على عاتق قوى التغيير الاجتماعي مهمة تغيير نمط التعليم بالمدرسة والجامعة.
إن من أخطاء اليسار الظن ان الجماهير تعي ما يعون، وما من حاجة للانشغال بهموم الثقافة - التربية السياسية والفكرية وبذل جهود تثقيفية تنقل للجماهير الأسس العلمية لما يفكرون به ويسعون من اجله، والمتعلق بنضالات التحول الاجتماعي والصمود بوجه مكائد العدو ومقارعة وسائله واساليبه؛ وخلال ذلك يستقر النضال على قاعدة الوعي الطبقي. التثقيف السياسي والفكري ميدان قل ان طرقته فصائل اليسار كافة، وكان من ثماره المرة، في فترات الجزر، ردة الجماهير ولوذها بأعداء اليسار. حدث مرارا ان أقدمت فصائل يسارية على إكراه الجمهور على إضراب دعما لموقفها ؛ أسلوب الإكراه ينفرالناس ويبعدهم، وهو تعويض عن قصور الجهود التثقيفية والتربية السياسية التي تقرب الجمهور طوعا وبقناعة من الطروحات السياسية والفكرية للفصيل اليساري.
طرحت قضايا عامة، بعضها تجاهل أننا في طور مقاومة عاجزة رغم عظم التضحيات، فطالب بتحديد هل نحرر كامل فلسطين أم شطر منها ؛ الإيديولوجيا والسياسة والمهمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وربط النظرية بالممارسة، وكذلك دور البرجوازية الوطنية وتحرر النساء وانخراط البعض في قضايا ليبرالية؛ التعامل مع الكمبرادور الفلسطيني والارتباط بعجلة اقتصاد السوق ؛ لاحظ متحدث انه لم تتشكل الجبهة المرجوة للعمل على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، ولم يحدث حوار داخل اليسار ذو طبيعة فكرية وسياسية؛ وانتقدت رفيقة من المتحدثين ضعف الروابط مع الحركة العالمية وتراجع اليسار عن رعاية البرامج الاجتماعية والديمقراطية بعد قدوم السلطة؛ اقترح متحدث ممارسة الضغط على حماس وفتح من أجل تحقيق الوحدة وتشكيل حكومة جديدة تتمثل فيها الفصائل الوطنية، وتعطي الأولوية للكفاح الوطني. وقال انه تم التوصل الى اتفاق في لقاء الفصائل بموسكو، وفجأة انسحبت فصائل وفشل الاجتماع. كما أشار الى مشكلة التعليم ، مناهجها تخرج سلفيين ؛ وتساءل متحدث "هل اليسار مستعد لقيادة تيار لتغيير الحياة السياسية ؟" وهل يسعى اليسار لتشكيل رؤية مشتركة يسارية مستقلة لإنجاز التحرر الوطني؟ وهل بالامكان تنسيق مجموعة مهمات يمكن الاتفاق بصددها والعمل لإنجازها ؟ وهذا كله يستدعي الملاحظات التالية:
اولا ، بالساحة الفلسطينية ترفع شعارات لا تتوفر ظروف موضوعية لإنجازها، ومن ثم تفضي الى خلافات لا داعي لها. فما ضرورة شعار لا تتوفر في المجتمع شروط إنجازه او مجرد التقدم ولو خطوة باتجاهه؟ وما مدى الجدية في إقحام الخلاف حول تحرير جزء من فلسطيني أو كامل فلسطين في ظرف نعجز فيه عن الدفاع عن حرمة الأقصى أو ردع قطعان المستوطنين؟! ومنذ أن رفع الشعار هل تم إنجاز خطوة تكتيكية باتجاه إنجاز المشروع الاستراتيجي؟. على العكس نجد لدى إسرائيل وحدة الاستراتيجية والتكتيك، بحيث يتم الاقتراب من الهدف الاستراتيجي في كل ما قامت وتقوم به إسرائيل. طرحوا وحدة القدس بعد أن غدت جميع أجزاء القدس بأيديهم. يحسن التعلم من إسرائيل ،على الأقل كيف تنسجم الاستراتيجيا والتكتيك.
وثانيا أن معظم المطالب المطروحة باللقاء تتطلب الاستقواء بحراك شعبي كي تغدو واقعية . يستحيل قيام ديمقراطية مع تسيد الجهل. الديمقراطية الحقة هي نتاج مواطنة واعية رغباتها في الإمساك بالسلطة المسئولة والانخراط في أشكال من المراقبة الأخلاقية ، وكسر روتين الإدراك العام وتحدي الاعتياد على المؤسسات والسياسات والعلاقات الاجتماعية غير الديمقراطية. كذلك الضغط على الحكومة ، وتغييرالسياسة المتبعة، تحرير المرأة، النشاط بين الطلاب والعمال والنساء الخ . الخ. لا تتم بغير سند جماهيري زاخم وواع لما يريد . تكمن قوة اليسار ، وبالتالي قوة اندفاع حركة التحرر وزخم شعبيتها وإنجاز مهامها، في إنجاز التحرر الإنساني: استنهاض الجماهير من سبات القرون وتحريرها من الوهم والخرافة والشعوذة، تمهيدا لاستعادة وعيها المهدور.
لا تمضي عملية التحرر الاجتماعي في طريق مستقيم صاعد أبدا؛ فقد تنتكس إذ تعترض مسيرتها تحديات على شكل مطبات وألغام وهجمات مضادة وحركات فاشية، خاصة حين تتورط قوى الرجعية في أزمة او يتعاظم المد الشعبي. ولا تقتصر الثقافة على الماركسية وحدها. لإحباط المساعي التخريبية أو التقليل من مضارها تبرز الضرورة الملحة لأن تحافظ قوى التغيير الاجتماعي على علاقة يومية بالجماهير وتوثق عراها باضطراد، تنقل رسالة التحرر والتقدم كوادر شبابية مدربة ومثقفة تجيب على تساؤلات الجماهير المستيقظة وتكتسب ثقتها.الكادر السياسي عنصر مثقف سياسيا وفكريا واجتماعيا، ولديه إلمام بسيكولوجيا الجماهير. في هذا المضمار يقتضي تربية كوادر حزبية مثقفة كي تكون صلة الوصل مع الجمهور. الكوادر الفتية المثقفة تنشط بين جيلها من الشباب والشابات، ليظل تدفق أجيال الشباب والشابات الى النشاط الوطني والاجتماعي عنوان حيوية الحزب واتساع نشاطه وتعدد مهماته وكثافة جمهوره. تنطوي على أهمية جوهرية مهمة فرز الكوادر للنشاط في شتى المجالات وتربيتها بالتثقيف والممارسة ووضع المهمات ومراقبة التنفيذ. أحايين كثيرة يحول كادر في مجال معين، نقابي أو ثقافي دون بروز من يعتبرهم منافسين له يحيلونه على الاستيداع كما يتوهم. الرفيق الكفء لا يخشى المنافسة، ويرحب بالدماء الجديدة تتدفق في شرايين النشاط الحزبي.
ضرورة مدى الحياة
وثالثا، لكي يثمر التحاور اتفاقات تكون مادته معارف وقيم لا يوفرها العزوف الملحوظ عن المطالعة ومتابعة المستجدات. وكما ان الماء الراكد غير الماء الجاري في سيل متجدد، فإن الركود المعرفي ييعني الاغتراب عن الواقع. الخبرات تتراكم نتاج تجربة مباشرة إثر ممارسة ذاتية، وتراكمها أيضا التجربة غير المباشرة ، المستوعبة نتيجة الاطلاع على تجارب الآخرين ، في مختلف المجالات . مطالعة الأدب والروايات الأدبية تغني التجربة الذاتية. كان ماركس وانجلز ولينين وغيرهم من المفكرين يكثرون من مطالعة الإنتاج الأدبي والفني ويستفيدون منه في إبداعاتهم الفكرية. ينبغي أن يؤخذ بالاعتبار أن الفنون والأداب وجميع الأنشطة الثقافية مثل المعارض الفنية والمسرح والموسيقى والسينما والكتب ينبغي أن تكون بمتناول الجمهور الواسع ولا تكون حكرا لنخبة من المثقفين. في المرحلة الراهنة يتوجب على لنخب الثقافية استيعاب الدراسات الاجتماعية والأنثروبولوجية، وأبحاث علم النفس الاجتماعي ودراسات التراث والتاريخ والفلسفة. تعدد المصادر الثقافية يوسع آفاق الرؤية ويعزز الأمل ويدعم العزيمة الكفاحية.
لنتامل كيف تتداعى علوم التخلف الاجتماعي، تتكامل ولا تتناقض عبر روافد تصب في المجرى العام تقوي تدفقه:
خرج هشام شرابي من استقصاءاته عام 1988 بمؤلفه الهام باللغة الإنجليزية[ "البنية الأبوية إشكالية التخلف في المجتمع العربي- ترجمة محمود شريح،إصدارمركز دراسات الوحدة العربية، بيروت1992]. حمّل جريرة التخلف للنظام الأبوي السائد فردت النظم بجهود متضافرة لوأد الكتاب. بقي مجهولا من قبل قوى التغيير الاجتماعي أيضا ، علما بأنه بحث علمي وفق المنهجية المادية الجدلية، واعترف مؤلفه قبل أربعة عشر عاما من تأليف الكتاب تحوله الى الماركسية؛ اختزل شرابي التخلف في سمتين : اللاعقلانية والعجز. "تميز الفكر العربي المعاصر بالخروج على خط المعرفة العلمية، واندفاعه في متاهات تجريدية وتهربه من مجابهة الواقع وكشفه. تفهمنا لواقعنا ارتكز على العاطفة والوهم لا على العقل والحقيقة العلمية".
النظام الأبوي يعود الى عصور ما قبل الإسلام وتعايش معه ووصل العصر الحديث مثقلا بعوامل التخلف. لامس التوسع الامبريالي فارتبط معه بعلاقة تبعية، واستُحدِثت فيه تحولات مقحمة من الخارج، تحديثا مزيفا تستر على التخلف والتبعية. ما ان انطلقت عملية التحديث حتى اختل التطور الذاتي الداخلي وتشوه ، ليتخذ شكلا لم يكتمل نضجه. ادى تغلغل الرأسمالية في الاقتصاد العربي الى نشوء رأسمالية تابعة وقاصرة . "لم تظهر طبقة برجوازية ناضجة ، ولا طبقة عاملة أصيلة"، حسسب تقييم الدكتور شرابي. اندثرت تراكيب كانت متماسكة وتحافظ علي انسجام الحياة؛ غدت المجتمعات العربية هجينة تخلت عن التقليدي وقعدت عن إيجاد البدائل." لم تصمد الأبوية فحسب امام المد الوحدوي في منتصف القرن الماضي، بل انها نجحت في إرساء نفسها عراب النظام القطري ومباركة مبادئه". أسفرت التبعية الاقتصادية والسياسية عن تبعية ثقافية، فجاءت أشد وطاة وفتكا بالقيم الوطنية والإنسانية. تنطوي الثقافة البرجوازية في نماذجها الليبرالية الجديدة على سموم فكرية اخطر بكثير من الاحتلال العسكري والسيطرة الاقتصادية. فهي تقوض الدفاعات الأمامية للوعي، تناور لشطب الذاكرة وإغفال التاريخ، وذلك لهدر وعي الشعوب وإسكات مقاومتها للتسلط الامبريالي.
شاطر شرابي، في رصد ظاهرة إخضاع المجتمعات لسلطوية مطلقة، الباحث في الثقافة الإسلامية التراثية ، نصر حامد ابوزيد؛ تحدرت السلطوية عبر القرون تحت مسمى الحاكمية قنّع بها السلاطين سيطرتهم المطلقة. في مؤلف، ["النّص السّلطة، الحقيقة الفكر الدينيّ بين إرادة المعرفة وإرادة الهيمنة" -المركز الثقافيّ العربيّ، ط2 - 1997 ، ص143، 144] ، يورد الباحث الحاكمية مجتمع إخضاع وهدر: "خطر الحاكميّة لا ينحصر على مستوى الدّلالة السياسيّة، بل يمتدّ عميقا في بنية الوعي الاجتماعي، فيصبح مبدأ حاكما لكلّ المؤسسات الاجتماعيّة بدءًا من الأسرة، فتتركّز الحاكميّة في يد الذّكر في علاقته بالأنثى، وفي يد الأب في علاقته بالأبناء، والأكبر في علاقته بالأصغر، والرّئيس بالمرؤوس. ويتحوّل الأمر إلى كارثة حين نرى للمبدأ حضورا في المؤسسات الفكريّة والعلميّة، فتتحوّل المؤسسة الدينيّة – الأزهر- إلى حَكَم في شئون الفكر والإبداع الفنيّ والأدبيّ. إنّ وجود جهاز للرقابة على الكتاب والمصنّفات الفنية والأدبية كارثة في حد ذاته، فما بالنا حين يسيطر على هذا الجهاز المؤسسة الدينية، فتصادر الكتب وتتدخل بالحكم على بعض الإنتاج الفني".
وفي مجال التربية رصد الراحل الدكتورحامد عمار في مؤلفه القيم [ "التربية والتعليم في تحدي العولمة"- منشورات كتاب الأسرة ، القاهرة 2006] في " ثقافة الاستبداد ، وما تنطوي عليه من قهر وقمع ، تعمل على إعادة إنتاج الشخصية المستبدة التي تجيد ممارسة علاقات السيطرة والخضوع بإتقان بين القائمين على السلطات الإدارية بمختلف مستوياتها، وفي صفوف المعلمين أيضا. ولذلك نجد كل فرد من العاملين في المدرسة يمارس دور القامع والمقموع معا... فهو يركز على المواضيع النظرية ويهمل الممارسة العملية في التدريس. وحيث تتغرب المناهج عن الحاجات الاجتماعية يتبع اسلوب تدريس أوامري يعتمد التلقين ويتجنب الحوار، ومن ثم يأتي مردوده الثقافي خلوا من الفاعلية الاجتماعية".
وكذلك من منطلق علم النفس الاجتماعي يتم رصد ظاهرة السلطوية. مصطفى حجازي علّامة اورد في كتابه "الإنسان المهدور" [الطبعة الثانية -بيروت 2006 المركز الثقافي العربي] :
"عطلت سياسات الاستبداد الطاقة الذهنية وكل الطاقات الحيوية في الفرد والجماعة عن الفعل، واحلّت البلادة والخضوع. هدرت التفكير والإرادة لدى الأغلبية الساحقة من الجماهير الشعبية. قوضت نظم الاستبداد الأبوية إنسانية البشر وهدرت طاقتهم الحيوية الإبداعية".
تسلل الاستبداد الى التربية البيتية، حيث شابها الهدر وتركت ندبا نفسية لا يحس بها المرء،عقد نفسية لا يعيها المرء او يعيها معتبرا إياها حالة طبيعية، لكنها من اخطر إفرازات الهدر في الحياة الاجتماعية العربية.
دراسة الدكتور مصطفى حجازي، " الإنسان المهدور" طورت دراسة سبقت بعنوان "التخلف الاجتماعي سيكولوجية الإنسان المقهور" (1985). قادته أبحاثه اللاحقة إلى ان الإنسان العربي كابد ما هو أشد وطأة من القهر, فالمقهور يحتفظ بمداركه ، يعي قهره، حرمانا من ممارسة بعض الحقوق؛ اما المهدور فلا يعي مأساته ويستنزف طاقاته الحيوية في مداراتها ، أي ابتكار أليات نفسية وسلوكية تخفي الهدر وتبرره . الكتاب يحتفظ بأهمية استثنائية لكل مشتغل بالسياسة؛ فهو دليل المناضل السياسي في التعرف على الحالة النفسية للجمهور. مجال علم النفس الاجتماعي يدخل في النضال التحرري وفي تحكّم الإنسان بمصيره ، وفي قضايا التنمية الاجتماعية ؛ إذ لا تنمية اجتماعية إلا بمقدار ما تتسع خيارات الإنسان في امتلاك زمام مصيره تسييرا او توجيها او صناعة مصيره، من خلال بناء قدراته الذاتية وتمكينه الكياني، بحيث يرتقي الى نوعية تحقق كامل إنسانيته، ويمارس ديمقراطية حقة.



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- داخل روسيا يحسم الصراع حول أكرانيا
- متاهة قوى التغيير الاجتماعي .. مازق التحرر الوطني
- يوم الأرض في التصدي لاحتلال اقتلاعي
- يوم الأرض-1
- وحشية أميركا في العراق فاقت بكثير ما تقوم به روسيا في أكراني ...
- المسئولون عن غزو العراق مجرمو حرب يعاقبون روسيا!
- سيمور هيرش في استقصاءاته الصحفية- الحلقة الأخيرة
- سيمور هيرش في استقصاءاته الصحفية-6
- سيمور هيرش في استقصاءاته الصحفية -5
- سيمور هيرش في استقصاءاته الصحفية -4
- سيمور هيرش في استقصاءاته الصحفية-3
- سيمور هيرش في مذكرات استقصاءاته-2
- سيمور هيرش في مذكرات استقصاءاته .. -1
- التضامن الأممي ..نستثمره ام نتفيأ بظله؟
- ماذا يكمن خلف صخب الدعاية المتصاعد حول أكرينا؟
- نظام التفاهة - الفصل الثالث :: التفاهة إلهاء وإفساد – الحلقة ...
- نظام التفاهة- الفصل الثالث : الثقافة والحضارة - الحلقة الساد ...
- نظام التفاهة-الحلقة الخامسة
- نظام التفاهة: التجارة والمال - الحلقة الرابعة
- نظام التفاهة – الفصل الأول :-المعرفة- والخبرة - الحلقة الثال ...


المزيد.....




- فيديو غريب يظهر جنوح 160 حوتا على شواطىء أستراليا.. شاهد رد ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1000 عسكري أوكراني خلال 24 سا ...
- أطعمة تجعلك أكثر ذكاء!
- مصر.. ذعر كبير وغموض بعد عثور المارّة على جثة
- المصريون يوجهون ضربة قوية للتجار بعد حملة مقاطعة
- زاخاروفا: اتهام روسيا بـ-اختطاف أطفال أوكرانيين- هدفه تشويه ...
- تحذيرات من أمراض -مهددة للحياة- قد تطال نصف سكان العالم بحلو ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن سلمت كييف سرّا أكثر من 100 صاروخ ATA ...
- مواد في متناول اليد تهدد حياتنا بسموم قاتلة!
- الجيش الأمريكي لا يستطيع مواجهة الطائرات دون طيار


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سعيد مضيه - كيف نقلم التناقضات بين نضالات توجب التحالف والوحدة