تجارة الألم -علي السوري الجزء الرابع 13-


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 8427 - 2025 / 8 / 7 - 11:09
المحور: الادب والفن     

أنتم لا تعرفون ما يفعل الألم..
يتغلغل في أسناخ النفس.. يدخل مع كل شهيق، ويتضاعف..
يذهب للعينين، يغيّر النظرة.. فتمر من جانب الشخص ولا تعرفه..
يحيك عضلات الوجه، عضلة عضلة، فيحوله قناعاً حزيناً أو مهرجاً.. ضاحكاً أو ساخراً..
الألم يركب نغمة الصوت، فيُخرجها عن توازنها، أوتصبح الحورية بلا صوت…
الألم يُغيّر هويتنا أكثر من أي هجرة وغربة، فنجلي على حافة طريق آخر، اخترناه لننسى ولن ننسى.
هذا ما كتبته، بعد رؤيتي لإحدى ضحايا الإتجار بالبشر، تكذّب ما حدث لها..
كتب لي علي رسالة طويلة، حكى فيها عمّا يحدث في بيوت الفقراء والبسطاء، أخبرني بأن كل هذا الألم سينفجر لا محالة:
-بعد أن هددوها بان يفعلوا بأطفالها ما فعلوا بها، تمكن الألم منها.. تغيرت الهوية لكننا سنحكي الحكاية.
لن تعرفي يا عليا معنى الاستباحة، مهما قرأت في كتب التاريخ والفلسفة، ومهما بلغت ملكتك في الكتابة والطب النفسي.

أجل، مازال الاتجار بالبشر جريمة الجرائم في سوريا..
يدهشني جهل العامة بتعريفه، واستغلال السلطات لهذا الجهل.
الإتجار بالبشر تعريفاً وبحسب ما يعرف ببروتوكول باليرمو الذي وضعته الأمم المتحدة من أكثر من خمسة وعشرين عام هو:
"تجنيد أو نقل أو إيواء أشخاص، عن طريق التهديد أو استخدام القوة أو القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو المخدرات أو التهديد أو إساءة استعمال السلطة أو إعطاء أو تلقي إرسال مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص على استغلاله في أعمال كالدعارة أو السخرة أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء.".

يجب أن يعرف المدافعون عن حقوق الإنسان أن تجار البشر دهاة، مافيا من نوع آخر..يلجؤون إلى استخدام كل الأساليب كالقوة، التهديد، الاستباحة التامة، الاغتصاب الجماعي، أوالمخدرات للسيطرة على ضحاياهم.
وأن فتيات القاع -المخطوفات سابقاً- هنّ من يقمن فيما بعد بتجنيد ضحايا جدد.

-نعاين نحن الأطباء النفسيين الحالات بعد جهد عظيم، بعضهن يكذبنا ويهربون، منهن ما يعودون بقصص يشيب فيها شعر رموش العين، ومنهن من لا يعدنّ أبداً…
عندما يُستباح الإنسان يا علي، لا تتوقع منه أن يخبرك القصة.
-الاستباحة أم من أمهات الألم.. أما والد الألم، فيقال أنه ارتدى تاجاً مسروقاً ونصب نفسه ملكاً على أرض تُستَبَاح.
*********

أحياناً يكون وجودك.. غصة والغصة تكفي.
تبكي أحلام، تخبرني عما قالته لها صديقة طفولتها:
-محظوظة.. أنت في الغربة، ما أدراك باليمن وما يحدث فيه؟
فأجابتها:
-المغتربون يعملون ليل نهار، لديهم حياة كاملة في الغربة..
عوائل، أطفال، مدارس، عمل، عنصرية، أمراض، جدالات، صداقات، عداوات، مناسبات، واجبات ومشاكل..
وفوق هذا لديهم:
ذكريات وطن ضائع، وحلم رجوع يضيع..

ثم سألتني:
-قولي لي عليا، كيف يكون أي إنسان من المحدودية أن يعامل الرض النفسي مكانياً؟

-معكِ حق، في أحيان كثيرة.. هي غصة في الصدر، تحول جميع الأمكنة إلى غربة.. رضنا النفسي يوحده الزمان!
المحزنُ جداً أننا جميعاً لا نستحق كل هذا الخراب.
كان الواجب على السُّنّة أن يبقوا أمة.. مهما تطيفت من حولهم الطوائف..
لكن لعبة السياسة، أطماع الحكم، الجنس والكبت.. والاستعمار بألوانه حول كثيراً منهم إلى متطيّفين جدد..
وحول الطوائف حولهم إلى أقليات مُضطَهَدَة..

-من سينتصر في النهاية، يعرف الله، هو حتماً من الطائفة الأكبر في سوريا.. طائفة المسالمين التي تعرف معنى:
"لَئِن بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ"


يتبع…