السيبروسلافية -علي السوري الجزء الرابع 16-
لمى محمد
الحوار المتمدن
-
العدد: 8493 - 2025 / 10 / 12 - 00:11
المحور:
الادب والفن
-دخلوا السويداء من جميع الاتجاهات إلا القلب…
قتلوا شبابها، اغتصبوا كثيرات، سرقوا كل ما وقعت أعينهم عليه، أحرقوا المنازل، قتّلوا وقتّلوا حتى الأطفال لم يسلموا منهم، هل تعرفين يا عليا أنا ابنة الجبل الأسود التي يوماً ما أحبت من خارج الملة، أكره حتى نفسي لكوني لست معهم، أحاكم ماضيّ كله، لا أطيب ولا أشد حباً للعلم من الدروز، ليس مثلهم في النخوة ولا الشهامة، لا في العلم ولا المحبة…
لقد فتحوا بيوتهم لسوريا كلها، فما حصلّوا اليوم؟
ثم يأتيك من يريد تقديم المعونات المادية لهم، هيهات أن تعيدوا الزمن إلى الوراء، يا رفقاء، وضعي رفقاء بين قوسين.. عندما استغثنا وبكينا لم نسمع لهم صوتاً.
بكت أليس بحرقة، وبكيت معها، فأنا أعلم تماماً أن البلاد خرجت من زمن “ الاتحاد السوفيتي” بقمعه و” اشتراكية “ تجعل منها سجناً كبير -لكنه يضمن حياة أطفالك عموماً- إلى عصر جاهلية يباع فيه الآمان لمن يدفع أكثر.. وبحسب القبيلة المسيطرة…
وأن البلد بدلاً من أن تصبح وطناً يلم غربتنا وذكرياتنا.. صارت سوقاً لتجارة السلاح وتصفيه التكفييرين، وأرضاً تتقاسمها الدول الكبرى، لتُدخِلَها -عنوة- عصر الرأسمالية المعولم.
***********
يحاول عليّ الخروج من سوريا، فلا يطاوعه قلبه، تفاصيل صغيرة في المكان تجعل منه ضرورة هنا…
مساعدته لأم أيمن التي هجرها أولادها إلى بلدان تحفظ الكرامة والأحلام..
جمعيته البسيطة التي أنشأها لتعليم شباب الحي اللغة الانكليزية، فينجوا بموروثهم وأحلامهم…
أصدقاء من كل طوائف سوريا يسعون معه ل(كش) أثر ذباب إلكتروني من المراهقين سرقت سنوات الحرب طفولتهم..
لكن ما يمسك يده، فيضعها فوق ظهرة ويلويها هو أطفاله، الأولاد الذين تبناهم، وأقسم أن يراعهم، كيف يظلون هنا؟
حديثاً خطفوا طفلاً من أمام مدرسته، بقوة اللثام والسلاح وعلى أعين المارة وأطفال المدرسة..
قال لي:
-تعلمين يا عليا اللثام اليوم مؤذٍ أكثر من السلاح، لقد استطاعوا أن يمنعوا كل شيء في هذه البلاد إلا ما يجب منعه…
-هل صحيح أن العلويين في سوريا يتظاهرون بسبب ما حدث ما هذه الطفل؟
-المظاهرات ضمت من جميع المكونات السورية، لا يوجد شريف يقبل بما حدث، أما العلويون، فالسبب المباشر لتظاهرهم هو الطفل محمد قيس شاهين، بينما الأسباب غير المباشرة كثيرة: محاولات خطف الشابات مع نجاح كثير منها، الفصل من الوظائف ومنع سد الرمق، قتل الناس قنصاً فقط لأنهم علويون، النظام الجديد والذي قدر على تجنيد الجهاديين من حول العالم للقضاء على النظام السابق لكونه (علوي كافر)، لم يبذل أي جهد لتقريب الناس من بعضهم، ولا في تمثيله لجميع السوريين…
-ماذا تقترح يا علي؟ ماذا عليهم أن يفعلوا؟
-الآن قد سبق السيف العذل، كان عليهم أن يوقفوا أفكار الجاهلية من التمدد كسرطان في البلاد، أن لا يحولوا (نصرهم) إلى “جكارة” تاريخية، ويشجعوا المنتمين إليهم على تتويج كل كلمة ببني أمية.. أن يطردوا الجهاديين أو يحجموهم بدلاً من أن يعطوهم الجنسية.
-ما الحل الآن؟
-لا أعرف يا عليا، لا أعرف، لكن قراءتي للتاريخ تخبرني أن القادم مُفجِع، لقد تخلى كثير من (الثوريين) عن أحلامهم في الحرية، الديمقراطية، التعددية، السلام والمساواة..
إن كنت تسألين عن الحل للخطف فهو تركيب كاميرات تعمل على الطاقة الشمسية أمام كل المدارس وفي الجامعات ومنع اللثام.. علاقتهم اليوم مع أمريكا جيدة، فليطلبوا هذا.
ضحك علي بحرقة، ثم أضاف:
-بعد أن نسي كثير من المثقفين السوريين دورهم في توجيه الدفة، السفينة ممتلئة بالثقوب يا عليا…
-معك حق، الأخبث اليوم من المتثاقفين من يحاولون النجاة بموروثهم الطائفي من خلال نقد الشعب لا النظام، بينما يقول الطب النفسي السياسي ببساطة: لا يوجد شعوب خانعة، يوجد مثقفون طائفيّون وأنظمة ظالمة.
-مارأيك أنتِ يا عليا العُليا؟
-عرفتُ أن النظام السابق لن يستمر، عندما رأيت الفضاء الافتراضي لشبيحته، و أعرف أن المنظومة الحالية لن تستمر، لذات السبب..
أما كيف فلا أعرف، إننا في زمكان لم يحدث عبر التاريخ: التقاء الجاهلية مع الفضاء الافتراضي، أية أجنة مشوهة سنحصل عليها وهل من الصحيح إجهاضها؟
أسئلة أخلاقية ومعضلات بلا إجابة..
-زواج الجاهلية مع الفضاء الافتراضي.. أفضل ما يصف المرحلة.. لا مستقبل واضح إذاً؟
-رأيت صورة أطفال في مدرسة ابتدائية سوريّة يفترشون الأرض، لأن المدرسة بلا مقاعد، في حين يتباهى الحكام الجدد بملابسهم وساعاتهم..
وفوق الجلوس على الأرض جلس الصبيان في جهة والبنات في جهة، وفوق هذا وهذاك كان عدد البنات أقل من 25٪ من الأطفال..
هل تعرف ما يعني هذا؟ يعني مستقبلاً محكوماً بالذكورة لا الرجولة، ممتلئاً بالكبت لا بالمساواة، يحفز الاستهلاك والعمران البنائي والمادي لا الإنساني..
-أضيفي لكل هذا الرض النفسي المرتبط بالتعليم والذي حصل بسبب خطف الطفل من أمام مدرسته.. أي زمكان هذا الذي نحن فيه؟ الجاهلية مع الفضاء الافتراضي!
-تعال ندمجهم في كلمة واحدة ك "السيبروسلافية"!
-السيبروسلافية؟
-أجل دمج كلمتين: سيبر cyber أي افتراضي وجاهلية…
-لنعطي السوريين براءة اختراع شيء ما...
ضحك علي من جديد، لكن هذه المرة من قلبه..
كم يؤلمني قلبي أيها السوري.. نحن الذين حلمنا أن ندخل زمن الافتراض، فتحولت أحلامنا كوابيساً سيبروسلافية.
***********
هل تعرفون لماذا لم أستسلم يوماً ولن أستسلم؟
-لأنني بلا أطر. لا يوجد مكان، بلد، دين، قومية، طائفة، لون، جنسيّة، لغة لتحددني..
في كل مكان، زمان وقبيلة ترى الصالح وترى الطالح، فكيف تقص جناحيك كأحمق؟
عندما تكون بلا أطر، ستقف مع المظلوم أياً كان وأينما كان، وستسعى للسلام حول العالم، لأن أطفال الآخرين عيال الله أيضاً..
وعندها فقط ترى الله في كل تفاصيل الحياة، فيراك ويأخذ بيدك أبداً، فتستمر والاستمرار أعلى درجات النجاح.
أنهت هبة مقالتها، وحملتها في الفضاء الافتراضي، كانت سعيدة وهي تقرأها هنا وهناك مسروقة منها.. قالت لله:
-أعلم أنك تراني وترى من يسرق جهدي، خذ بيدي وسأستمر.
يتبع…