بعد ثمانين عاما على استشهادهم / رفات شيوعيين فرنسيين في مقبرة العظماء


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 7898 - 2024 / 2 / 25 - 00:11
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية     

تم مساء الأربعاء الفائت، وفي مراسيم تكريم استمرت ساعتين، نقل رفات المقاوم الشيوعي الأرمني ميساك مانوشيان ورفيقته ميليني مانوشيان إلى نصب البانتيون التذكاري (مقبرة العظماء) في باريس. وجرى التكريم بمناسبة مرور 80 عاما على إعدام الشاعر والصحفي والمترجم والمقاوم للمحتلين الألمان رميا بالرصاص. وقد تمت تصفيته مع مجموعة من رفاقه في 21 شباط 1944 في ضاحية مونت فاليريان، الواقعة على بعد اثني عشر كيلومترا غربي العاصمة الفرنسية. وتقع مقبرة العظماء وسط باريس. ويقول اللوح المثبت في مدخلها الرئيسي:» للرجال العظماء والوطن الممتن».

ميساك مانوشيان
وصل اليتيم مونشيان إلى فرنسا في عام 1924 قادما من لبنان، التي هاجر اليها بعد استشهاد والديه في حرب الابادة ضد الأرمن في تركيا في عام 1915. واستقبلته في البداية عائلة مواطنه المغني شارل أزنافور. وفي عام 1934 انضم إلى الحزب الشيوعي الفرنسي.
مع الشيوعي مانوشيان وزوجته، تم أيضًا تكريم 21 نصيرا من مجموعة العمال المهاجرين.
مانوشيان ورفيقته هما أول مهاجرين لا يحملان الجنسية الفرنسية يتم نقل رفاتهما إلى مقبرة العظماء. وفي الأيام التي سبقت يوم التكريم الذي حضره الرئيس الفرنسي ماكرون، شهدت وسائل الإعلام الفرنسية نقاشا مثيرا للجدل.
حول قانون الهجرة المشدد، والذي دخل حيز التنفيذ في 26 كانون الثاني الفائت، وهو يحرم المهاجرين «غير الشرعيين» من الخدمات الاجتماعية الأساسية: المساعدة الطبية، والحد الأدنى من الدعم المالي. وفي هذا السياق، يمكن أن ينطوي اختيار الشيوعي مانوشيان من قبل مؤسسة الاستذكار الرسمية في هذا التوقيت على أسباب تكتيكية، فلو عاش مانوشيان في باريس اليوم، لربما أصبح واحداً من آلاف ضحايا قواعد تنظيم الهجرة الفرنسية والأوروبية الحالية.

اللومانتيه تحاور ماكرون
في أول حوار تجريه جريدة اللومانتيه، منذ تأسيسها في عام 1904، مع رئيس جمهورية خلال فترة رئاسته، ناقشت الجريدة مع الرئيس الفرنسي ماكرون ممارسة سياسة «المعايير المزدوجة». نفى ماكرون في الحوار وجود أي تناقض بين سياسته الحالية ونقل رفات مهاجر أعدم قبل 80 عاما إلى «مقبرة العظماء»، بالقول: إن «فرنسا لديها مشكلة مع الهجرة، إنها تهدد تماسك الأمة» ودافع الرئيس عن دعوة مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي «فاشيون جدد»، المعادي للأجانب لحضور الحفل، بالضد من رغبة احفاد عائلة مانوشيان، لأنها تراس الكتلة البرلمانية لحزبها في الجمعية الوطنية الفرنسية.
في فرنسا التي احتلها النازيون الألمان خلال الحرب العالمية الثانية، كان مانوشيان ورفاقه يعتبرون «غير شرعيين»، وهو توصيف استخدمته قوات العاصفة النازية وجيش الاحتلال الالماني حينها. وهو التوصيف الرسمي الذي يستخدم اليوم لوصف المهاجرين. لقد رد المحتلون على الهجمات العديدة القوات الأنصار المقاومة للاحتلال، ضمن وسائل اخرى، بإصدار ما يسمى بـ«الملصق الأحمر» الذي يحمل صور «الإرهابيين» وتوصيف «جيش الجريمة»، أي مقاتلي المقاومة، والذي تم لصقه في الأماكن العامة وعلى جدران المنازل. في العديد من الأفلام الوثائقية، أكد الناجون من قوات الأنصار لاحقا أن النازيين قدموا لهم، بإصدار الملصق المذكور، خدمة، لأنه كان أحد وسائل التوثيق ضد نسيان محتمل لدورهم ودور رفاقهم الشهداء.
ينهي الشاعر الفرنسي لويس أراغون قصيدته الرائعة « الملصق الاحمر»، المنشورة بعد ثلاثة عشر عاما على استشهاد ميساك مانوشيان بهذا المقطع:
كانوا ثلاثة وعشرين يوم أزهرت البنادق – ثلاثة وعشرين وهبوا أفئدتهم قبل الأوان – ثلاثة وعشرين أجنبيا لكنهم إخوتنا – ثلاثة وعشرين أحبوا الحياة حتى الشهادة.
بعيدا عن النقاشات المرتبطة بالصراع السياسي والاجتماعي الدائر اليوم في فرنسا، فان التكريم يمثل اعترافا واضحا بالدور الرئيسي الذي لعبه الشيوعيون الفرنسيون في مقاومة المحتل النازي وتحرير وطنهم. وهو تذكير آخر للعديد من الاحزاب الشيوعية في كيفية توظيف الصفحات المجيدة في تاريخها لاستنهاض قواها والعودة للعب دور مؤثر في الصراع الجاري في أوطانها اليوم.