لقد استخدمونا -علي السوري الجزء الرابع 17-
لمى محمد
الحوار المتمدن
-
العدد: 8497 - 2025 / 10 / 16 - 22:47
المحور:
الادب والفن
عندما قرر عمار دخول العراق فيما سبق كان السبب وراء قراره خوفه من بطش النظام السابق، وعندما قرر دخوله اليوم كان السبب نفسه مع تغيير كلمة السابق إلى الحالي..
حواره مع هبة كان مختلفاً جداً، خاصة بعد أن انضمت تهاني للحديث، تهاني الجميلة التي خسرت الكثيرين من أقربائها في ما سمي “فزعة الساحل” في آذار الأسود 2025.
قالت لهم:
-أسمعُ كلام كثير من المحللين والمثقفين والناشطين السوريين والعرب اليوم، وأكثر ما فيه هو شعور الخذلان…
فأجابها عمار:
-لقد استخدمونا يا تهاني، كنا من حب الأوطان لقمة سائغة للاستخدام.. المخطط كان كبيراً جداً، سينكشف حتماً مستقبلاً بعد بناء الشرق الأوسط الجديد..
ماحدث في سوريا كان جزءاً من اللعبة، لعبة رسم خارطة جديدة وتزوير ذكي محترف للتاريخ.
وضعت هبة الكتاب من يدها:
-حقاً نظرية المؤامرة انتصرت؟
-لا نظرية الواقع، شاهدوا ما يحدث الآن، تزول ثقافات سوريا رويداً رويداً وتُحارَب كرامةً لثقافة مستجدة تريد أن تسبق من حولها تاريخاً ومستقبلاً…
لا تستغربوا أن تصبح “المحمرة” السورية و الفتة الشاميّة أيضاً بجنسية أخرى، كالحمص والفلافل…
أجابته هبة مع ابتسامة ذات معنى:
-كنتَ طوال عمرك مع السلام، فما الذي حدث اليوم؟
-مازلتُ وسأبقى، لكن أن نُسلَخ من تاريخنا وأن تسرق حضارتنا وأن يسلمنا الروس قبل الأمريكان لمخطط داهية، فهذا ما يجعلني أحس بأنهم استخدموني كمثقف من هذا الشرق اللعين، تحركتُ ضد الاستبداد، لكني دون أن أدري كنت مشاركاً في حملتهم لمحو البلاد.
تنهدت تهاني وقالت:
-الله يسامحكم دمرتم البلد، كنا في جنة.. مغلقة صحيح، لكن آمنة، لم نخشَ يوماً على أطفالنا، لعبنا ومشينا في الشوارع في أظلم الليالي ومع كهرباء مقطوعة بأمان وحب. لم نعرّف كائناً بطائفته، احترمنا النساء وكنا رقماً صعباً في تاريخ القضية….
قاطعها عمار:
- لقد نسيت أن تكملي: لم نخشَ على أطفالنا، لكن أكل السعي وراء اللقمة راحة بالنا، عرفنا أن أطفالنا في شبابهم مشاريع هجرة وأننا سنخسرهم وأولادهم للأبد إن فكر أحدهم بالتمرد على مسؤول ما.. الكهرباء المقطوعة، أساسيات الحياة المقننة علينا، عداوة دولتنا مع كثير من دول الأرض.. جواز سفرنا المشبوه، تحريرنا للمرأة مع التحالف مع واحدة من أكثر الدول تضيقاً على النساء.. الواسطة، المحسوبيات، الظلم.. أنا أعلم أنك متألمة يا تهاني، لكن من يتحدثون بهذه الطريقة استخدمونا قبل الجميع..
لقد كانت البلد بالنسبة لغالبيتهم مصيفاً يزورونه في العطل، ليتعالوا على البسطاء فيها، ظناً أن المادة أساس للقيمة، بينما الضمير الحي، العمل المجد والشعور بالآخر أصل القيم.
تدخلت هبة:
أتفهم قهرك يا تهاني، انتظرنا الأفضل، لكننا حصلنا على الأسوأ، وهذا هو الخذلان.
اسمعني يا عمار لا تحمّل نفسك فوق طاقتها، الكل بات يعلم الآن أن الجهات الداعمة الأجنبية عملت جاهدة على تحقيق مكاسب “تكتيكية” بدلًا من حرب علنية، لقد استغلوا الثورة، وحوّلوا سوريا إلى ساحة حروب بالوكالة تخدم فكرة وهدف الشرق الأوسط الجديد.
ردت تهاني:
-معك حق، لم أقصد إزعاجك أبداً يا عمار، لكن ما رأيته في الساحل يلعن ألف تغيير..
-أفهمِك، ما حدث في العراق حدث في سوريا بطريقة أخرى، وأنا وقعت في فخ التصديق مرتين.. لقد استخدمونا.
**********
في ذات الزمان وغير المكان، كان علي يسألني عبر الافتراض:
-أرأيتِ يا حكيمة، وقفتِ معهم، فخذلوك، حُرِمتِ من دخول البلاد سنوات طويلة، وكانوا يدخلونها، لكنهم مدعيّن، ألا تحسين بالخذلان.
- لا طبعاً، لقد وقفتُ مع الحق. قفْ مع الفكرة، هي لن تخذلك أبداً.
- الفكرة، حلو الكلام، لكن كيف يفكر الإنسان الخائف على أطفاله وأمانه؟ هل لك أن تقولي لي أية بلد هذه التي توجه طاقاتها لصناعة جسور مع البلدان الأخرى بينما تهدم كل يوم جسراً بين أبناء البلد الواحد؟ هل تعتقدين أن اللقاء الروسي السوري في أكتوبر 2025 كان الأول؟ انظري في لغة الجسد أنت الخبيرة.. الدول الكبرى عملت على تنفيذ الخطة والحصول على مكتسباتها بدقة.
- هم يكملون المخطط يا رفيق، شهد التاريخ العديد من الحروب التي تشبه ما حدث في سوريا، حيث قادت الدول الكبرى بدهاء تحول الحروب الأهلية والصراعات الداخلية إلى ساحات للتنافس، مثال هذا ما حدث في الحرب الأهلية الإسبانية، أيضاً حروب كوريا، فيتنام وأفغانستان كلها كانت حروباً بالوكالة خلال الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفييتي.. وفي الشرق الأوسط الجديد، تكررت حروب الوكالة في اليمن، ليبيا، لبنان والعراق، في زمن الواقع الافتراضي، أصبحت الحروب افتراضية وكلنا دون استثناء -بكل حسن النوايا- بيادق الرقعة، هذا لا يعني أن نحس بالخذلان ولا بأنهم استخدمونا كما قالت لي هبة في رسالتها الأخيرة.. هذا يعني أن نبقى مخلصين للحب، الأمل، نصرة المظلوم، الحلم بالأفضل، العدالة، المساواة، وأن نرفع أصواتنا في سبيل كل هذا…
الإحساس بالذنب لعين وأحمق، و الحياة الحقيقية دوماً تستدعي الاستمرار.
-والشرق الأوسط الكبير؟
- لقد استخدمونا: واقع حال، لن يتغير وسيحصل وبعد مئات السنوات لن يبقى سوى كلام ضمائرنا على الورق، إن تحويل القضية من قضية عادلة إلى مشروع لبسط التأسلم والتكفير على المنطقة هو السبب الرئيس لما حدث لنا جميعاً في هذا الشرق اللعين وهم السكين المصلوبة في ظهر حلم عودة الأوطان.. فالحل الوحيد اليوم للمثقف الضميري محاربة الفكر المتطرف لكونه عدونا الأول، السلام يتطلب أن نكون أقوياء، ولن يحصل هذا من دون نسف التطرف، التزمت والتكفير.
يتبع…