الحلّ السوريّ - علي السوري الجزء الرابع 15-
لمى محمد
الحوار المتمدن
-
العدد: 8484 - 2025 / 10 / 3 - 22:11
المحور:
الادب والفن
أن تكون قوياً، السندُ الأبدي، الصخرة التي تقف في وجه طوفان الظلم، الجحود والتفرقة..
أن تستمر بالابتسام ففي الغرب تفقد وظيفتك إن لم تبتسم، وهنا يشك بأمرك إن لم تساير..
أن يسألك صديق: كيف الحال؟
فترد: بخير.. و تقصد لست بأحسن حال.. وتعني أنا في أحلك الأحوال أريد أن أفتح الباب وأخرج للصراخ في الشارع:
-أيها القتلة، أيها الكذبة.. يا فجرة، يا ظلمة.. يا مدعي الدين، يا أفاقين، استبحتم كلّ من حمل موروثاً مخالفاً.. بصقتم في كل طبق، قتلتم محمداً، عليّاً و المسيح…
كيف تريدون منّا أن نحيا معكم؟
في عز النظام السابق دخلنا السجون أو نفينا من الأوطان.. كيف تريدونا اليوم أن نصمت على كل هذا الفجر والعهر…
تنادون بتحقيق الدين وأنتم كل البعد عن أبسط أركان الإيمان…
حولتم البلد إلى عش إرهاب، فيما تتمسحون بدبيّ و دول الخليج العلمانية -ولو لم يسمونها كذلك- .
هل زرتم دبي؟ ورأيتم اليهودي، المسيحي، والمسلم من أي طائفة كانت يعمل فيها مساوياً للأمريكي والبريطاني.. هل زرتم السعودية ورأيتم القوانين الجديدة التي تذهب بك وراء الشمس إن تدخلت في لباس إحداهنّ…
وراء الشمس.. هذه هي.. الجملة التي كرهتموها وندّدتم بالنظام السابق بسببها، فهل عرفتم اليوم أن هذا التطرف اللعين لا يحلّ بالحوار؟
هل عرفتم أن المشكلة أعمق من نظام عسكر وأطول من خمسين عام؟
المشكلة أن البشريّة تستخدم الذكاء الاصطناعي والطب التجديدي، بينما يغرق قسم كبير من موالاة اليوم في كتب التاريخ المزوّرة!
-عيب عليك يا هبة.. عيب.. أن تشجعين الانقسام، لتكوين دول أوتوسيع دول -عبر التاريخ- احتاج السياسيون، الدعاة والدهاة عقوداً من الزمن.
-أضحكتني، البلد مقسّم مقسوم يتقسم، والحل الوحيد هو الفيدرالية و سياسات الحكم الذاتي لمناطق منكوبة بسبب سيطرة الجاهلية، مناطق مستباحة تحت ظل قوانين بلا أخلاق، حتى لو كان هذا الحل مرحلياً حتى تعود أرواح المستباحين إلى طمأنينتها.
-أتفق مع بعض ما قلت، لكن للأمانة التاريخية: ما يحرك التطرف في سوريا اليوم ليس سوريّاً.
- هل ظننتم أن ما يحدث الآن صدفة؟ هو مشروع كبير و ما حدث من سنوات هو في طريق تحقيق إحدى خطواته… بعد سنوات طويلة لن يذكر التاريخ إلا ما كتبه المنتصرون، وسنرى مجدداً و بأم أعيننا كيف يتحرّف التاريخ بيد المال والسلطة.
-ضحكوا علينا، قالوا آلة للزمن، اركبوا وعودوا إلى زمن "العزّة".. لم نكن ضد إعادتنا إلى العصر الأموي، نحن ضد إعادتنا إلى زمن الجاهلية!
-بربك يا عمّار، ماذا تعرف عن الجاهلية؟ ماذا نعرف حتى عن هذا التاريخ اليوم، يزوّر أمام أعيننا خدمةً للمال والسلطة؟
ضحكت هبة، فركت بقايا الياسمين على يديها المتعبتين، وأشارت لهم:
-انزلوا من آلة الزمن، من الواضح تماماً أننا -وياللسخرية-نستخدم العالم الافتراضي، بينما نشهد بناء عوالم لا تفكّ الخط! عوالم أقصى همها فصل الجنسين و تعزيز الكبت.
***************
أحفاد محمد علي باشا والسيدة نفيسة في مصر يعرفون تماماً نبل هذه البلاد في الدفاع عمّن وطأ أرضها، كيف لهم أن يسبوا مصر في دمشق، يا عارهم يا أخي…
هناك حوالي 121 منطقة حكم ذاتي موزعة على 40 دولة حول العالم، تعكس ترتيبات سياسية وعرقية وثقافية متنوعة تهدف إلى تحقيق التوازن بين الوحدة والتميز الإقليمي، وهذا هو الحل الوحيد في سوريا اليوم، الدم وصل الركب، الحقد غطى أية عمامة أو تاج..
بعد مجازر الساحل، ثم السويداء لم يعد للأقليات أي ثقة في النظام الجديد، لم يحمهم، بل دعا إلى الفزعات، وترك الفاعلين طلقاء بعد مجاز الساحل الستين، ليقوموا بتصوير أنفسهم يستبيحون السويداء أيضاً…
هل من المقبول لأي نظام في العالم أن يقتل أبناء البلد، هل هو رد فعل أن تغتصب النساء و تنهب وتحرق البيوت؟
اسمعني يا رفيق، أتفهم ظلماً وقع عليك إن لم تتفوق على الظالم عندما أُتيحت لك الفرصة.. لقد أثبت داعمو النظام الجديد أنهم جبناء وكذبة.. هم نادوا ب حرية، ديمقراطية، تعددية وكرامة…
لكنهم حصلّوا: المجازر، القتل، الخطف، الاغتصاب، التهجير، منع لقمة سد الرمق للأقليات بطردهم من الوظائف.. تهديد وجودهم حرفيّاً…
استقبلت السويداء، كما فعل الساحل السوريّ، آلاف العائلات خلال الحرب الأهلية السوريّة، عاشوا بينهم كأهل، لم نسمع بحالة خطف بسبب طائفي أو اغتصاب “ مباح”.
كان الغالبية المطلقة للعلويين والدروز إنسانية مع الجميع، غنوا لغد أفضل، ولو اختلفت الألحان السياسية، ماذا تقول لي اليوم وهم يحرّمون على أطفالنا الغناء؟
-كلامي هذا للتاريخ.. ماحدث اليوم ل الجولان، سيحدث مستقبلاً من الفرات إلى النيل، بنفس الطريقة.. بذات الأدوات.. وبنفس ردات الفعل.
الطريقة: حروب أهلية، الأدوات: حكومات مفروضة على شعوبها، ردات الفعل: أيّ كان أفضل ممن يقتل طفلي بسبب موروثه الديني والطائفي.
أما هذا الكابوس، فحتماً سينتهي، وعندما نحكيه سيكون لكل الأحداث وقع صوت، هذا ما حدث لكل مراحل النكبة في تاريخنا.
-يا رفيق، كل ما أعرفه أننا شعب متعب، منهك ومقوّض الأحلام..نحتاج أي شخص، لنتعلق به كبطل خرافي قادم من السماء، ومعه مفاتيح كل أبواب ذكرياتنا المختنقة..
لهذا غفرتُ دوماً للبسطاء الذين يتفنون في مدح الملوك..
كلهم متعب ويحتاج أن يرمي الحمل على كتفي آخر..
كلّهم منهك، يحتاج سرباً يطير معه باتجاه الريح.
نحن القلة التي حملت القلم فوق تعبها، ولا تعرف أن تنسى، أو تتجاهل، لتستريح.
***************
-لم أرَ يوماً الكل كلاً.. الكل للأبد ممثل بأجزاء..
-ما تعني؟
-العائلة الوحدة فيها الصالح وفيها الطالح.. الدين الواحد فيه المؤمن وفيه الأناني.. الطائفة الواحدة فيها الإنساني وفيها الحاقد.. القومية الواحدة فيها الشجاع وفيها العميل، البلد الواحد فيها الراقي ومنها الاستغلالي..
كل ما حولنا ملوّن جداً.. ومن الغباء طلي أي طائفة، دين، عائلة، قومية بلون موّحد..
لذلك وقفتُ مع الثورة، ولذلك وقفتُ ضد داعش..
ولهذا أيضاً أقف ضد نظام جديد يتجاهل أصوات المجازر، يتفنن في تلوين الطوائف والقوميات.. وبأفضل مما فعل من قبله، عار على أي شخص من الأقليات أو الأكثرية مشاركته في التغطية على مجازر حدثت واستباحة مستمرة.
يتبع…