ممداني وجحا - علي السوري الجزء الرابع 19-


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 8518 - 2025 / 11 / 6 - 21:45
المحور: الادب والفن     

الأحمق فقط من يعتقد أنه يمكن تصنيف الناس حسب الطائفة، الدين، المعتقد، اللون، القوميّة.. تعميم الشر وتفويض الخير بحسب الموروث…
عبر التاريخ تقاتل الأخوة، وكان في العائلة الواحدة القابيل والهابيل.. الشخص النبيل موجود في كل إطار، وغالباً يرفض الأطر.
أما لعنة تلك الأرض، كما تحب أن تسميها، فليست إلا معرفتنا العميقة بطيبة شعبها بمعظمه، وبقدرة قوانين عادلة على بناء حضارة لا يشق لها غبار.
لقد اختلفنا يا رفيق سياسياً، لكننا يا صديقي لم ولن نختلف إنسانياً.
**********

في ليالي دمشق الباردة، يسيطر على السماء قمر تشرين الكبير، وعلى وجهه تظهر حكايا المجازر قبل الثورة والألم قبل الفرح.. يتحدث كثير من المغتربين عقلياً أو مكانياً -ممن لن يسكنون البلد قط- عن جمال الانتصار وفرح الرضا.. بينما يأكل الحزن على الطفولة والشباب الضائع قلوب المؤمنين..

عندما قرر الشباب إنشاء الحزب الجديد، لم يكونوا على معرفة بتبعات الموضوع سياسياً، ولا بالنتائج (الترندية) في الفضاء الافتراضي.
لدى عمر وعلي أجندة واضحة وهي معارضة أي نظام يسعى بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لتعميق الشرخ بين أبناء البلد الواحد ومعارضة استخدام الكبائر كالقتل، الكذب، السرقة، السجن والاغتصاب وسائل لترهيب الناس و إخضاعهم.

في مجملها هذه الأجندة بسيطة و يجب أن يكون مفروغ منها، إلا عند السوريين الذين نسوا ذكاء عقولهم تعباً من سنوات عجاف.. أحرقت الحرب الأهلية سلامهم الداخلي، ولحقوا الموروث المريح الذي يعطي صكوك الغفران بحسب الطوائف.

هناك مهمة أولى على الشابيِّن إنجازها وهي الوصول إلى الشيخ مأمون، من يعرف القصة كلها، ليحكيها…
الشيخ مأمون السجين السابق في سجن صيدنايا أولاً، ثم في سجون إدلب لاحقاً.. معه مفتاحين: مفتاح القصة بكلها ومفتاح بيته الدمشقي العتيق الذي خبأ فيه كنزاً عظيماً يحتاجه الحزب الجديد لينتشر و يقوى.
-هل وصلتكَ أية أخبار عنه؟
-ليس بعد.. لكن عروة أخبرني أنه وطارق استطاعا الوصول إلى قريب له، ربما يكون هذا خيطنا الأول.
**********


عندما فاز اليساري العلماني المسلم - بحسب ما يصف نفسه- زهران ممداني كعمدة ل نيويورك عام 2025، بارك لي أحد المرضى قائلاً:
-دكتور عليا مبارك.. لقد فاز ممداني.
أجبته:
-عساه خيراً.
-لماذا يا دكتورة ألا تحبينه؟
-لا اعرفه، وعموماً أنا لست من مشجعي الساسة، بل من المتحمسين للأدب والأدباء، للفن والفنانين…
-أحب جوابك، أنا أيضاً من المتحمسين للفنانين.

مازال سكان المنطقة من المحيط إلى الخليج مربوطين برسن الطائفة والقومية.. ومازال الدين الحق متروكاً على الباب.. لا يدخل البلاد ولا يؤلّف قلوب العباد..
دين المعاملة، دين العمل والسعي ومساعدة الناس جميعهم، لأنهم كلهم عيال الله.
وفيما تتقدم الدول العلمانية بكل ذي عقل متميز فيها، يتم قتل الأطباء والمهندسين والمعلمين والمزارعين في بلادنا بسبب طائفتهم، أي زمان عارٍ هذا الذي ننتمي إليه.
***********

لم تعرف عبير النوم الحقيقي منذ مجازر الساحل، خاطرها المكسور منذ نزحت إلى لبنان وبعدها إلى العراق بسبب نظام الأسد قديماً لم يجبر، لا بل تهشم فوق كسره..
لم تكن قصتها مع عمار مكررة، لكنها حتماً ليست ناجحة، قصتهما تشبه الوضع السوري، والوضع السوري لا يشبه في (الهوى) أحدا…
يقولون هو ذات ما حدث في أفغانستان، ثم في العراق وبأن الدول الكبيرة تحتاج سوق إستهلاك في زمن الاستهلاك، لكن برأيها هي فإن القضية.. أجل القضية -ما غيرها- هي سبب كل ما كان وسيكون.. الخطط لهذه المنطقة مخطوطات منظومة لمئات السنين وليس حتى لستين عام.

-لنترك المجازر والخطف جانباً، غير ذلك، ما رؤيتكِ للنظام الجديد؟
-لست معترفة به لأخبرك عن رأيي، نحن لم ننتخب أحداً..
ضحك عروة:
-إنهم ينتظرون اعترافك عبورة! وأنت عمار ما رأيك؟
-إنهم يتعاملون مع الشعب بطريقة جحا..
-ما تقصد؟
-لقد رفعوا سعر الكهرباء أضعافاً مضاعفة كحيلة.. ليس لتبقى خيالية، بل للتخفيض لاحقاً، سعر أغلى من السابق، لكن( دح) جانب السعر الخلبي..
ألا تعرف قصة جحا في بيته الضيق ذي الغرفة الواحدة مع أمه وأولاده؟
قال له صديق خبيث: احضر حماراً وبقرة.. أبقهم شهراً…
بعدها وبعد أن اكفهرت العائلة مع الوضع الجديد، أخرجهم.
بقي البيت ضيق.. لكن احزروا:
العائلة "السعيدة" أحست بالامتنان ل جحا…
هذا أيضاً حرفياً فعلوه في قصص الخطف، القتل، المجازر..
إنهم يلعبون على وتر طيبة الشعب و بساطته.. هم لا يعلمون أننا لسنا بلا تعليم وثقافة.. نفهمهم جيداً لذلك نحذر الطيبين:
الأسوأ قادم على الجميع، دون أي استثناء، والله رقيب ردود أفعالنا جميعاً.
ضحكت عبير:
-أما كان من الأفضل لنا جميعاً ألا تعترف بالنظام الجديد، بدلاً عن كل هذا الإحباط؟
-هذا ليس إلا رؤيا ممن عاش سيناريو مشابه في العراق.
-بركاتك شيخ عمار.. اعطني يدك لأقبلها…
ضحك عمار:
-ضعي مافيه النصيب مع فاتورة هذا الطعام، أنا شيخ عملي.

في ليالي بغداد الباردة، يسيطر على السماء قمر تشرين الكبير، وعلى وجهه تظهر حكايا المجازر قبل الثورة والألم قبل الفرح.. يتحدث كثير من المغتربين عقلياً أو مكانياً -ممن لن يسكنون البلد قط- عن جمال الانتصار وفرح الرضا.. بينما يأكل الحزن على الطفولة والشباب الضائع قلوب المؤمنين.


يتبع…