بسبب نجاحاته الاستثنائية في الانتخابات المحلية / الحزب الشيوعي النمساوي يستعيد أهميته على الصعيد الوطني رشيد غويلب


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 7845 - 2024 / 1 / 3 - 20:55
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم     

منذ نهاية التجربة الاشتراكية في أوروبا الشرقية تعيش أحزاب اليسار الأوربية حالة من تناوب النجاح والتراجع بين هذا الحزب او ذاك. وعلى الرغم ان المراوحة والتراجع هي الصورة السائدة اليوم، الا ان حزبين ماركسيين، على الأقل سجلا رحلة صعود مستمرة: حزب العمل البلجيكي، والحزب الشيوعي النمساوي، الذي تهتم هذه المساهمة بتجربته.

نجاحات
كانت نجاحات الحزب في الانتخابات المحلية وانتخابات الولايات الاتحادية ملموسة. وتوج الحزب سلسلة نجاحاته في مدينة غراتس، ثاني اكبر مدن البلاد، عاصمة ولاية ستيريا، بحصوله في انتخابات ايلول 2021 على 29 في المائة من اصوات الناخبين، بزيادة قدرها 8 في المائة مقارنة بالانتخابات التي سبقتها. وانتخبت القيادية الشيوعية الكا كار عمدة للمدينة، خلفا للعمدة السابق من اليمين المحافظ. وكان ذلك نجاحا تاريخيا، شكل مفاجأة للجميع.
وفي ولاية سالزبورغ، حقّق التحالف “الحزب الشيوعي النمساوي+” في انتخابات الولاية في نيسان 2023، أكثر من 11 في المائة وهي أفضل نتيجة حققها الحزب على الإطلاق في انتخابات مجالس الولايات والمجالس البلدية. وفي عاصمة الولاية أصبح الحزب القوة الثانية بعد حزب الشعب المحافظ. وبعد هذا النجاح الاستثنائي، اعطت استطلاعات الرأي، في حال اجراء انتخابات برلمانية عامة، 7 في المائة، ما يعني ان الشيوعيين سيعودون في انتخابات خريف 2024، الى البرلمان الاتحادي، بعد ان غادروه في اجواء صعود الحرب الباردة في عام 1949.

تجديد الحزب
مثل كلّ أحزاب اليسار في القارة، عانى الحزب من مشاكل جمّة، بعد انهيار التجربة الاشتراكية، نتيجة لارتباطه بها وعلاقته الوطيدة بالحزب الشيوعي السوفيتي. وعلى الرغم من رفضه التدخل السوفيتي في براغ 1968، عاد الحزب بعدها الى مساره السابق.
بعد انهيار التجربة الاشتراكية، وعلى عكس العديد من الاحزاب الشيوعية، احتفظ الحزب الشيوعي النمساوي باسمه. واستمر في المشاركة في انتخابات البرلمان الاتحادي على الرغم من عدم تجاوزه نسبة 1 في المائة، ومحدودية عضويته التي كانت تبلغ احيانا 2500 فقط. لقد وصف فالتر باير السكرتير الاسبق للحزب (1994 – 2006)، والذي قاد عملية التجديد فيه هذا السلوك بالاقتراب من “المازوخية”.
لقد ادت عملية التجديد التي تبناها الحزب الى مراجعة التجربة السابقة، دون التخلي عن المنهج الماركسي في التحليل كأساس للممارسة. ونتيجة لذلك ابتعد الحزب عن الجوانب الضارة في التجربة السابقة مثل سيادة البيروقراطية والمركزية الشديدة والعقائدية، وتراكم الإشكاليات واللجوء الى تبرير انعكاساتها. وتحوّل الحزب وفق خطوات مدروسة الى قوة منفتحة وجاذبة للتنوع داخل اليسار، محافظا على موقعه كقوة متميزة على يسار قوى الوسط في المشهد السياسي.
ويرى فالتر باير، رئيس حزب اليسار الأوروبي حاليا، ثلاثة أسباب رئيسية لنهوض الحزب: التجديد الشامل وكسر الجمود الفكري السابق. الثبات والاستمرار في ممارسة سياسة ملموسة في البلديات مستندة على علاقة مباشرة ووطيدة بالناس، واعتماد اساليب جديدة ومبتكرة وذات مصداقية في الدفاع عن مصالحهم. وهذا النهج كان وراء نجاح احزاب اليسار في بلجيكا وايرلندا أيضا. ثالثًا، التطور في موقف الحزب من شبيبة حزب الخضر الذين غادروا حزبهم؛ إذ منحهم الحزب الشيوعي، بيتا سياسيا جديدا، واختارهم للمواقع القيادية في الحزب.
اما كورنيليا هيلدبراندت، الرئيسة المشاركة لمركز “تحول” للبحوث، المرتبط بحزب اليسار الأوربي، والمهتمة بالتطورات داخل الأحزاب التقدمية، فتتحدث عن حزب يعمل مع المجاميع النسوية الناشطة، العاملين في مجال الثقافة، ممثلي مناهضة الفاشية، جماعات الدفاع عن البيئية، منظمات المهاجرين، وشبيبة الخضر والديمقراطيين الاجتماعيين، بالإضافة إلى المجموعات والشخصيات الماركسية على تنوعها، لكنها تؤكد ان الانجاز الحقيقي يعود إلى سنوات العمل والنجاح في بلدية مدينة غراتس.

مصالح المواطنين
وفي ثاني أكبر مدينة، ومنذ سنوات، اعتمدت إلكه كار عمدة مدينة غراتس، سياسة تركز بشكل واضح على الملفات المرتبطة بمصالح المواطنين. وتحددها كار بـ”قضايا السياسة الاجتماعية، وسياسة الصحة والنقل، ولكن أيضًا البيئة ودمج المواطنين المهاجرين والبنى التحتية”. وتؤكد كار، من المهم أيضًا أن يكون لعمدة المدينة اتصال مباشر مع السكان: “مهما كانت المخاوف والمشاكل التي يأتيني بها المواطنون في مقر عملي، سيجد الجميع بابا مفتوحا”.
عقد الحزب الشيوعي النمساوي في 4 تشرين الثاني 2023، مؤتمرا انتخابيا حدد فيه توجهاته، ومرشحيه الرئيسيين لانتخابات البرلمان الاتحادي في عام 2024. ويبقى السؤال هل يتمكن الحزب من مواصلة نجاحاته الانتخابية ويتمكن من العودة للبرلمان الاتحادي؟